تأثيرات تهدد الحياة.. الأطفال يدفعون الثمن الأكبر لتغير المناخ
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
في زمن الظواهر الجوية الشديدة، من الأعاصير والفيضانات إلى موجات الحر القياسية وشحّ الأمطار، وما ينتج عنها من تأثيرات وانتشار للأمراض، يدفع الأطفال الثمن الأكبر لعواقب تغير المناخ.
مليار طفل يتعرّضون لمخاطر تغير المناخ، بحسب ما ذكرت اليونيسف في أكتوبر من العام الماضي. وتظهر الأبحاث أن الضرر الناجم عن التلوث والتأثيرات المناخية، بما في ذلك انتشار الأمراض المعدية، يمكن أن يبدأ كما أوردت الأمم المتحدة "حتى من الرحم".
أما عواقب التغير المناخي فهي "مدمرة بالنسبة للأطفال"، بحسب المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسيل، إذ قالت "أجسامهم وعقولهم معرضة بشكل فريد للهواء الملوث وسوء التغذية والحرارة الشديدة".
تأثيرات مهددة للحياةارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض بشكل غير مسبوق، واحد من تأثيرات تغير المناخ، إذ أصبحت موجات الحر كما يشير رئيس حزب البيئة العالمي، ضومط كامل، لموقع "الحرة" "أكثر سخونة وأطول زمنياً، مما أدى إلى رفع عدد حرائق الغابات وأثّر على كل الكائنات الحيّة لا سيما الأطفال، كون قدرتهم على التأقلم مع التغيرات الكبيرة في الحرارة محدودة، خاصة التغير السريع خلال فترة زمنية قصيرة".
"لا يستطيع الأطفال تحمل الحرّ الشديد"، كما تؤكد طبيبة الصحة العامة وأخصائية التغذية، ميرنا الفتى، "فهو يسبب لهم أعراضاً وأمراضاً عدة، كارتفاع درجة حرارة الجسم، الجفاف، الاسهال، الإغماء، الغيبوبة، ضعف النمو الجسدي والعقلي، والصداع".
تلوث الهواء يؤثر على الأطفالكما أن ارتفاع درجات الحرارة، يقف بحسب ما تقوله الفتى لموقع "الحرة" "خلف مضاعفات مرتبطة بالحمل والولادة المبكرة، مما يجعل هؤلاء الأطفال عرضة لخطر الموت، أو لأمراض القلب والأوعية الدموية والسمنة في مرحلة لاحقة".
ومن تأثيرات تغير المناخ كذلك، شح المياه التي تعتبر أساس الحياة بالنسبة للأطفال، ويقول كامل "نحن في زمن التغيّر العالمي في نسق سقوط الأمطار، فإما تهطل بغزارة مسببة سيول جارفة أو تتأخر المتساقطات لفترات طويلة، مما يؤثر على كل الحياة البيئية، لا سيما لناحية عدم كفاية مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي".
وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن ملياري شخص يفتقرون إلى مياه الشرب المأمونة، أما اليونيسيف فلفتت في تقرير صدر الشهر الماضي، حمل عنوان "الطفل المتغير بفعل المناخ"، إلى أن واحداً من بين كل 3 أطفال في العالم، أي ما يعادل 739 مليون طفل، يعيشون في مناطق معرضة لندرة المياه بشكل كبير أو مرتفع للغاية.
ووفقاً لنتائج التقرير، فإن النسبة الأكبر من الأطفال معرضون للخطر في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، مما يعني أنهم يعيشون في أماكن ذات موارد مائية محدودة ومستويات عالية من التقلبات الموسمية والسنوية، وانخفاض منسوب المياه الجوفية أو خطر الجفاف.
"تنظم المياه درجة حرارة جسم الأطفال وتنقيه من السموم، وتنقل العناصر الغذائية إلى الدم، وتعمل على تنظيف القولون من الفضلات"، تقول الفتى، مشددة على أن "شح المياه يؤدي إلى إصابة الأطفال بالجفاف وبالتالي تراجع نسبة عمل الكثير من أعضائهم لا سيما الكليتين والدماغ".
كما أن ندرة المياه تتسبب بحسب الفتى "في عدم القدرة على اتباع معايير النظافة كغسل الخضراوات والفواكه، وبالتالي تعرّض الأطفال لتسرّب البكتيريا والديدان إلى أجسادهم وتكاثرها مما يهدد حياتهم".
وسبق أن حذّرت منظمة الصحة العالمية من مخاطر زيادة الأمراض المتعلقة بالمياه، مثل الكوليرا، بالإضافة إلى الأوبئة التي ينقلها البعوض، مثل الملاريا وحمى الضنك.
وفي تقرير لها، نُشِر الخميس، قالت إن أعداد الإصابات في الملاريا ارتفعت خلال العام الماضي لمستويات أكبر مما كانت عليه قبل جائحة كورونا، لتبلغ 249 مليون حالة حول العالم.
وأشارت إلى أن الملاريا لا تزال السبب الرئيسي للوفاة بين الأطفال، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وتركز ارتفاع تسجيل الحالات في خمس دول تضم: باكستان، نيجيريا، أوغندا، إثيوبيا، وبابوا غينيا الجديدة.
وعزا مدير برنامج مكافحة الملاريا في منظمة الصحة العالمية، دانييل نجاميجي، ارتفاع الإصابات إلى تغير المناخ، مشيراً إلى أنه كان مساهماً مباشراً في ثلاثة منها.
سوء تغذية وجوعيؤدي تراجع هطول الأمطار، كما يشير كامل "إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية والجفاف وتمدد التصحر مما ينعكس سلباً على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية وبالتالي على الأمن الغذائي للفقراء والأسعار العالمية للمواد الغذائية".
ملايين الأطفال في العالم يعانون من قلة الغذاءويضيف: "أصبح الاعتماد أكثر على المواد الغذائية المهدرجة والمصنعة المضرة بصحة الكبار والصغار على حد سواء".
وبحسب منظمة "أنقذوا الأطفال"، التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، فاقمت أحوال الطقس القاسية في البلدان الأكثر عرضة لتغير المناخ، من معاناة أكثر من 27 مليون طفل من الجوع خلال العام الماضي، مشيرة في تحليل إلى أن هذا العدد يمثل زيادة كبيرة بنسبة 135 في المئة عن عام 2021.
ولفتت المنظمة الحقوقية إلى أن "الأطفال شكلوا حوالي نصف الأشخاص البالغ عددهم 57 مليونا، الذين وجدوا أنفسهم في دوامة من الانعدام الحاد للأمن الغذائي"، منبهة إلى أن ذلك "يرقى إلى مستوى الأزمة أو في وضع أسوأ من ذلك، في 12 بلداً بسبب أحوال الطقس الشديدة في عام 2022".
ومن بين الدول الـ12، كانت تلك الواقعة في القرن الأفريقي الأكثر تأثراً، ويعيش نحو نصف الأطفال، البالغ عددهم 27 مليوناً الذين يواجهون الجوع، في إثيوبيا والصومال، مشيرة إلى أن أكثر من 17,6 مليون طفل سيولدون في ظل الجوع هذا العام، أي أكثر بنسبة الخمس مما كان عليه الحال قبل عقد.
وتشرح الفتى: "يصاب الأطفال بسوء التغذية إذا لم يحصلوا على العناصر الحيوية المطلوبة لقيام جسدهم بوظائفه بصورة طبيعية، وهذا يتوقف على نوعية الطعام وكميته، فقد يتناول الطفل كمية كبيرة من الطعام من دون قيمة غذائية، أو قد يفتقد إلى كميات أو نوعيات كافية من الأغذية الصحية، ومن أبرز نتائج ذلك فقدان الوزن، السمنة، بطء النمو، قصر القامة، ضعف المناعة، الخمول، تقلب المزاج، كثرة النوم، قلة التركيز، والصداع المتكرر، والاصابة بمرض السكري".
نزوح "مدّمر"وتسببت الكوارث المرتبطة بالطقس في نزوح 43.1 مليون طفل داخلياً في 44 دولة على مدار ست سنوات، بما يعني نزوح نحو 20 ألف طفل يومياً في تلك الفترة، كما جاء في تقرير حمل عنوان "أطفال نازحون في مناخ متغير" نشرته اليونيسف في أكتوبر الماضي.
وأوضح التقرير أن العواصف والفيضانات تسببت في نزوح 40.9 مليون طفل ما بين عامي 2016 و2021. وعن ذلك يعلّق كامل بالقول "للفيضانات آثار مباشرة على الأطفال فهي تعرضهم للإصابات والغرق، كما أنها تلحق أضراراً بمساكنهم ومدارسهم وبمراكز الرعاية الصحية وإمدادات مياه الشفة ومرافق الصرف الصحي".
الكوارث المرتبطة بالطقس تؤدي إلى تزوح ملايين الأطفال داخلياوتوقعت اليونيسف أن تتسبب الفيضانات النهرية في تهجير ما يقرب من 96 مليون طفل على مدى السنوات الثلاثين المقبلة، استنادا إلى البيانات المناخية الحالية، لافتة إلى أن الرياح المصاحبة للأعاصير، والعواصف لديها القدرة على دفع 10.3 مليون، و7.2 مليون طفل على التوالي نحو النزوح خلال الثلاثين عاما المقبلة.
أما موجات الجفاف فأدت إلى نزوح أكثر من 1.3 مليون طفل، في حين دفعت حرائق الغابات 810 آلاف طفل للنزوح، ثلثهم نزح في عام 2020 وحده.
وأشارت المنظمة الأممية إلى أن الصين والفلبين من بين الدول التي سجلت أعلى الأعداد على الإطلاق لنزوح الأطفال، بسبب تعرض البلدين لطقس متطرف، ووجود عدد كبير من الأطفال بين السكان، والتقدم المحرز في قدرات الإنذار المبكر والإخلاء.
نزوح العائلات المرتبط بالمناخ قد يصيب الأطفال، بحسب الفتى "بمشكلات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب".
أما المديرة التنفيذية لليونيسف، فعلّقت على ذلك بالقول "إنه أمر مرعب لأي طفل عندما تتعرض مجتمعاتهم لحرائق غابات أو عواصف أو فيضانات شرسة، وبالنسبة لأولئك الذين يضطرون إلى الفرار، يمكن أن يكون الخوف والأثر الذي يتعرضون له مدمرين بشكل خاص، في ظل القلق بشأن ما إذا كانوا سيعودون إلى ديارهم، أو يستأنفون المدرسة، أو يضطرون إلى الانتقال مرة أخرى".
أزمة حقوقيةمسببات تلوث الهواء هي نفسها التي تتسبب بتغير المناخ، يقول كامل، شارحاً "تخترق جسيمات التلوث الدقيقة PM2.5 الرئتين ويمكن أن تنتقل إلى مجرى دم الأطفال بالتالي تعرضهم إلى أمراض خطيرة".
مظاهرة على هامش كوب 28 في الإماراتويتعرض 93 في المئة من أطفال العالم، الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة لهذه الجسيمات الدقيقة، بحسب منظمة الصحة العالمية "حيث تفوق مستوياتها المستويات المحددة في المبادئ التوجيهية الصادرة عن المنظمة بشأن نوعية الهواء، وتشمل هذه النسبة 630 مليون من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات، و1.8 مليار من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة".
تلوث الهواء ليس مشكلة لرئتي الأطفال فقط، بل كما ذكرت منظمة الصحة العالمية، يؤثر كذلك على نموهم العصبي، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج أدنى في الاختبارات المعرفية، وهو ما يؤثر سلباً على نموهم العقلي والحركي.
وتقول الفتى، إن "استنشاق الأطفال هواء ملوثاً يؤدي على المدى القصير إلى اصابتهم بضيق التنفس والسعال ونوبات الربو إضافة إلى تهيج العينين والأنف والحنجرة، أما على المدى الطويل فيعرضهم للإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية وأنواع عدة من السرطان".
طفل يتعرض للتنفس الاصطناعي في نيودلهي المصنفة من أسوأ المدن في العالم تلوثاتهدد أزمة المناخ حق الأطفال في البقاء على قيد الحياة، الأمر الذي يناقض بحسب كامل "اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، من هنا تعتبر أزمة حقوقية".
وقبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في دبي، أطلقت منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وصندوق الأمم المتحدة للسكان، نداء للعمل لحماية النساء الحوامل والرضع والأطفال من المخاطر الصحية الشديدة الناجمة عن الكوارث المناخية.
وسلط النداء الذي أطلقته الوكالات الثلاث، الضوء على سبعة إجراءات عاجلة لمعالجة المخاطر المتزايدة، يشمل ذلك التخفيضات المستدامة في انبعاثات غازات الدفيئة، واتخاذ إجراءات بشأن تمويل المناخ، إلى جانب إدراج احتياجات النساء الحوامل والرضع والأطفال بشكل محدد ضمن السياسات المناخية والسياسات المتعلقة بالكوارث.
ودعت الوكالات الثلاث أيضاً إلى إجراء مزيد من الأبحاث لفهم تأثيرات تغير المناخ على صحة الأم والطفل بشكل أفضل، وخلال المؤتمر، اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن السبيل الوحيد لإنقاذ كوكب يحترق، هو التوقف عن استخدام الوقود الأحفوري.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: منظمة الصحة العالمیة الأمم المتحدة تغیر المناخ من الأطفال ملیون طفل أطفال فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
جيل زد السوري الذي دفع الثمن مبكرا
تزداد الأثمان التي يدفعها الجيل "زد" (Gen Z) في سوريا، كلما تأخر المجتمع الدولي وقوى الأمر الواقع في بناء سلام يستند إلى حل سياسي يطوي صفحة الصراع الذي اندلع قبل نحو 13 عاما.
فمواليد هذا الجيل الذين رأت عيونهم النور بين عامي (1996-2011) -وهي السنوات التي يُصنف بها عالميا- تتراوح اليوم أعمارهم بين 13 و28 عاما، وتعيش النسبة الأكبر منهم في دول الجوار وفي المخيمات وأوروبا، حيث دفعتهم مآسي الحرب للهرب نحو حياة آمنة، وسط حالة عدم يقين ليس بحاضرهم فحسب، بل وبمستقبلهم الذي يلفه الغموض مع استمرار الصراع، وتدهور الوضع الإنساني داخل البلاد.
وتقدر المؤشرات الديمغرافية للنمو السكاني -التي يصدرها البنك الدولي تباعا- إلى جانب مصادر حكومية سورية، عدد أفراد هذا الجيل في عام 2011، وهو العام الذي شهد بداية الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، نحو 8 ملايين فرد، بلغت نسبتهم 38.3% من عدد السكان.
في حين تُجمع منظمات حقوقية عالمية على أن أغلب أفراده تعرضوا بين عامي 2011-2024 لدورات متكررة من العنف الحكومي والنزوح واللجوء ولحرمان غذائي وصحي وتعليمي شديد، علاوة على عواقب جسدية ونفسية مدمرة طويلة المدى أثّرت على تكوينهم واهتماماتهم.
القمع في مرحلة متقدمةخلال العقدين الأخيرين من حكم الرئيس السابق حافظ الأسد، شهد جيل إكس (1980-1965)، وجيل الألفية (1996-1981)، مجريات سياسية مؤثرة بدءا من ظاهرة "الأسد إلى الأبد" إلى شعار "لا حياة في هذا البلد إلا للتقدم والاشتراكية"، ترجمهما نظام دمشق لحملات قمع واعتقالات واسعة، ومجازر ارتكبها الجيش السوري (1983-1980) في مناطق تدمر وحماة وحلب وجسر الشغور، انتهت بمصرع عشرات الآلاف من المدنيين.
وورث جيل زد -حسب السياسي السوري المعارض عماد غليون- مظاهر الخوف والقلق التي تركها الأسد الأب في نفوس السوريين، واستمرت بعد وفاته مع نظام الأسد الابن عام 2000.
ولفت غليون، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن التحولات العميقة التي جرت في بنية الدولة وتحولها لما يُعرَف بسوريا الأسد من خلال نظام حكم إقصائي يستند إلى ركيزتي المخابرات والجيش، لم تكن لتحمي النظام الحالي من غضب شعبي صامت، خرج إلى العلن مع شعارات جدارية شارك في كتابتها أطفال من جيل زد -كما في مدينة درعا جنوب البلاد- مطلع عام 2011، تناهض النظام وسياسته الداخلية.
ورغم محاولة تدجين هؤلاء الأطفال بفرض مناهج تعليم ذات طابع سياسي وإلزامية الانضمام لثلاث منظمات عقائدية ترافق حياتهم الدراسية (طلائع البعث، وشبيبة الثورة، واتحاد الطلبة) للسيطرة على عقولهم، فإن النظام -بحسب غليون- فشل في تحطيم حلمهم وتطلعاتهم للحرية والكرامة.
غليون: رغم محاولة تدجين هؤلاء الأطفال فإن النظام فشل في تحطيم حلمهم وتطلعاتهم للحرية والكرامة (شترستوك) التحرر من عباءة الخوففي مطلع عام 2012، انضم عبد السلام -ابن الـ15 عاما آنذاك- إلى الاحتجاجات التي خرجت بمدينة حماة، وشهد -حسب حديثه للجزيرة نت- مقتل عشرات المتظاهرين من أبناء جيله برصاص القوات الحكومية، في ساحة العاصي (مركز المدينة) ووصف المشهد بقوله: لقد لقوا مصرعهم وهم يحملون الورود بأيديهم.
في العام نفسه، فر عبد السلام إلى الأردن بمساعدة أصدقائه بعد أن لاحقه الأمن الحكومي، وقدم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين طلب لجوء تم قبوله، ثم استكمل دراسته، ويتابع حياته في العاصمة عمان على أمل أن يعود لبلده، وقد تحققت تطلعات جيله.
تقدر الأمم المتحدة عدد الذين لقوا مصرعهم من أفراد هذا الجيل على يد قوات الأمن السورية والجيش النظامي، بأكثر من 10 آلاف طفل، خلال السنوات الثلاث الأولى من الصراع، إضافة إلى أن عددا أكبر أصيب بجروح جراء القصف الجوي والبري.
ورصد تقرير قدمه الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن في يناير/كانون الثاني 2014 حول حالة الأطفال والنزاع المسلح في سوريا، حالات لا تُحصى من قيام القوات الحكومية بقتل الأطفال وتشويههم، وعرقلة حصولهم على التعليم والخدمات الصحية.
وذكر التقرير الذي غطى الفترة الواقعة بين مارس/آذار (2011-2013) أن القوات الحكومية ألقت القبض على عدد كبير من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عاما، واستخدمتهم أمام الدبابات كدروع بشرية، في حين تعرض عدد كبير بعمر الـ11 عاما للرصاص في تظاهراتهم المناوئة للحكومة في عدد من المحافظات، وقُتل أغلبهم وأصيب آخرون بإصابات بليغة.
وأرجع التقرير الإصابات التي تعرض لها أفراد هذا الجيل خلال تلك السنوات إلى إطلاق الرصاص العشوائي على المتظاهرين والقصف المكثف بالمدافع والطائرات الحربية على القطاعات المدنية، إذ أدى الأخير إلى حروق وجروح وبتر أطراف وإصابات بالعمود الفقري طالت الكثيرين منهم.
شاب يسير على أنقاض وسط مبانٍ متضررة إثر قصف على مدينة حلب السورية 2014 (شترستوك) سلوكيات مضطربة وغضب سريعمن منظور عام، تأثر الأبناء السوريون من جيل زد بتجارب آبائه من جيلي (إكس والألفية) خلال نصف قرن من الإقصاء والاستبداد السياسي وسطوة الحزب الواحد الذي يقود الحكم في سوريا، وأسهمت تجارب محيطه العائلي والاجتماعي المتراكمة، حيث أمضى مئات الأفراد سنوات قيد الاعتقال كسجناء رأي في فترات مختلفة، على نظرته للحياة والمستقبل.
ورغم سمة التمرد التي نافس بها سابقيه ومحاولته كسر القيود التي حدت من تطلعاته، فإن علاقته بجيل الألفية في بعض المسائل تبدو تكاملية، خاصة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والتغيير والحرية والعدالة والمساواة.
كما زاد رواج المصطلحات الحديثة، مثل الدولة المدنية، والمواطن العالمي، والجندر، والاقتصاد الرقمي، ومنصات التواصل الشبكية، من تماهيه بين المحلي والإقليمي والعالمي، متأثرا بأفكار وتوجهات جديدة تتعلق بالهوية والقيم المجتمعية ومفاهيم غالبا ما كانت تدفعه إلى تجاوز المألوف والنزوع نحو التمرد والعصيان والعنف، وفي أحيان أخرى إلى الانكماش بداعي القلق والتوترو الاكتئاب.
وكشفت دراسة استطلاعية أجرتها جامعة كامبردج بين عامي (2019-2020) شملت نحو 1300 فرد من جيل زد ممن عاشوا ودرسوا في مدينة دمشق، عن وجود آثار سلبية عند 53% منهم نتيجة الصراع كاضطراب ما بعد الصدمة وسرعة الغضب.
وأفادت الإجابات التي نقلتها الاستبيانات على لسان فتيان وفتيات من الصف العاشر وما فوق، في 7 مدارس حكومية تَعرّض 58% منهم لخطر مباشر، في حين قال 40% إنهم فقدوا أحد الأقرباء، و61% عانوا كثيرا بسبب ضوضاء الحرب، و62% عانوا من سرعة الغضب لأتفه الأمور، مما تسبب لهم بمشكلات كثيرة.
ولفتت الدراسة إلى أن تأثيرات الحرب كانت أسوأ بالنسبة للفتيات، حيث ذكرن أنهن يعانين في أغلب الأحيان من نسب أعلى لاضطراب ما بعد الصدمة، ما جعل نوعية حياتهن أسوأ من أقرانهم الذكور.
دراسة: تأثيرات الحرب في سوريا كانت أسوأ بالنسبة للفتيات إذا يعانين غالبا من نسب أعلى لاضطراب ما بعد الصدمة (رويترز) اصطفافات أنتجت هوية مجزأةعلل الخبير المختص في التنمية البشرية إبراهيم السعيد ميل بعض أفراد الجيل الذين ولدوا مع بداية الصراع في المناطق الساخنة للعنف وتقمص شخصية المحارب، إلى صورة الدبابة والطائرة وبندقية الكلانشينكوف التي لا تزال تتحكم بمخيلتهم، فأغلب هؤلاء لا يعرفون شيئا في الحياة سوى الحرب والقتال والهرب إلى أمكنة أكثر أمانا تحميهم من القصف.
بالمقابل، رد السعيد قصور الجيل المعرفي تجاه الماضي وإرثه التاريخي وعدم إلمامه بتضحيات أجداده في مرحلة الاستقلال 1945-1925، ونضالاتهم ضد الديكتاتوريات التي حكمت في بداية نشوء الدولة السورية الوطنية، وعادت مع حكم البعث في عام 1963، إلى سياسة تجهيل كانت تهدف لصنع ذاكرة جديدة لا تحتوي غير إرث الأسد.
وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن تفاوت السمات التي يحملها أنتج هوية مجزأة تعكس الأزمة العميقة التي يواجهها المجتمع السوري بعد أن عززت الحرب الطريق لاصطفافات سياسية وعقائدية ونمو هويات صغرى وفرعية تسعى جميعها للتميز والهيمنة عبر نهج إقصائي بدأه النظام أولا واستثمرته مكونات أخرى لأبعاد سياسية.
وشدد السعيد على أن أغلب أفراد الجيل الذين نزحوا تتوزع هويتهم بين قوالب نمطية ذات خلفيات أيديولوجية محددة، وأخرى ذات فضاء حر لا ترتبط فكريا بأية أيديولوجية، لكنهم جميعا مندفعون تجاه دولة تحمي حقوقهم وتطلعاتهم المشروعة.
وفي السياق نفسه، عبّر همبرفان كوسه عضو غرفة دعم المجتمع المدني السوري (CSSR) -وهو فريق عمل تابع للأمم المتحدة- عن مخاوفه من وجود تصدّعات في جسد الشباب السوري، ودعا -في كلمة خلال افتتاح مؤتمر بروكسل السادس حول سوريا- إلى دعم الحوار بين فئاتهم بما يتجاوز الانتماءات الجغرافية والطائفية، وطالب بالابتعاد عن أولئك الذين ينشرون خطاب الكراهية.
السعيد: أغلب أفراد جيل زد الذين نزحوا تتوزع هويتهم بين قوالب ذات خلفيات أيديولوجية محددة وأخرى ذات فضاء حر (غيتي) فقر في الأمن والتعليم والمنظومة الرقميةتصف الأمم المتحدة الصراع السوري بأنه أكثر الحروب دموية في العالم، فعلاوة على حجم الدمار الهائل وخسائر الاقتصاد التي بلغت نحو 400 مليار دولار، خسرت البلاد رأسمالها البشري؛ إذ لقي ما يزيد عن 500 ألف شخص مصرعهم، وأكثر من 970 ألف مغيبين قسريا، بينهم 155 ألف سيدة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كما سجلت سوريا أعلى نسبة نزوح داخلي بنحو 7.2 مليون نازح، ولجوء حوالي 6.5 مليون للخارج، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، وذلك لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية على المستوى العالمي.
ويرى محللون أن حصة جيل زد من هذه الخسائر غير متوفرة بدقة، لكنها كبيرة، تختزلها 3 أوضاع تنم عن تعرضه لفقر في الأمن والتعليم وفي حصته من التكنولوجيا الرقمية.
وتشير معظم ردود أفراده حول الأسباب التي دعتهم للفرار خارج البلاد إلى وجود مخاطر أمنية تتعلق بمواقفهم من السلطة، إضافة إلى ما يشكله تجنيدهم الإجباري في الجيش الحكومي من استثمار -يرفضونه- يعمل له النظام بهدف ضخ دماء جديدة إلى قواته المنهكة على جبهات الحرب.
من جهة ثانية، رصدت تقارير الأمم المتحدة تأثر هذا الجيل خلال سنوات الصراع بآليات تكيف سلبية اتبعتها الأسر في مواجهات المتغيرات التي أفرزتها الحرب، كالعمل بدل المدرسة لإعالة الأسرة، نتيجة الضائقة المالية التي تعاني منها 90% من العائلات.
وتأسفت إيلينا ديكوميتيس، مستشارة السياسات المعنية بالشباب في المجلس النرويجي للاجئين، من أن "الشباب أجبر على وضع مرحلة المراهقة جانبا، بغية خوض مرحلة البلوغ على عجل، والنهوض بمسؤوليات كبيرة من أجل إعالة أسرهم".
محللون: حصة جيل زد من الخسائر كبيرة تختزلها أوضاع تنم عن تعرضه لفقر في الأمن والتعليم والتكنولوجيا (الأناضول)وتؤكد اليونيسيف، في تقرير لها، أن ما يزيد عن 2.5 مليون طفل خسرهم التعليم في سوريا، حيث تواجه البلاد أكبر أزمة تعليم في التاريخ الحديث بحسب المصدر، وصنف التقرير المرافق التعليمية في المدن والبلدات التي شهدت هجمات حكومية، بأنها إما مدمرة أو مصابة بضرر أو تؤوي أسرا نازحة، في حين تعاني أخرى في المدن الخاضعة لسلطة النظام من ضغط شديد.
لمس ماجد -أحد مواليد الجيل زد- بعد فراره توفر بدائل أكثر جاذبية في دول اللجوء، ونفى امتلاكه في مطلع حياته السبل والمهارات التي كان من المفترض أن تمكنه من الاستثمار في المبتكرات الحديثة ومجاراة الثورة الرقمية وتكنولوجيا الاتصالات التي يشهدها العالم.
وأكد للجزيرة نت أنه لم يشعر بضرورة تفاعله مع الموجة الرقمية، إلا بعد أن غادر البلاد وأقام في تركيا، إذ قال "لقد اكتشفت فجوة كبيرة بين ما وصلت إليه قدرات الجيل زد في المجتمعات المجاورة، وبين واقع جيلنا في سوريا".
يصف ماجد مواليد جيله بجيل الرقمنة الذي عاش أفراده على مستوى العالم زمن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ويرى أن حصة جيله كانت ضعيفة، بسبب موانع فرضتها السلطات أدت لحالة انغلاق عن العالم عاشها المجتمع السوري سنوات طويلة.
ونقل عن أحد أقاربه كيف كان استخدام جهاز الفاكس -في بداية انتشاره زمن الأسد الأب- دون موافقة جهاز المخابرات، جريمة تعرض صاحبه للتوقيف، وكيف كانت أغلب العائلات تخفي جهاز الستلايت أيضا الخاص باستقبال القنوات التلفزيونية عبر الأقمار الاصطناعية تحت أغطية من القماش، خوفا من انكشاف أمره لأجهزة الأمن.
واصطدم أبناء هذا الجيل بأول احتكار لتكنولوجيا الاتصال الخلوي ومعلومات الإنترنت بعد أن حصلت شركة خاصة على امتياز استثمار الشبكة عام 2001، ورفعت أسعار الخطوط الخلوية لأرقام لم تتمكن من تسديدها سوى نخبة المجتمع السوري.
وذكر تقرير أصدرته الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2003 أن عدد مشتركي خدمة الهاتف الخلوي بلغ 12 مشتركا لكل 1000 شخص (25 ألف مشترك في دمشق و20 ألفا في حلب).
غير أن الرقم الذي ارتفع بعد عدة سنوات، حين أصبحت أسعار خدمة الشبكة متاحة لمختلف طبقات المجتمع، أعطى مؤشرا حول اندفاع محدود لاستدراك الفجوة التي فصلته عن العالم الرقمي، وحقق إنجازا بارزا عندما نقل للعالم بالصوت والصورة عبر كاميرات أجهزة الخلوي والنت الفضائي -لتوقف الأرضي- وقائع الاحتجاجات الشعبية عام 2011، وردود فعل النظام العنيفة تجاهها.
وتواجه أعداد كبيرة داخل البلاد تحدي الوصول إلى فرص سبل العيش الرقمية اللائقة، بسبب عدم كفاية سرعة الإنترنت وتقطعه أو انقطاعه لفترات طويلة.
وكانت عينة شبابية من الجيل نفسه قد بررت، في دراسة أجراها مكتب اليونسكو في بيروت عام 2021 بعنوان "محو الأمية وتقييم المهارات الحياتية للشباب السوري"، أن عدم حضورهم عبر الإنترنت يعود إلى:
عدم امتلاكهم جهاز كمبيوتر شخصيا أو لابتوب. غياب الطاقة ومشكلات في إشارات الهاتف المحمول. صعوبات مالية أدت إلى عدم توفر الهواتف الذكية وعدم توفر أجهزة التلفاز.