لجريدة عمان:
2025-02-25@10:34:05 GMT

الفرح ليس مهنتنا يا محمد الماغوط

تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT

حين يضيق بنا الواقع وتتسرب الكآبة إلى ذواتنا ونغرق معها مثل قوارب المهاجرين غير الشرعيين حول العالم، نلوذ بكنف الكلمات لعلها تنقذنا مما نحن فيه، أو تخرجنا من حالة العجز والشعور بالخزي أمام محرقة غزة المستمرة، حيث تحول الإنسان الفلسطيني إلى مشروع إبادة، ومحو تام لغزة وسكانها، ونحن نكتفي بالتفرج. في هذه الأحوال والأهوال نستذكر الشاعر السوري محمد الماغوط (1934- 2006)، صاحب مخازن اليأس والعناوين المثيرة لأعماله الأدبية؛ فمن عنوان «سأخون وطني» إلى ديوانه «الفرح ليس مهنتي»، الذي يُعد آخر ديوان شعري له، إلى جانب عناوين أخرى مثل «العصفور الأحدب» و«الأرجوحة» و«حزن في ضوء القمر» و«غرفة بملايين الجدران» و«المهرّج».

نحاول تخيل لو كان الماغوط بيننا الآن فماذا سيقول؟! مع أنه شاهد مآسي العرب في فلسطين ومصر ولبنان والعراق.

استحضرت ما كتبه الماغوط عن فلسطين، وأنا أشاهد عبارات الشجب والإدانة من الخطاب الرسمي العربي وأحيانا بعض المزايدات. يقول الماغوط بتهكم: «من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي إلى فلسطين صارت القضية في حاجة إلى إدارة مرور».

شاهدتُ الماغوط على قناة الجزيرة في حلقة من برنامج عن أدب السجون، بُثت الحلقة بتاريخ 1 أبريل 2006. اقتربتْ الحلقة من ذاكرة المبدع السوري الشهير صاحب كتاب «سأخون وطني»، تُرْجِع زوجته «سنية صالح» مأساته في تقديمها لأعماله الإبداعية إلى كونه «ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط....وهو يحاول إيجاد الكوى أو توسيع ما بين قضبان النوافذ ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية»، (أعمال الماغوط، دمشق، دار المدى).

تلمس الحلقة أعمق ذاكرة للماغوط لتسلّط الضوء على سرّ الإبداع الدفين عنده، الذي أهدته إياه جدران السجون المتكررة: إنه الخوف. كما تُؤرشف الحلقة التلفزيونية تجربة ثقافية فريدة ومخصوصة لكاتب عربي عُرف بتمرده وتحيزه للكلمة من جهة، وللمقهورين والمهمشين وأصحاب الرصيف من جهة ثانية.

هو المثقف العربي الذي تجرأ ووقف في مواجهة السلطة وجرب قمعها وحوله إلى ذريعة للإبداع، فلا يتردد في رفع القمع شرطا من شروط الإبداع الحق والكتابة المتميزة، فيقول معارضا سعد الله ونوس المطالب بالحرية:

«القمع هو الأم الرؤوم للشعر وللإبداع، أنا كلما أكون خائفا أبدع».

فتح الماغوط في حديثه كوى من ذاكرة المبدع لتترك تلك الذاكرة تروي تاريخها وتفاصيلها الصغيرة، فتنحسر تدخلات المذيعة لتترك الضيف يروي حياته في عملية حرّة أشبه ما تكون بأسلوب التداعي الحرّ في الروايات، حيث الحديث مثل الهذيان دون نظام ودون وتيرة. نقرأ في مقدمة أعماله الأدبية:

«كان محمد الماغوط غريبا ووحيدا في بيروت، عندما قدّمه أدونيس في أحد اجتماعات مجلة (شعر) المكتظة بالوافدين، وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم دون أن يعلن عن اسمه، وترك المستمعين يتخبطون (بودلير؟.. رامبو؟) لكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول، غير أنيق، أشعث الشعر وقال: هو الشاعر»

حملتنا الحلقة إلى عوالم الماغوط الأدبية، ترصد مسيرته الإبداعية وخفاياها، إلا أنه يواصل استدراج ذاكرته من زاوية محددة، هي علاقة الكتابة بالسلطة، فيذكرنا بقصة كتابه الأشهر «سأخون وطني» وكيف صودر لمدة سنتين وقد أتت قضية المنع كما هو معلوم من عنوان الكتاب المستفز، كتب فيه:

«إنني لا أعتبر أن هناك خطرا على الإنسان العربي والوطن العربي سوى إسرائيل، وتلك الحفنة من المثقفين والمُنظّرين العرب ما فتئوا منذ سنين يحاولون إقناعنا في المقاهي والندوات والمؤتمرات بأن معركتنا مع العدو هي معركة حضارية وكأنهم ينتظرون من قادته وجنرالاته أن يجلسوا على كراسيهم الهزّازة على الحدود مقابل صف من الكتّاب والشعراء والفنانين العرب وليبارزهم قصيدة بقصيدة ومسرحية بمسرحية ولوحة بلوحة وسيمفونية بسيمفونية وأغنية بأغنية ومسلسلا بمسلسل».

هذا هو الماغوط المتمرد صاحب تجربة الإبداع والمؤمن بالحرية وصناعتها للكرامة، يقول في كتابه «سأخون وطني»: «جربوا الحرية يوما واحدا لتروا كم شعوبكم كبيرة وكم هي إسرائيل صغيرة!»، وقد تحققت نبوءته في السابع من أكتوبر الماضي، حينما هزمت حركة المقاومة الإسلامية حماس الجيش الصهيوني، وأفنت معه مقولة الجيش الذي لا يُقهر، إذ تحول جيش الصهاينة وآلياته إلى عهن منفوش. ورغم نشوة النصر إلا أن الإبادة الجماعية التي تنتهجها دولة الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، حرمتنا من الفرح الذي هو في الأساس ليس مهنتنا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

غزة تستعد لاستقبال دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين وسط أجواء من الفرح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد يوسف أبو كويك، مراسل قناة القاهرة الإخبارية من خان يونس، أن قطاع غزة يعيش لحظات انتظار وترقب لوصول الحافلات التي تقل الأسرى الفلسطينيين عبر معبر كرم أبو سالم، برفقة منظمة الصليب الأحمر، ومن هناك ستتحرك الحافلات إلى مستشفى غزة الأوروبي، حيث سيخضع الأسرى لفحص طبي قبل لقائهم بعائلاتهم، التي احتشدت بالمئات وربما الآلاف منذ الصباح الباكر، استعدادًا لاستقبالهم.

وأشار، خلال رسالة على الهواء مع الإعلامية أمل الحناوي، على قناة القاهرة الإخبارية، إلى أن هذه الدفعة هي الأكبر حتى الآن، حيث من المقرر إطلاق سراح نحو 455 أسيرًا، جميعهم اعتُقلوا بعد السابع من أكتوبر، إلى جانب الأطفال القاصرين والسيدات اللواتي اختُطفن خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية، كما تشمل القائمة 12 أسيرًا من ذوي الأحكام المؤبدة والعالية، أبرزهم ضياء الأغا، الذي اعتُقل منذ 33 عامًا بعد تنفيذه عملية فدائية ضد ضابط إسرائيلي.

وأوضح المراسل أن قطاع غزة يشهد حالة من الارتياح مع استمرار عمليات تبادل الأسرى، حيث يرى الفلسطينيون أن كل مرحلة ناجحة تقربهم من وقف إطلاق النار الدائم وانسحاب الجيش الإسرائيلي، خصوصًا من محور صلاح الدين جنوب مدينة رفح.

من جهة أخرى، أكدت حركة حماس استعدادها للإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين، أحياءً وأمواتًا، بشرط وقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين دفعة واحدة، بعيدًا عن مبدأ التبادل التدريجي الذي يصر عليه المفاوض الإسرائيلي.

على صعيد آخر، اعترفت الفصائل الفلسطينية بوقوع خطأ في تسليم جثامين المحتجزين الإسرائيليين الأربعة يوم الخميس الماضي، مما دفعها إلى إرسال جثمان آخر عبر الصليب الأحمر الليلة الماضية، ووفقًا لمصادر إعلامية إسرائيلية، فإن الجثة تعود إلى شيري بيباس، التي سبق وأعلنت المستوطنة التي كانت تعيش فيها عن مقتلها.

وفي المقابل، تعهدت إسرائيل بإطلاق سراح جميع الأطفال القاصرين والنساء المعتقلات بعد السابع من أكتوبر، في إطار استكمال المرحلة الحالية من عملية التبادل.

مقالات مشابهة

  • الفرح: التشييع المليوني لنصر الله يؤكد تأييد المقاومة ورفض التطبيع
  • إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميني باص بطريق الأدبية في السويس | أسماء
  • حمدان بن محمد: نفخر بروح الإبداع والتميز التي تبني مستقبل دبي
  • محمد عمرا.. اعتقال الذبابة الذي شغل الشرطة الفرنسية وهو بعمر 11 عاماً
  • رئيس جامعة أسيوط يلتقي أعضاء لجنة تحكيم مهرجان الإبداع المسرحي
  • مستقبل سوريا على طاولة حوار وطني الثلاثاء
  • المجتمع.. كيف يكون محفزاً على الإبداع؟
  • غزة تستعد لاستقبال دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين وسط أجواء من الفرح
  • نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي ضيفة الحلقة السابعة من بودكاست هنا التضامن
  • حماس تشترط إعمار غزة بتوافق وطني دون تدخل خارجي