الفرح ليس مهنتنا يا محمد الماغوط
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
حين يضيق بنا الواقع وتتسرب الكآبة إلى ذواتنا ونغرق معها مثل قوارب المهاجرين غير الشرعيين حول العالم، نلوذ بكنف الكلمات لعلها تنقذنا مما نحن فيه، أو تخرجنا من حالة العجز والشعور بالخزي أمام محرقة غزة المستمرة، حيث تحول الإنسان الفلسطيني إلى مشروع إبادة، ومحو تام لغزة وسكانها، ونحن نكتفي بالتفرج. في هذه الأحوال والأهوال نستذكر الشاعر السوري محمد الماغوط (1934- 2006)، صاحب مخازن اليأس والعناوين المثيرة لأعماله الأدبية؛ فمن عنوان «سأخون وطني» إلى ديوانه «الفرح ليس مهنتي»، الذي يُعد آخر ديوان شعري له، إلى جانب عناوين أخرى مثل «العصفور الأحدب» و«الأرجوحة» و«حزن في ضوء القمر» و«غرفة بملايين الجدران» و«المهرّج».
استحضرت ما كتبه الماغوط عن فلسطين، وأنا أشاهد عبارات الشجب والإدانة من الخطاب الرسمي العربي وأحيانا بعض المزايدات. يقول الماغوط بتهكم: «من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي إلى فلسطين صارت القضية في حاجة إلى إدارة مرور».
شاهدتُ الماغوط على قناة الجزيرة في حلقة من برنامج عن أدب السجون، بُثت الحلقة بتاريخ 1 أبريل 2006. اقتربتْ الحلقة من ذاكرة المبدع السوري الشهير صاحب كتاب «سأخون وطني»، تُرْجِع زوجته «سنية صالح» مأساته في تقديمها لأعماله الإبداعية إلى كونه «ولد في غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط....وهو يحاول إيجاد الكوى أو توسيع ما بين قضبان النوافذ ليرى العالم ويتنسم بعض الحرية»، (أعمال الماغوط، دمشق، دار المدى).
تلمس الحلقة أعمق ذاكرة للماغوط لتسلّط الضوء على سرّ الإبداع الدفين عنده، الذي أهدته إياه جدران السجون المتكررة: إنه الخوف. كما تُؤرشف الحلقة التلفزيونية تجربة ثقافية فريدة ومخصوصة لكاتب عربي عُرف بتمرده وتحيزه للكلمة من جهة، وللمقهورين والمهمشين وأصحاب الرصيف من جهة ثانية.
هو المثقف العربي الذي تجرأ ووقف في مواجهة السلطة وجرب قمعها وحوله إلى ذريعة للإبداع، فلا يتردد في رفع القمع شرطا من شروط الإبداع الحق والكتابة المتميزة، فيقول معارضا سعد الله ونوس المطالب بالحرية:
«القمع هو الأم الرؤوم للشعر وللإبداع، أنا كلما أكون خائفا أبدع».
فتح الماغوط في حديثه كوى من ذاكرة المبدع لتترك تلك الذاكرة تروي تاريخها وتفاصيلها الصغيرة، فتنحسر تدخلات المذيعة لتترك الضيف يروي حياته في عملية حرّة أشبه ما تكون بأسلوب التداعي الحرّ في الروايات، حيث الحديث مثل الهذيان دون نظام ودون وتيرة. نقرأ في مقدمة أعماله الأدبية:
«كان محمد الماغوط غريبا ووحيدا في بيروت، عندما قدّمه أدونيس في أحد اجتماعات مجلة (شعر) المكتظة بالوافدين، وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم دون أن يعلن عن اسمه، وترك المستمعين يتخبطون (بودلير؟.. رامبو؟) لكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول، غير أنيق، أشعث الشعر وقال: هو الشاعر»
حملتنا الحلقة إلى عوالم الماغوط الأدبية، ترصد مسيرته الإبداعية وخفاياها، إلا أنه يواصل استدراج ذاكرته من زاوية محددة، هي علاقة الكتابة بالسلطة، فيذكرنا بقصة كتابه الأشهر «سأخون وطني» وكيف صودر لمدة سنتين وقد أتت قضية المنع كما هو معلوم من عنوان الكتاب المستفز، كتب فيه:
«إنني لا أعتبر أن هناك خطرا على الإنسان العربي والوطن العربي سوى إسرائيل، وتلك الحفنة من المثقفين والمُنظّرين العرب ما فتئوا منذ سنين يحاولون إقناعنا في المقاهي والندوات والمؤتمرات بأن معركتنا مع العدو هي معركة حضارية وكأنهم ينتظرون من قادته وجنرالاته أن يجلسوا على كراسيهم الهزّازة على الحدود مقابل صف من الكتّاب والشعراء والفنانين العرب وليبارزهم قصيدة بقصيدة ومسرحية بمسرحية ولوحة بلوحة وسيمفونية بسيمفونية وأغنية بأغنية ومسلسلا بمسلسل».
هذا هو الماغوط المتمرد صاحب تجربة الإبداع والمؤمن بالحرية وصناعتها للكرامة، يقول في كتابه «سأخون وطني»: «جربوا الحرية يوما واحدا لتروا كم شعوبكم كبيرة وكم هي إسرائيل صغيرة!»، وقد تحققت نبوءته في السابع من أكتوبر الماضي، حينما هزمت حركة المقاومة الإسلامية حماس الجيش الصهيوني، وأفنت معه مقولة الجيش الذي لا يُقهر، إذ تحول جيش الصهاينة وآلياته إلى عهن منفوش. ورغم نشوة النصر إلا أن الإبادة الجماعية التي تنتهجها دولة الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، حرمتنا من الفرح الذي هو في الأساس ليس مهنتنا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الجيل: الاصطفاف خلف القيادة السياسية واجب وطني وموقف المصريين يؤكد رفضهم القاطع لتهجير الفلسطينيين
أكد حسن هجرس، مساعد رئيس حزب الجيل الديمقراطي، أن الحشود المليونية التي خرجت في مختلف محافظات مصر عقب صلاة عيد الفطر المبارك تعكس بوضوح إرادة الشعب المصري وتماسكه في دعم القضية الفلسطينية ورفض أي محاولات لتصفيتها أو تهجير الأشقاء الفلسطينيين من أراضيهم.
وأضاف هجرس، في تصريحات صحفية له اليوم، أن هذه التجمعات الضخمة لم تكن موجهة إلا بإرادة الحق والانتصار للقضية العادلة للشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن وقت الحياد قد انتهى، وأن الاصطفاف خلف القيادة السياسية المصرية واجب وطني لا مراء فيه، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من تحديات خطيرة تمس الأمن القومي المصري.
وأوضح أن خروج ملايين المصريين بهذه الصورة العفوية يعكس مدى الرفض الشعبي القاطع للمجازر التي ترتكب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، والتأييد الكامل للقيادة السياسية المصرية في مواقفها الثابتة ضد العدوان والتهجير القسري.
وأضاف هجرس أن الشعب المصري أكد عبر هذه الحشود رسائل واضحة، أبرزها دعم القيادة السياسية في موقفها الثابت تجاه العدوان على غزة، رفض محاولات تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم، الإدانة الكاملة لحرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة.
وشدد على أن هذه الحشود تثبت أن الشعب المصري يتحرك في تناغم كامل مع قيادته السياسية، دفاعا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن مصر ستظل داعمة للقضية الفلسطينية حتى ينال الفلسطينيون حقوقهم المشروعة كاملة.