لم يكن أحد يتوقع أن تصمد المقاومة كل هذا الوقت في مواجهة الجيش الاسرائيلي المدعوم أمريكيا وأوروبيا، بمن في ذلك أطراف فلسطينية، وهو ما دفع بعمرو موسى أن يتساءل بطريقة استنكارية لا تخلوا من سخرية من وسائل الإعلام: "هل أصبحت حماس دولة عظمى؟"، واعتبر أن "هناك هيصة حول محاصرة إسرائيل لمستشفى الشفاء، وأن الجيش تقدم كم متر أو أكثر".
كان الخطاب السائد قبل هذه السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أن الحروب في القرن الواحد والعشرين تُحسم عبر التفوق التكنولوجي، وبما أن السلاح الذي تملكه إسرائيل 70 في المائة منه أمريكي الصنع، وبما أن غزة لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومتر مربع، وهي عبارة عن أرض ساحلية منبسطة مثل كف اليد، ومحاصرة من جميع الجوانب، لهذا توقع الجميع أن القضاء على حماس سيكون أشبه بنزهة. واستعرض المؤمنون بقواعد الحرب التقليدية الإمكانيات الجبارة التي تحت تصرف القيادة الإسرائيلية وحلفائها، وقدرتها على الهدم والسحق والوصول إلى ما فوق الأرض وما تحتها، فلن يقف في طريقها أربعون ألفا من المقامرين المحاصرين. وقلل هؤلاء من أهمية الأنفاق التي تم حفرها، وهوّنوا من الخبرة العسكرية التي اكتسبتها المقاومة، واستخفوا بالصواريخ التي حصلت عليها أو صنعتها محليا.
الذين تصوروا وتوقعوا أن موازين القوى هذه والحسابات العسكرية لكبار الخبراء لن تخطئ؛ وجدوا أنفسهم الآن في تسلل، بمن فيهم مئات من المثقفين العرب الذين ظنوا بأن القضية الفلسطينية قد حُسمت منذ زمن، وما حصل بعد 1967 إنما محاولات فاشلة ومجرد تفاصيل، وطالب الكثير من هؤلاء بالاعتماد مستقبلا على إسرائيل واتخاذها حليفا دائما.
عدم الاستسلام هو أول شرط للتغيير، ويحصل ذلك من خلال الشروع في التفكير من خارج الصندوق. هذا ما فعله قادة حماس وجناحها كتائب القسام، وما اعتبره الآخرون مستحيلا رآه هؤلاء أمرا ممكنا. فالثقة بالذات، والاستناد على الله، واستحضار التاريخ، والإيمان بقدرات الأفراد وشجاعتهم وانضباطهم، خصائص إذا توفرت في جماعة واعية، تفكر بعقلانية وقيم العصر وبحد أدنى من النزاهة فإنها ستكون قادرة على تحقيق المعجزات. لقد تحقق كل ذلك في المقاومة الفلسطينية بعد مرورها بتجارب عديدة تعلمت منها الكثير وقيمتها بشكل جيد لتجاوز الأخطاء القاتلة.
الذين لا يزالون متخندقين وراء الحواجز الأيديولوجية ستطويهم حركة التاريخ ومستبطنين الهزيمة الدائمة. الخطر اليوم لا يكمن في وجود حركة إسلامية تقوم المقاومة في فلسطين، وإنما تتجسد في من يعمل على التخلص منها بكل الطرق. إن القضاء على هؤلاء الذين يخرجون من بين الأنقاض، ويعرضون أنفسهم للموت ليصنعوا أساطير سيرويها أحفادهم في المستقبل، سيكون عملا عبثيا لن يستفيد منه سوى العدو؛ هذا العدو الذي هو عدو الجميع، ولن يقبل التعامل بندية مع أي طرف أكان فردا أو نظاما. وإذا كانت إسرائيل اليوم قد لجأت إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي للتخلص من المقاومة، وهو سيف ذو حدين، فإن العرب مطالبين بالاستثمار في الذكاء البشري لهؤلاء الذين تمكنوا من تغيير المشهد العام، وفتحوا المجال لشق طريق أو طرق أمام المخلصين والعقلاء لبناء مستقبل فلسطيني وعربي وإسلامي وإنساني مختلف، مستقبل خال من الظلم والكيل بمكيالين.
لماذا يتجنب العديد من أصحاب القلم والفكر الاستماع لبعض شهود عيان في قلب إسرائيل الذين استشعروا الخطر فسارعوا إلى الاعتراف بأن زلزالا لم يتوقعوا حدوثه فعدّلوا جوهريا في آلية التفكير عندهم، وأقنعوا أنفسهم بأن دوام الحال من المحال؟ آخر هؤلاء الكاتب الصهيوني آري شبيت الذي نشر مقالا في صحيفة هآرتس جاء فيه: "يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال". واعتبر أنه "انتهى الأمر، يجب توديع الأصدقاء والانتقال الى سان فرانسيسكو أو برلين أو باريس.. يجب النظر بهدوء ومشاهدة دولة إسرائيل وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة فلسطينية إسرائيل غزة إسرائيل فلسطين غزة المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة رياضة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الجيش الأميركي يكشف عن طراز المقاتلات التي شاركت في الضربات الأخيرة على مواقع الحوثيين
كشف الجيش الأميركي عن مشاركة مقاتلات من طراز «إف-35 سي» في الضربات الأخيرة على مواقع الحوثيين، مؤكداً استهداف منشآت لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة، في سياق الحد من قدرات الجماعة المدعومة من إيران على مهاجمة السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن.
ويأتي استخدام الجيش الأميركي لطائرات «إف-35 سي» في ضرباته على الحوثيين بعد أن استخدم الشهر الماضي القاذفة الشبحية «بي-2» لاستهداف مواقع محصنة تحت الأرض في صعدة وصنعاء.
وأوضحت القيادة المركزية الأميركية في بيان، أن قواتها نفذت سلسلة من الغارات الجوية الدقيقة على عدد من منشآت تخزين الأسلحة الحوثية الواقعة داخل الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، يومي 9 و10 نوفمبر (تشرين الثاني).
وبحسب البيان تضمنت هذه المرافق مجموعة متنوعة من الأسلحة التقليدية المتقدمة التي يستخدمها الحوثيون المدعومون من إيران لاستهداف السفن العسكرية والمدنية الأميركية والدولية التي تبحر في المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن. كما أفاد بأن أصولاً تابعة للقوات الجوية والبحرية الأميركية بما في ذلك طائرات «إف-35 سي» شاركت في الضربات.
وطبقاً لتقارير عسكرية، تمتلك مقاتلة «إف-35» قدرات شبحية للتخفي تفوق مقاتلتي «إف-22» و«إف-117»، وقاذفة «بي-2»، ولديها أجهزة استشعار مصممة لاكتشاف وتحديد مواقع رادارات العدو وقاذفات الصواريخ، إضافة إلى تزويدها بحجرات أسلحة عميقة مصممة لحمل الأسلحة وتدمير صواريخ المنظومات الدفاعية الجوية من مسافة بعيدة.
وجاءت الضربات -وفق بيان الجيش الأميركي- رداً على الهجمات المتكررة وغير القانونية التي يشنها الحوثيون على الملاحة التجارية الدولية، وكذلك على السفن التجارية الأميركية وقوات التحالف في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن. وهدفت إلى إضعاف قدرة الحوثيين على تهديد الشركاء الإقليميين.
تصد للهجمات
أوضحت القيادة المركزية الأميركية أن المدمرتين «يو إس إس ستوكديل» و«يو إس إس سبروانس» إلى جانب طائرات القوات الجوية والبحرية الأمريكية، نجحت في التصدي لمجموعة من الأسلحة التي أطلقها الحوثيون أثناء عبور المدمرتين مضيق باب المندب.
وطبقاً للبيان الأميركي، اشتبكت هذه القوات بنجاح مع ثمانية أنظمة جوية من دون طيار هجومية أحادية الاتجاه، وخمسة صواريخ باليستية مضادة للسفن، وأربعة صواريخ كروز مضادة للسفن؛ مما ضمن سلامة السفن العسكرية وأفرادها.
وإذ أكدت القيادة المركزية الأميركية عدم وقوع أضرار في صفوفها أو معداتها، وقالت إن إجراءاتها تعكس التزامها المستمر بحماية أفرادها والشركاء الإقليميين والشحن الدولي، مع الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأضافت أنها «ستظل يقظة في جهودها لحماية حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وستواصل اتخاذ الخطوات المناسبة لمعالجة أي تهديدات للاستقرار الإقليمي».
ويزعم الحوثيون أنهم يشنون هجماتهم البحرية لمنع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، في سياق مساندتهم للفلسطينيين في غزة، وأخيراً لمساندة «حزب الله» في لبنان.
22 غارة
وكان إعلام الحوثيين أفاد بتلقي الجماعة نحو 22 غارة بين يومي السبت والثلاثاء الماضيين، إذ استهدفت 3 غارات، الثلاثاء، منطقة الفازة التابعة لمديرية التحيتا الواقعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية التي تتخذ منها الجماعة منطلقاً لشن الهجمات البحرية، واستقبال الأسلحة الإيرانية المهربة.
ويوم الاثنين، اعترفت الجماعة أنها تلقت 7 غارات وصفتها بـ«الأميركية والبريطانية»، استهدفت منطقة حرف سفيان شمال محافظة عمران، إلى جانب غارتين استهدفتا منطقة الرحبة في مديرية الصفراء التابعة لمحافظة صعدة، حيث المعقل الرئيسي للجماعة.
كما أقرت بتلقي 4 غارات استهدفت منطقة جربان في الضواحي الجنوبية لصنعاء، إلى جانب غارة استهدفت معسكر «الحفا» في صنعاء نفسها، وغارتين ضربتا منطقة حرف سفيان في محافظة عمران، يوم الأحد.
وبدأت الموجة الجديدة من الضربات الغربية المتتابعة، مساء السبت الماضي؛ إذ استهدفت 3 غارات معسكرات الجماعة ومستودعات أسلحتها في منطقتي النهدين والحفا في صنعاء.
وبلغت الغارات الغربية التي استقبلها الحوثيون نحو 800 غارة، بدءاً من 12 يناير الماضي (كانون الثاني)؛ كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية لأول مرة، في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في استهداف المواقع المحصّنة للجماعة في صنعاء وصعدة.
يشار إلى أنه منذ نوفمبر 2023، تبنّت الجماعة الحوثية قصف أكثر من 200 سفينة، وأدت الهجمات في البحر الأحمر إلى غرق سفينتين وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، وإصابة آخرين في هجوم ضد سفينة ليبيرية.
وتقول الحكومة اليمنية إن الضربات الغربية ضد الجماعة غير مجدية، وإن الحل الأنجع هو دعم القوات الشرعية لاستعادة الحديدة وموانيها، وصولاً إلى إنهاء الانقلاب الحوثي، واستعادة العاصمة المختطفة صنعاء.