ناصر بن سلطان العموري
abusultan73@gmail.com
في الوقت الذي كنت أهمُّ فيه بالكتابة عن موضوع آخر غير الذي بين أيديكم الآن، تغيرت بوصلة القلم وتغيَّر معها موضوع المقال بالكامل، بعدما تواصل معي شاب من شباب هذا الوطن من الباحثين عن عمل، طرح عليَّ مُناشدته، وفي اعتقادي أنها مناشدة العديد من الشباب العماني من الجنسين ممن يشتركون معه نفس الشجون والهموم، كانت كلماته تقطر آسًى وعتابًا مما يحصل وكيف للجهات ذات العلاقة أن تكون أكثر مرونة من باب التسهيل والتيسير وتقدير ظروف المواطن.
"تقدمت للتنافس على وظيفة فنية عن طريق إعلان لوزارة العمل، بعدما وردتني رسالة نصية عن موعد الاختبار التحريري لوظيفة تابعة لجهة حكومية، وتم تحديد الزمان والمكان، فتحمست للمقابلة لاسيما أنها في نفس مجال تخصص دراستي، بعد دراسة دامت عدة سنوات في إحدى كليات السلطنة التخصصية، وبعد انتظار فرصة عمل والتنقل بين شركات القطاع الخاص؛ حيث لا استقرار ولا اطمئنان لا سيما مع الشركات ذات الأغلبية الوافدة.
بنيتُ الأماني والأحلام على هذه الوظيفة، وتجشمت عناء المسير من محافظتي التي تبعد مئات الأميال عن محافظة مسقط، وبعد وصولي لمكان الاختبار إذا بي أتفاجأ بمئات المتقدمين لنفس الوظيفة، عرفت لاحقا أنَّ العدد المطلوب شخص واحد لشغل الوظيفة، والحضور كان فوق 400 شخص، ذُهلت بعدها وصُعقت، وسألت نفسي مع الإيمان بالقضاء والقدر والنصيب كم ستكون نسبتي للحصول على هذه الوظيفة في ظل هذا العدد الكبير للغاية؟ ولماذا لا يتم عقد هذه الامتحانات عن بُعد ونحن في عصر التقنية والبرامج الذكية؟ لا أن يتم تكليف الشباب المتقدمين وأغلبهم الباحثين عن عمل ويكاد كل منهم لا يملك قوتَ يومه؟ فهناك من تكلَّف شراء تذكرة سفر خصوصا القاطنين في محافظة مسندم وظفار، وهناك من اقترض مبلغا من المال لملء خزان السيارة التي استلفها من قريب أو صديق، كلهم جاءوا مُتجشمين عناء المسير لمئات الكيلومترات، فلِمَ لا يتم زيادة عدد الوظائف إنْ كانت أعداد المتقدمين كبيرة، أو العكس تقليص أعداد المتقدمين إنْ كانت فرص العمل قليلة؟ وفي الأساس: لمَ لا يتم إشعار المتقدمين عن العدد مُسبقا؟
وبالأساس، لو كنت أعلم عدد المتقدمين لما حضرت على أمل الحصول على فرصة عمل أخرى لنفس تخصصي لعدد أقل، وربما تكون نسبة قبولي أكبر، أو أن أنتظر فرصة عمل من الجهات العسكرية؛ فهناك ربما تكون الحظوظ أكبر نظرا لحاجتهم لأعداد أكثر.. أتمنى أن تصل كلماتي هذه للمسؤولين في وزارة العمل ولكل من يهمه أمر شباب عُمان جيل المستقبل، وما أقول إلا يسِّروا ولا تعسروا".
مُناشدة مُؤثرة وتحمل هاجسًا ليس لهذا الشاب فحسب، وإنما لعديد من شباب هذا الوطن الذين يحلمون بوظيفة يُؤسِّسون فيها مستقبلهم ويبنون حياتهم القادمة.
والسؤال المطروح هنا: في ظل توجه الدولة لتطبيق الحكومة الإلكترونية، وحث الجهات على تطبيقها في جميع مناحي المعاملات الحكومية والخدمات الخارجية، أو تلك التي تُعنى بالمراجع، وآخر مثال على نجاح تطبيق التقنية في برنامج "انتخب"، والخاص بالانتخاب الإلكتروني لانتخابات الدورة العاشرة لعضوية مجلس الشورى، فلِمَ لا يتم إدخال التقنية هنا للتسهيل على المتقدمين للاختبار عن بُعد، خصوصا وأنَّ الامتحان تحريري، ولا يتطلب الحضور للمقابلة الشخصية؟ وعليه، أقترح في حال وجود عدد محدود لا يزيد على وظيفة شاغرة في مقابل عدد كبير من المترشحين، ينبغي التواصل مع أقديمة الخريجين لإعطاء الفرصة لهم، في ظل محدودية الوظائف، ويكون الامتحان التحريري عن بُعد عبر رابط، وبعدها عند المقابلة الشخصية يُمكنهم استدعاء المرشحين شخصيًّا للحضور، بعد أن يتم فرزهم بواسطة نتائج الامتحان التحريري.
استخدام التكنولوجيا والاستعانة بالذكاء الاصطناعي تطوَّر اليوم إلى درجة غير مسبوقة، فيا حبَّذا لو تم استخدامها في التسهيل على المواطنين والمراجعين والباحثين عن عمل، ومن المفترض والبديهي أن تكون هناك شبكة مرتبطة مع جميع الجهات ومتوفرة في كل محافظات السلطنة تُغنِي المواطن الباحث عن الخدمة في المؤسسة الحكومية عن تجشم عناء السفر والمسير إلى العاصمة مسقط!!
فهل هذا موجود بالفعل؟ الواقع للأسف يقول عكس ذلك إلا من رحم ربي من بعض الجهات التي تعد على الأصابع، لذا أتمنى أن يتم تعديل المسار عما قريب تزامنا مع ما تنتهجه الحكومة وتصبو إليه من خلال تحويل جميع المعاملات والمراسلات إلكترونيًّا، مما سينعكس إيجابا على الخدمة التي تقدم للمواطن.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تعلم من القرآن.. كيف تكون صاحب حكمة؟
تعد الحكمة من أعظم النعم التي يمنحها الله لعباده، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم باعتبارها هبة عظيمة ترفع الإنسان في درجات الفهم والإدراك، كما في قوله تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة: 269).
وفي تفسيره لهذه الآية، أشار الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، إلى أن الحكمة مأخوذة من الجذر الثلاثي (ح-ك-م)، والذي يحمل دلالات متعددة تشمل الضبط والإتقان، القضاء والفصل بين الناس، والتوجيه نحو الصواب.
ما هي الحكمة؟الحكمة ليست مجرد معرفة الحقائق أو امتلاك المعلومات، بل هي القدرة على استخدامها في الوقت والمكان المناسبين، واتخاذ القرارات الصائبة بناءً على فهم عميق للواقع. ويمكن تلخيص معاني الحكمة في النقاط التالية:
ضبط الأمور وإتقانها: الحكيم لا يتصرف باندفاع أو عشوائية، بل يزن الأمور بدقة.رفع النزاعات والخصومات: الحكمة تساعد على تهدئة الخلافات وحل المشكلات بطريقة عادلة ومتزنة.الامتثال لأوامر الله ونواهيه: الحكيم هو من يدرك أن الالتزام بشرع الله هو السبيل إلى النجاح الحقيقي.وضع الأمور في أماكنها الصحيحة: الحكيم يعرف متى يتكلم ومتى يصمت، متى يتدخل ومتى يتجنب المواجهة.الحكمة في القرآن والسنةوُصف القرآن الكريم بأنه "محكم"، أي متقن ودقيق في أحكامه، مما يجعله مرجعًا أساسيًا للحكمة. كما أن القضاء بين الناس يُعرف بـ"الحكم"، لأنه وسيلة لحسم النزاعات، وأوامر الله تُسمى "حكم الله"، لأنها تحقق التوازن والعدالة في المجتمع.
وقد جاءت تعاليم النبي ﷺ وإرشادات الصحابة مليئة بالدعوة إلى الحكمة، ومن ذلك قول الإمام علي رضي الله عنه: "ليس كل ما يعلم يقال." وهذا ينسجم مع حديث النبي ﷺ: "خاطبوا الناس على قدر عقولهم."
كيف تكون حكيماً؟لا يُولد الإنسان حكيماً، بل يكتسب الحكمة من خلال الخبرة والتعلم والتفكر. ولكي يكون الإنسان حكيماً، عليه أن يدرك:
الزمان والمكان المناسبين للكلام أو الفعل.الشخص الذي يخاطبه ومستوى وعيه وثقافته.الظروف المحيطة بالموقف، ومدى تأثير كلماته أو أفعاله.الهدف النهائي من تصرفه، وما إذا كان سيؤدي إلى منفعة أم ضرر.التوقيت والتقدير في الكلاممن أهم علامات الحكمة أن يعرف الإنسان متى يتكلم ومتى يصمت. وقد عبر الإمام الشافعي عن ذلك بقوله: "الكلمة تملكها قبل أن تقولها، فإذا قلتها ملكتك."
إن طرح الأفكار أو المعلومات في وقت غير مناسب قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ولذلك من الضروري أن يسأل الإنسان نفسه قبل أن يتكلم:
هل هذا هو الوقت المناسب؟هل المستمعون مستعدون لفهم هذه الحقيقة؟هل ستُحدث كلماتي تأثيرًا إيجابيًا أم أنها ستزيد الأمور تعقيدًا؟لا تتصدر قبل أن تتعلممن الأخطاء التي يقع فيها البعض التسرع في إبداء الرأي أو التحدث في أمور لم يكتسبوا فيها الخبرة الكافية. وقد قيل: "من تصدر قبل أن يتعلم، كمن تذبّب قبل أن يتحصرم"، أي ادّعى النضج وهو لا يزال غير مؤهل.
إن الحكمة ليست مجرد معرفة، بل مسؤولية، وهي لا تأتي بالتسرع والاندفاع، بل بالتأني والتعلم والتجربة. فمن أراد أن يكون حكيماً، فليبدأ بإصلاح نفسه، وليتعلم متى يتحدث ومتى يصمت، ومتى يتقدم ومتى يتراجع، فالحكمة الحقيقية هي مفتاح الخير الكثير.