رسالة إلى الحقل التربوي
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
جابر حسين العماني
Jaber.alomani14@gmail.com
لوحة كبيرة كُتب عليها اسم المدرسة، وعبارة: "وزارة التربية والتعليم"؛ فلا تمر على مدرسة من مدارس أبنائنا وبناتنا الطلبة والطالبات إلا وترى تلك اللوحة منصوبة في الواجهات المدرسية، و"التربية" و"التعليم" كلمتان لهما دلالاتهما الواضحة والمهمة في تربية الأجيال على مبادئ الثقافة الإسلامية وتزويدهم بالمفاهيم والممارسات الأخلاقية والعلمية.
ولا يُنكر أحدٌ منا فضلَ المعلم وأهمية دوره، وضرورة تفاعل الكادر التدريسي والإداري في وعي وتطبيق مفردتي "التربية" و"التعليم" في أوطاننا العربية والإسلامية، فلولا "التربية" و"التعليم" -رسالة وممارسة- لما وصل الإنسان العربي اليوم ليكون معلمًّا وعالمًا وطبيبًا ومهندسًا وطيارًا، يفيدون بعلمهم وخبراتهم مجتمعاتهم وأوطانهم وأسرهم، متيقنين في ذلك أن "التربية" و"التعليم" مسؤولية جماعية، لا تقتصر على الأبويين في نطاق الأسرة وإنما هي مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق مختلف أبناء المجتمع ومؤسساته، كل حسب إمكاناته وطاقاته المتوفرة، والتي يجب أن تسخر من خلال الاستفادة من الأسرة والمجتمع والمدرسة والمسجد والنادي.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ".
هنا، وفي هذا المقال لا أريد الحديث عن الحياة الوردية التي تعيشها مدارسنا، فتلك جهود يُشكر عليها الجميع، وإنما أود التعرض لشيء من النقد البناء والهادف لبعض السلوكيات التي نراها جلية وواضحة في بعض مدارسنا التعليمية؛ مما جعل من بعض أبنائنا وبناتنا لا يبالون أحيانا بأهمية دور التربية والتعليم في حياتهم الأسرية والاجتماعية، لما يرونه من تناقضات.
هناك بعض الممنوعات المفروضة على الطلبة والطالبات داخل المدرسة؛ بهدف تحقيق وحفظ النظام، وهو في حد ذاته أمر مطلوب ومرغوب بل لابد منه، ولكن الغريب في الأمر عندما يُمنع الطالب من فعل شيء وفي المقابل المعلم يُمارس نفس الفعل الذي منع منه الطالب وأمام طلابه، يا تُرى ألا ينبغي أن يكون المعلم القدوة الأولى في المدرسة وخارجها؟
ولكم في ذلك بعض الأمثلة التي قد لا يختلف عليها اثنان، والتي نسأل الله تعالى أن تتغير إلى الأفضل والأجمل والأكمل، لتسير العملية التعليمية بأبهى وأجمل صورها؛ وهي كالتالي:
- المثال الأول: في مدارسنا اليوم تُمنع الطالبات من وضع الماكياج، وإطالة الأظافر، ولبس الذهب، وارتداء الزينة، لكي لا تكون المدرسة محلاً أو معرضا للأزياء، فيفرض على الطالبات ارتداء الزي الموحد، بينما في المقابل يسمح للمعلمات والمديرات والإخصائيات وضع الماكياج وإطالة الأظافر ونقش الحناء ولبس الذهب وأنواع اللباس، وكل ذلك يتم أمام الطالبات الممنوعات من كل ذلك! فهل يا تُرى يطلق على هذا التصرف تربية وتعليمًا؟
- المثال الثاني: في مدارسنا يُمنع الطالب من التعدي على الغير بالضرب؛ فذلك أمر لا يليق به، ولا بالتعاليم الإسلامية والدينية والأخلاقية التي يؤمن بها والتي تربَّى عليها، بينما في المقابل هناك بعض المعلمين الذين ما زالوا يمارسون عملية الضرب بشكل علني ويومي في حرم المدرسة وفصولها الدراسية، مخالفين بذلك للقانون الذي ينصُّ على منع ذلك، فهل هذا التصرف تربية أو تعليم؟
- المثال الثالث: في مدارسنا يُمنع الطالب من إطالة شعر رأسه، وهو أمر حسن لإظهار الطالب بالشكل اللائق أمام الجميع، ولكن في المقابل هناك بعض المعلمين الذين يُطِيلون شعورهم بحيث تكون واضحة من تحت عمائمهم، فهل هذا التصرف يطلق عليه تربية وتعليمًا؟
يا تُرى، أليس المعلم هو القدوة الحسنة والمخول لوضع اللبنة التربوية والتعليمية الثانية في تربية الأبناء بعد الأسرة بالسبل التربوية والعلمية النافعة؟ إذن لماذا يفعل ذلك؟ وقد قال الله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (آل عمران:110)، واشتهر شعر الدُّؤلي الذي سار كالأمثال والذي يقول فيه:
"لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ**عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ".
لذا؛ أرى من الواجب على الجهات المختصة الإسراع في سن قانون يجعل من عملية التربية والتعليم تسير بشكل أفضل وأحكم، فكما يمنع الطالب من فعل شيء قد يسيء فيه لنفسه أو للعملية التربوية والتعليمية، كذلك ينبغي منع ذلك الشيء على المعلمين والمديرين والإخصائيين الذين لا يلتزمون بجانب التربية والتعليم لتسير العملية التربوية والتعليمية بشكلها اللائق التي يجب أن تكون عليه.
وختاما.. اليوم ونحن في عصر العولمة ودخول الكثير من الثقافات الغربية إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية أصبح أبناؤنا بحاجة ماسة للقدوة الحسنة سواء في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع، وبما أن حديثنا هنا عن المدرسة فلابد من إيجاد القدوة الحسنة على مستوى المعلم والمدير والإخصائي، أولئك الذين يجب أن يكونوا على قدر عال من الوعي والإيمان وتقوى الله تعالى؛ بحيث إذا وقفوا أمام الطلبة والطالبات بثوا في نفوسهم معالي الأخلاق وكريم القيم وغرسوا في سلوكهم طاعة الله تعالى وعبادته، وارتقوا بأجيالنا وطلابنا نحو الكمال الروحي والسلوكي المنشود والمواطنة الصالحة تحقيقا لمبدأ الاستخلاف في الأرض إذ يقول الحق: "إني جاعل في الأرض خليفة".
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأب ميلاد سقيم: الكهنوت رسالة سامية وخدمة مخلصة للآخر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحدث الأب ميلاد سقيم، الراهب في جمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة، عن تجربته الطويلة في الحياة الكهنوتية، مشيرًا إلى كيف كرس حياته لخدمة الآخرين وتقديم الدعم الروحي للمجتمع.
يقول الأب ميلاد: "في كل صباح، أتّكل على نعمة الله وأسأل روحه القدوس أن يكون حاضرًا معي، وألمس حضور الله في وجوه الناس." ويضيف أن الكهنوت بالنسبة له هو رسالة سامية تحمل محبة الله للبشر، حيث يسعى دائمًا إلى أن تكون رسالته مليئة بالسلام والمحبة، مجسدًا صورة الله في كل أعماله.
ويشرح الأب ميلاد تجربته في التعامل مع التحديات والصعوبات، مشيرًا إلى أنه يتخطاها بالصلاة والتسليم لمشيئة الله، ويقول: "من المؤكد أن الإنسان الذي يسعى إلى صنع الخير يتعرض للمضايقات، لكن يجب ألا نرد الشر بالشر".
كما أكد الأب ميلاد أن عمله الحالي كمرشد روحي لمكتب ذوي الإعاقة في الدائرة البطريركية في بكركي قد أضاف له الكثير من الخبرة الروحية والإنسانية، قائلاً: "كل إنسان لديه إعاقته الخاصة، سواء كانت ظاهرة أو مخفية، ويجب علينا أن نتقبل هذه الإعاقات ونستثمرها لتحقيق الخير".
ويختتم الأب ميلاد حديثه قائلاً: "الكهنوت هو حضور الله بين شعبه، وأنا أضع كل طاقاتي بين يديّ الرب ليبارك ضعفي ويُحوّله إلى قوة في خدمة الآخر".