مكي المغربي: حصاد المياه في ولاية القضارف، الفرص والتحديات
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
أكتب حاليا في سلسلة من المقالات حول قضايا حصاد المياه والتحول المناخي وقد اخترت منطقة القضارف، إذ كان لا بد من تحديد نموذج في سياق الدراسة المتخصصة. ولكن لماذا القضارف؟ الجواب،هنالك مناطق تزيد فيها أهمية حصاد المياه للرعي والثروة الحيوانية، وهنالك مناطق الأهمية فيها للزراعة، وكل ذلك بنسب متفاوتة، ولكن في القضارف يضاف إلى هذا وذاك الحياة البرية والغابات، ويضاف إلي ذلك ارتباط المياه والزراعة بصراعات داخلية وحدودية، وموجات من النازحين واللاجئين منذ الستينات ولم تتوقف حتى الآن، ويضاف إلى كل هذا أن القضارف تعوم فوق حوض مياه ضخم مساحته ٥٢ ألف كم مربع، وهو بحجم ولاية ألباما الأمريكية أو ضعف دولة جيبوتي.
1/ إما البندقية أو المضخة!
من مشكلات أفريقيا وتحديدا منطقة القرن الأفريقي أن الصراع على الموارد الطبيعية يؤدي إلى التوتر السياسي المستمر بين الدول وداخلها، ثم يؤدي التوتر إلى ندرة الموارد بسبب الحرب والنزوح واللجوء. هذه الحلقة الخبيثة تحصد الأرواح وتقضى على أي أمل في الاستقرار والسلام. الجدير بالذكر أن التفريق بين صراع داخلي وآخر عابر للحدود لم يعد ممكنا، وذلك لأن اندلاع أي صراع داخلي يعني انتشار السلاح والجريمة، ومنها تتسع الدائرة الملتهبة لتشمل مساحات أوسع وقبائل مشتركة بين البلدان، ثم تنفجر الأوضاع في الدول المجاورة، أو على الأقل تنتشر عصابات إجرامية على الحدود بسبب انتشار السلاح، وهذا يعني أنه اذا لم تتم إدارة الموارد بصورة جيدة لن تتوقف الصراعات، ستستمر بالذات حول أهم مورد وهو المياه، وإذا لم تعمل مضخات المياه لن تسكت البنادق والمدافع.
يجب أن تنتبه حكومات السودان و إثيوبيا وإرتريا إلى أن الإدارة المشتركة لقضايا حصاد المياه والتزويد العاجل لأماكن نقص المياه في الحوض الجوفي المشترك أمر مهم، ولا يقل أهمية البتة عن مياه النيل والأنهر المشتركة. أيضا يجب الانتباه من جميع الأطراف أن السلام لن تفرضه إتفاقيات سياسية وضغوط وعقوبات خارجية، وأنه يحتاج إلى تعاون على أرض الواقع، يحتاج إلى مشاريع مشتركة أكثر من قوات مشتركة.
فيما يلي السودان وإثيوبيا من الممكن أن يتحول المشروع المشترك لإدارة الموارد المائية لحوض القضارف أديقرات إلى الجسر الحقيقي للعبور من سوء التفاهم إلى الثقة الكاملة.
2/ الموت غرقا وعطشا في ذات الوقت.
من المفارقات المزعجة للغاية ألا تتوفر المياه للشرب بينما تهدم الأمطار بمياهها العذبة الصافية البيوت فوق رؤوس المواطنين، وتجتاح السيول منطقة، بينما تتضرر الزراعة في منطقة مجاورة بسبب قلة المياه. يصاب الإنسان والحيوان والنبات بالعطش بالرغم من وفرة المياه لدرجة الغرق في فيضان نهر الرهد.
الأسوأ من ذلك، تنتشر المسطحات المائية في مناطق بينما تجف الآبار في أخرى، والسبب هو عدم تنسيق خطط حصاد المياه والتي يمكن أن تنجح في تجديد مليء مستودعات المياه السطحية والتي توقف استنزاف المياه الجوفية. توجد مشاريع مياه طموحة وناجحة في مناطق ولكن التخطيط والتنفيذ المشترك بات أمرا ضروريا.
3/ الموت بالمياه، والحياة بالمياه.
ضربت حمى الضنك ولاية القضارف بعنف بسبب البعوضة الزاعجة، وربما تكون هنالك جهود مقدرة في الرش المنزلي وفي الأحياء السكنية ولكن هذا ليس كافيا للقضاء على الزاعجة ولا على الأنوفليس ولا أي نوع من ناقلات الأمراض أو الذباب والمياه الملوثة وأسباب للكوليرا. طالما المسطحات المائية تتشكل عشوائيا، وطالما يصعب السيطرة علي تكوينها يصبح من المستحيل تطهيرها. وهنا يتضح أن فوائد حصاد المياه ليست توفير المياه فقط، ولكن تحديد أماكن التجميع بحيث يسهل على السلطات المحلية والمشاريع الاستفادة منها والوصول إليها أيضا بغرض تطهيرها. بمعنى أنه بغير حصاد المياه وتنظيم أماكن تجميعها تصبح مهمة السلطات في تنظيفها شبه مستحيلة.
4/ يا سمسم القضارف!
من في السودان لا يعرف أغنية “سمسم القضارف”؟ ليس في السودان وحده، بل تعتبر من ضمن الأغاني المحبوبة في إثيوبيا وارتريا بسبب التداخل الثقافي وشعبية الأغاني السودانية في القرن الأفريقي ومنطقة السافنا. اشتهرت القضارف بالسمسم ضمن محاصيل الزراعة المطرية الآلية. توجد محاصيل أخرى، الذرة والقطن وتوجد زراعة مروية، وتوجد غابات منتجة وحامية للحياة البرية.
الزراعة في القضارف تزدهر أكثر بمشاريع حصاد المياه، ونهر الرهد بدلا من أن يفيض ويحطم القرى ويغمر المزروعات الأولى تدشين مشروع إعادة مليء الخزانات الجوفية بفائض المياه السطحية.
أيضا العلاقة بين الزراعة والمياه ليست إيجابية في كل الأحوال. أحيانا تتلوث أحواض المياه والآبار السطحية بسبب
السماد إذا لم يكن بالمواصفات المطلوبة.
الخلاصة أن حصاد المياه ضرورة للأمن والصحة، قبل أن يكون ضرورة للزراعة والرعي والحياة البرية.
نرحب بآراء وإفادات المختصين والمهتمين بالأمر.
مكي المغربي
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: حصاد المیاه
إقرأ أيضاً:
هل صارت الخدمات من أدوات الصراع السياسي في السودان؟
الخرطوم- بعد أكثر من 20 شهرا من الأزمة السودانية، صعدت قوات الدعم السريع من اتهامها للحكومة، باستخدام الخدمات والتعليم واستبدال العملة وإصدار الأوراق الثبوتية، سلاحا ضد المواطنين الذين يعيشون في مناطق سيطرتها، مما عده مسؤول حكومي كبير تبريرا سياسيا لإيجاد مسوغات لتشكيل حكومة موازية.
وبدأ بنك السودان المركزي، منذ 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري ولمدة أسبوعين، عملية استبدال الفئات الكبيرة من العملة الوطنية (500 و1000 جنيه) لتصبح بعدها غير مبرئة للذمة. وحدد مراكز للاستبدال في مدن آمنة بعد تعذر عمل المصارف في مناطق سيطرة الدعم السريع بعد نهبها وتدميرها وغياب الأمن وإغلاق الطرق منذ الأيام الأولى للحرب مما يجعل نقل السيولة النقدية غير ممكن.
من جانبه، أكد وزير التربية والتعليم المكلف أحمد خليفة عمر، خلال مؤتمر صحفي في بورتسودان -اليوم السبت- اكتمال الاستعدادات لإجراء امتحانات الشهادة الثانوية المؤهلة للجامعة للدفعة المؤجلة ( للعام 2023) بسبب الحرب، مشيرا إلى وجود أرقام احتياطية لكل الولايات لتمكين كافة الطلاب الراغبين من أداء الامتحان.
اتهامات
وأفاد الوزير خليفة عمر بأن عدد الذين سيجلسون للامتحانات بلغ 343 ألفا و644 طالبا أي بنسبة 83% من الطلاب الذين سجلوا قبل الحرب، وهم أكثر من 570 ألفا، سيجلسون في 2300 مركز في داخل البلاد و59 مركزا في 15 دولة بها 46 ألفا و553 ممتحنا، بالإضافة إلى 120 ألفا و721 طالبا نازحا من 11 ولاية.
إعلانوحددت وزارة التربية المناطق التي سيمتحن بها الطلاب في الولايات المتأثرة بالحرب وتكفلت الحكومة بترحيلهم وإيوائهم وإعاشتهم خلال فترة الامتحانات التي تستمر 12 يوما.
من جهتها، اعتبرت قوات الدعم السريع أن قرار استبدال العملة تنطوي عليه "مؤامرة خبيثة" تستهدف تقسيم البلاد، وقررت منع التعامل مع إجراءات الاستبدال، مؤكدة سريان التعامل بالعملات الحالية. كما أعلنت رفضها إجراء امتحانات الشهادة الثانوية في 28 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
واتهمت منظمات حقوقية، منها هيئة محامي دارفور ومرصد حقوق الإنسان وناشطون، قوات الدعم السريع بمنع الطلاب في مناطق سيطرتها من الانتقال إلى الولايات الآمنة لأداء الامتحانات بعدما سجلوا إلكترونيا وشجعتهم أسرهم على السفر، وبفرض رسوم على بعضهم في مقابل السماح لهم بالمغادرة، حسب منصة وسط السودان.
وقال مسؤول في المكتب الإعلامي للدعم السريع إن "حكومة بورتسودان" تعاقب المواطنين في مناطق سيطرتها وتحرمهم من التعليم والصحة واستبدال العملة، واعتبرتها سياسة ممنهجة.
وفي حديث للجزيرة نت، يوضح المسؤول -الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته- أنهم لم يمنعوا الطلاب من مغادرة مناطقهم لأداء الامتحان، لكن يخشون اعتقالهم من "سلطات جيش وأمن البرهان" التي تصنف كل من يأتي من مناطق سيطرتها متعاونا معهم وتحاكمهم بالسجن.
مزاعمفي المقابل، يقول مسوؤل حكومي كبير إن قوات الدعم السريع تحاول الترويج لمسوغات سياسية لتشكيل سلطة في مناطق سيطرتها مع جهات سياسية "تحت مزاعم حرصها على حقوق المواطنين التي منعوا منها". وأضاف للجزيرة نت أنه "طوال تاريخ السودان تجري امتحانات الشهادة الثانوية في أوقات الحروب بالمناطق الآمنة، ويتم نقل الطلاب من مناطق الصراع إلى الأقاليم الآمنة".
وتم الترتيب لطلاب إقليم دارفور وبعض مناطق إقليم كردفان بعد تسجيل مواقع وجودهم إلكترونيا، وصدرت أرقام لهم لكن قوات الدعم السريع منعتهم من مغادرة مواقعها مما يشير إلى أنها تريد استخدامهم ورقة سياسية وليس حرصا عليهم، وفقا للمتحدث الذي رفض الكشف عن هويته.
إعلانواتهم المسؤول ذاته الدعم السريع بنهب وتدمير المدارس والمصارف في مناطق سيطرتها، و"لذا لا يمكن أن تعمل المصارف ولا يمكن توصيل السيولة النقدية إليها، وتم تحديد مواقع لاستبدال العملة حتى لا يتضرر المواطنون في الولايات المتأثرة بالحرب".
ويقلل المتحدث نفسه من حديث الدعم السريع عن حرمان مواطنين من الحصول على جواز سفر "لأن مكاتب إصدارها لا تفرق بين المواطنين، وليس من سلطتها رفض إصدار جواز إلا في حال صدر قرار بحقه من النيابة".
آلية صراعمن ناحيته، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد لطيف أن الامتحانات صارت من آليات الصراع في الحرب وتهدد مصير جيل من الطلاب بسبب التوظيف السيئ، مما يؤسس لشرخ في الوجدان السوداني. واتهم ما سماها "سلطة الأمر الواقع في بورتسودان" بعدم مراعاة التركيبة الديمغرافية للسكان فيما يتصل بالامتحانات، مما يحرم أكثر من 30% من الطلاب منها.
وفي تسجيل عبر فيسبوك، يرى الكاتب أن قضية الخلاف حول إجراء امتحانات الشهادة الثانوية اختبار أخلاقي لأطراف النزاع تجاه وحدة السودان، ودعا إلى تجاوز عوامل الصراع والتوافق على خطوات لضمان إجراء كل الطلاب للامتحانات.
غير أن الباحث والمحلل السياسي فيصل عبد الكريم يقول إن تأجيل الامتحانات للدفعة العالقة، منذ مايو/أيار 2023، يهدد جيلا كاملا ويحدث إرباكا في التعليم العام والعالي، لأن دفعة 2024 كان ينبغي أن تجلس للامتحان في يونيو/حزيران الماضي لكن تم إرجاؤه حتى مارس/آذار 2025.
ويقول عبد الكريم للجزيرة نت إن استبدال العملة عملية اقتصادية وأمنية بعد نهب أموال المصارف المعدة للتداول من مطابع العملة، حيث "قدرت السلطات أن ما نهبته قوات الدعم السريع يتجاوز ما يعادل 350 مليون دولار"، إلى جانب تفشي التزوير. كما أن وجود مناطق غير آمنة لا تستبدل فيها العملة -برأيه- لا يعني استهداف مواطنين في مناطق سيطرة الدعم السريع.
إعلانووفقا له، فإن قيادة الدعم السريع تسعى إلى استخدام مشكلة الخدمات لمواجهة الحكومة بهضم حقوق مواطنين في خارج مناطقها للتغطية على ما ارتكبته من جرائم وانتهاكات رصدتها المنظمات الحقوقية، والتأسيس لفرض واقع سياسي بعدما عجزت الإدارات المدنية التي أنشأتها في مناطق سيطرتها عن تقديم أي خدمة للمواطن أو توفير الأمن.