أكتب حاليا في سلسلة من المقالات حول قضايا حصاد المياه والتحول المناخي وقد اخترت منطقة القضارف، إذ كان لا بد من تحديد نموذج في سياق الدراسة المتخصصة. ولكن لماذا القضارف؟ الجواب،هنالك مناطق تزيد فيها أهمية حصاد المياه للرعي والثروة الحيوانية، وهنالك مناطق الأهمية فيها للزراعة، وكل ذلك بنسب متفاوتة، ولكن في القضارف يضاف إلى هذا وذاك الحياة البرية والغابات، ويضاف إلي ذلك ارتباط المياه والزراعة بصراعات داخلية وحدودية، وموجات من النازحين واللاجئين منذ الستينات ولم تتوقف حتى الآن، ويضاف إلى كل هذا أن القضارف تعوم فوق حوض مياه ضخم مساحته ٥٢ ألف كم مربع، وهو بحجم ولاية ألباما الأمريكية أو ضعف دولة جيبوتي.

يمتد حوض مياه القضارف – أدقرات بين السودان وإثيوبيا وفيه مخزون هائل من المياه السطحية والجوفية. هذا الحوض له نصيب واجب في حصاد المياه لتزويده باستمرار حتى يتجدد ولا يتم استغلاله بطريقة جائرة.

1/ إما البندقية أو المضخة!
من مشكلات أفريقيا وتحديدا منطقة القرن الأفريقي أن الصراع على الموارد الطبيعية يؤدي إلى التوتر السياسي المستمر بين الدول وداخلها، ثم يؤدي التوتر إلى ندرة الموارد بسبب الحرب والنزوح واللجوء. هذه الحلقة الخبيثة تحصد الأرواح وتقضى على أي أمل في الاستقرار والسلام. الجدير بالذكر أن التفريق بين صراع داخلي وآخر عابر للحدود لم يعد ممكنا، وذلك لأن اندلاع أي صراع داخلي يعني انتشار السلاح والجريمة، ومنها تتسع الدائرة الملتهبة لتشمل مساحات أوسع وقبائل مشتركة بين البلدان، ثم تنفجر الأوضاع في الدول المجاورة، أو على الأقل تنتشر عصابات إجرامية على الحدود بسبب انتشار السلاح، وهذا يعني أنه اذا لم تتم إدارة الموارد بصورة جيدة لن تتوقف الصراعات، ستستمر بالذات حول أهم مورد وهو المياه، وإذا لم تعمل مضخات المياه لن تسكت البنادق والمدافع.

يجب أن تنتبه حكومات السودان و إثيوبيا وإرتريا إلى أن الإدارة المشتركة لقضايا حصاد المياه والتزويد العاجل لأماكن نقص المياه في الحوض الجوفي المشترك أمر مهم، ولا يقل أهمية البتة عن مياه النيل والأنهر المشتركة. أيضا يجب الانتباه من جميع الأطراف أن السلام لن تفرضه إتفاقيات سياسية وضغوط وعقوبات خارجية، وأنه يحتاج إلى تعاون على أرض الواقع، يحتاج إلى مشاريع مشتركة أكثر من قوات مشتركة.

فيما يلي السودان وإثيوبيا من الممكن أن يتحول المشروع المشترك لإدارة الموارد المائية لحوض القضارف أديقرات إلى الجسر الحقيقي للعبور من سوء التفاهم إلى الثقة الكاملة.
2/ الموت غرقا وعطشا في ذات الوقت.

من المفارقات المزعجة للغاية ألا تتوفر المياه للشرب بينما تهدم الأمطار بمياهها العذبة الصافية البيوت فوق رؤوس المواطنين، وتجتاح السيول منطقة، بينما تتضرر الزراعة في منطقة مجاورة بسبب قلة المياه. يصاب الإنسان والحيوان والنبات بالعطش بالرغم من وفرة المياه لدرجة الغرق في فيضان نهر الرهد.

الأسوأ من ذلك، تنتشر المسطحات المائية في مناطق بينما تجف الآبار في أخرى، والسبب هو عدم تنسيق خطط حصاد المياه والتي يمكن أن تنجح في تجديد مليء مستودعات المياه السطحية والتي توقف استنزاف المياه الجوفية. توجد مشاريع مياه طموحة وناجحة في مناطق ولكن التخطيط والتنفيذ المشترك بات أمرا ضروريا.

3/ الموت بالمياه، والحياة بالمياه.
ضربت حمى الضنك ولاية القضارف بعنف بسبب البعوضة الزاعجة، وربما تكون هنالك جهود مقدرة في الرش المنزلي وفي الأحياء السكنية ولكن هذا ليس كافيا للقضاء على الزاعجة ولا على الأنوفليس ولا أي نوع من ناقلات الأمراض أو الذباب والمياه الملوثة وأسباب للكوليرا. طالما المسطحات المائية تتشكل عشوائيا، وطالما يصعب السيطرة علي تكوينها يصبح من المستحيل تطهيرها. وهنا يتضح أن فوائد حصاد المياه ليست توفير المياه فقط، ولكن تحديد أماكن التجميع بحيث يسهل على السلطات المحلية والمشاريع الاستفادة منها والوصول إليها أيضا بغرض تطهيرها. بمعنى أنه بغير حصاد المياه وتنظيم أماكن تجميعها تصبح مهمة السلطات في تنظيفها شبه مستحيلة.

4/ يا سمسم القضارف!
من في السودان لا يعرف أغنية “سمسم القضارف”؟ ليس في السودان وحده، بل تعتبر من ضمن الأغاني المحبوبة في إثيوبيا وارتريا بسبب التداخل الثقافي وشعبية الأغاني السودانية في القرن الأفريقي ومنطقة السافنا. اشتهرت القضارف بالسمسم ضمن محاصيل الزراعة المطرية الآلية. توجد محاصيل أخرى، الذرة والقطن وتوجد زراعة مروية، وتوجد غابات منتجة وحامية للحياة البرية.

الزراعة في القضارف تزدهر أكثر بمشاريع حصاد المياه، ونهر الرهد بدلا من أن يفيض ويحطم القرى ويغمر المزروعات الأولى تدشين مشروع إعادة مليء الخزانات الجوفية بفائض المياه السطحية.

أيضا العلاقة بين الزراعة والمياه ليست إيجابية في كل الأحوال. أحيانا تتلوث أحواض المياه والآبار السطحية بسبب
السماد إذا لم يكن بالمواصفات المطلوبة.
الخلاصة أن حصاد المياه ضرورة للأمن والصحة، قبل أن يكون ضرورة للزراعة والرعي والحياة البرية.
نرحب بآراء وإفادات المختصين والمهتمين بالأمر.

مكي المغربي

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: حصاد المیاه

إقرأ أيضاً:

المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية يواجه خطر الانهيار بسبب تسرب المياه

كشف المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية عن وضع كارثي يهدد ذاكرة ليبيا التاريخية، حيث يواجه المبنى خطر الانهيار بسبب تسرب المياه والرطوبة الشديدة.

وحذر رئيس مجلس الإدارة، محمد الجراري، في بيان رسمي من أن هذه الظروف تهدد أكثر من 35 مليون مادة وثائقية ومخطوطة قيمة، تمثل تاريخ ليبيا الثري.

وأوضح البيان أن تسرب المياه من الأسقف والجدران ودورات المياه، بالإضافة إلى المجاري السيئة، أدت إلى زيادة الرطوبة بشكل كبير، مما يهدد بتلف الوثائق والمخطوطات والكتب النادرة، مشيرا إلى أن التصدعات في الخرسانة، نتيجة لتآكل الحديد، تنذر بانهيار محتمل للمبنى.

وأكد الجراري أن المركز ينتظر وصول معدات متطورة من ألمانيا لترميم وصيانة الوثائق، إلا أن الوضع الراهن يمنع تركيب هذه المعدات في ظل تسرب المياه، لافتا إلى أن الشركة الألمانية أرسلت بالفعل المعدات منذ ستة أشهر، وأبدت استعدادها لإرسال خبراء لتركيبها وتدريب الكوادر الليبية، ولكن تم تأجيل ذلك بسبب الظروف السيئة للمبنى

وناشد البيان “كل من يهمه تاريخ ليبيا وثقافتها” للمساعدة في بناء مخزن بمواصفات عالية لحفظ الوثائق التاريخية على أرض المركز.

المصدر: بيان.

المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0

مقالات مشابهة

  • بسبب كسر ماسورة.. ضعف وانقطاع المياه بالإبراهيمية في الإسكندرية
  • اندلاع النيران في مركز لإيواء النازحين في ولاية القضارف
  • قيل ما تتحرك.. خريطة الزحام المروري بطرق ومحاور القاهرة والجيزة
  • إدارة تحت مراقبة العالم.. لمحة عن ولاية ترامب الثانية والقوة والتحديات المقبلة
  • السودان: الدعم السريع توسع هجماتها على مناطق بشمال دارفور
  • تجمد المياه وتحولها إلى ثلوج بسبب انخفاض درجات الحرارة بحائل .. فيديو
  • السودان: نقص السيولة وانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المياه والخبز أزمات متلاحقة بمدينة كسلا
  • المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية يواجه خطر الانهيار بسبب تسرب المياه
  • بيعت في مناطق حدودية وجنوب السودان”.. اتهامات لسلطات جوبا بإهمال مناشدات ضبط الآثار السودانية المسروقة
  • “بيعت في مناطق حدودية وجنوب السودان”.. اتهامات لسلطات جوبا بإهمال مناشدات ضبط الآثار السودانية المسروقة