تقدير موقف.. ما بعد وقف إطلاق النار
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
تقدير موقف.. ما بعد وقف إطلاق النار
لا يمكن الوصول لوقف دائم لإطلاق النار ما لم يتضمن تحريراً كاملاً لقطاع غزة، من أيّ وجود عسكري صهيوني. أي يجب دحر العدوان العسكري.
على من يفكر بنهاية سريعة للحرب في قطاع غزة عليه ألّا ينسى أنها جزء من قضية فلسطين، وما "طوفان الأقصى" إلاّ الشهادة بالاستراتيجية وبالدم.
لا يمكن الوصول لوقف دائم لإطلاق النار ما لم يتضمن تحريراً كاملاً لقطاع غزة، من أيّ وجود عسكري صهيوني. أي يجب دحر العدوان العسكري.
تحرير الأسرى وتبييض السجون على أهميته كانتصار لصمودهم وللشعب كله، لن يكون كافياً. لأن ثمة قضايا راهنة، مهمة جداً، تحتاج إلى أن تصبح على الأجندة.
وقف إطلاق النار لا يحلّ إلاّ مشكلة استمرار القتال، ووقف العدوان الوحشي على أهل القطاع، وما يَحل بهم من تقتيل وتدمير وكوارث إنسانية ومادية، لا حصر لها.
المعادلة التي تحكم نتنياهو الآن هي الرضوخ للضغط الأمريكي لقبول الهدنة بشروط المقاومة، وعدم القدرة على البقاء في الحكم طويلاً، إذا فُرض عليه وقف إطلاق النار.
بايدن يحكمه عدم القدرة على الصمود طويلاً أمام رأي عام ضاغط بسبب دعمه لحرب الإبادة، مع فشل الجيش الصهيوني في الحرب البريّة وعدم قدرته على ابتلاع انتصار المقاومة، وثباتها.
الاحتجاجات العالمية خاصة في الغرب أطاحت بسمعة الكيان وأمريكا والغرب بسبب حرب الإبادة، وجرائم الحرب بحق المدنيين وبيوتهم، وتسوية أحياء بكاملها بالأرض في قطاع غزة.
ما لم يستطع الجيش الصهيوني وأمريكا تحقيقه بالقوّة والصدام لا يمكن لأيّ تشكيل دولي تحقيقه بل هيهات أن يتشكل أصلاً اتفاق بين دول لم تتفق على ما هو أدنى من هذا بكثير.
سيكون ما بعد وقف إطلاق النار استمرار الصراع، وبمعادلة 7 أكتوبر، ومعادلة هزيمة الإبادة والتدمير، وكسب الرأي العام العالمي، ومعادلة الحرب البريّة التي لا بد أن تنتهي ويد المقاومة هي العليا.
* * *
مع الإعلان عن الهدنة الإنسانية لأربعة أيام، ثم تمديدها ليومين، فأكثر، اتجه كثيرون للتفاؤل "المشروع" بقرب الوصول إلى إعلان وقف إطلاق النار. وذلك بسبب استمرار العوامل التي تضافرت لفرض هدنة إنسانية كانت مرفوضة، من قِبَل قادة أمريكا وقادة الكيان الصهيوني.
وهي فشل جيش العدو، بتحقيق أيّ إنجاز عسكري مهم، في الحرب البريّة، مقابل انتصارات للمقاومة من جهة، وتعاظم الاحتجاجات والتظاهرات العالمية خاصة في أمريكا وأوروبا من جهة ثانية، وقد أطاحت بسمعة كل من الكيان وأمريكا، بل الغرب كله، بسبب حرب الإبادة الإنسانية، وجرائم الحرب بحق المدنيين وبيوتهم، وصولاً إلى تسوية أحياء بكاملها بالأرض في قطاع غزة.
فالمعادلة التي تحكم نتنياهو الآن هي الرضوخ للضغط الأمريكي لقبول الهدنة بشروط المقاومة، وعدم القدرة على البقاء في الحكم طويلاً، إذا فُرض عليه وقف إطلاق النار.
أما بايدن فيحكمه عدم القدرة على الصمود طويلاً أمام رأي عام ضاغط، بسبب دعمه لحرب الإبادة، مع فشل الجيش الصهيوني في الحرب البريّة من جانب، كما عدم قدرته على ابتلاع انتصار المقاومة، وثباتها بكامل سلاحها وقوّتها في قطاع غزة، بعد وقف إطلاق النار، من الجانب الآخر.
هذا ما يجعل الوصول لوقف إطلاق النار متأرجحاً بين الخيارين، ما دام مرهوناً بعدم حسم الموقف الأمريكي، وفرضه على نتنياهو "وحلفائه" بأن يوقف إطلاق النار، ومن ثم احتمال، أو ابتلاع مرحلة يحيى السنوار، ومحمد الضيف، والمقاومة المنتصرة (عز الدين القسّام وسرايا القدس وكل فصائل المقاومة) وغزة والضفة الغربية والقدس والقضية الفلسطينية، ما بعد وقف إطلاق النار.
البعض راح يتوقع أن قادة أمريكا والغرب ودول العالم اقتنعوا، أو سيقتنعون، أن لا بدّ من حل القضية الفلسطينية، بإعطاء الفلسطينيين شيئا، مثلاً "دويلة". وهذا البعض أغفل أن القضية لا تحلّ بإعطاء شيء لبعض الفلسطينيين (طبعاً)، وهو ما لم يحدث طوال 75 عاماً، عاشتها القضية بلا حلّ.
وتعايشت دول العالم، وفي المقدمة أمريكا مع لا حلّ. وهذا له تفسيره أمريكياً وأوروبياً، ودولياً. أيضاً، لأن الحلّ كان دائماً بيد الكيان الصهيوني وأمريكا. وقد اختارا، "لا حلّ" إلاّ وكل فلسطين للكيان الصهيوني، وعلى الفلسطينيين الرحيل المتدرج.
ومن ثم لا حلّ لقضية فلسطين، ما لم يتحقق هذا الحلّ. ولكن أثبت تاريخ القضية الفلسطينية والصراع أن حلّهم محال. الأمر الذي حكم الوضع دائماً: لا حلّ، وإنما معادلة ما للصراع في ميزان القوى، وهو ما ساد منذ 75 عاماً، وقبله إذا شئت منذ 1920، عندما بدأ فرض المشروع الصهيوني.
طبعاً الحل الممكن الوحيد الآخر، وهو أن كل فلسطين هي للشعب الفلسطيني (طبعاً مع الحق العربي والإسلامي)، ومن ثم تحريرها من النهر إلى البحر (أو من البحر إلى النهر كما فعل قطاع غزة). وأيضاً رحيل المستوطنين الذين جاءوها (جميعهم)، بلا شرعية وبانتهاك القانون الدولي. فهو كيان غير شرعي، ولا يملك إلاّ قانون الغاب، باستخدام القوّة والمجازر.
ومن ثم ما دام لا يستطيع أن يقبل بحلّ الدولتين، أو الدولة الواحدة، أو أيّ حلّ غير حلّ كل فلسطين له، وتهجير (اقتلاع) كل أهلها فسيكون، ما بعد وقف إطلاق النار، الاستمرار بالصراع، وبمعادلة جديدة: معادلة 7 أكتوبر، ومعادلة هزيمة الإبادة والتدمير، وكسب الرأي العام، ومعادلة الحرب البريّة التي لا بد أن تنتهي ويد المقاومة هي العليا.
لهذا ما يمكن توقعه مع الوصول لوقف إطلاق النار، سواء أكان قريباً، أم متعثراً، أم بعد جولة قتال جديدة، وبالنتائج السابقة نفسها، أو أسوأ بالنسبة إلى جيش الكيان الصهيوني، وإلى المشاركة الأمريكية بطائراتها وقذائفها وقبتها الحديدية، هو انتصار المقاومة. ومن ثم، فإن ما سيكون بعده على ضوء وقائع الميدان، ما يلي (بهذا القدر أو ذاك):
1 ـ ستبقى المقاومة مسيطرة على القطاع، أو أغلبه، وستبقى محتفظة بسلاحها، وبكامل جهوزيتها لمواجهة تجدّد القتال، كما ضمان عدم حصول العدو، أو أمريكا في السياسة، على ما فشلوا بالحصول عليه في الحرب.
2 ـ كل ما سيحاول "البعض" طرحه من مشاريع تتعارض مع وضع المقاومة، كما أعلاه، مصيره الفشل، أو الانفجار على قاعدته، قبل أن ينطلق، مثلاً مشروع تشكيل قوات دولية وإسلامية وعربية لإدارة الوضع في قطاع غزة. لأن ما لم يستطع الجيش الصهيوني وأمريكا تحقيقه بالقوّة والصدام، كيف يمكن لأيّ تشكيل دولي أن يحققه. بل هيهات أن يتشكل أصلاً اتفاق بين دول لم يتم اتفاقها على ما هو أدنى من هذا بكثير. طبعاً ستفشل لأسباب أخرى أيضاً.
3 ـ لا يمكن الوصول لوقف دائم لإطلاق النار ما لم يتضمن تحريراً كاملاً لقطاع غزة، من أيّ وجود عسكري صهيوني. أي يجب دحر العدوان العسكري.
4 ـ إن تحرير الأسرى من خلال تبييض السجون، على أهميته كانتصار لصمودهم، وللشعب الفلسطيبني كله، لن يكون كافياً. لأن ثمة قضايا راهنة، مهمة جداً، تحتاج إلى أن تصبح على الأجندة، وتُعطى الأولوية، مثل:
أ ـ تحرير المسجد الأقصى من احتلال الجيش الصهيوني له، ومحاولة اقتسام الصلاة فيه، أو اقتحاماته وانتهاك ساحاته. وكل هذا مخالف لـ"ستاتيكو". أي القانون الدولي للأماكن المقدسة الذي لم تجرؤ قوّة على تحدّيه غير الجيش الصهيوني بعد 2002. فالاحتلال البريطاني لم يفعلها، وحتى الجيش الصهيوني، اضطر لاحترامه من 1967 إلى 2002.
وبكلمة تحرير المسجد الأقصى، وعودة الأمن داخله لحراس الأوقاف الإسلامية الأردنية، هدف رئيس لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار .
ب. وثمة مهمة دحر الاحتلال الذي يرتكب المجازر في مدن ومخيمات قرى الضفة الغربية والقدس. وبلاقيد أو شرط، فيما الاستراتيجية اللاحقة لوقف إطلاق النار، ستمضي بثبات لتحرير كل فلسطين.
إن كل من يفكر بنهاية سريعة للحرب في قطاع غزة عليه ألّا ينسى أنها جزء من قضية فلسطين، وما "طوفان الأقصى" إلاّ الشهادة بالاستراتيجية وبالدم على مشكلة وقف إطلاق النار التي لا تَحلّ إلاّ مشكلة استمرار القتال، ووقف العدوان الوحشي على أهل القطاع، وما يَحل بهم من تقتيل وتدمير لبيوتهم، وكوارث إنسانية ومادية، لا حصر لها.
وبكلمة، إننا بعد وقف إطلاق النار أمام مرحلة جديدة ابتعد فيها أي حل سياسي، كما كان بعيداً منذ النكبة 1948/1949 حتى اليوم. فنحن أمام تشكل حالة فلسطينية جديدة لاستمرار الصراع مع الكيان الصهيوني، تختلف عن كل الحالات السابقة التي عرفها الصراع: حرب وجود.
إنها حالة حدّدها السابع من أكتوبر 2023، وحدّدتها حرب العدوان ومقاومته، لتلتقي مع ما حدّدته حرب "سيف القدس" في الضفة الغربية والقدس 2021، وتداعياتها حتى الآن.
إنها الحالة التي يقرّر فيها الشعب الفلسطيني ما يُريد، أكثر من أيّة حالة سابقة، ومرحلة سابقة.
*منير شفيق مفكر وسياسي فلسطيني
المصدر | عربي21المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين غزة الإبادة المقاومة عدوان بايدن نتنياهو تقدير موقف السابع من أكتوبر 2023 الكيان الصهيوني قضية فلسطين وقف إطلاق النار حرب وجود الکیان الصهیونی الجیش الصهیونی عدم القدرة على الحرب البری ة الوصول لوقف حرب الإبادة فی قطاع غزة کل فلسطین فی الحرب لا یمکن ومن ثم ة التی
إقرأ أيضاً:
سقوط تهديدات ترامب بشأن وقف إطلاق النار في غزة يبرهن حتميةَ فشل مؤامرة التهجير
يمانيون../
أظهر سُقُوطُ تهديدات ترامب بشأن إنهاء وقف إطلاق النار في غزة يوم السبت، خواءَ استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة الرامية لفرض مخطّطاتها بواسطة العنتريات والتلويحِ بالقوة، في مقابل نجاح المقاومة الفلسطينية في فرض شروطها وإجبار العدوّ الصهيوني على الالتزام بها، وهو مشهد ينطبق أَيْـضًا على مؤامرة التهجير التي تسعى إدارة ترامب إلى فرضها كأمر واقع من خلال نفس الاستراتيجية.
إتمام عملية تبادل الأسرى، يوم السبت، مثَّل محطةً جديدةً من محطات انتصار المقاومة الفلسطينية على إرادَة العدوّ وداعميه وعلى رأسهم الولايات المتحدة، حَيثُ كان العدوُّ قد حاول أن يضعَ المقاومة تحتَ الضغطِ، من خلال رفض تنفيذ التزاماته المتعلقة بدخول معدات الإسكان والمساعدات إلى قطاع غزة، وهو الأمر الذي ردَّت عليه المقاومةُ وبشجاعة واضحة بالإعلان عن تعليق عمليات التبادل، لتصنع بذلك ضغطًا معاكسًا حاول الرئيسُ الأمريكي ترامب أن يتجاوَزَه، من خلال التهديد بإنهاء وقف إطلاق النار إذَا لم يتم التبادل في موعده، لكن ذلك لم يزعزع إرادَة المقاومة التي أفضت في النهاية إلى إجبار العدوّ على تنفيذ الالتزامات ليتم إجراء التبادل؛ ما عكس بوضوح عجز التهديدات الأمريكية عن إخراج العدوّ من حالة الهزيمة والخضوع لشروط المقاومة.
هذه الجولة المقتضبة من الصدام والتي أثبتت فيها المقاومة الفلسطينية استمرار قدرتها على فرض الشروط وإجبار العدوّ الصهيوني على النزول عن الشجرة في النهاية، عكست أَيْـضًا مصير مؤامرة التهجير التي يحاول العدوّ برعاية الولايات المتحدة الأمريكية فرضها كأمر واقع من خلال نفس الأساليب، وهي التهديد والضغط والتلويح بالقوة، وقد وجَّهت المقاومةُ هذه الرسالةَ بوضوح من خلال مراسمِ عملية التبادل يوم السبت، والتي برز فيها عنوانُ “لا هجرة إلا إلى القدس”.
وفي الوقت الذي يعلق فيه العدوّ آماله على “البلطجة” الأمريكية في فرض مخطّط التهجير على الدول العربية التي لم ترق مواقفها حتى الآن إلى المستوى المطلوب من القوة والفاعلية، برغم الرفض الواضح للمخطّط، فَــإنَّ “الهشاشة” العربية في هذه المسألة لا تعطي في الواقع أي دليل حقيقي على إمْكَانية تطبيق مؤامرة التهجير، فحتى لو وافقت هذه الدول، وهو أمر لا يزال متعسرًا، فَــإنَّ المضي في تنفيذ الخطة سيصطدم بصلابة موقف الشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة، بالإضافة إلى موقف جبهات الإسناد، والتي تقدمتها اليمن في تأكيد استعدادها للتدخل العسكري الفوري ضد العدوّ والولايات المتحدة معًا؛ الأمر الذي سيعيد العدوّ إلى نفس المربع الذي لم يجد منه مخرجًا إلا بالموافقة على شروط المقاومة، وبالتالي فَــإنَّ كُـلّ ما تفعله جبهة العدوّ الآن في سياق خطة التهجير لا يتضمن في الواقع أي أمل حقيقي للنجاح.
وفيما تعلق تحليلات العدوّ الآمال على أنه سيكون أكثر قدرة على التصرف بعدوانية أكبر ضد غزة بعد إنهاء تبادل الأسرى، وبالتالي سيتمكن من تحقيق أهدافه في تهجير الفلسطينيين، فَــإنَّ هذا الآمال في الحقيقة ليست معلقة إلا على كذبة أن العدوّ لم يتصرف بعدوانية كافية خلال الجولة الماضية وأنه كان “مقيَّدًا” بالحرص على حياة الأسرى، وهو أمر لا يشير إلا خواء جعبة آمال العدوّ إلى حَــدّ التعلق بأوهام واضحة لتجاوز الشعور المرير بالهزيمة، فجيش العدوّ لم يدخر في الحقيقة أي جهد لإبادة الفلسطينيين وتحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة بالمطلق، وهو أقصى ما يمكن الذهاب إليه في خيارات العدوان، وقد تضمن ذلك تعمد قتل العديد من الأسرى الصهاينة بغارات جوية، وفق اعتراف وزير الحرب السابق غالانت نفسه، وبالتالي فَــإنَّ التعويل على تطبيق خطة التهجير من خلال القوة، ليس إلا نسخة جديدة من الأهداف التي وضعها العدوّ لنفسه في بداية معركة طوفان الأقصى، والمتمثلة في القضاء على المقاومة الفلسطينية وتحرير الأسرى بالقوة، والتي لم تكن غير قابلة للتحقّق فحسب، بل تحولت مع مرور الوقت إلى عبء على جيش العدوّ وقيادته السياسية، بفعل صمود المقاومة وحاضنتها الشعبيّة وفاعلية جبهات الإسناد الإقليمية.
وبالتالي فَــإنَّ الجهودَ الأمريكيةَ التي يعوِّلُ عليها العدوُّ لا تزالُ تدورُ خارجَ المساحة الأَسَاسية للهدف؛ لأَنَّ إقناع الدول العربية أَو ابتزازها والضغط عليها لقبول مخطّط التهجير، على خطورته، لن يشكل فرقًا عندما يتعلق الأمر بالتنفيذ، إذ لن تستطيع الأنظمة العربية الضغط على المقاومة الفلسطينية لقبول الجريمة مهما فعلت، وَإذَا حاولت أن تتمادى في مساعيها فستجد نفسها في مواجهة مع الشعب الفلسطيني ومع شعوبها، وهو وضع تعرف هذه الأنظمة جيِّدًا أن الدعم الأمريكي لن ينقذها منه، بل إنه سيجعلها أكثر عرضة للابتزاز بما يساهم في زيادة حدة الاصطدام مع القضية الفلسطينية وتوسيع تأثيراته.
وبالإضافة إلى ذلك، فَــإنَّ الفلسطينيين لن يكونوا وحدهم في مواجهة جريمة التهجير، والإعلان الحازم من جانب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي مؤخّرًا عن الجاهزية للتدخل العسكري بكل ما هو متاح، لم يكن مُجَـرّد دعم معنوي، بل دفعٌ حقيقيٌّ للجبهة اليمنية إلى قلب الصراع مع العدوّ بما يتجاوز حتى مستويات الإسناد خلال الجولة السابقة التي أثبتت فيها هذه الجبهة قدرتها على فرض معادلات استراتيجية مؤثرة تواكب كُـلّ التفاصيل وتضاعف قوة موقف المقاومة الفلسطينية في الميدان وعلى طاولة التفاوض معًا.
وسيكونُ العدوُّ مخطئًا إن عَوَّلَ على “تحجيم” تأثير تدخل الجبهة اليمنية في مواجهة جريمة التهجير، وإبقائه عن مستوى معين، فقد فشلت هذه الاستراتيجية بشكل فاضح خلال الجولة السابقة وكان من نتائجها الصادمة هزيمة تأريخية غير مسبوقة للبحرية الأمريكية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل استمر تصاعد شدة وكثافة العمليات اليمنية حتى أصبحت مأزقًا استراتيجيًّا خانقًا للمؤسّسة الأمنية والدفاعية والاقتصادية في كيان العدوّ، وكابوسًا يوميًّا لأكثَرَ من 5 ملايين مستوطن، وَإذَا كان التدخل الجديد سيبدأ من حَيثُ انتهت عمليات الإسناد في الجولة السابقة فَــإنَّ التحدِّيَّ سيكونُ أكثَرَ صُعوبةً وتعقيدًا وخطورةً مما يظن العدوّ.
ولا يمكن للعدو أن يضمَنَ أن الهزةَ التي ستُحدِثُها محاولتَه لتنفيذ جريمة التهجير، والتدخل اليمني المساند لمواجهتها، لن تسفر عن توسع نطاق النيران إلى جبهات إسناد أُخرى، بالنظر إلى خطورة الجريمة وتداعياتها على المنطقة بأكملها.