قال مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات»، إنه يواصل بنجاح، تنظيم سلسلة محاضراته بعنوان «حوارات فكرية» على مدار 2023، تاركا أثرا في المشهد الفكري، حيث كانت السلسلة بمثابة منصة للمثقفين محليا وإقليميا ودوليا لتقديم ومناقشة مجموعة كبيرة من الموضوعات الهامة، بما في ذلك العلاقات الدولية، والتكنولوجيا العسكرية، والتحول الرقمي، وحل النزاعات التجارية، والصحة النفسية، والتاريخ، والتخطيط الاستراتيجي، كما عززت المناقشات قيمة تبادل المعرفة.


وأكدت الشيخة نيلة بنت علي آل خليفة، مديرة إدارة الاتصال والمعرفة في مركز «دراسات»، أن سلسلة محاضرات «حوارات فكرية» كان لها أبلغ الأثر في تسهيل الحوار الفكري وتعزيز ثقافة تبادل المعرفة، كما وفرت منصة فريدة للمعنيين والخبراء على حد سواء للتعمق في القضايا الملحة واستكشاف الأفكار المبتكرة.
وأكدت الشيخة نيلة بنت علي آل خليفة أن سلسلة المحاضرات أصبحت بالفعل حافزا للاستكشاف الفكري والتفاهم بين الثقافات، من خلال الجمع بين الخبراء وقادة الفكر في مجالات متنوعة، موضحة أن المركز يهدف إلى تعزيز دور هذه المنصة الشاملة حيث يمكن للأفكار أن تسهم في صياغة الحلول المبتكرة، وأضافت، «نحن فخورون بالتأثير الذي أحدثته هذه السلسلة في تعزيز الحوار وتبادل المعرفة، ونتطلع إلى مواصلة إشراك الجمهور في عام 2024م وما بعده».
وركزت إحدى الفعاليات البارزة في السلسلة هذا العام على الاستخدام الفعال لنظام تسوية المنازعات التابع لمنظمة التجارة العالمية، وتناولت محاضرة أخرى العوامل التي تشكل السياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط، وقدمت نظرة ثاقبة للنهج الفرنسي تجاه المنطقة، كما تناولت إحدى المحاضرات في المركز ديناميكيات العلاقات الألمانية الفرنسية في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية.
إلى جانب المحاضرات الفردية، نظم مركز «دراسات» ندوة بعنوان «دور التخطيط الاستراتيجي في عمل المؤسسات»، هدفت إلى استكشاف أهمية التخطيط الاستراتيجي في السياقات التنظيمية المختلفة، وقد شاركت عدة جهات في هذه الفعالية مثل صندوق العمل «تمكين»، وشركة مطار البحرين، والجمعية البحرينية للتخطيط الاستراتيجي، مما أدى إلى إثراء النقاش.
وتطرقت السلسلة أيضا إلى التكنولوجيا العسكرية حيث تناولت تحدياتها وآفاقها وتأثير تطورات الذكاء الاصطناعي على القطاع العسكري، وسلطت الضوء على تطلعات دول الخليج العربي للاستفادة من التكنولوجيا العسكرية مع ضمان الاستخدام الأمثل وتوطين التصنيع العسكري.
ونظم المركز حوارا فكريا بعنوان «الثقافة المجتمعية وأهمية الرعاية النفسية»، استعرض فيه اضطراب الشخصية الحدية وأبرز سماته، وشدد الخبراء المشاركون في الفعالية على أهمية التوعية بالصحة النفسية وعواقب إهمالها وضرورة الدعم النفسي والعلاج المناسب.
وتجسد المجموعة المتنوعة من الموضوعات التي غطتها سلسلة «حوارات فكرية» هذا العام، التزام مركز «دراسات» بتعزيز البحث وتسهيل تبادل المعرفة بين المتخصصين والأفراد المهتمين في شتى المجالات العلمية، بما يتماشى مع رسالة المركز في تعزيز البحث العلمي، وتسهيل الحوار، وتبادل الخبرات.
وقد استقطبت المحاضرات على مدار العام مجموعة واسعة من المشاركين، بما في ذلك المسؤولين والباحثين وشركاء مركز «دراسات» وأفراد من عامة الناس المهتمين بالموضوعات التي تمت مناقشتها، من خلال تنظيم هذه السلسلة المؤثرة من المحاضرات، وأظهر مركز «دراسات» تفانيه في تعزيز الحوار ونشر المعرفة ومعالجة القضايا المجتمعية الملحة، وتمتد مهمة المركز إلى ما هو أبعد من المجتمع المحلي، ليتعداه لمناقشة قضايا ذات طابع عالمي.

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا

إقرأ أيضاً:

آلة التصنيف الفكري وتحديات التبدّل

يدفعنا الواقع المعاصر إلى الحديث عن مربعات التصنيف الفكري للشعوب عبر مراحل تاريخية مختلفة، وتحديد الوقت المعاصر لا يعني الانقطاع الزمني عن التاريخ عبر مراحله وعصوره المختلفة؛ إذ عرف التاريخ قديمُه وحديثه هذه التصنيفات تأسيسا وتوظيفا، ثم نقدا وصل في أحيان كثيرة إلى القطيعة ورمي متلبس الفكر بالضلالة، وتجريمه وعقابه بأقسى صنوف العذاب، وحيث إن آلة التصنيف الفكري منذ بدايتها لم تكن بمعزل عن الدعم السياسي ومكوناته فإن تنظيمات الدول والحكومات كانت وما زالت شريكة في وضع تلك التأسيسات ودعمها ثم رفضها ونبذها ومهاجمتها، فما هي تلك التصنيفات؟ وما الذي دفع الحكومات لتأسيسها قبل التخلي عنها، ثم رفضها ومهاجمتها لاحقا؟ وكيف يمكن اليوم تحميل الأفراد مسؤولية مراحل التجييش الفكري والدعم المالي الضخم لتلك التصنيفات الفكري بما تضمنته من جماعات ومؤسسات وتنظيمات؟

تحاول مقالة اليوم تذكير المؤسسات المالية والإدارية بمسؤوليتها تجاه تأسيس تلك التصنيفات الفكرية التي استغرقت عقودا من الزمن وأجيالا من معتنقيها في كل أرجاء العالم، مع التأكيد على بديهيات العقائد الفكرية التاريخية التي يمكن تأسيسها انطلاقا من أفكار فاضلة ومبادئ نبيلة، ثم حشد الجماعات في كل مكان لتبنيها بما تتضمن من قيم ومبادئ تلامس عاطفة الشعوب وتتبنى قضاياهم، وتدافع عن إنسانيتهم في سعيها لحماية منظومة القيم العليا والأخلاق الرفيعة، من عدالة ومساواة. ضمن هذه المنطلقات مر القرن العشرون بمجموعة من التصنيفات الفكرية التي بقيت آثارها حتى اليوم، ولا ندري إن كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة ليستبدلها أصحاب المال والنفوذ بتصنيفات أخرى أكثر توافقا مع مصالح الدول وأقوى تأثيرا على الشعوب، أم أنها تهدأ اليوم لتشتعل بعد أمد قريب أو بعيد؟ من هذه المربعات الفكرية «حركة القومية العربية» (القوميين العرب) حركة أُسست في أعقاب نكبة فلسطين عام 1948، والتي نشأت أساسًا في لبنان بين أوساط طلبة الجامعات مثل الجامعة الأمريكية في بيروت، ضمّت في صفوفها أردنيين وفلسطينيين وكويتيين وعراقيين، ثم كل العرب عبر عقود، ولهذه الحركة ما لها من أثر على حياة الشعوب العربية سياسيا، واجتماعيا وحتى ثقافيا في المدارس الأدبية والفنية، بين كثير ممن استجابوا للنداءات العاطفية التي خاطبت الشعوب العربية بعد الهزيمة لتدعوهم إلى وحدة تمكنهم من الحفاظ على ممتلكات ومقدرات الأمة العربية والنأي عن التفكير بشكل فردي يريده الاحتلال وتدعمه المركزية الدولية الغربية لتفكيك الوطن العربي، ومع معتنقي هذه الحركة كان هنالك مجموعة من السياسيين والقادة العسكريين ممن عززوا مبادئ هذه الحركة، لكن بعد مجموعة من الهزائم المتكررة والخيانات الموثقة لمبادئ القومية والتقنّع برداء القومية لنيل مصالح شخصية تراجعت هذه الحركة، لتظهر حركات أخرى أبعدتها عن الواجهة دون أن تختفي تماما؛ إذ لا يمكن خلع عباءات التصنيف الفكري بسهولة وسرعة كخلع عباءات الأزياء، أو التبدل العمراني، إذ يتسم الفكر بالبناء التراكمي صعب التأسيس بطيء التحوّل، خصوصا حينما يتصل بعقائد الناس المرتبطة بالدين والأرض والحياة.

كما يتضمن القرن العشرون «حركة الوحدة الإسلامية» وهي حركة سياسية تدعو إلى وحدة المسلمين تحت دولة إسلامية واحدة أو خلافة واحدة بينما الوحدة العربية تدعو إلى وحدة واستقلال العرب بغض النظر عن الدين، الوحدة الإسلامية تدعو إلى وحدة واستقلال المسلمين بغض النظر عن العرق، ومن هذه الحركة انبثقت مجموعات تصنيفات فرعية مثل: الجماعة الإسلامية، وتنظيم القاعدة، والخلافة الإسلامية، وعصائب أهل الحق، والمجاهدون، والمنظمات الجهادية، وكذلك الأمر في تبنيها ودعمها من كثير من الجماعات والدول انطلاقا من دعوتها الأوسع «جغرافيا» للوحدة في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، لكنها اتصلت كذلك بكثير من المصالح السياسية كمحاربة الاتحاد السوفييتي حينها وهي دعوة سياسية أكثر منها دينية لما كان يعرف عن الاتحاد السوفييتي حينها من دعمه لحركات التمرد والثورة في الوطن العربي مما ألّب عليه الحكومات العربية خاصة الملكية التي كان يدعو صراحة لتقويضها، فلم يكن أفضل من تجييش الشعوب العربية والإسلامية لمحاربة الروس أعداء الدين و الأمة الإسلامية، ويعيد التاريخ ما حدث مع القومية العربية لتخرج هذه الحركة عن أهدافها الأولى إلى أهداف أخرى سياسية، أو مادية اختلط فيها القيمي النبيل مع الدنيوي الهزيل، والقناعة مع التضليل، والحق مع الباطل وبدأت هذه الحركات سواء الأولى أو الثانية بنقد تطبيقها وتوسيع مجالات التنفيذ وحدود التأثير لتبدأ الكثير من الحكومات (ومنها حكومات غربية كان لها مصالح مشتركة مع قادة هذه الجماعات) بالتحول والتبدل على هذه الحركات ومهاجمتها بعد نصرتها، سواء كان ذلك عبر جسر من اختلاق الذرائع المصنوعة أو مجرد الاتهامات المدفوعة إعلاميا للتأثير على ما تأسس من سمعة لهذه الحركات عبر عقود.

ومن التصنيفات الفكرية في القرن العشرين كذلك «حركة الإخوان المسلمين» وهي حركة إسلامية سياسية تصف نفسها بأنها «إصلاحية شاملة» أسسها حسن البنا في مصر في 22 مارس 1928م عقب تخرجه من دار العلوم فانتشرت تعاليم البنا إلى ما هو أبعد من مصر، حيث أثرت على مجموعة متنوعة من الحركات الإسلامية من المنظمات الخيرية والدعوية إلى الأحزاب السياسية، الهدف المعلن للجماعة حسب موقعها الرسمي هو إقامة دولة مدنية ديمقراطية ذات مرجعية إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية، وكذلك وجدت هذه الحركة ما سبقتها إليه باقي الحركات من التبدل والتحول والصدام مع السياسيين في محاولة للإلغاء أو الإحلال.

ختاما؛ ما يعنينا في هذه المقالة ضرورة تحمل الحكومات ومتخذي القرار مسؤولياتهم عن تأسيس وتبني ودعم هذه الحركات عبر عقود، أو على الأقل إغفال نشاطاتها وإهمال نقدها وتوجيه معتنقيها، وليس من العدل اليوم تحميل أفراد تبنوا فكريا ما وضع أمامهم مبدأ راسخا، ووضعهم ضمن دوائر التهميش والإقصاء المجتمعي لمجرد استجابتهم لمؤثرات الحكومات إعلاميا وفكريا، كما لا يمكن إزالة وإلغاء آثار تلك الحركات أو بعض آثارها المتطرفة في غمضة عين، لذلك فلا سبيل لأي انتقال فكري مرحلي جديد إلا عبر الحوار المعزز بمنطلقات منطقية مُقْنِعة، ومبادئ قيمية مقبولة وإيجاد بدائل ممكنة تسعى للإحلال مكان السابق في التأثير الفكري المجتمعي.

مقالات مشابهة

  • هيئة المعرفة تطلق «حوارات التعليم 33» في دبي
  • هيئة المعرفة تطلق “حوارات التعليم 33” في دبي
  • خلال "الكونغرس العالمي للإعلام".. المستقبل للأبحاث ينظيم سلسلة "حوارات المستقبل"
  • مركز دراسات صهيوني.. اليمنيون مقاتلون أقوياء ويشكلون خطراً على إسرائيل
  • مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يستعرض تجربته في تعزيز التسامح بجامعة الأميرة نورة
  • مغامرة هاري بوتر تقتحم موسم الرياض
  • مركز البحوث الجنائية يواصل تنفيذ برنامج تعزيز القدرات لمكافحة جرائم الفساد
  • آلة التصنيف الفكري وتحديات التبدّل
  • التنسيقية تثمن رفع 716 اسما من قوائم الإرهاب: تعزيز لروح الثقة بين أبناء الوطن
  • خريجات جامعة الإمارات يشدن بدور "أبوظبي للغة العربية" في تعزيز الحوار الثقافي