صباح محمد الحسن
نجحت الوساطة الأمريكية السعودية في تمرير أخطر مشروع يتعلق بتنفيذ خطتها لوقف إطلاق النار حيث وصلت نقطة التوافق علي الإنتقال من أروقة التفاوض إلى أرض المعركة على ظهر قرار.
فبعد أن خلصت كل القضايا الخلافية بين طرفي الصراع حول النقاط الجوهرية أخطرها قضية الإرتكازات والتي وصلت فيها الوساطة إلى أن تظل كل قوات مكان سيطرتها على الميدان حتى الفصل بينها.
وادركت الوساطة أن بناء الثقة لايمكن أن تعتمد فيه على قيادة غير جديرة بالثقة، لم تصدر قرارات بالقبض على قيادات الحركة الإسلامية وبدلاً من أن تفتح مسارات آمنة للمساعدات بدأت بفتح مسارات آمنة لهروبهم ومغادرة البلاد.
والمعلومات التي لن يفسدها الجهر إن بارحت مكامن السر خلسة تقول: إن وفد الجيش أعطى الوساطة الضوء الأخضر لقرار الفصل بين القوتين وسمي الصراع الدائر في الميدان الآن بأنه صراع بين الكتائب الإسلامية وقوات الدعم السريع وقال إنها هي القوات التي تسيطر على الميدان بالعاصمة سيما أن قيادات الجيش جميعها غادرت الخرطوم واختارت بورتسودان وأعلنت رغبتها في التفاوض.
هذا التحول جعل الوساطة تدرك أن حسم فوضى الميدان هو أمر يعنيها أكثر مما يعني الجنرال البرهان الذي (رفع يده) من الحرب.
لذلك ترى الولايات المتحدة الأمريكية أنه في حال قررت الأمم المتحدة إدخال قوات حفظ سلام فإنها مستعدة لتقديم الدعم اللوجستي الكامل وباركت الايغاد والاتحاد الأفريقي الخطوة وأعلنت عن إستعدادها بالدعم والإشراف والمتابعة وذكرت المصادر إن دخول الايغاد قاعة التفاوض تم من الأساس لدعم هذه الخطوة حتى تخرج بإجماع.
قلنا بالأمس رفعت الأقلام فالامم المتحدة الآن على أهبة الإستعداد لإرسال قوات دولية هجين دون الرجوع إلى مجلس الأمن الذي مهد لها الطريق بإنهاء عمل البعثة السياسية والقرار بيدها الآن لأنها ترى أنه يأتي لدرء مخاطر الكارثة الإنسانية التي يعاني منها السودان من عدم وصول المساعدات الإنسانية حيث كشفت الأمم المتحدة أنها تستهدف ١٨ مليون سودانيا لم تصل إلا لواحد مليون فقط منهم هذا مع تزايد حالات القتل وسط المدنيين.
فإن كان قرار دخول القوات الدولية هو الذي توصلت إليه الوساطة اذن ماذا سيفعل وفد الجيش بجدة!!
والبرهان يلعب لعبة سياسية جديدة حيث خرج بثلاثة تصريحات متتالية ركز فيها على جملة واحدة (إننا لانقبل حلول تفرض علينا من الخارج)، ومعلوم إن منبر جدة منبر تفاوضي، فماهو (المفروض) الذي يدفع البرهان للصعود على المسرح الآن ليقدم كل يوم تصريح ينأي بنفسه به من حصار الإسلاميين ومسىئولية الموافقة على دخول القوات.
فكثرة هرجلة البرهان تخبيء خدعة سياسية خطيرة في باطنها على الرغم من أن ظاهرها يحكي غير ذلك فالبرهان بدهاء يمارس فنون الخدعة مع الإسلاميين على طريقة (قوة القبض التي تسبق الإفلات) !!
وأن أهم مايجب ذكره أن قرار دخول قوات هو قرار تم إعداده من داخل قاعة التفاوض فالوساطة منذ البداية استأنفت التفاوض والعصا معها وقبل ذلك ومنذ إعلانها تبني الحل السياسي، سمت حرب السودان (نزاع) وخاطبت القوتين (بطرفي النزاع) هذا المصطلح وحده الذي يسمح للأمم المتحدة بالتدخل للفصل بين القوتين إذا دعا الأمر دون الرجوع إلى مجلس الأمن فالقرارات الدولية لإنهاء الحرب تخرج بعلم ومباركة من طاولة الوساطة التي جمعت الإيغاد والإتحاد الأفريقي ودولتي الوساطة بدعم قوى من الأمم المتحدة هذا الفريق تم ترتيبه بعناية ليبني أساس غير قابل للانهيار وغير وارد فيه الفشل، ومازلنا نكرر أن وقف إطلاق النار لن يتم الإعلان عنه مالم يسبقه قرار على الأرض، قرار الفصل الذي لايفصلنا عنه إلا القليل.
طيف أخير:
كلما تحدثت الأخبار أن الوفد يعود للتشاور تعني أن هناك قضية جوهرية مطروحة وأن الأبواب التي فتحت للخروج ستظل فاتحة للدخول مرة أخرى.
نقلاً عن صحيفة الجريدة
الوسومصباح محمد الحسنالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
أربعينية مَن لم يغادر الميدان.. سيد شهداء المقاومة
عبدالقوي السباعي
أربعون يومًا مضى على رحيلك جسدًا يا سيدي، غير أنك لم ولن تغادر خيالاتنا؛ فطيفك البهي يحلق في الميدان، ولا تزال أنفاسنا تستنشق أثرك، والعيون التي تنام وتستيقظ على حقيقة أنك، يا امتدادًا للنعمة الإلهية، ماكثٌ في كُـلّ الأرواح التي تقاتل على الأرض المقدسة.
أربعون يومًا غادرنا جسدك وبقيت روحك فينا حبًّا لا يُمل ويقينًا لا يساوره الشك، ممتلئٌ بإدراك كُليّ، بمن رمى في العاشر من المحرم بدمه ودم أحبائه وأصحابه إلى السماء ونادى الله عزّ وجلّ؛ أن: “إنه بعينك ومنك وإليك وفي سبيلك”. فمَنّ علينا ذو الجلال والإكرام ببأسٍ شديد، وسدد الرمي، لثلةٍ آمنوا بربهم فزادهم هدى إلى الدرب الجميل؛ إلى نصرٍ تلو نصرٍ تلو نصر، حتى جاء الوعد: أن “ولّى زمنُ الهزائم”.
أربعون ليلة وهواء الجنوب لا يبارح عطرك المنسكب على امتداد الأفق؛ من بنت جبيل ومارون الراس وميس الجبل والخيام، وسهلها الممتد يقذف بأريج أنفاسك مع انبلاج كُـلّ يومٍ جديد من ضاحية بيروت إلى دمشق وبغداد، ومن صنعاء إلى القدس والضفة وغزة وطهران والكثير الكثير بعد، إذ تغمر رئتي كُـلّ مستضعفٍ ومظلوم في هذا العالم.
أربعون يومًا لم تمنعنا من حمل مبادئك التي تركتنا عليها.. أربعون يومًا لم تثنينا عن تقديم كُـلّ شيء في المعركة بين الحق والباطل طالما أنك علمتنا كيف نتجسد القواعد الكربلائية الخالصة التي باتت تحكم طريقة عيشنا وتفكيرنا وعملنا في هذه الدنيا الفانية، فمن “أرضيت يا رب، خذ حتى ترضى” إلى “ألسنا على حق، إذَا لا نبالي أوقعنا على الموت أَو وقع الموت علينا”.
أربعون يومًا يا سيدنا أبا هادي وانتصارات أبناؤك تُكلل الوجود، بسالة وتضحية وفداء، كنت أنت ملهمهم والحاضر في كُـلّ التفاصيل، في الخندق والمترس؛ وفي الطلقة والصاروخ.. الحاضر دومًا في يوميات المجاهدين وعند أبرز المستجدات وفي ثنايا أسطر البيانات، وحتى يأتي البيان الأخير، بيان النصر؛ ليس غيرك من سيعلنهُ على الملاء في الغد القريب.