في حال فوز ترامب بولاية ثانية.. ماذا ينتظر الدولة العميقة في أمريكا؟
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
في حال فوزه.. كيف ستكون ولاية ترامب الثانية؟ وماذا ينتظر الدولة العميقة؟
في حال فوزه بولاية ثانية.. ماذا ينتظر الدولة العميقة في أمريكا؟
مقدما، يجاهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب (2017-2021) بخططه، وإذا تم انتخابه لفترة رئاسية ثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فسيدعي أن لديه تفويضا لتجميع السلطة وممارسة الانتقام وتدمير "الدولة العميقة المفترضة"، وفقا لجان فيرنر مولر في مقال بصحيفة "ذا جارديان" البريطانية (The Guardian).
مولر قال، في المقال الذي ترجمه "الخليج الجديد"، إن "أفضل مؤشر للسلوك المستقبلي هو السلوك الماضي. يبدو أن الكثير من المراقبين يعتقدون أن هذا هو كل ما يحتاج المرء إلى معرفته عندما يرى ترشيح الحزب الجمهوري الذي لا مفر منه لترامب من أجل ولاية ثانية محتملة".
وتابع أن هؤلاء المراقبين "يفترضون أنه بما أنها (الولاية الأولى) لم تكن فاشية، فلا يمكن أن تكون فاشية في المرة الثانية، ومن المتوقع مرة أخرى أن يكون ترامب هو المهرج المتلعثم الصاخب".
لكن هذه "النظرة المتساهلة"، بحسب مولر، "تتجاهل أنه مع رواد الاستبداد اليوم، فإن الأمور تميل إلى أن تصبح سيئة للغاية فقط عندما يصلون إلى مناصبهم للمرة الثانية".
واعتبر أن "الفرق هو أن شخصيات مثل رئيس الوزراء المجري اليميني المتطرف فيكتور أوربان أو الرجل البولندي القوي ياروسلاف كاتشينسكي، أخفوا خططهم الاستبدادية بعناية، بينما يذيع ترامب كل شيء مقدما، وإذا انتُخب، فسيزعم أنه يتمتع بتفويض للانتقام واحتلال البيت الأبيض إلى الأبد".
اقرأ أيضاً
في الهجرة وأمن الحدود.. استطلاع جديد يظهر تفوق ترامب على بايدن
الدولة العميقة
"أحد أكبر الأوهام في التسعينيات هي فكرة أن الديمقراطيات ترتكب الأخطاء، بينما قادتها قادرون بشكل فريد على تصحيح الأخطاء والتعلم منها"، كما تابع مولر.
وزاد بأن "المستبدين، تماما مثل ترامب، اعتبروا أنه من الظلم للغاية أن يعانوا من الهزيمة الانتخابية (والتي تعزى إلى أعداء مختلفين من القضاة إلى وسائل الإعلام المعادية)".
وتابع أن "هؤلاء عندما عادوا إلى السلطة، تعلموا شيئا واحدا، وهو عدم إهدار رأس المال السياسي على حروب ثقافية، بل الاستيلاء على مؤسسات الدولة، وفي الحالة المثالية في اليوم الأول. وبمجرد السيطرة على القضاة، يمكنك ملاحقة الصحفيين والمعلمين والأكاديميين".
ومضى قائلا إن "المحيطين بترامب لن يسمحوا، في عام 2025 (التنصيب الرئاسي في يناير/ كانون الثاني من ذلك العام)، لـ"الدولة العميقة" بإحباط الزعيم (ترامب) مرة أخرى. وكما قال محللون أذكياء، يوجد مخطط تفصيلي لاستبدال ربما ما يصل إلى 50 ألف موظف حكومي بأصدقاء سياسيين، ووضع وزارة العدل تحت السيطرة السياسية".
واستطرد: "عندما يستولي الشعبويون على الدولة، فإنهم يزعمون أن الشعب نفسه هو مَن يحق له الاستيلاء على ما هو ملك له. ولنتذكر خطاب تنصيب ترامب، عندما ادعى أننا "ننقل السلطة من واشنطن ونعيدها إليكم، أيها الشعب". ولم يستردها الشعب أبدا، بالطبع، بسبب "الدولة العميقة" المفترضة".
اقرأ أيضاً
حتى لو أدين بجريمة.. ترامب مرشحا للحزب الجمهوري في 2024
تدمير أمريكا
وخلال خطاب في يوم المحاربين القدامى، وعد ترامب بـ"استئصال الشيوعيين والماركسيين والفاشيين واليسار الراديكالي.. البلطجية الذين يعيشون كالحشرات داخل حدود بلدنا، يكذبون ويسرقون ويغشون الانتخابات، وسيفعلون كل ما هو ممكن، سواء بشكل قانوني أو غير قانوني، لتدمير أمريكا والحلم الأمريكي"، كما لفت مولر.
ومقارناً بين ترامب ومستبدين آخرين، قال مولر: "ربما كان المستبدون الطموحون الآخرون أيضا يغلون بالاستياء، لكنهم أخفوا نواياهم بينما كانوا يمهدون الطريق للعودة إلى مناصبهم".
واستدرك: لكن "ترامب لا يخفي أي شيء، وهدد قائلا: "إما أن تدمر الدولة العميقة أمريكا أو ندمر نحن الدولة العميقة".. وهو يقصد القضاة والصحفيين وكل مَن لم ينفذ أوامره لسرقة انتخابات 2020"، في إشارة إلى خسارته أمام الرئيس الحالي جو بايدن (ديمقراطي) الذي من المتوقع أن يواجهه في الانتخابات المقبلة.
و"إذا فاز ترامب، فسيدعي أن "الشعب"، لأن ناخبيه فقط هم "الشعب الحقيقي"، اختار بشكل ديمقراطي الانتقام والدمار"، كما ختم مولر محذرا.
اقرأ أيضاً
المنطقة على مفترق طرق.. ما علاقة دبلوماسية ترامب الفوضوية؟
المصدر | جان فيرنر مولر/ ذا جارديان- ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فوز ولاية ثانية ترامب الدولة العميقة أمريكا انتخابات الدولة العمیقة
إقرأ أيضاً:
«سأرتدي بدلة عندما تنتهي الحرب»!
عليك أن تتذلل لنا، وتنفذ رغباتنا دون اعتراض إن أردتَنا أن نقابلك في بيتنا باحترام، وإلا فاخرج غير مأسوف عليك. هكذا يمكن تلخيص المشادة الكلامية التي صارت حديث العالم اليوم بعد عرضها في الشاشات، والتي كان أطرافها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه جي دي فانس من جهة، والرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي من جهة ثانية. ولم يعد خافيًا الآن أن ترامب لم يكتفِ بتوبيخ وإهانة زيلينسكي في اجتماع البيت الأبيض يوم الجمعة، وإنما عَمَد أيضًا إلى طرده من بلاده، في سابقة دبلوماسية خطيرة جعلت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كلاس تقول إن العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد.
بدا زيلينيسكي في الاجتماع تلميذ مدرسة مشاغبًا ضبطه المدير ونائبه متلبسًا بالغش في الامتحان من ورقة زميله، وطفقا يوبخانه على سوء سلوكه. وقد بدأت المواجهة حينما اتهم ترامب زيلينسكي بأنه «غير مستعد للسلام»، وأن أوكرانيا في مأزق ولا تحقق الانتصارات التي يدّعيها رئيسُها، مشددًا على ضرورة أن يكون الرئيس الأوكراني ممتنًّا لواشنطن وأن يقبل بوقف إطلاق النار الذي اقترحه ترامب. أما نائبه فانس فقد رفع صوته على زيلينسكي قائلًا إنه من قلة الاحترام أن يأتي للبيت الأبيض ويدخل في جدل أمام الإعلام الأمريكي بدلًا من إبداء استعداده لوقف الحرب، مضيفًا أن أوكرانيا تواجه مشكلة في التجنيد وأنها تُجبر مواطنيها على الذهاب إلى الجبهة. حاول زيلينسكي الدفاع عن موقفه بالقول إن الجميع يواجهون مشاكل أثناء الحرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، وإنه إذا كانت أمريكا لا تشعر بها الآن فستشعر بها في المستقبل. لكن ترامب قاطعه بنبرة غاضبة أنه «ليس في وضع يسمح له بإملاء المشاعر على الإدارة الأمريكية». كما انتقد فانس زيلينسكي لعدم تقديمه الشكر لواشنطن بشكل كافٍ، مطالبًا إياه بالتعبير عن الامتنان لترامب. ومن سخرية الأحداث التي يمكن عَدُّها شرّ البلية الذي يُضحِك أنه بعد كل ما حصل من إهانات وتجاوزات ضد زيلينسكي انتهت بطرده خرج وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو ليطالبه بالاعتذار عن إضاعة وقت الرئيس!
وهكذا خرج زيلينسكي مطرودًا من البيت الأبيض دون أن يوقّع اتفاق استحواذ أمريكا على مكامن المعادن النادرة والثروات الباطنية الأوكرانية الذي كان يتمناه ترامب، والذي سبق أن بعث به وزير خزانته «سكوت بيسنت» إلى كييف قبل نحو أسبوعين في محاولة أولى لتوقيعه. وخلال تلك الزيارة نسي الوزير أنه وزير في حضرة رئيس دولة، فتَطاوَسَ ووضع رِجْلًا على رجل أمام الرئيس الذي استقبله باحترام، وأمهل الوزيرُ الرئيسَ - بوقاحة منقطعة النظير - ساعة واحدة فقط ليوقّع الاتفاق! لكن زيلنسكي رفض.
كان الرئيس الأوكراني قد طرح السنة الماضية على برلمان بلاده فكرة مقايضة مواردها الطبيعية بالدعم العسكري في الحرب ضد روسيا التي دخلت في فبراير الماضي عامها الرابع بعد أن أكلت أخضر أوكرانيا ويابسها. وقال زيلينسكي إن ثروة البلاد المعدنية تبلغ قيمتها «تريليونات» الدولارات، وإن هذه الثروة ستكون متاحة «إما لروسيا وحلفائها، أو لأوكرانيا والعالم الديمقراطي» اعتمادًا على من يفوز في الحرب. لكن الأمور لم تسر في النهاية على هوى زيلينسكي، ووجد نفسه بين خيارين أحلاهما مُرّ؛ إما أن تسرق روسيا ثروات بلاده بالحرب، أو تسرقها أمريكا بالسلام! خاصة بعد أن دخل ترامب في مفاوضات مع بوتين دون الرجوع لأوكرانيا ولا للاتحاد الأوروبي، فقرر زيلينسكي ابتلاع السم ومنح ثروات أوكرانيا لأمريكا بشرط أن تعطيه ضمانات أمنية تحمي بموجبها بلاده من اعتداءات روسيا وأطماعها، لكن حتى هذه الضمانات رفضت واشنطن إعطاءها لكييف، ولم يشر الاتفاق - الذي صاغه مساعدو ترامب - إلى أي التزام محدد من جانب الولايات المتحدة بحماية أمن أوكرانيا.
كنتُ قبل نحو ثلاث سنوات قد انتقدتُ في هذه الزاوية الرئيس الأوكراني في مقال حمل عنوان «زيلينسكي وتملّق إسرائيل» تعليقًا على خطاب ألقاه بتقنية «زوم» أمام الكنيست الإسرائيلي، متباكيًا فيه على الاحتلال الروسي لبلاده، ومتجاهلًا في الآن ذاته أنه يخاطب محتلين لأراضي غيرهم، متناسيًا أن الشر الحقيقي هو الاحتلال، أيًّا كان مرتكبه. وانتقدتُ نفاقه الفاقع حين استشهد وهو يعرض أزمة احتلال بلاده من جارتها روسيا بعبارة جولدا مائير - رئيسة وزراء إسرائيل السابقة - «نحن نريد الحياة، لكن جيراننا -الفلسطينيين طبعًا لا سواهم- يرغبون برؤيتنا أمواتًا»، وقلتُ إن بحثه عن الدعم من إسرائيل جعله بلا موقف أخلاقي واضح. غير أن هذا لا يمنعني اليوم من إبداء الإعجاب بصلابته وثبات موقفه في وجه الصلف الأمريكي وغطرسة ترامب الذي تعامل معه ومع ثروات بلاده بعقلية شاهبندر التجّار الذي يعقد الصفقات، لا عقلية السياسي الذي يضع الدبلوماسية بوصلته في أي حوار. بل إن زيلينسكي صمد حتى أمام إهانة أحد الصحفيين الحاضرين في الجلسة حين سأله: «لماذا لا ترتدي بدلة رسمية؟ ألا تمتلك واحدة؟ الشعب الأمريكي يجد مشكلة بعدم ارتدائك بدلة رسمية خلال وجودك في أهم الأماكن الرسمية في الولايات المتحدة»، فكان جوابه: «سأرتدي بدلة عندما تنتهي الحرب، ربما مثل التي ترتديها أنت أو أفضل منها».
وبالعودة إلى تباكي وزيرة خارجية أوروبا على عدم وجود زعيم للعالم الحُرّ، فإن الردّ عليها هو: أين العالم الحُرّ أصلًا؟ نحن نعلم أن دعم أوروبا لأوكرانيا، ووقوفها مع زيلينسكي لم يكن لقيمها الأخلاقية الفاضلة، ولا لسواد عيني الممثّل الذي صار رئيسًا، وإنما خشية من احتلال روسيا لفرنسا وألمانيا إذا ما نجحت في ابتلاع أوكرانيا، وطمعًا في أن تكون لأوروبا حصة من ثروات كييف التي لا يريد ترامب أن يشاركه في السطو عليها أحد. أي أن أوروبا تفصِّل مبادئها للعالم الحُر على مقاس مصالحها الضيقة، وإلا فأين هو العالم الحرّ أمام حرب إبادة شنتها إسرائيل على غزة لأكثر من خمسة عشر شهرًا، ولم تترك فيها جريمة إلا وارتكبتها على مرأى ومسمع - بل ومباركة - الجميع!
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني