الخليج الجديد:
2024-09-29@11:31:04 GMT

الراية البيضاء المستحيلة!

تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT

الراية البيضاء المستحيلة!

الراية البيضاء المستحيلة

خيارات العدو الصهيوني كلها في غاية السوء، فلا يمكنه وقف العدوان ولا الاستمرار فيها ولا التراجع، ولا الكف عن فعل أي شيء.

العدو يتصرف بهستيريا في غزة، ويمعن في الإبادة، بحثا عن "الأشباح" الذي يقنصون جنوده ويفجرون آلياته، ويعتقد أن عليه مسح كل غزة، للوصول إلى هدفه.

غزة تحتاج لإسناد حقيقي من جبهات أخرى، وبغير هذا سنشهد مزيدا من القتل الأعمى الذي قال ماكرون إنه يحتاج لعشر سنوات ليصل العدو لرؤية الراية البيضاء!

إحدى الأفكار "السوداء!" في عقل جمعي صهيوني بدا يائسا من انتصاره في حرب كل خياراتها مستحيلة وتجري وفق إيقاع المقاومة لا وفق خطط العدو والبنتاغون.

يمكن القول إن شهرين من العدوان نتيجته العسكرية صفر، ومن رأى صواريخ المقاومة تشعل سماء تل أبيب يسأل: ماذا يفعل آلاف الجنود في غزة طيلة شهرين؟

-1-

قد يحتاج الشعب الفلسطيني في غزة لمعجزة لإنقاذه من الإبادة الجماعية الحقيقية التي يتعرض لها اليوم، فحجم نار الهستيريا الإجرامية التي تشتعل في نفوس المستوطنين اليهود في فلسطين لا يطفئها حتى القضاء على حماس، وهو أمر يبدو بعيد المنال حتى الآن، إن لم يكن مستحيلا.. نحن أمام حرب قروسطية تتجاوز في فظاعتها كل ما وقع من حروب في التاريخ المعاصر، مرورا بالحربين العالميتين الأولى والثانية وحروب البوسنة والهرسك وما تعرض له المسلمون من فظائع، والأهم من كل هذا، أن هذه الحرب الوحشية مدعومة بشكل كامل من ترسانة سلاح لا تنفد، وغطاء دولي لا تهمه لا مظاهرات ولا احتجاجات ولا عرائض استقالة!

وفضلا عن مخاطر الإبادة الجماعية، ثمة خطر لا يقل بشاعة وهو خطر التهجير الجماعي، الذي بدأ يأخذ صورة عملية جنوب قطاع غزة. والحقيقة أن الاعتماد على المقاومة وثباتها الأسطوري لا يكفي لدرء الأخطار التي تحيط بالشعب الفلسطيني في غزة، فالصمود والمناجزة هما مهمة المقاومة، ولكن ماذا عن المحيط العربي والإسلامي المنخرط في التفويض الغربي لقوة الاحتلال بإتمام مهمتها والمضي قدما في الإبادة والتهجير؟

حجم الجنون في كيان العدو تلخصه إحدى الكاتبات في صحيفة "هآرتس" حين تقول: "لا يهم ما الذي ستفعله إسرائيل بحماس، هذا لن يغير ما فعلته حماس بإسرائيل. ما حدث فقد حدث. إسرائيل تم اغتصابها بوحشية. هي يمكنها أن تقتل من اغتصبها وأن تخصيه وأن تدفنه وهو على قيد الحياة تحت الأرض، وأن تنفذ كل سيناريوهات الانتقام التي يمكن تخيّلها، لكن هذا لن يغير الحقيقة المرة بأن إهانتها على يديه ستكون مسجلة الى الأبد" (كارولينا ليندسما، هآرتس، 1 كانون الأول/ ديسمبر).

أحد المراسلين المقربين من رئيس أركان العدو قال: لو قرر نتنياهو إنهاء الحرب، وسحب الفرقتين العسكريتين من غزة.. فإن فرقة على الأقل ستتوجه نحو القدس لإسقاط حكومته!

وثمة تحذيرات من كبار ضباط الجيش الصهيوني، من أن وقف الحرب سيؤدي إلى تفتيت الجيش!

وفي خط متواز نقرأ ما يناقض كل ما سبق: "كل الأحاديث عن حرب حتى النصر وإبادة حماس وتصفية الإرهاب هي كلام، حماس هي فكرة وحركة تاريخية: لا يمكن إبادة فكرة. (الإرهاب) هو ظاهرة لا سبيل إلى تصفيتها بعملية عسكرية. أحد وزراء اليمين قال لي هذا الأسبوع: حتى لو خرج السنوار من الخندق بيدين مرفوعتين، وكل المخطوفين ساروا في صف واحد وراءه، فإن هذه الحرب لن تنتهي بالنصر!".. هذا ما كتبه ناحوم برنياع (يديعوت أحرونوت- 1 كانون الأول/ ديسمبر 2023)!

نحن اليوم أمام مشهد سوريالي، بل مستحيل، وخيارات العدو الصهيوني كلها في غاية السوء، فلا يمكنه وقف العدوان ولا الاستمرار فيها ولا التراجع، ولا الكف عن فعل أي شيء، ويمكننا القول إن ما يقارب الشهرين من العدوان كانت نتيجته العسكرية صفرية، ومن رأى صواريخ المقاومة تشعل سماء تل أبيب وما حولها ليلة السبت/ الأحد سيسأل: ماذا يفعل آلاف الجنود في غزة طيلة ما يقارب الشهرين، وقد بدت أجواء تل أبيب وكأننا في بداية الحرب؟

-2-

كتب الدكتور يهودا بيلانجا، الخبير في شؤون العالم العربي في قسم الشرق الأوسط بجامعة "بار إيلان"، مقالا في "إسرائيل اليوم" (28 تشرين الأول/ نوفمبر 2023) مقارنا ما بين "غزوة الخندق" و"طوفان الأقصى" بعد سرد تاريخي لقصة المعركة، والتذكير بأن "فتح مكة" قد جاء بعدها بثلاث سنوات.

وكتب قائلا: "تعتبر المعركة مثالا لمقاومة القلة ضد الكثرة، ولصبر القوة المدافعة. لقد احتاج المسلمون إلى الوقت، وقد حصلوا عليه من خلال الحاجز الاصطناعي الذي أقاموه (الخندق). بعد ذلك، كل ما تبقى عليك فعله هو التمسك بالحصار، والاستمرار في كسب الوقت، وسيأتي الخلاص."

ثم يقول: "بعد مرور 1396 عاما على تلك المعركة في الصحراء العربية، تطبّق حماس نفس السياسة في حرب "السيوف الحديدية (طوفان الأقصى)"، تماما كما فعلت في الجولات السابقة التي قامت بها ضد إسرائيل. يحيى السنوار وإسماعيل هنية وخالد مشعل يعرفون أنه في قتال مباشر ضد إسرائيل، ليس لدى حماس أي فرصة للفوز. لكن في نظرهم، من خلال الإرهاب وشنّ حرب الاستنزاف ("سيف الاستنزاف")، سيكون من الممكن تآكل "الكيان الصهيوني" ببطء، والتسبب في انهياره في نهاية المطاف".

ويختم بالقول: "لقد تصرّفت إسرائيل حتى الآن وفقا لخطة حماس تماما. في الواقع، ظلت إسرائيل على مفهوم 6 أكتوبر، وبهذه الطريقة انجرّت إلى الحرب دون أن تتمكن من الرد بشكل صحيح على استراتيجية العدو، وهي: إذا نجونا، فسننتصر في النهاية".

هذه واحدة من الأفكار "السوداء!" التي تدور في العقل الجمعي الصهيوني، الذي بدا يائسا من انتصاره في حرب كل خياراتها مستحيلة، وتجري وفق إيقاع المقاومة بعيدا عن خطط جنرالات العدو ومن شاركهم من جنرالات البنتاغون.

ولعل هذا بالضبط ما يدفع العدو للتصرف بهستيريا في غزة، ويمعن في الإبادة، بحثا عمن يسميهم "الأشباح" الذي يقنصون جنوده ويفجرون آلياته، وهو يعتقد والحالة هذه أن عليه مسح كل غزة، للوصول إلى هدفه!

غزة اليوم تحتاج لإسناد حقيقي من جبهة أخرى أو حتى جبهات، وخاصة من لبنان، وبغير هذا سنشهد مزيدا من القتل الأعمى الذي قال الرئيس الفرنسي ماكرون إنه يحتاج لعشر سنوات كي يصل إلى هدفه وهو رؤية الراية البيضاء لحماس!

*حلمي الأسمر كاتب صحفي من الأردن

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل العدو الأشباح غزة الاستسلام الراية البيضاء طوفان الأقصى الرایة البیضاء فی غزة

إقرأ أيضاً:

عندما تتحوّل السجون إلى الخطوط الأولى لمواجهة العدو.. قراءة في كتاب

الكتاب: التجربة الثقافية لحركة حماس في السجون الإسرائيلية
الكاتب: محمد ناجي صبحة
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ط 1– بيروت، 2024.
عدد الصفحات: 175 صفحة


ـ 1 ـ

يمثل صعود يحيى السنوار إلى رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس بعد اغتيال إسماعيل هنية حدثا لافتا لا بد للمرء أن يقف عنده. فشخصيته القيادية قد تشكّلت في السجون الإسرائيلية خاصة. وسيرته الذاتية تبرز لنا أنه خصّص وقته بعد أحكام عديدة بالسجن مدى الحياة منذ 1989، للقراءة والتأليف. وممّا كتب: "المجد" و"حماس: التجربة والخطأ" ورواية "ورد وقرنفل". فضلا عن ذلك فقد درس العبرية وترجم منها كتاب "الشاباك بين الأشداء" وفيه يستعرض كاتبه كرمي غليون دور جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي في التصدّي للمقاومة الفلسطينية أو كتاب "الأحزاب الإسرائيلية" الذي يعرف ببرامج الأحزاب الإسرائيلية وتوجهاتها.

لقد جعلتنا تجربة يحيى السنوار نبحث في الدور التثقيفي والتعليمي الذي تتولاه حركة حماس في السجون الإسرائيلية. ووجهتنا للاطلاع على مؤلف محمد ناجي صبحة "التجربة الثقافية لحركة حماس في السجون الإسرائيلية" الذي يعرض تجارب الأسرى داخل السجون الإٍسرائيلية، فيكشف منها، رغم قسوة السّجن، التجربة الثقافية لأسرى حركة حماس.

ـ 2 ـ

يتبسط الأثر في عرض الأنشطة والمشاريع الثقافية التي تقيمها حماس في سجون الاحتلال. وينتهي بملاحق مهمّة تعرض الدورات والمحاضرات والكتب، إضافة إلى الإشارة إلى بعض إصدارات الأسرى ودراساتهم العلمية. ويحاول الأثر التأريخ للنشاط الثقافي في سجون الاحتلال الإسرائيلي عامّة. فيذكر بداياته الفعلية التي تحقّقت في مطلع سبعينيات القرن الماضي ثم يخصّ العمل الثقافي لحركة حماس في السجون بالدّراسة. فيشير إلى أنه نشاط ممتد منذ نشأتها، ومستمر بإصرار من قياداتها لمعرفتهم بأهميته في دعم النضال الوطني الفلسطيني. ويقدّر أنه جزء من هويتها وعنصر فاعل في حضورها. ويعرّفنا باللجنة الثقافية، وهي اللجنة الرئيسية المكلفة بإدارة العمل الثقافي في السجون. فيكون لها فرع في كل سجن وتعمل وفق تشعبات وأدوار. وهذا ما يجعل مختلف اللجان تنصهر ضمن منظومة متناسقة تجمع بين المحور السياسي والثقافة الأمنية والتعبوية والإشراف التربوي والأكاديمي.

ـ 3 ـ

تتسم هذه المناهج الثقافية بالشمول. فتغطي مختلف المحاور الثقافية والفكرية، وفق محمد ناجي صبحة، ذلك أن حماس تريد نشر الثقافة الموسوعية التي تلامس مختلف مناحي الحياة. ومع ذلك يرصد الكاتب ثلاثة محاور، تعتبر، عند الحركة، من الأولويات الثقافية. فهي تعمل على جعل هذه الثقافة:

تمثل تجربة السجن بالنسبة إلى الاحتلال محاولة لإذلال الفلسطيني ولتقييد حريته عقابا له على تمسكه بأرضه ومحاولة لكسر إرادة المقاومة لديه. غير أنّ التجربة الثقافية لحماس، ولمختلف الفصائل الفلسطينية، مثّلت عملا مضادا يدفع الأسير للصمود ويصنع منه إنسانا نافعا للوطن زمن الحرب والسلم في آن.أ ـ إسلامية، فتستلهم مختلف برامجها من تعاليم الإسلام، شأنها شأن الجماعة الأم "الإخوان المسلمون". ويتحقّق ذلك في الصبغة الشرعية للمنهاج وما يحويه من مشاريع وخطط ومواد اختيارية وكتب. وتعمل على تحفيظ الأسرى أجزاء من القرآن الكريم، وتجعل من تعلم أحكامه هدفا لها. يضاف إلى ذلك ما يقدّم من  المواعظ والمحاضرات الشرعية وبرنامج الأسر التربوية. وعليه "فإن الثقافة الإسلامية ـ وفق صبحة ـ هي السمة الأبرز والموضوع الأهم الذي يمثل المساحة الأوسع من ثقافة الحركة في سجون الاحتلال، والمحور الذي تدور في فلكه غالبية المواضيع والمحاور الثقافية الأخرى".

بـ ـ ثقافة مقاومة، فالقاسم المشترك بين مختلف البرامج :المقترحة، فضلا عن الخلفية الدينية، هو الهم الوطني والاتجاه نحو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

ت ـ ثقافة حركية، أساسها تحويل السجون من فضاء عقابي ضد التحرر إلى فضاء للتعبئة ضد العدو والحث على المقاومة.

ـ 4 ـ

لا بد أن نأخذ ظروف السجن ومضايقات السجّان بعين الاعتبار ونحن نفكر في العمل الثقافي في السجون الإسرائيلية. ولا بدّ أن ندرك أنّ وسائل التثقيف تظل محدودة جدّا. ومع ذلك تفرض معظم التنظيمات الفلسطينية ساعة مطالعة إلزامية ضمن برامجها الثقافية. ويمثّل الكتاب المصدر الرئيسي: ضمن هذه المشاريع. فهو ينتزع الأسير من وحدته، ويوفر له المادة المفيدة ويزوده بالعلوم المختلفة.

جعلت هذه الأهمية حماس تعمل على توفير الكتب، ما أمكن في المكتبة العامة لكل سجن. وفرضت ذلك على المحتلّ الإسرائيلي عبر الخطوات الاحتجاجية والتصعيدية. ودفعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى إدخال الكتب، رغم أنها لا تمثّل كتباً نوعية وتميل أكثر إلى الأدبي منها. وعليه و"بعد أن تشكلت الجماعة الإسلامية بدأ عناصرها بتوفير كتب خاصة، وشكلوا مكتبات متواضعة داخل غرفهم تحوي مثل هذه الكتب فكانت بعد كتاب الله زادهم في فهم أحكام الشريعة الإسلامية، والتعرف إلى الفكر الإسلامي الأصيل، حتى قابلنا منهم من كان يحفظ صفحات ومقاطع طويلة من هذه الكتب، وأقوالا لمؤلفيها، وسمعنا منهم كيف أنهم تربوا على موائدها، واستقوا مما جاء فيها، فأسهمت في حقل شخصياتهم، وبناء فكرهم ومفاهيمهم".

ويمثّل السجناء أنفسهم مصدرا مهمّا للتثقيف. فمنهم من يمتلك من الشهادات العليا ومنهم الإطارات الثقافية والتعليمية والإدارية والوظيفية، وأصحاب التجارب الحياتية والزراعية والأكاديمية:. وفي النهاية يمثل الأسرى صورة مصغّرة من المجتمع الفلسطيني الذي يتميّز بتنوع الخبرات والكفاءات.

ويمثّل التلفزيون والراديو والصحافة المكتوبة مصدرا متاحا للتثقيف الذّاتي للأسير الذي يظل معزولا عن العالم ويعسر عليه التأقلم مع محيطه بعد التحرر. ولا يتمكّن الأسير  لا من التنقل بين المحطات أو رفع الصوت أو خفضه أو حتى إطفاء الجهاز أو إشغاله إنما تقوم إدارة السجن. وبصرف النّظر عن هذه القيود أو عن الخطوط التحريرية  لوسائل الإعلام، الإسرائيلية أساسا، وبرغم البرامج الموجهة والحرية المحدودة تظل هذه المصادر وسيلة مهمة لوصل الأسير بالعالم الخارجي ومصدرا لربط صلة ما بعالمنا الرّاهن. وعليه كان توفير التلفزيون في السجون مطلبا أكيدا منذ حقبة السبعينيات وأمام رفض المحتل لهذا المطلب، خاض الأسرى إضرابات منها إضراب سنة 1984 الذي قاده أسرى سجن جنيد: الذي انتهى بالموافقة على توفير الراديو والتلفزيون. وأمام مماطلة بعض إدارات السجون في تنفيذ الاتفاقية اضطر الأسرى إلى خوض إضراب آخر سنة 1986.

وللصحف أهمية خاصّة في تحصيل المعارف.  فرغم منع الصحف العربية، والاقتصار على صحيفة القدس  قبل منعها على أسرى حركة حماس، بعد أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط بحجة حرمانه من الاطلاع على الصّحف الإسرائيلية، ورغم وصولها متأخرة عن تاريخ صدورها بأيام، فإن.الاطلاع عليها يجعل الأسير على معرفة بمجتمع الاحتلال من جهة اهتماماته، وإشكالاته، وصناعاته ، ومواطن قوته ونقاط ضعفه.

ـ 5 ـ

مما يمنح التجربة الثقافية في السجون قيمتها المضافة عملها على توفير فرصة الدراسة الجامعية: للأسرى وتحويل التعلّم إلى عمل وطني مقاوم. فأسر الشباب يمثّل عائقا أمام تحصيلهم للمعارف واندماجهم في الحياة المهنية بعد التحرر. لذلك أوجدت حركة حماس لجنة يعهد لها أن تتابع منح شهادات التوجيهي والدبلوم والبكالوريوس، وشهادات متخصصة أخرى من خلال المنهاج الرسمي للجامعة والوزارات. وفي هذا السياق يعرض الكاتب تاريخ التدريس الجامعي في السجون وهيكلته ومناهجه والأثر النفسي والثقافي للدراسة الجامعية على الأسرى.ثم يفصّل القول في نماذج من عمل جامعة الأحرار وجامعة الصدّيق الإسلامية أو مركز عبد الصمد حريزات لدراسات الأسرى. ويشير إلى أن نحو ربع أسرى حماس مشتركون بالمناهج الأكاديمية.

لقد نجح المشروع في منح الآلاف من الأسرى عبر السنوات الماضية فرصة الاشتراك في الدراسة أو الحصول على إحدى الشهادات التي عرضناها أعلاه. وفي الآن نفسه تبذل الهيئة القيادية العليا ولجنتها الثقافية الجهد الدؤوب لفتح آفاق جديدة وتوسيع البرامج بحيث تشمل منح شهادات الماجستير والدكتوراه إن أمكن..

يمثّل السجناء أنفسهم مصدرا مهمّا للتثقيف. فمنهم من يمتلك من الشهادات العليا ومنهم الإطارات الثقافية والتعليمية والإدارية والوظيفية، وأصحاب التجارب الحياتية والزراعية والأكاديمية:. وفي النهاية يمثل الأسرى صورة مصغّرة من المجتمع الفلسطيني الذي يتميّز بتنوع الخبرات والكفاءات.وليس هذا المشروع بالأمر الهيّن. فأمامه الصعوبات الجسام. منها ما يتعلّق بمصادر التعلّم لدى الأسرى. فلا يمتلك جهاز لابتوب وما يحويه من موسوعات وإصدارات ووسائل تعليمية. وهو محروم من الوسائل الإلكترونية يستطيع عبرها الدخول إلى الإنترنت، ولا يمكنه تصفح المواقع العلمية والإعلامية والثقافية، ولا يمكنه التواصل المباشر مع الخبراء والعلماء والمختصين ليعلموا ويحاضروا ويقدموا ما يطلبه ويحتاجه، وأكثر من ذلك هو محروم من حرية اختيار الجامعة التي يرغب أو المعهد التعليمي الذي يعد الدورات في العلوم والفنون والمعارف، مقيد في إدخال الكتب إلى السجن، ويظل التحدّي المطروح هو تلقي الأسير التعلّم الذي يريد بحكم المنع. فلا يملك الكثير من الخيارات.

ـ 6 ـ

تمثل تجربة السجن بالنسبة إلى الاحتلال محاولة لإذلال الفلسطيني ولتقييد حريته عقابا له على تمسكه بأرضه ومحاولة لكسر إرادة المقاومة لديه. غير أنّ التجربة الثقافية لحماس، ولمختلف الفصائل الفلسطينية، مثّلت عملا مضادا يدفع الأسير للصمود ويصنع منه إنسانا نافعا للوطن زمن الحرب والسلم في آن. فإذا بالفضاء السّجني يتحوّل إلى مؤسسة تعليمية وتثقيفية وتعبوية. فيعدّ القيادات إداريا وتنظيميا ويحصّن المعتقلين من العمالة والاستقطاب من قبل العدو ويعمل على تحسين الواقع الاعتقالي.

ـ 7 ـ

ما يميّز هذا الأثر كونه من تأليف أسير محرر. ومن محنة الأسر ومن التجربة الذّاتية يأخذنا إلى عالم السجون الإسرائيلية. فيكشف لنا جانبا من المعركة الفلسطينية مع الكيان المحتلّ. وفي الآن نفسه يكشف لنا التنظيم الدقيق لحركة حماس. فللجان مهام محدّدة بصرامة وبتسقيف زمني صارم. منها متابعة الجلسات والإشراف على المسابقات والمحاضرات ومتابعة الإصدارات والمجلات ومتابعة مكتبات السجون والعمل على إثرائها. ويتحقّق ذلك كله بعيدا عن الارتجال.

ومما يسم هذه التجربة الثقافية مركزية التدين. فمن المهام الثقافية متابعة الأذان، وخطبة الجمعة وصلاتها، وعموم الصلوات. فإذا الديني يصهر ضمن  الثقافي والتعبوي يسير معه جنبا إلى جنب. ومما ذكر الكاتب "وقد شهدنا بأنفسنا مئات الإخوة وقد أتموا حفظ كتاب الله عز وجل في سجنهم وعشرات الآلاف ممن حفظوا أجزاء من كتاب الله بالإضافة إلى الذين حفظوا آلاف أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ضمن برامج وأنشطة مركز النور، فقد تخرج من محاضنه مئات الحفظة لكتاب الله عز وجل، وآلاف الحاملين لأجزاء منه، وقد خصصت الهيئة في مركز النور موازنة تفوق باقي فروع الثقافة بالإضافة إلى التبرعات التي يتلقاها المركز فرفعت من رصيده، وأصبح يخصص جائزة مالية قيمة لكل من يحفظ جزءاً من كتاب الله عز وجل أو أحاديث رسول الله و تشجيعاً للمجاهد أن يشترك في برامج الحفظ ".

مقالات مشابهة

  • وماذا عن فلسطين؟
  • خامنئي: الأساس الذي أرساه نصر الله سيزداد قوة.. ودمه لن يذهب هدراً
  • صدى العدوان الإسرائيلي على لبنان: ما الذي قد يخفيه موقف اليمن؟
  • "الحية" ينعى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله
  • حماس تنعى الشهيد السيد نصرالله وتؤكد أن اغتياله لن يزيد المقاومة إلاّ إصراراً على مواصلة طريق الجهاد والصمود حتى النصر
  • حماس تنعى الشهيد السيد نصرالله وتؤكد أن اغتياله لن يزيد المقاومة إلا قوة
  • المقاومة الإسلامية في لبنان تزف القائد محمد سرور الذي ارتقى بعدوان صهيوني على الضاحية
  • حماس: صلابة المقاومة في الضفة الغربية صمام أمان لإفشال خطط الضم والتهجير
  • عندما تتحوّل السجون إلى الخطوط الأولى لمواجهة العدو.. قراءة في كتاب
  • حماس: مجزرة العدو الإسرائيلي بحق النازحين في مدرسة الفالوجة إمعان في حرب الإبادة