مؤرخ فلسطيني: هكذا غذّت واشنطن معارك إسرائيل ضد الفلسطينيين
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
نشرت صحيفة "لوس انجلس تايمز" مقالا لرشيد الخالدي، أستاذ الدراسات العربية الحديثة بجامعة كولومبيا ومؤلف كتاب "حرب المئة عام على فلسطين: تاريخ الاستيطان - الاستعمار والمقاومة 1917- 2017"، أوضح فيه الكيفية التي غذت فيها الولايات المتحدة الحرب الإسرائيلية التي مضى عليها عقود مضت ضد الفلسطينيين.
وقال إن "التباين في أعداد القتلى في غزة وحولها إلى 1200 إسرائيلي، و15000 فلسطينيا وفي الجولة الأخيرة من الصراع الذي مضى عليه قرن يشير إلى التفاوت الهائل بين الجانبين".
ولفت إلى أن الأرقام هي "سمة الحروب الاستعمارية، وواحدة من الحقائق التي عادة ما غيبها الإعلام، كما غيب جذور الحرب".
واستدرك أن "هذه ليست حربا واضحة بين شعبين صاحبَي سيادة، مثل فرنسا وألمانيا، وبدلا من ذلك، فهذه هي آخر الحروب الاستعمارية في العصر الحديث، تخاض من أجل تحقيق هيمنة وحقوق مطلقة لشعب على شعب".
وكما بدا واضحا في قانون الدولة القومية للشعب اليهودي عام 2018، والذي ينص بوضوح على أن حق تقرير المصير في فلسطين "هو حق خاص للشعب اليهودي".
ورأى الخالدي، أنه "على الرغم من الرابطة التي لا ينكرها أحد عن صلة الشعب اليهودي واليهودية بالأرض المقدسة، فالفلسطينيون ينظرون للكفاح على أنه مقاومة ضد الاستعمار".
وتابع: "فقد تم إنشاء إسرائيل كمشروع استعماري غربي، وهو أمر لم ينكره أي من قادتها الأوائل، وبدعم لا يستغنى عنه من الإمبريالية البريطانية".
وأضاف "على الرغم من شبكة الأساطير التي حاولت إخفاء هذه الحقائق، فهي مهمة لفهم أن الفلسطينيين سيقاومون أي جماعة تحاول أخذ أرضهم منهم، مهما كان دينها أو جنسيتها، وحدث أن هذه الجماعة يهودية بمشروع قومي وبرابطة عميقة لنفس الأرض وتاريخ الإضطهاد والتشريد في أماكن أخرى، ووصل ذروته بالهولوكوست، مما أعطى هذه الحرب طبيعة يائسة".
وزاد "أشكال النزاع التي حدثت مرة بعد الأخرى في القرن الماضي، هي مألوفة، ومهما كان المستوطنون ومن أي مكان جاؤوا منه، وما هي الرابطة لهم مع الأرض؟ فالمقاومة ضدهم ستكون بالضرورة متشابهة، كما قاوم الإيرلنديون والجزائريون والأمريكيون الأصليون والليبيون والزولو المتسللين العازمين على سرقة أرضهم".
واستدل الخالدي "قالها بصراحة فلاديمير جابوتنسكي، مؤسس الصهيونية التصحيحية، التي أنجبت لاحقا حزب الليكود: (كل شعب أصلي في العالم سيقاوم المستعمرين)، وكما قال إدوارد سعيد إنه "من سوء طالع الفلسطينيين أن يكونوا ضحايا الضحايا".
ولفت إلى أن "عملية الاستعمار الاستيطاني أنتجت تشردا لأجزاء كبيرة من سكان فلسطين الأصليين، وسرقة لأراضيهم وممتلكاتهم، وتم طرد 750.000 فلسطيني خلال حرب إنشاء إسرائيل عام 1948، أي آكثر من 55% من سكان فلسطين في ذلك الوقت. و 250.000 فلسطيني عام 1967، حيث لم يسمح لأي منهم العودة.
وكانت "عملية التطهير العرقي المرحلية مهمة في عملية تحويل الغالبية العربية إلى أقلية في الدولة اليهودية، ولم يكن هذا ليحدث بأي طريقة أخرى، لأن عملية "إخراج" الفلسطينيين "سرا" من البلد بدت مستحيلة، وقد كانت هذه رغبة ثيودور هيرتزل التي سجلها في مذكراته".
وأضاف الخالدي: "استمرت نفس ممارسات الاستعمار والتشريد وبلا هوادة في الضفة الغربية المحتلة، طوال الـ56 عاما الماضية، ولأكثر من نصف قرن، راقبت الولايات المتحدة الاحتلال العسكري لهذه المناطق والضم التدريجي وامتصاصها في إسرائيل بلامبالاة واضحة".
وتابع "هذا يتناقض بشكل صارخ مع ردها على احتلال روسيا لأجزاء من أوكرانيا ولمدة أقصر. ومن الصعب منح مصداقية لمزاعم الولايات المتحدة أنها تدعم حق تقرير المصير والحرية لأوكرانيا، في وقت لم تتوقف عن تقديم الدعم الضروري لإسرائيل لمواصلة احتلال الاراضي العربية".
وقال: "بالتأكيد لم تلغ إدارة بايدن قرارات إدارة ترامب وعمليات الضم غير القانونية للقدس ومرتفعات الجولان، ورغم دعم الولايات المتحدة إسرائيل في كل حرب منذ عام 1948، وباستثناء حرب السويس في 1956، إلا أن دعمها للحرب في غزة غير مسبوق ومن عدة جوانب".
واستطرد "أحدها، رفض الرئيس بايدن الواضح لوقف إطلاق النار، حيث أصبحت العبارة محرمة (تابوه) في داخل الإدارة ودعم الإدارة الواضح جدا لهدف الحرب الإسرائيلية (تدمير حماس)، والذي لن يتم تحقيقه بدون مذابح لآلاف المدنيين وتدمير قطاع غزة الذي يعيش فيه 2.3 مليون نسمة، ودعم بايدن بمقال رأي نشرته صحيفة واشنطن بوست هذا الهدف حيث قال: (يجب على إسرائيل الدفاع عن نفسها، وهذا هو حقها)، وفي الوقت نفسه زعم أنه يدعم حل الدولتين، وأنهى مقالته الطويلة بدون أن يذكر العقبتين الرئيستين لتحقيق هذا الطموح: الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنات، والتي عملت الولايات المتحدة بجد على الحفاظ عليهما من خلال تدفق الدعم العسكري واستخدام دائم للفيتو في مجلس الأمن".
أما الجانب الثاني، فهو "إرسال بايدن لعدد ضخم من الأرصدة العسكرية البحرية والجوية إلى المنطقة، على افتراض منع توسع النزاع وترافق هذا مع إرسال 2000 صاروخ هيلفاير، الموجهة بالليزر و 36000 طلقة مدفعية من مقاس 30 ميلميتر التي تطلقها مروحيات الأباتشي، وكذلك 1800 صاروخ من نوع أم141 الخارقة للأنفاق إلى جانب 57.000 قذيفة من 155 ميلميتر للدبابات".
وزاد "طلبت إدارة بايدن من الكونغرس تمرير ميزانية إضافية بـ14 مليار دولار، وتشمل على مساعدات عسكرية إلى جانب 3.8 مليار دولار على شكل دعم سنوي ومنح عسكرية، والهدف من الميزانية الإضافية هو تغطية النفقات الجديدة وشراء الصفقات، وتم إلغاء القيود القانونية على استخدام الذخيرة والأسلحة هذه. ومات العديد من المدنيين في غزة إن لم يكن الغالبية تحت وابل من القنابل التي زودتها أمريكا وقذائف المدفعية والمقذوفات الصاروخية والصواريخ، ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر قتلت إسرائيل وشردت فلسطينيين أكثر ممن شردت في أثناء النكبة التي قتل فيها 13000 فلسطينيا، حسب المؤرخ الفلسطيني عارف العارف".
وأكمل الخالدي: "هناك جانب آخر غير مسبوق في الدعم الأمريكي لإسرائيل في حرب غزة، والذي مر تحت رادار الإعلام، ومنذ بداية الحرب الحالية بطرد إسرائيل جزءا من سكان غزة إلى مصر، ولم يتم التعهد بهذا، لكن كشف عن الرفض المصري والأردني الشديد وفي أكثر من مناسبة ومن خلال طلب التمويل من الأبيض في 30 تشرين الأول/أكتوبر لأوكرانيا وإسرائيل. وضم الطلب "دعم الهجرة واللجوء" لـ "احتياجات محتملة للغزيين الفارين إلى الدول الجارة" و "للفارين عبر الحدود" و "احتياجات برامج خارج غزة".
واستدرك "لم يكن مستغربا أن يشجب قادة مصر والأردن وبغضب الفكرة، التي تخلت عنها إدارة بايدن. الذي أكد وبقوة لقادة البلدين أن الولايات المتحدة لن تدعم طرد الفلسطينيين إلى أراضي أي من مصر والأردن".
ورأى الكاتب أن "هذه الحادثة المشينة هي إشارة عن بايدن الذي لا ينظر فقط للفلسطينيين كمتساوين مع الإسرائيليين أو يعتبر أن معاناتهم تشبه ما يعتبرونه معاناة الإسرائيليين، بل لا يزال هو والأعضاء الكبار في العمر بالقيادة السياسية الأمريكية أسرى للسرد الذي تشكل قبل عقود سابقة ويقاومون بعناد الأبعاد والمناظير الجديدة التي يؤمن بها الموظفون الشباب والطواقم على جانبي الكونغرس".
وأضاف "كانت هذه كارثة للفلسطينيين، وبخاصة سكان قطاع غزة الذين دفعوا الثمن الباهظ للانحياز الأعمى من بايدن وجيله".
وكشف استطلاع أخير لـ"إن بي سي" أن نسبة 70% من الناخبين من فئة 18- 34 عاما لا توافق على طريقة معالجة بايدن للحرب في غزة. وستكون مفارقة مرة لو أدت خيبة الأمل من العرب والمسلمين انفجرت من خلال خسارة بايدن ولايات متأرجحة مثل ميتشغان في 2024، مما يقود إلى انتخاب رئيس جمهوري سيكون بالتأكيد أكثر معاداة للفلسطينيين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة فلسطين الاستيطان غزة فلسطين غزة الاستيطان المقاومة الإستعمار صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی غزة
إقرأ أيضاً:
انعكاسات أزمة تقييد القضاء في إسرائيل على الفلسطينيين
في سياق ليس بعيدا عن التصدعات الداخلية بالتوازي مع الحرب على غزة التي طالت دون أن تحقق أهدافها، تأتي محاولات حكومة بنيامين نتنياهو لإعادة طرح خطة تقييد القضاء الإسرائيلي لتكشف عن أبعاد جديدة من أزماتها الداخلية المتراكمة.
ويرى معارضو هذه الخطة، التي تهدف إلى الحد من سلطة القضاء وتعزيز هيمنة السلطة التنفيذية، أنها تمثل حلقة جديدة في سلسلة محاولات فرض السيطرة الكاملة على مفاصل الحكم.
حتى الآن، يرى خبراء أن نتنياهو، لم يتمكن من تمرير خطة تقييد القضاء بشكل كامل، إذ لا تزال على طاولة النقاش السياسي في إسرائيل، والتأجيلات المتكررة جاءت نتيجة الاحتجاجات الشعبية والضغوط السياسية الكبيرة، بالإضافة إلى التوترات الداخلية، خاصة في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 المباغت وما تلاه من تبعات أمنية وسياسية.
ولا تنعكس أبعاد خطة التعديلات على الداخل الإسرائيلي وحسب، بل تمتد لتؤثر على السياسات القمعية تجاه الفلسطينيين. ووسط هذا المشهد المتأزم، تبرز تساؤلات حول مدى تأثير هذه الخطة على الاستقرار الداخلي ومستقبل نظام الحكم في كيان يواجه تشكيكا متزايدا في شرعيته الأخلاقية والسياسية داخليا وخارجيا.
يقول الائتلاف الحاكم في إسرائيل إن التعديلات القضائية تهدف إلى إعادة التوازن بين السلطات (الأوروبية) تحول النظام القضائيفي يناير/كانون الثاني 2023 أعلن وزير العدل ياريف ليفين عن خطة تقييد القضاء، وقدم ليفين -وهو عضو في حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو- الخطة كجزء من "إصلاحات قضائية" تهدف، حسب زعمه، إلى إعادة التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
إعلانوبرر الوزير إعلانه عن الخطة بأنها ستضع حدا لما وصفه بالتجاوزات التي تقوم بها المحكمة العليا وتدخلها في الشؤون التشريعية والتنفيذية، ولتعزيز سيادة الكنيست (البرلمان) باعتباره الممثل المنتخب من الشعب، ومعالجة ما يعتبره هيمنة قضائية على القرارات السياسية في إسرائيل.
في المقابل، يرى المعارضون أن هذه الخطة تأتي لتحقيق مصالح سياسية وشخصية، خاصة مع التحديات القانونية التي يواجهها نتنياهو في قضايا فساد، ما يجعل الخطة وسيلة لتعزيز نفوذ الحكومة وتقليص أي رقابة قانونية قد تعيقها.
وفي 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا يلزم وزير القضاء، ياريف ليفين، بعقد جلسة للجنة تعيين القضاة لاختيار رئيس جديد للمحكمة العليا قبل 16 يناير/كانون الثاني 2025، وذلك بعد امتناع ليفين عن دعوة اللجنة منذ تقاعد القاضية إستر حيوت في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ردًا على هذا القرار، أعلن ليفين في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري عن نيته إعادة طرح قانون تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة في الكنيست، بهدف تعديل آلية تعيين القضاة وتوسيع تمثيل السياسيين في اللجنة. يهدف هذا التعديل إلى تقليص دور نقابة المحامين في التعيينات القضائية، مما يتيح للائتلاف الحكومي مزيدًا من السيطرة على تعيين القضاة.
الكاتب والمستشار القانوني، سائد كراجه، يرى أن النظام القضائي لم يعمل كجهة رقابة نزيهة، ولكن تقييده سيزيد من عدم الثقة في القضاء، وسيثير شكوكا حول الوجه "الديمقراطي" الإسرائيلي، على الصعيد الداخلي والدولي، بحسب وصفه.
وعن خطوات تطبيق التعديلات، يقول كراجه في حديثه للجزيرة نت، إنها ستبدأ بتعديل القوانين وتشريع نصوص جديدة، تحد من صلاحيات المحكمة العليا وتمنعها من إلغاء قرارات الحكومة أو الكنيست، وتسمح للحكومة بتعيين القضاة بشكل مباشر بدلًا من الاعتماد على لجنة مستقلة.
إعلانوهذا بدوره -بحسب كراجة- سيجعل التعيينات القضائية مسيّسة، وسيضع قيودا على قدرة القضاء على مراجعة قرارات الكنيست المتعلقة بالقوانين والسياسات الحكومية التي يصدرها نتنياهو، وهذا سيغير الهيكل الإداري للمستشارين في الحكومة.
واللافت أن الخطة لم يقتصر تأثيرها على المجال القضائي فحسب، بل ألقت بظلالها أيضًا على الأوساط العسكرية، إذ هددت مجموعات من ضباط وقادة قوات الاحتياط بالإعلان عن نيتهم الامتناع عن الخدمة إن تم تنفيذ الخطة.
العسكريون عبروا عن استيائهم من تقليص صلاحيات المحكمة العليا، مؤكدين أن هذا التغيير قد يؤثر سلبًا على دور القضاء في مراقبة تصرفات الجيش وضمان احترام حقوق الإنسان، لا سيما في العمليات العسكرية التي تتم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويرى الخبراء الذين تحدثت إليهم الجزيرة نت، أن هذه الاحتجاجات تحمل دلالة سياسية أيضًا، حيث يظهر الانقسام الواضح بين السلطة السياسية في إسرائيل والجيش، الذي عادة ما يسعى للبقاء بعيدًا عن السياسة، إلا أن هذه الخطة ستعزز من التدخلات السياسية في الشؤون العسكرية، وتؤثر على استقلالية الجيش في اتخاذ قراراته الأمنية.
يخضع نتنياهو لمحاكمة بتهم تتعلق بتلقي رشاوى واحتيال وسوء استخدام السلطة (رويترز) دوافع شخصيةيواجه نتنياهو منذ سنوات عدة قضايا فساد، تشمل اتهامات بتلقي رشاوى، والاحتيال، وسوء استخدام السلطة. ويعتبر خبراء أن خطة تقييد القضاء قد تكون لها علاقة مباشرة بمحاولاته لتخفيف الضغط القانوني الذي يواجهه.
يتفق كراجة مع هذا الطرح، ويقول إن هذه الخطة ستقلل من قدرة النظام القضائي على محاسبته أو التأثير على مستقبله السياسي المعرض للخطر، مقابل تقوية تحالف اليمين وضمان دعم الأحزاب الدينية واليمينية المتشددة عبر تغيير القوانين بما يتماشى مع أجندتهم، حيث يعمل ذلك على إبراز الاستقرار في حكومته.
إعلانفي حين يرى الأستاذ في العلوم السياسية، بدر الماضي، أن مساعي نتنياهو لتحويل القضاء لأمر ثانوي هي محاولة لتجاوز ما يتهم به من قضايا فساد، وتحسين صورته في الداخل الإسرائيلي من خلال إطالة أمد المحاكمات التي يعلم أنه قد يخسرها، ويريد أن يوصل رسالة للإسرائيليين أن لديه مهمة أكبر من أن يتم تحييده من قبل المؤسسة القضائية.
ويضيف "من هذه النقطة، يلعب نتنياهو على وتر تحييد المحكمة العليا والمؤسسة القضائية لتجنب أي إدانات تبعده عن الحياة السياسية وتؤول به الأمور لشخص فاسد وسارق".
إقالة المستشارة القضائيةولا يمكن الحديث عن خطة تقييد القضاء بمعزل عن مشروع إقالة المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهاراف ميارا، وهو جزء من الجدل الدائر حول علاقة القضاء مع السلطة التنفيذية في إسرائيل، إذ تتعلق القصة بالخلافات العميقة بين الحكومة الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، وبين المستشارة القضائية التي تُعتبر من المدافعين عن استقلال القضاء وسيادة القانون.
ويعتبر منصب المستشارة القضائية، الذي تتولاه غالي بهاراف ميارا، أعلى سلطة قانونية تقدم المشورة للحكومة، وتُمثل الدولة قانونيًا في المحاكم. واتخذت بهاراف ميارا مواقف معارضة لبعض سياسات الحكومة، خاصة الإصلاحات القضائية.
انتقدت ميارا في مناسبات عدة محاولات الحكومة للتدخل في القضاء، وحذرت من أن الإصلاحات القضائية قد تُضعف الديمقراطية في إسرائيل، ولعبت دورًا مهمًا في قضايا الفساد التي يواجهها نتنياهو، حيث أصدرت قرارات تتعلق بإجراءات قانونية ضده.
وعلى خلاف موقف الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، طالبت ميارا أكثر من مرة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو ما أثار غضب نتنياهو وحزبه الذين يطالبون بتشكيل لجنة "سياسية" محدودة الصلاحيات.
يعزو الكاتب والخبير القانوني، سائد كراجة، هذا الهجوم على المستشارة بهاراف ميارا إلى سعي التحالف الحكومي لتحييد المعارضة القانونية، معتبرا أن الهجوم على المستشارة القانونية للحكومة يثبت أنها تشكل عقبة في طريقهم للتعديل المنشود في السلطة، حيث رفضت المستشارة عدة مرات في السابق تمثيل الحكومة أمام المحكمة العليا في التماسات قدمت حول قضايا عديدة، بل دعمت أحيانا مواقف مقدمي الالتماسات.
إعلانويقول كراجة إن الادعاء ضد المستشارة بأنها تسعى لإسقاط "حكومة اليمين" بشكل مدروس، يعمل في الواقع كوسيلة لتعبئة أنصار التحالف ضد المؤسسات القانونية، مرجحا أن تستمر محاولات التحالف الحكومي لإقالتها في المستقبل القريب، خصوصا على ضوء التقدم في جلسات محاكمة نتنياهو بتهم الفساد وشهادته القادمة، مع خشية رئيس الحكومة وطاقمه من أن تُقدِم المستشارة القانونية على محاولة الإعلان عن تعذر قيام نتنياهو بمهامه رئيسًا للوزراء في ضوء محاكمته.
القضية الفلسطينيةويتفق الخبراء أن الخطة التي تروج لها الحكومة الإسرائيلية تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على مستقبل الفلسطينيين في الداخل، فمن خلال تقليص الرقابة القضائية، ستتمتع الحكومة الإسرائيلية بحرية أكبر لتمرير سياسات استيطانية توسعية في الضفة الغربية والقدس، مما يهدد بتكريس الاحتلال وتعميق المعاناة الفلسطينية.
ويرى المحلل السياسي المختص في الشأن الفلسطيني أحمد فهيم أن اسرائيل لم تعد معنية أن تبدو دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتَفصِل بين السلطات، وخاصة أنها مقبلة على مشروع استيطاني توسعي ضخم قد يقضم المزيد من التراب الوطني الفلسطيني وتحديدا في الضفة الغربية المحتلة.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن التقييد قد يطلق يد الاحتلال الإسرائيلي دون حسيب أو رقيب في تعديل تشريعات بموجبها يطبق حكم الإعدام تجاه الفدائيين والمناضلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ويرى الأستاذ في العلوم السياسية، بدر الماضي، أن هذه التعديلات سيتم استخدامها ضد الفلسطينيين، لممارسة المزيد من الانتهاكات وخاصة أن المحكمة العليا كانت تمثل أحد المسارات القانونية التي يلجأ إليها الفلسطينيون للاعتراض على مصادرة أراضيهم أو هدم منازلهم، وكانت تحقق لهم الحد الأدنى من الإنصاف. ومع تقييد دور القضاء، ستصبح هذه المسارات أقل فعالية، مما يُعمق شعور الفلسطينيين بالظلم ويزيد من معاناتهم اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع تصعيد السياسات القمعية من خلال تبني إجراءات أقسى ضد الفلسطينيين دون خوف من مراجعة، وهذا يشمل قوانين تقييد الحركة، وفرض عقوبات جماعية، وتوسيع استخدام القوة العسكرية في الأراضي المحتلة، على حد تعبير الماضي.
وفي ظل استمرار الاحتلال وممارساته القمعية بحق الشعب الفلسطيني، فإن الأزمات الداخلية الإسرائيلية قد تضيف من حيث النتيجة بعدا مأساويا جديدا إلى واقعهم المرّ.
إعلان