الذكاء الاصطناعي يكشف أسرار الصندوق الأسود للإنزيمات
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
نجح فريق بحثي كوري أميركي مشترك في توظيف الذكاء الاصطناعي لكشف الأسرار الإنزيمية لواحدة من أهم الكائنات الحية، وهي بكتيريا تستوطن الأمعاء تسمى "الإشركية القولونية".
واكتُشفت هذه البكتيريا أول مرة عام 1885 من قبل طبيب الأطفال الألماني وعالم البكتيريا تيودور إيشيريتش، غير أن الأبحاث عليها اكتسبت زخما أوائل القرن العشرين وحتى منتصفه، لأهميتها في البحث العلمي وعلم الأحياء الدقيقة.
وبدأت الدراسة المكثفة لها في الأربعينيات عندما أصبحت كائنا حيا نموذجيا للأبحاث الوراثية والبيولوجيا الجزيئية، بعد أن وجد العلماء أنها تنمو بسهولة في ظروف المختبر، ولديها معدل تكاثر سريع، وتشترك في العديد من أوجه التشابه الجيني مع الكائنات الحية الأخرى، بما في ذلك البشر.
ورغم هذا التاريخ الطويل من الدراسات، لم يفهم العلماء حتى الآن ما تفعله 30% من بروتيناتها، لكن نظاما جديدا للذكاء الاصطناعي يحمل اسم "ديب إيكترانسوفرم" ربما يساعد في ذلك بعد نجاح باحثين من المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا وجامعة كاليفرونيا الأميركية في استخدامه لاكتشاف وظائف 464 إنزيماً غير معروف بتلك البكتيريا، وأُعلن عن هذا الإنجاز في دورية "نيتشر كومينيكيشن".
والإنزيمات هي جزيئات بيولوجية تعمل كمحفزات في الكائنات الحية، وتتمثل وظيفتها الأساسية في تسريع وتنظيم تفاعلات كيميائية ضرورية للحياة، وتساعدنا معرفة ما يفعله كل منها على فهم كيفية عمل الكائنات الحية.
واستخدمت العديد من الدراسات السابقة الذكاء الاصطناعي في اكتشاف وظائفها والتنبؤ بها، عبر الاستفادة من القدرات التي يتيحها التعلم الآلي وتقنيات التعلم العميم. غير أن هذه الدراسات، ورغم نجاحها في التنبؤ بالوظائف، لم تتمكن من تفسير أسباب هذا التنبؤ، مما أعاق الاستفادة من نتائجها بشكل كبير، ومن هذه الدراسات:
نظام "ديب إيك": طور باحثون طريقة "ديب إيك" التي تعتمد على التعلم العميق للتنبؤ بأرقام "التصنيف الإنزيمي" بناءً على تسلسل البروتين. والتصنيف الإنزيمي نظام طُور من قبل الاتحاد الدولي للكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية لتصنيف وتنظيم الإنزيمات بناءً على التفاعلات الكيميائية المحددة التي تحفزها. خوارزميات التعلم الآلي: استخدمت دراسات مختلفة خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ بوظائف الإنزيم، وتقوم هذه الطرق بتحليل بيانات التسلسل وهياكل البروتين والميزات البيولوجية الأخرى للتنبؤ بوظائف الإنزيمات، ووصلت تلك الدراسات لنتائج واعدة في التنبؤ الدقيق بأنشطة الإنزيم والوظائف التحفيزية. تصميم الإنزيمات: طُبق الذكاء الاصطناعي على تصميم الإنزيمات بهدف هندسة إنزيمات ذات وظائف محددة للأغراض الصناعية أو الطبية الحيوية باستخدام الأساليب الحسابية وخوارزميات التعلم الآلي. الجينوم الوظيفي: تضمنت الأساليب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في علم الجينوم الوظيفي، التنبؤ على نطاق واسع وتوصيف الإنزيمات، وساهمت هذه الدراسات في فهم المسارات الأيضية، وتحديد الأهداف الدوائية المحتملة، واكتشاف الإنزيمات ذات الصلة بتطبيقات التكنولوجيا الحيوية.وبينما نجحت هذه الدراسات السابقة في التنبؤ ببعض وظائف الإنزيمات، لم تتمكن من تفسير سبب هذا التنبؤ، وهو ما جعل الإنزيمات مثل الصناديق السوداء غير المعلوم ما بداخلها. ولكن نظام "ديب إيكترانسوفرم" تمكن من فهم لغة البروتينات، وهو ما ساعد على تجاوز تلك المشكلة.
وخلال الدراسة أعلن الباحثون أن نظامهم الجديد يستطيع أن يتنبأ بما تفعله الإنزيمات بناء على تسلسل البروتين الخاص بها، وهو ما مكن هذا النظام من تحديد وظائف الإنزيمات بسرعة ودقة وتفسير سبب التنبؤ.
في حديث خاص عبر البريد الإلكتروني لـ"الجزيرة نت" يقول الأستاذ بمختبر البحوث الوطني للهندسة الأيضية والبيولوجية الجزيئية بالمعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا والباحث الرئيسي بالدراسة سانغ يوب لي: إن أداة "ديب إيكترانسوفرم" تعمل باستخدام الشبكة الذكية ونظام البحث، فإذا لم تتمكن الشبكة الذكية من معرفة ما يفعله البروتين، فإن نظام البحث يبحث عن بروتينات مماثلة ويقوم بالتخمين بناءً على ما تفعله تلك البروتينات المماثلة، وهو ما يجعل نظامهم الجديد جيدا في تخمين الوظائف التي تقوم بها البروتينات وتحديد سبب هذا التخمين، مقارنة مع الأنظمة المماثلة الأخرى.
ويضيف أنه "نظام ذكي لقدرته على تفسير سبب قيامه ببعض التخمينات، مثل الإشارة إلى أجزاء معينة من البروتينات التي تساعده على اتخاذ القرار، وهذا الفهم الذي لا توفره الأنظمة الشبيهة يكون مفيدا جدا لصنع أشياء جديدة، مثل المواد الكيميائية الصديقة للبيئة، باستخدام هذه البروتينات المكتشفة حديثا".
ورغم أن الدراسة التي قادت إلى أداة "ديب إيكترانسوفرم" كانت على "الإشركية القولونية"، فإنه يمكن توظيفها للعمل مع بروتينات العديد من الكائنات الحية، وهو ما يفتح الباب للعديد من الأبحاث التي تكشف المزيد من وظائف إنزيمات الكائنات الحية، وهذا يعني أننا أمام أداه واعدة تمهد للعديد من التطبيقات العملية.
ويقول سانغ يوب لي: "الإنزيمات مثل الآلات الصغيرة في الكائنات الحية التي يمكنها تحطيم المواد البلاستيكية أو التخليق الحيوي لمختلف المركبات المفيدة، وأداة الذكاء الاصطناعي تساعدنا في العثور عليها بشكل أسرع وأفضل من خلال فرز الكثير من المعلومات الجينية، والعثور على المزيد منها، ويؤدي ذلك بدوره إلى إنشاء المزيد من المصانع الصديقة للبيئة واكتشاف أشياء جديدة في علم الأحياء".
ويثق الباحثون في دقة نظامهم، حيث أبلى بلاءً حسنًا -حسب يوب لي- في تخمين وظائف البروتينات، حتى بالنسبة لتلك التي تختلف كثيرا عن التي تدرب عليها، وهذا يدل على أنه جيد في اكتشاف وظائف البروتين بشكل عام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی الکائنات الحیة هذه الدراسات ما تفعله وهو ما
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يحسن تشخيص العدوى المقاومة للأدوية
طوّر باحثون في أميركا طريقة مبتكرة للتغلب على العدوى المقاومة للأدوية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وصمّمت لتحديد العلامات الجينية لمقاومة المضادات الحيوية في مُسبّبات الأمراض المعروفة، مثل بكتيريا المتفطرة السلية والمكورات العنقودية الذهبية، مما قد يُؤدي للحصول على علاجات أسرع وأكثر فعالية.
وأجرى الدراسة باحثون من جامعة تولين في الولايات المتحدة، ونشرت في مجلة "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications)، وكتب عنها موقع يوريك أليرت.
استخدم الباحثون نموذجا حاسوبيا مُبتكرا مُعزّزا بخوارزميات التعلّم الآلي يعرف بنموذج الارتباط الجماعي (Group Association Model – GAM).
طريقة مبتكرة ونتائج واعدةبخلاف أدوات التشخيص التقليدية، مثل اختبارات زراعة الخلايا أو بعض الاختبارات الوراثية، التي غالبا ما تواجه صعوبة في تحديد آليات المقاومة بدقة، تُمثل تقنية نموذج الارتباط الجماعي نقلة نوعية من خلال تحليل الملف الجيني الكامل للبكتيريا لتحديد الطفرات الجينية المسؤولة عن مقاومة المضادات الحيوية.
ويصف الدكتور توني هو، الباحث المشارك في الدراسة ورئيس قسم الابتكار في التكنولوجيا الحيوية في جامعة ويذرهيد الأميركية ومدير مركز تولين للتشخيص الخلوي والجزيئي في الولايات المتحدة، هذه المنهجية بأنها وسيلة لاكتشاف أنماط مقاومة البكتيريا دون معرفة مسبقة بآليات المقاومة، مما يجعلها أكثر مرونة وقدرة على اكتشاف التغيرات الجينية غير المعروفة سابقا.
إعلانوتكمن قوة نموذج الارتباط الجماعي في تحليلها الشامل لتسلسلات الجينوم الكاملة، مما يسمح للعلماء بمقارنة سلالات بكتيرية ذات أنماط مقاومة متفاوتة.
في هذه الدراسة، طبّق الباحثون منهجية نموذج الارتباط الجماعي على أكثر من 7 آلاف سلالة من المتفطرات السلية وما يقرب من 4 آلاف سلالة من المكورات العنقودية الذهبية، مُحدّدين الطفرات الرئيسية المرتبطة بالمقاومة.
ووجدوا أن النموذج لم يحسّن دقة التشخيص فحسب، بل قلل أيضا من حدوث نتائج إيجابية خاطئة، التي قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات علاجية غير مناسبة.
صورة أوضحقال الباحث المشارك في الدراسة جوليان صليبا، وهو طالب دراسات عليا في مركز جامعة تولين للتشخيص الخلوي والجزيئي في الولايات المتحدة: "قد تُصنّف الاختبارات الجينية الحالية البكتيريا بشكل خاطئ على أنها مقاوِمة، مما يؤثر على رعاية المرضى".
وأضاف: "تُقدّم طريقتنا صورة أوضح عن الطفرات التي تُسبب المقاومة بالفعل، مما يُقلّل من التشخيصات الخاطئة والتغييرات غير الضرورية في العلاج".
وتتيح هذه التقنية للأطباء التنبؤ بمقاومة الأدوية في مراحل مبكرة، مما يسمح لهم بصرف العلاج المناسب قبل أن تتفاقم العدوى.
ومن خلال تعميق فهمنا لآليات المقاومة وتسهيل التدخل المبكر، تُمهد هذه الطريقة المبتكرة الطريق لأنظمة علاجية مُخصصة، وتُبشر بعصر جديد في مكافحة العدوى المقاومة للأدوية.