رسالة تقدير لقيادة المؤتمر الشعبى – التحول الديمقراطى بمن صدق وليست من سبق
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
صلاح جلال
(١)
الحرب الراهنة فى ١٥ أبريل ٢٠٢٣م هى هزة زلزالية عظيمة أحدثت فالق عميق فى المجتمع والدولة والخريطة السياسية فى البلاد، كما حدث الزلزال الذى أنتج البحر الأحمر كحقيقة جيوسياسية أبدية لن تعود الحال فى السودان Business as usual كما اعتدنا عليه عقب كل تغيير في البلاد ، حرب أبريل ((غير)) تركت الدولة القديمة أقرب للفشل والتلاشى منها للفعالية فأصبحت بئراً معطلة وقصراً مهدم ، لن يكون الحال مابعد الحرب كما هو عليه فى كل شئ السياسة ، الاقتصاد، والعلاقات البينية ، لقد كانت هذه الحرب خطر ماحق هندسه التاريخ بأفعالنا المتراكمة وليست الصدفة هي التى تغير كل شئ نعرفه عن الدولة.
(٢)
إنقلبت مفاهيم كانت من المسلمات منذ الإستقلال فاحدثت نقلة نوعية يمكن أن تقود السودان إلى التلاشى اذا لم نحسن التعامل معها كمنحة تأريخية وفرصة مِنه لإصدار شهادة ميلاد وعقد إجتماعى جديد يعالج كافة القضايا التأسيسية المؤجلة منذ الإستقلال والمسكوت عنها بسبب الحروب المستمرة وعدم الإستقرار فى البلاد ولنبدأ إعادة تأسيس جديد للدولة بكل مؤسساتها المدنية ،العسكرية والأمنية فى مؤتمر دستورى لايُقصى منه أحد قادر ومستعد للعطاء الإيجابي بصحيفة خالية من الموانع الوطنية وإشارة عبور للإعتراف بالتنوع فى كل أوجه المجتمع لتأسيس هوية جامعة وهويات ثانوية متسامحة وتعدد ثقافى وثراء لُغوى يحكمه
ميزان الحلول المنصفة للعدالة والمساواة والمواطنة بلا تمييز بين كل بنات وأبناء السودان، والقطيعة التامة لإنهاء عصر الفهلوة والإستغباء السياسى وأكل مصالح الناس بالباطل وحكم الإمتيازات ، كما ذكر الصديق جنرال مناوى فى عدد موسوم من المقالات ، لنفتح صفحة جديدة فى تاريخ البلاد للوصل بركب الحضارة وإقتصاديات المعرفة ومصاف الأمم العظيمة المتقدمة حياتنا هى ما يمكننا صُنعه متضامنين ومتراضين لنطرح الأفكار الكبيرة والحُلم العظيم Big Ideas That Get people Talking كما يقول الفرنجة فى محتوياتهم المنهجية.
(٣)
الجبهة القومية الإسلامية هى الأب الشرعى لإنقلاب الشؤم فى يونيو ١٩٨٩م الذى فتح صندوق بندورة الشر المطلق، بما إرتكبه من خطيئة كانت إنحراف حاد فى أزمة قائمة منذ الإستقلال، لقد أدرك عراب الإنقلاب وبعض من قيادات حزبه خطأ فعلتهم الشنيعة بتحويل الحكم من الإختيار للمغالبة وفقه ذوا الشوكة ((القوة الصلبة)) وحاول إعادة العفريت للقمقم بعد تحضيره فرفض الإنصراف، وكان مشهد المفاصلة بين المؤتمر الوطنى والشعبى بأسهم بينهم شديد، وضع د.حسن الترابى فى السجن وقال الرئيس المخلوع أنه يرغب فى قتله ليتقرب به إلى الله وفقاً لشهادة د.الجميعابى، وقال د.نافع للصحف هذا العجوز لن يخرج من هذا السجن إلا محمولاً على عنقريب (يعنى ميتاً).
(٤)
وقد فعلوا الأفاعيل بما سموه بإنقلاب مهندس يوسف لِبس رحمه الله مسئول الأمن الشعبى من قهر وتعذيب وأحكام طويلة بالسجن لعدد ليس بالقليل من شباب الشعبى، وكانت من نتائج تلك المفاصلة غير المباشرة التعجيل بظهور حركة العدل والمساواة المسلحة بقيادة د.خليل إبراهيم وإنحراف الحرب الأهلية فى دارفور إلى حرب تصفية عرقية حُرقت فيها القرى والمدن والقتل على الهوية حتى إعتراف مجلس الأمن الدولى بالتصفية العرقية Genocide وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى إنتهت بقيادات الإنقاذ مطلوبين للعدالة الدولية فى ال ICC ينتظرون الترحيل إلى لاهاى بعد إعادتهم للسجون التى تم تهريبهم منها بسبب الحرب الراهنة ، لقد طلب الدكتور الترابى المغفرة من الله والشعب وإنتقد تجربة حكمهم بالإنقلاب نقداً لازعاً حد إدماء الظهر أعتقد أنه صادقاً نسأل الله أن يقبل توبته وأوبته للحق وهو يقف بين يديه.
(٥)
د. على الحاج محمد، الأمين العام للمؤتمر الشعبى كان من السباقين للنقد الذاتى لتجربة الإنقاذ، إعتزل البلاد بالمهجر الإختيارى فى المانيا لسنوات طويلة بعد المفاصلة، أذكر أبريل ٢٠١٥م كان هناك مؤتمر لقوى نداء السودان بدعوة من الحكومة الألمانية فى برلين كنت بين المدعويين فى ذلك المؤتمر بجانب المرحوم الإمام الصادق المهدى ، بعد خروجنا مباشرة من مطار تيجيل الدولى نحو مدينة برلين داخل العربة طلب منى السيد الصادق الإتصال على د.على الحاج وطلبت منه عبر الهاتف الحضور لبرلين من هامبورق للتفاكر وقد كان السيد الصادق فى ذلك الوقت يستحسن موقفه من نظام الإنقاذ ونقده الذاتى وإدانته للإنقلاب وبالفعل حضر د.على الحاج وأقام فى ذات الفندق مع قيادات نداء السودان فقد كان واضحاً وصريحاً فى إلتزامة بإستعادة التحول الديمقراطى إلى البلاد ، بعد إنتخابه أميناً عاماً للمؤتمر الشعبى ظل د.على الحاج يؤكد إلتزامه بالتحول الديمقراطى رغم تأييدهم لمخرجات الحوار الوطنى ومشاركتهم الثانية فى الإنقاذ حتى سقوطها ظل د.على الحاج يعلن إعتقاده أنهم يعملون من الداخل لإعادة السلطة للشعب عبر حلول تفاوضية دون مواجهات ، وقد كان على ذلك الإعتقاد هو ودكتور غازى عتبانى من جماعتهم.
(٦)
لقد إتخذ د. على الحاج موقفاً واضحاً يحسب له من إنقلاب البرهان فى ٢٥إكتوبر ٢٠٢١م فى بيان موثق يدين ويرفض الإنقلاب على الإنتقال الديمقراطى وهو داخل السجن، فقد عزز هذا الموقف بتأييده للإتفاق الإطارى وقبوله وحزبه المشاركة فى مخرجاته مع قوى الحرية والتغيير حتى وقوع حرب أبريل العبثية التى أدانها وأعتزلها د.على الحاج وحزبه المؤتمر الشعبى فى عدة بيانات معلنة وموثقة للتاريخ ، كما إتخذ د. على الحاج قراره الأخير بفصل كل من يؤيد ويشارك فى هذه الحرب العبثية من قيادات حزبه فى المركز والولايات بالفصل من مؤسسات الحزب ، موقف يثير الإعجاب فى صرامته وإستقامته والتضحية بوحدة حزبه من أجل تعزيز موقفه من تأييد التحول الديمقراطى ورفضه للتوسل للسلطة بالبندقية بعد تجربة الإنقاذ المدحورة وقد إتهم المؤتمر الشعبى حزب المؤتمر الوطنى بإشعال هذه الفتنة وقرطسة قيادة القوات المسلحة فى هذه الحرب بالخديعة عبر بعض منسوبيها المنتمين للنظام المخلوع، من هنا تأتى إشادتى بموقف حزب المؤتمر الشعبى وقيادته الرافضة للحرب والمحايدة بين طرفى النزاع فى تجانس مع موقف القوى الديمقراطية فى السودان وأقول لقيادات المؤتمر الشعبى دعم التحول الديمقراطى يأتى بمن صدق وليست من سبق، فقد صدقتم فى رفض إنقلاب البرهان ورفض الحرب العبثية والعمل من أجل وقفها فوراً مما يؤهل حزبكم أن يكون فى مقدمة المشاركين فى جبهة لا للحرب وإستعادة المسار الديمقراطى ((تقدم)) .
(٧)
ختامة
إنهاء الحرب والعملية السياسية الملازمة لوقف العدائيات، تستوجب تعزيز الجبهة المدنية العريضة ((تقدم)) بمشاركة أوسع طيف سياسى يشمل مجموعة سلام جوبا والكتلة الديمقراطية بلا تحفظ، كما أشيد بالبيان الذى صدر بين الحزبين الأمة والإتحادى الأصل بعد اللقاء الذى تم بين اللواء فضل برمة ناصر الرئيس المكلف ونائب رئيس الحزب الإتحادى الأصل السيد جعفر المرغني والقيادى بالحزب حاتم السر فى مدينة أبوظبى وتم إصدار البيان بالقاهرة فى ١٨ نوفمبر ٢٠٢٣م فى إجتماع جمع د.مريم المهدى نائب الرئيس والسيد جعفر المرغنى نائب رئيس الأصل فى المقابل فى مدينة القاهرة وبتوقيع د.محمد المهدى حسن رئيس المكتب السياسى لحزب الأمة القومى والسيد معتز الفحل الأمين السياسى للحزب الإتحادى الأصل ، كل هذه الخطوات تتثق والتوجه العام لتعزيز الجبهة المدنية لإنهاء الحرب ((تقدم)) وبداية العملية السياسية الشاملة لإستعادة التحول الديمقراطى وإحياء أهداف ثورة ديسمبر المجيدة ، فى السلام الشامل والتحول الديمقراطى الكامل تقدم إلى الأمام .
٣ ديسمبر ٢٠٢٣م
الوسومصلاح جلالالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صلاح جلال د على الحاج
إقرأ أيضاً:
رسالة لوزير خارجية بريطانيا والمجتمعون في مؤتمر لندن بخصوص السُودان
رسالة لوزير خارجية بريطانيا والمجتمعون في مؤتمر لندن بخصوص السُودان
نضال عبد الوهاب
السيد ديفيد لامي وزير خارجية بريطانيا بعد السلام والتحية،،،
ينعقد ببلادكم وفي عاصمتكم “لندن” مؤتمر دولي حول الأوضاع في السُودان، وفي الخامس عشر من أبريل الحالي وهو التاريخ الذي يُصادف بدء الحرب في السُودان ومرور عامين عليها، تلك الحرب التي استهدفت بلادنا السُودان أرضاً وشعباً وقُتل فيها مئات الآلاف وشُرد ونزح الملايين، وتم تدمير واسع للبنية التحتية المتواضعة في الأصل لبلادنا، وقامت بين عسكريين جيش نظامي ومليشيا كانوا يقتتلون على السُلطة ولكنها لاحقاً توسعت لتشمل معظم بلادنا وكادت ان تتحول لحرب أهليّة طاحنة ومُدمرة، واستقطبت وشارك فيها الكثيرون، خاصة بعد كل الفظائع التي قام بها طرفا الحرب، وبصورة أكثر إجراماً وانتهاكاً للسُودانيين كانت من جانب مليشيا الدّعم السريع، فتمت دعوات للاستنفار استجاب لها كثيرون لوقف عدوان المليشيا، التي قامت بالتشريد المُتعمّد للملايين في الخرطوم والجزيرة ودارفور وأجزاء واسعة من البلاد، إضافة لعملية التطهير العرقي لسكان مدينة الجنينة بغرب دارفور، والاغتصابات والإعتداءات الجنسية، مع الاستهداف للمرافق الصحية والمستشفيات وحتى دور العبادة ومراكز الخدمات والكُهرباء، وكذلك الحصار والقصف اليومي لمدينة الفاشر في شمال دارفور، وقتل المدنيين والأبرياء، ومعسكرات النازحين في زمزم وغيرها، في حين تركزت جرائم الجيش في القصف بالطيران، إضافة لعديد من الانتهاكات وتصفية الكثيرين، سواء على الهوية، أو من لجان المقاومة والقوى المدنية وبحجة التعاون مع المليشيا، ساهم طرفا الحرب في العديد من الانتهاكات والجرائم، وكل هذا وبرُغم الكثير من الجهود في داخل السُودان وخارجها لم تتوقف الحرب، لإصرار طرفيها على الحسم العسكري، ولوجود أطراف خارجية للأسف ظلت تدّعم الحرب بالسلاح والتغطية والصمت على جرائمها وتدخلاتها في شئون بلادنا ومحاولات الانتقاص المُستمر لسيادتها لمصالحها الخاصة بعيداً عن مصالح كافة السُودانيين والسُودان كدولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة منذ استقلالها عن بلادكم إنجلترا، بعد انتهاء عهد الاستعمار للدول والشعوب، ونيّلنا الاستقلال والحرية، وكان ذلك في الأول من يناير من العام ١٩٥٦، فنحن شعب حر ودولة مُستقلة ذات سيادة مُنذ ذلك التاريخ كما هو معلوم للجميّع.
بالنسبة لمؤتمركم الحالي وللمساهمة ومحاولة وقف الحرب وحماية المدنيين والعودة للحكم المدني فيه، أريد أن ننقل لكم رأينا في هذا المؤتمر ومحاوره الثلاثة.
أولاً هذا المؤتمر للأسف لم يكن الأول لبحث ذات المحاور أو أجزاء منها، خاصة ما يتعلق بوقف الحرب وتقديم المساعدات وحماية المدنيين، فقد كان هنالك مؤتمر باريس لجمّع دعم للسُودان، وللأسف لم يوفِ معظم المتبرعين والمانحين بما التزموا به، وكذلك كانت هنالك العديد من المؤتمرات الإفريقية والإقليمية، إضافة للجلسات الخاصة لمجلسي الأمن والأمم المُتحدة خاصة بالسُودان وبوقف الحرب به، ولكنها جميعها في تقديري لم تكن فاعلة ولم تُسهم في الأخير بوقف الحرب أو انتهاكاتها، ورغم الجهود في الجانب الإنساني وتقديم الإغاثة، لكن أيضاً مات الكثيرون بسبب الجوع والعطش، وسوء التغذية والأمراض، مع عدم وصول الإغاثة لأجزاء واسعة من أماكن الحرب، وظل الجوع والمجاعة يحاصران الكثيرين، هذا غير النقص الواضح والانعدام في الدواء والعلاج والانهيار للخدمات الصحية جراء الاستهداف المتعمّد للمرافق الصحية والمستشفيات خاصة من جانب مليشيا الدّعم السريع، كذلك حتى اجتماعات الاتحاد الأفريقي وإيقاد ومنابر جدة ومباحثات المنامة، وإرسال المبعوثين الأمريكي والإنجليزي الخاص بكم، والسويسري كلها لم تفلح للأسف في وقف الحرب حتى اللحظة، ولا في وقف مُعاناة الشعب السُوداني وقتله وإبادته بشكل يومي.
من كُل ما سبق فإن على مؤتمركم وبشكل مُباشر إن أراد حلولاً حقيقية وليس مُجرد تقدّيم لمصالح أي أطراف دولية أو إقليمية فوق مصالح بلادنا وشعبنا فنطالبه بالآتي:
١/ المُساهمة الفورية في وقف الحرب ووقف داعميها بالسلاح والتشدد في هذا وتنفيذه والتزام الجميّع به، ووقف الاعتداء على مدينة الفاشر وقصفها وفك الحصار المفروض حولها ومنذ شهور من قبل مليشيا الدعم السريع وفوراً.
٢/ عدم إعطاء أي شرعية لطرفيها، وقطع الطريق أمام أي محاولات لتكوين حكومات موازية في أي منطقة داخل السُودان سواء في دارفور أو في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع أو الجيش، وبشكل واضح ودون مواربة وعدم الاعتراف بها.
٣/ العودة للتفاوض بما يضمن وقف الحرب، واستعادة التحول الديمُقراطي والحكم المدني وتحقيق إرادة السُودانيين في ذلك، بعيداً عن أي محاولة لفرض “نموذج” أو أشخاص على السُودان والسُودانيين، وترك من يمثل السُودان ويحكمهم لنا كشعب سُوداني ولجميّع السُودانيين.
٤/ تيسير ودعم حدوث حوار سُوداني سُوداني ومؤتمر داخل السُودان مُستقبلاً يضم الجميّع يناقش فيه السُودانيون مشاكلهم ويضعون الحلول لها بأنفسهم بعيداً عن أي تدخلات دولية أو إقليمية مُباشرة.
٥/ دعم وحدة السُودان أرضاً وشعباً، فهو الخيار الذي لا يقبل المُساومة، ولا يقبل أي إتجاه لفرض التقسيّم عليه بأي صورة كانت، وسيتم مواجهة كُل ذلك من كُل الشعب السُوداني ومقاومته والتصدي المشروع له مؤكد، فاستقرار السُودان ووحدته سيدعم استقرار كُل المنطقة، وحتى لا تتحول إلى ساحة حرب دولية وإقليمية وفي منطقة حساسة من العالم ومنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي بما يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي العالمي.
أخيراً نتمنى لمؤتمركم النجاح في هذا الإتجاه، حتى يكون المؤتمر القادم بإذن الله لدعم إعمار السودان من ذات المجتمعين وتقديم المنح والتعويضات ممن ساهموا في خراب بلادنا ودعموا الحرب وإلزامهم بذلك.
* مواطن وفاعل سياسِي سُوداني من داخل القوى المدنية الديمُقراطية.
١٤ أبريل ٢٠٢٥
الوسومإنتهاكات قوات الدعم السريع إيقاد الأمم المتحدة الاتحاد الأفريقي الحكم المدني السودان القوات المسلحة باريس بريطانيا حرب السودان دارفور ديفيد لامي لندن نضال عبد الوهاب