RT Arabic:
2025-04-30@08:45:07 GMT

عندما لا يكون الاعتراف "سيّد الأدلة"

تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT

عندما لا يكون الاعتراف 'سيّد الأدلة'

على النقيض من الصورة النمطية لسرقة البنوك، باقتحامها من قبل مقنعين مسلحين، دخل لص إلى مصرف ياباني في إحدى ضواحي طوكيو قي 26 يناير عام 1948 حاملا معه حقنة وقوارير بأمصال.

إقرأ المزيد ليست أرواحا "بل بضاعة معرضة للتلف"!

المشهد جرى في منطقة توشيما بضواحي طوكيو، وتحديدا في فرع البنك الإمبراطوري "تيجين"، عند الساعة 15:00 قبل لحظات من إغلاق البنك لأبوابه مؤقتا بعد الظهر.

دخل رجل يرتدي معطفا طبيا، وقدم الزائر نفسه للعاملين في البنك على أنه عالم وبائيات مكلف من قبل الخدمات الصحية الوقائية لتطعيم الموظفين ضد تفشي مرض الزحار.  

تبادل "هذا الطبيب" مع مدير البنك بطاقات العمل، وهو تقليد شائع في اليابان، وبعدها جمع المدير العاملين وعددهم 16 بمن المدير وطفل واحد .

أخرج "الطبيب" قارورتين من حقيبته، إحداهما بها سائل أحمر والأخرى تحمل سائلا شفافا. استعرض أمام الجميع كيفية استخدام الدواء، وأخذ قطرات من السائل الأحمر بماصة، وأسقطه على لسانه، ثم خفف السائل عديم اللون بالماء وشرب. كرر جميع العاملين العملية، وبعد بضعة دقائق سقطوا على الأرض مصابين بتشنجات، وبعد لحظات أخرى فقد 16 شخصا وعيهم. توفى 10 من العاملين في البنك على الفور، ولاحقا لقي اثنان آخران مصرعهما في المستشفى بمن فيهم الطفل الوحيد، فيما نجا أربعة أشخاص فقط.  

حمل "الطبيب" من البنك 164000 ين نقدا، وشيكا بقيمة 18000 ين. ولا يعرف لماذا اكتفى السارق الغامض بهذا المبلغ فقط على الرغم من وجود الكثير من الأموال حينها في المصرف وكانت في المتناول.

الشرطة استلمت هذه القضية الغامضة وسرعان ما اكتشفت أن محاولتين مماثلتين جرتا لكنهما فشلتا. الأولى لم يقتنع فيها المدير بادعاء "الطبيب" وفضل الاتصال بوزارة الصحة، الأمر الذي جعل الزائر الغامض يختفي فجأة. وفي المرة الثانية لم تكن الجرعة كافية ولم يفقد العاملون في البنك وعيهم، ولذلك فشلت محاولة السطو.

في محاولة السطو الثانية ترك "اللص" دليلا قاد رجال الشرطة إلى الفاعل. في تلك المحاولة ترك وراءه بطاقة عمل كتب عليها: "الدكتور شيجيرو ماتسوي".

صاحب بطاقة العمل "الكرت" عثرت عليه الشرطة بسرعة، وكانت لديه حجة دامغة مئة بالمئة ببراءته، واستحالة أن يتواجد في ذلك اليوم في الفرع الذي تعرض للسطو وقتل عدد كبير من العاملين به بالسم.

المحققون افترضوا أن يكون الجاني واحدا ممن سبق واستلم بطاقات عمل من الطبيب الحقيقي. من محاسن الصدف أن الدكتور شيجيرو كان رجلا شديد الدقة. في دفتر ملاحظاته، وثق مكان وزمان واسم من تلقى بطاقات عمل منهم، وبالمثل تفاصيل كاملة عمن تلقى بطاقات منه.

في المجموع، وزع الدكتور شيجيرو ماتسوي 539 بطاقة عمل، في حين أن مثل تلك البطاقة التي وجدت في مسرح الجريمة، طبع منها فقط مئة، ووزع منها 92. الشرطة استبعدت 84 اسما من قائمة المشتبه بهم لأسباب مختلفة، فيما توقف المحققون عند آخر 8 أشخاص، عند اسم فنان يحترف الرسم يدعى، ساداميتشي هيراساوا.

في أغسطس عام 1048 جرى اعتقال ساداميتشي هيراساوا البالغ من العمر 56 عاما واتهامه رسميا بالجريمة. نفى الرجل في البداية بشكل قاطع علاقته بعملية السرقة والقتل بالسم، لكن بعد الاستجواب اعترف بكل شيء.

في المحكمة تراجع عن اعترافاته، وادعى أنها أخذت منه عنوة وعن طريق الضغط والرهيب، ومع ذلك قضت المحكمة في عام 1950 بإعدام ساداميتشي هيراساوا، وكان الاعتراف في ذلك الوقت في التشريعات الجنائية اليابانية السائدة يعد سيد الأدلة.

ظهرت لاحقا عدة أدلة تشكك في ذنب هذا الرسام بما في ذلك شهادة أقاربه بوجوده في مكان بعيد عن البنك الذي تعرض للسرقة، علاوة على جدل دار حول طبيعة السم الذي استخدم، كما لم يتعرف بعض الشهود على الطبيب المزيف المحتمل، ناهيك عن عدم مطابقة أرقام الأوراق النقدية التي عثر عليها في بيته مع تلك التي سرقت من البنك!  

مع كل ذلك أبقت محكمة الاستئناف على حكم الإعدام، فيما واصل محامو ساداميتشي هيراساوا الطعن في الحكم في المحكمة العليا، إلا أن الأمر لم يتغير.

القانون الياباني يشترط تنفيذ حكم الإعدام بالحصول على توقيع من وزير العدل. طيلة سنوات طويلة تعاقب على هذا المنصب 33 وزيرا، لكن لم يتم التوقيع على قرار إعدام هذا المدان.

بقي هيراساوا ينتظر تنفيذ عقوبة الإعدام طويلا، وبحلول عام 1987 وكان ناهز من العمر 95 عاماـ تدهورت صحته بشكل حاد، وفيما أرسل محاموه التماسا بالعفو عن موكلهم إلى الحكومة اليابانية ولم يجد من يهتم به، رحل ساداميتشي هيراساوا عن هذا العالم في 10 مايو عام 1987، وهكذا لا يعرف على وجه اليقين، هل رحل عن الحياة رسام تعيس وسيء الحظ، أم مجرم وقاتل خطير؟

المصدر: RT

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: أرشيف

إقرأ أيضاً:

متى يكون للحياة طعم؟

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

كثيرون هم الذين يسألون أنفسهم: متى يكون للحياة طعم؟ كيف نحيا ونشعر بلذة السعادة والراحة؟

لكن الأجوبة تختلف، والمواقف تتباين، تبعًا لطبيعة نظرة الإنسان إلى السعادة وسبل الوصول إليها. هناك من يرى أنَّ الحياة الطيبة مرهونة بالجلوس في المقاهي الفاخرة، أو بالسفر إلى البلدان البعيدة، أو بالعيش في أماكن راقية تزينها مظاهر الرفاهية. غير أن قليلًا منهم من يفكر كيف يصل إلى ذلك، كيف يجتهد، كيف يتعب، كيف يصنع لنفسه مقعدًا بين الناجحين، قبل أن يُطالب نفسه بثمار لم يزرعها.

 

إنّ للحياة طعمًا خاصًا لا يُدركه إلّا أولئك الذين عرفوا قيمة الجهد والتعب، الذين مرُّوا بمحطات الكد والسعي، وذاقوا مرارة الصبر قبل أن يتذوقوا حلاوة الراحة. هؤلاء حين يجلسون أخيرًا على مقاعد الراحة، لا يجلسون بأجسادهم فقط، بل تجلس أرواحهم قريرة مطمئنة، لأنهم يعرفون أنَّ ما وصلوا إليه لم يكن مصادفة ولا صدقة، بل كان نتاج سعيهم، ونصب أعينهم هدف رسموه بعقولهم وسقوه بعرقهم.

 

وعلى الضفة الأخرى، تجد أولئك الذين لم يبذلوا جهدًا حقيقيًا، لكنهم لا يكفون عن الشكوى واللوم. يعتقدون أنَّ سعادة الدنيا قد سُرقت منهم، وأن أيدي الآخرين قد اختطفت نصيبهم في متعة الحياة. ينسون- أو يتناسون- أنَّ السعادة لا تُهدى؛ بل تُنتزع انتزاعًا بالجد والاجتهاد. ينسون أن لحياة الطيبين المطمئنين أسرارًا، أولها أنهم لم يتكئوا على الأماني، ولم يحلموا بأطياف الراحة قبل أن تبلل جباههم عرق الاجتهاد.

 

ليس المطلوب أن يعادي الإنسان الراحة، ولا أن يرفض الجلوس في مكان جميل، ولا أن يمتنع عن السفر، ولكن المطلوب أن يعرف أن لكل متعة ثمنًا، وأن لكل راحة طريقًا.

الطريق إلى السعادة الحقة ليس معبّدًا بالكسل ولا مفروشًا بالاعتماد على الحظ أو الاتكالية على الآخرين، بل هو طريق طويل ربما ملأه التعب والسهر، وربما اختلط بالدموع والألم، لكنه الطريق الوحيد الذي يجعل للراحة طعمًا، وللحياة لونًا، وللسعادة معنى.

الحياة الحقيقية لا تطعم بالفراغ ولا تثمر بالركون إلى الأماني. متعة القهوة في المكان الراقي، ومتعة السفر، ومتعة الجلوس في الحدائق الجميلة، ليست في ذاتها، بل في الإحساس أنك وصلت إليها بجهدك، واستحققتها بكدك. حينها تصبح لكل رشفة طعم، ولكل لحظة لون، ولكل مكان ذاكرة تحمل عطر العناء الجميل.

هنا، يقف شخصان متقابلان؛ أحدهما عاشر التعب، وأرهقه السعي، فذاق الراحة بعد معاناة فكانت أطيب ما تذوق. والآخر ظل ينتظر السعادة تأتيه بلا عناء، فمات قلبه بالشكوى قبل أن تقترب إليه.

ما أجمل الحياة حين نحياها بالكد والعزم! وما أطيب طعمها حين ندرك أن اللذة الحقيقية ليست في المال الكثير ولا في الجاه العريض، بل في الرضا عن الذات، والشعور بأنك بذلت ما بوسعك، وقابلت النتائج بابتسامة الرضا لا تأفف الحاسد ولا حسرة المتكاسل.

فمتى يكون للحياة طعم؟

يكون لها طعم عندما نتذوق التعب ونحوله إلى لذة، ونحمل همّ الطريق ونتخذه رفيقًا لا عدوًا. يكون للحياة طعمًا حين نحيا بشغف، ونحب عملنا، ونسعى وراء أحلامنا مهما كانت بعيدة، وحين نصنع من كل يوم طوبة نبني بها صرح سعادتنا.

الحياة، في حقيقتها، ليست مجرد أيام تمضي، ولا متعٍ تُشترى. إنها قصة تُكتب بالتعب، وتُزيَّن بالأمل، وتُختم براحة الضمير وطمأنينة القلب.

حين نفهم هذه الحقيقة، ندرك أن طعم الحياة لا يُعطى هبةً، بل يُصنع بيدين متعبتين، وقلب مؤمن، ونفس طامحة لا تلين ولا تستسلم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • الاعتراف الأمريكي بسقوط طائرة “إف 18” هو الثاني خلال معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس (إنفوجرافيك)
  • حكم أخذ الطبيب عمولة نظير تحويل المرضى لمركز معين للأشعة.. الإفتاء توضح
  • توظيف البيانات الواقعية في الرعاية الصحية
  • قرارات جديدة للجنة الاعتراف بمؤسسات التعليم العالي غير العُمانية
  • روسيا تشترط الاعتراف بالقرم وواشنطن تلوح بالانسحاب من المحادثات
  • تحديث منظومة الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي الصادرة من خارج الدولة
  • حزمة برامج تدريبية لتطوير مهنة التمريض.. كيفية الحصول عليها والمدة
  • أول سفيرة لفلسطين في النرويج
  • بعد واقعة عيادة مدينة نصر.. عقوبة مشددة تنتظر منتحل صفة الطبيب
  • متى يكون للحياة طعم؟