شبكة اخبار العراق:
2025-05-01@07:24:48 GMT

عهد التميمي وأساطيرنا الصغيرة

تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT

عهد التميمي وأساطيرنا الصغيرة

آخر تحديث: 4 دجنبر 2023 - 10:45 صبقلم: فاروق يوسف لا تعتقد إسرائيل أنها تحتاج إلى شيء من الذكاء لكي تتعامل مع الفلسطينيين، فالتعامل معهم من وجهة نظرها لا يحتاج إلى الذكاء، بل إلى القوة. ذلك ما جعلها لا ترتكب الحماقات واحدة إثر الأخرى وحسب، بل وأيضا تجعلها سهلة الانقياد إلى الحرب، ظانة أنها عن طريق الحرب يمكنها أن تحل مشكلاتها المتراكمة لا مع الفلسطينيين أو العرب وحدهم، بل أيضا مع حقيقة وجودها كيانا شاذا في المنطقة، تحيط بشعبه شعوب لا تحبه ولا يحبها.

وليست الكراهية إلا عنوانا لما تفعله إسرائيل في كل لحظة في محاولة منها للانتهاء من معضلة أثبتت كل السنوات التي مرت عليها أنها قد فشلت في التخلص منها، لا لشيء إلا لأنها لا تعترف بإرادة الطرف الآخر في المعادلة. فهي تتصرف باعتبارها طرفا وحيدا. أما حين تواجه رد فعل صادم مثل ذلك الذي حدث في 7 أكتوبر فإنها تلجأ إلى العنف المفرط انتقاما من مدنيين لا علاقة تنظيمية لهم بالطرف الذي تقول إنه استفزها حين اخترق جدارها. “إسرائيل قوية” لكنها ليست كذلك أمام الفلسطينيين العزل. الفلسطينيون يعرفون الحقيقة أكثر منا. هم الضحايا المباشرون لتاريخ من التمييز والعزل والظلم والاضطهاد والحرمان. لم تنل القوة الإسرائيلية من عزيمتهم، بل زادتهم إيمانا وثقة بعدالة عدالتهم. أما على الجانب الإسرائيلي فيمكن القول إن القوة قد استضعفت حالها في حالات كثيرة. وقد تكون حالة “عهد التميمي” واحدة من أبرز تلك الحالات. فالمرأة التي هي الآن في الثانية والعشرين من عمرها كان قد ذاع صيتها يوم صفعت جنديا إسرائيليا وهي لا تزال طفلة وحُكم عليها بالسجن لتلتحق بأمها. وحين وقعت أحداث غزة تم اعتقالها وها هي الآن حرة بعد أن أطلق سراحها في سياق صفقة تبادل الأسرى. ولكن لماذا اعتقلت إسرائيل المرأة لكي تكون في ما بعد رقما في الصفقة؟ إسرائيل تكذب في ما يتعلق بالأسرى الذين تطلق سراحهم وحركة حماس صامتة وهي تستلم قائمة الأسرى الذين تُطلق إسرائيل سراحهم. هل الرقم هو المهم أم الحقيقة؟ عهد التميمي ليست أسيرة. لقد اعتقلتها القوات الإسرائيلية مع بدء الأحداث لأن تلك القوات تتصرف بغباء. فهي مدفوعة بالعنف تلتقط كل من تحوم حوله الشبهات. هناك أسرى حقيقيون لو أطلق سراحهم لكان ذلك إنجازا عظيما. من يضحك على الآخر؟ هناك مناضلون فلسطينيون حقيقيون يقبعون في السجون الإسرائيلية. أبطال محرومون من الحياة بمعناها الكامل. لقد سلّمتهم إسرائيل إلى الموت وهم في شبابهم. أولئك المناضلون لم يطالب بهم أحد. وهو ما يُريح العقل الإسرائيلي الشرير. دعهم يموتون. لا أحد يطالب بهم. أما عهد التميمي التي لم تكن متهمة ولم تحاكم فقد كانت مجرد رقم. غير أن أسطورتها سبقتها وهي أسطورة تكفي لصنع غطاء تفاهم سيكون هو الآخر مجرد كذبة. اعتقال عهد التميمي ومن ثم إطلاق سراحها هو واحد من أهم تمثلات الغباء الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين. فالقضية الفلسطينية ليست ابنة اليوم. ولا يجوز في لحظة غباء إسرائيلي أن ينسى الفلسطينيون الشخصيات، رجالا ونساء، التي وضعت اسم فلسطين على الخارطة الدولية. صارت فلسطين بسببهم حاضرة بعمق في الوجدان العالمي وليس على شاشات التلفزيون. لا يزال عدد من تلك الشخصيات مدفونا بالأحكام الثقيلة في غياهب السجون الإسرائيلية، غير أن حركة حماس لا تملك سببا استعراضيا للمطالبة بإطلاق سراحهم. فهم لا يمثلونها عقائديا. وهنا تكمن مشكلة معقدة استطاعت إسرائيل أن توظفها لصالحها. فـ”حماس” التي حسمت الصراع مع السلطة في غزة لصالحها كانت قد قررت أن تصنع تاريخا نضاليا جديدا لا علاقة له بالماضي. إنه تاريخ المقاومة الإسلامية. أمّا كيف استفادت إسرائيل من ذلك فهو ما يمكن اختصاره بتسطيح القضية. فرح الكثيرون بإطلاق سراح عهد التميمي. كان ذلك واحدا من أهم إنجازات حرب غزة التي سقط فيها حتى الآن أكثر من 16 ألف قتيل وهناك مفقودون تحت الأنقاض لا حصر لهم إضافة إلى الجرحى. أما على مستوى مادي فقد قرر بنيامين نتنياهو أن يجعل غزة ترابا بحثا عن أنفاق حماس. وهنا بالضبط ستصدق إسرائيل غباءها. هناك من يصدقها ويصفق لها. ولكن فلسطين الأسيرة لا أحد يفكر فيها. لنحتفل بالأسرى الذين كذبت إسرائيل علينا من خلالهم. بدلا من أسطورة فلسطين سنكتفي بأساطير صغيرة.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: عهد التمیمی

إقرأ أيضاً:

الأسرى الذين أطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية.. دورهم بقيادة النهضة الفكرية

بم تمتاز هذه الشريحة من الناس؟ نفروا في سبيل الله ثم خاضوا غمار السجون لسنوات طويلة قضوها في القراءة والبحث والتربية والتزكية النفسية والخبرات الأمنية والبصيرة السياسية والتبحّر في معرفة العدوّ لغة وسياسة واقتصادا وأمنا وثقافة، وأهم من هذا كلّه أنّهم فقهوا الدين على محك التجربة والعمل فوصلوا إلى ما لا يصل إليه النظريون، الذين تفقهوا بعيدا عن ساحات العمل والمواجهة.

الفرق بين هؤلاء وهؤلاء ما بين السماء والأرض، وهذا ما علينا أن ننتبه له جيدا وأن نعلي من شأن من فقهوا في الميدان وأن نأخذ ما وصلوا إليه. وسأضرب لذلك أمثلة، ولكن قبل ذلك أودّ أن نعرّج على قول الله تعالى: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"، وهنا نقف عند استخدام كلمة نفروا حيث إنّها تستخدم لمن خرج للجهاد، فهذا الفهم الذي وصل إليه المجاهدون من أحكام من عمق تجربتهم ومن صميم خبرتهم في الميدان، هو الفقه العملي الذي وصلوا إليه في جهادهم ولو لم يخرجوا لما وصلوا إليه أو لبقي فهمهم نظريا بعيدا عن الاستفادة من واقع تجربتهم وجهادهم.

لذلك فإن واجب هؤلاء المفكرين والفقهاء أن يُعلّموا من لم يخرجوا في سبيل الله ولم تتغبّر أقدامهم ولم تكتو أمعاؤهم الخاوية ولم يشتبكوا مع ألدّ أعداء الله، ولم يدركوا كيف تتنزّل آيات آل عمران والتوبة والأنفال والأحزاب ومحمد على قلوب الرجال وعند اشتداد الالتحام مع صفوف الأعداء. عسكريا وسياسيا وأمنيا وثقافيا، هناك مسائل كثيرة لا تتضح أمورها إلا في ميادين العمل والمواجهة.

إذا هناك فقه لا يصل إليه القاعدون بينما يصل إليه المجاهدون فيسبرون غوره ويستنبطون منه الأحكام، هناك مستجدّات تواجههم فيجتهدون وغالبا ما يكون ذلك بشكل جماعي ليصلوا إلى ترجيح ما يرون فيه صوابا، فالفقيه هنا ليس الذي يميّز بين المصلحة والمفسدة، وإنما قد يوضع في مواقف ليرجح أقلّ المفسدتين ضررا أو ليرجح بين مصلحة ومصلحة ليصل إلى أفضل المصلحتين. كثير من أهل الفقه لا يفقهون السياسة ولا يسبرون غورها، فإذا تحدّثوا في السياسة ظهر ضعفهم وجمودهم الذي لا يصيب الدين ولا السياسة، وهم يعتقدون أنّهم خير من يجسّد المبادئ والعقائد والأصول الدينيّة الثابتة، بينما الأمر يتطلّب الحنكة السياسيّة والمرونة التي تتعامل مع معطيات المسائل المطروحة بما يصل إلى الصوابية والرشد والوصول إلى الأهداف المطلوبة.

وهناك أيضا "ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون" يصلون إلى القدرة العالية على تحسّس المخاطر التي تتعرض اليها شعوبهم وأمتهم خاصّة الأمنية والسياسية، ويعرفون كيف توظّف الإمكانات المحدودة في لتجنّب هذه المخاطر.

"لعلّهم يحذرون" يُحذّرون قومهم بعد أن درسوا تفاصيل المعركة المحتدمة في ميادين السياسة والأمن والثقافة، ومن خلال معرفتهم التفصيلية والعميقة لعقل عدوّهم وطريقة تفكيره السياسية والأمنية ومعرفة ثقافته بكلّ أبعادها من باب "من عرف لغة قوم أمن شرّهم". هم بذلك الانخراط في معركة الوعي يملكون قدرات عالية على أن يحذّروا أمّتهم بعد هذا الرجوع العظيم من تلك الرحلة الطويلة في ميدان الفقه العملي ومعركة الوعي مع هذا العدو الذي اشتبكوا معه من خنادق متقدّمة عمرا مديدا هو فترة وجودهم في السجن.

باختصار، هم الأكثر كفاءة وقدرة على قيادة طوفان الوعي وهم المؤهّلون ليكونوا المرجعية العليا لمسائل كثيرة لن يفقهها على أصولها مثلهم خاصة ما لها علاقة في فقه الأولويات ومتطلبات المعركة، لأن هذه المعركة ليست معركة بين جماعة أو تنظيم صغير اشتبك مع المشروع الصهيوني المدعوم من كل طواغيت الشرّ في العالم، بل هي معركة الأمّة.

لقد وصلوا على سبيل المثال إلى القدرة العالية على بناء الذات بامتياز، وهم متفرغون لهذا الأمر في محاضن خاصة شكّلتها تجربتهم التربوية في السجون، بإمكانهم المساهمة تربويا في كيف يكون البناء للشخصية القادرة على مواجهة مخاطر المشروع الصهيوني العالمي.

وصلوا إلى الكفاءة العالية في معرفة تفاصيل العقل الصهيوني وثقافته وسرديّته، وكيفية الاشتباك مع هذه الثقافة بكفاءة عالية واقتدار يحسم الأمر لصالح هويتنا الثقافية ويحسن تحصينها ويعزّز من قدراتها على الاشتباك المنتصر.

وصلوا إلى الكفاءة السياسية العالية في الاستفادة من قدرات الأمّة، ومعالجة تراكمات سلبية جعلت من التناقضات المذهبية تطغى على المشتركات التي تصنع وحدة الأمة وتوظف قدراتها كافة؛ بدل تبديدها في حالة من التخلّف الفكري الذي يشتّت ويضعف بدل أن يجمع ويوحّد، إضافة إلى أنها تملأ مساحات واسعة من الفضاء المعرفي والفكري في نقاشات لا طائل منها سوى الشحن الطائفي والمذهبي المقيت.

وصلوا إلى فقه السياسات الاستعمارية والاستفادة من تجارب كثيرة من المجتمعات البشرية التي خضعت وتحرّرت، فساروا في الجغرافيا والتاريخ ليصلوا للاستفادة من كل التجارب وطرق توظيفها لصالح قضيتنا وأمتنا.

ميادين فكرية نهضوية كثيرة يستطيع هؤلاء الأسرى الفقهاء والمفكّرون أن يكونوا عناوين واضحة ومنارات فكرية تنشر ضوءها على مساحات الفكر الواسعة بما يحقّق النهضة الفكرية للأمّة، وبصراحة بما يقطع الطريق على الحالة الهلامية التي شكّلها كثيرون ممّن يتصدرون الخطاب الإسلامي بعيدا عن فقه الواقع وفقه السياسة، يظنهم الناس بقدراتهم العالية على الوعظ وحسن الخطابة والكلام في جوانب محددة من العلوم الدين أنهم المؤهّلون للحديث في شئون السياسة والأمن والاقتصاد والعلاقات والتحالفات الدولية، بينما هم في الحقيقة لا يحسنون صنعا ولا يملكون خبرة ولا تجربة ولا معرفة في هذه المجالات. الفقهاء والمفكرون المشتبكون في الميادين هم الذين يُستمع إليهم وهم المرشّحون لهذه النهضة الفكرية، وقد يكون ذلك بشكل جماعي كمؤسسات دراسية وهو الأفضل.

أذكر على سبيل المثال مركز حضارات الذي تشكّل من قبل مجموعة ممن تحدّثت عنهم، كان ذلك وهم في السجن قبل الحرب، الآن أُفرج عنهم بالتبادل وننتظر منهم أن يكملوا الطريق وأن يزوّدوا الناس بما وصلوا إليه: "ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون".

مقالات مشابهة

  • إسرائيل التي تحترف إشعال الحرائق عاجزة عن إطفاء حرائقها
  • الأسرى الذين أطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية.. دورهم بقيادة النهضة الفكرية
  • «مفاوضات غزة» بين تأكيد حدوث انفراجة ونفي إسرائيل
  • مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: إسرائيل تستخدم الجوع كسلاح في حربها على غزة
  • مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: إسرائيل تريد إلحاق أكبر قدر من الدمار بقطاع غزة
  • عاجل - فلسطين أمام محكمة العدل الدولية: إسرائيل تنفذ إبادة جماعية بحق أطفال غزة
  • فلسطين : إسرائيل تمنع وصول الماء والدواء إلى غزة منذ شهرين
  • نتنياهو: إسرائيل ستسيطر على غزة عسكريا ولن تسمح للسلطة باستبدال حماس
  • ‏ممثل فلسطين أمام محكمة العدل الدولية: إسرائيل تستخدم منع المساعدات كسلاح حرب
  • ممثل فلسطين أمام العدل الدولية: إسرائيل تنفذ حملة إبادة جماعية ضد الأطفال