عهد التميمي وأساطيرنا الصغيرة
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
آخر تحديث: 4 دجنبر 2023 - 10:45 صبقلم: فاروق يوسف لا تعتقد إسرائيل أنها تحتاج إلى شيء من الذكاء لكي تتعامل مع الفلسطينيين، فالتعامل معهم من وجهة نظرها لا يحتاج إلى الذكاء، بل إلى القوة. ذلك ما جعلها لا ترتكب الحماقات واحدة إثر الأخرى وحسب، بل وأيضا تجعلها سهلة الانقياد إلى الحرب، ظانة أنها عن طريق الحرب يمكنها أن تحل مشكلاتها المتراكمة لا مع الفلسطينيين أو العرب وحدهم، بل أيضا مع حقيقة وجودها كيانا شاذا في المنطقة، تحيط بشعبه شعوب لا تحبه ولا يحبها.
وليست الكراهية إلا عنوانا لما تفعله إسرائيل في كل لحظة في محاولة منها للانتهاء من معضلة أثبتت كل السنوات التي مرت عليها أنها قد فشلت في التخلص منها، لا لشيء إلا لأنها لا تعترف بإرادة الطرف الآخر في المعادلة. فهي تتصرف باعتبارها طرفا وحيدا. أما حين تواجه رد فعل صادم مثل ذلك الذي حدث في 7 أكتوبر فإنها تلجأ إلى العنف المفرط انتقاما من مدنيين لا علاقة تنظيمية لهم بالطرف الذي تقول إنه استفزها حين اخترق جدارها. “إسرائيل قوية” لكنها ليست كذلك أمام الفلسطينيين العزل. الفلسطينيون يعرفون الحقيقة أكثر منا. هم الضحايا المباشرون لتاريخ من التمييز والعزل والظلم والاضطهاد والحرمان. لم تنل القوة الإسرائيلية من عزيمتهم، بل زادتهم إيمانا وثقة بعدالة عدالتهم. أما على الجانب الإسرائيلي فيمكن القول إن القوة قد استضعفت حالها في حالات كثيرة. وقد تكون حالة “عهد التميمي” واحدة من أبرز تلك الحالات. فالمرأة التي هي الآن في الثانية والعشرين من عمرها كان قد ذاع صيتها يوم صفعت جنديا إسرائيليا وهي لا تزال طفلة وحُكم عليها بالسجن لتلتحق بأمها. وحين وقعت أحداث غزة تم اعتقالها وها هي الآن حرة بعد أن أطلق سراحها في سياق صفقة تبادل الأسرى. ولكن لماذا اعتقلت إسرائيل المرأة لكي تكون في ما بعد رقما في الصفقة؟ إسرائيل تكذب في ما يتعلق بالأسرى الذين تطلق سراحهم وحركة حماس صامتة وهي تستلم قائمة الأسرى الذين تُطلق إسرائيل سراحهم. هل الرقم هو المهم أم الحقيقة؟ عهد التميمي ليست أسيرة. لقد اعتقلتها القوات الإسرائيلية مع بدء الأحداث لأن تلك القوات تتصرف بغباء. فهي مدفوعة بالعنف تلتقط كل من تحوم حوله الشبهات. هناك أسرى حقيقيون لو أطلق سراحهم لكان ذلك إنجازا عظيما. من يضحك على الآخر؟ هناك مناضلون فلسطينيون حقيقيون يقبعون في السجون الإسرائيلية. أبطال محرومون من الحياة بمعناها الكامل. لقد سلّمتهم إسرائيل إلى الموت وهم في شبابهم. أولئك المناضلون لم يطالب بهم أحد. وهو ما يُريح العقل الإسرائيلي الشرير. دعهم يموتون. لا أحد يطالب بهم. أما عهد التميمي التي لم تكن متهمة ولم تحاكم فقد كانت مجرد رقم. غير أن أسطورتها سبقتها وهي أسطورة تكفي لصنع غطاء تفاهم سيكون هو الآخر مجرد كذبة. اعتقال عهد التميمي ومن ثم إطلاق سراحها هو واحد من أهم تمثلات الغباء الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين. فالقضية الفلسطينية ليست ابنة اليوم. ولا يجوز في لحظة غباء إسرائيلي أن ينسى الفلسطينيون الشخصيات، رجالا ونساء، التي وضعت اسم فلسطين على الخارطة الدولية. صارت فلسطين بسببهم حاضرة بعمق في الوجدان العالمي وليس على شاشات التلفزيون. لا يزال عدد من تلك الشخصيات مدفونا بالأحكام الثقيلة في غياهب السجون الإسرائيلية، غير أن حركة حماس لا تملك سببا استعراضيا للمطالبة بإطلاق سراحهم. فهم لا يمثلونها عقائديا. وهنا تكمن مشكلة معقدة استطاعت إسرائيل أن توظفها لصالحها. فـ”حماس” التي حسمت الصراع مع السلطة في غزة لصالحها كانت قد قررت أن تصنع تاريخا نضاليا جديدا لا علاقة له بالماضي. إنه تاريخ المقاومة الإسلامية. أمّا كيف استفادت إسرائيل من ذلك فهو ما يمكن اختصاره بتسطيح القضية. فرح الكثيرون بإطلاق سراح عهد التميمي. كان ذلك واحدا من أهم إنجازات حرب غزة التي سقط فيها حتى الآن أكثر من 16 ألف قتيل وهناك مفقودون تحت الأنقاض لا حصر لهم إضافة إلى الجرحى. أما على مستوى مادي فقد قرر بنيامين نتنياهو أن يجعل غزة ترابا بحثا عن أنفاق حماس. وهنا بالضبط ستصدق إسرائيل غباءها. هناك من يصدقها ويصفق لها. ولكن فلسطين الأسيرة لا أحد يفكر فيها. لنحتفل بالأسرى الذين كذبت إسرائيل علينا من خلالهم. بدلا من أسطورة فلسطين سنكتفي بأساطير صغيرة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: عهد التمیمی
إقرأ أيضاً:
فلسطين للأمن القومي: إسرائيل تسعى لإفشال المبادرة العربية وتسعى لتهجير الشعب
قال اللواء حابس الشروف، مدير معهد فلسطين للأمن القومي، إن الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، والذي نفذته أكثر من 100 طائرة حربية وأسفر عن أكثر من 400 شهيد وأكثر من 1000 مصاب، يأتي في سياق أهداف سياسية داخلية وخارجية تسعى إسرائيل لتحقيقها، أبرزها خلق الفوضى، تهجير الفلسطينيين، وتصفية القضية الفلسطينية.
أوضح اللواء الشروف خلال مداخلة مع الإعلامي محمد عبيد، على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن إسرائيل تريد إعادة تشكيل المشهد الإقليمي وفقًا لرؤيتها، مستندة إلى فكرة "الشرق الأوسط الجديد"، التي يروج لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما تسعى لإفشال الجهود العربية والدولية بقيادة مصر، السعودية، الأردن، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي تهدف إلى منع تهجير الفلسطينيين وإيجاد حلول سياسية للصراع.
نتنياهو يواجه ضغوطا سياسيةعلى الصعيد الداخلي، أشار اللواء الشروف إلى أن نتنياهو يواجه ضغوطًا سياسية كبيرة، أبرزها تمرير الموازنة حيث يسعى نتنياهو لجمع دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة لضمان التصويت لصالح الموازنة الحكومية، والترويج لحرب "وجودية" لإقناع الإسرائيليين بأنه لا يزال هناك تهديد أمني كبير، مما يمكنه من الاستمرار في الحرب والتهرب من الضغوط الداخلية التي تطالبه بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، والهروب من أزماته السياسية عبر تصعيد العدوان على غزة، يحاول نتنياهو تغيير الأولويات الداخلية وإبعاد الأنظار عن مشاكله السياسية والقضائية.
أشار اللواء الشروف إلى أن أوامر الإخلاء التي تصدرها إسرائيل للفلسطينيين تندرج ضمن خطة تهجير ممنهجة، لكنها تواجه موقفًا عربيًا ودوليًا حاسمًا ضدها، حيث وقفت مصر، الأردن، والسلطة الفلسطينية بشكل صارم في وجه أي محاولات لتهجير سكان غزة.
أكد اللواء الشروف أن الهجوم الإسرائيلي الأخير يهدف إلى إفشال المبادرة العربية، التي قدمتها مصر وتبنتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والتي حظيت بدعم أوروبي وأمريكي، لكن نتنياهو يسعى لإعادة فرض شروط تفاوضية قاسية على الفصائل الفلسطينية عبر التصعيد العسكري، مما يتيح له التفاوض "تحت الضغط" وإجبار الفلسطينيين على القبول بشروطه.