جلبتها والدتها إلى الدنيا طفلة رضيعة، لا تعاني أي أمراض سوى بعض المياه البيضاء على منطقة العينين، ومع بلوغها السابعة قررت بموافقة أسرتها إجراء عدة عمليات للتخلص من هذه المياه، ما كان سببًا في فقدان بصرها تمامًا، إلا أنّها تغلّبت على عجزها البصري لتصبح الحاجة جليلة أول شيف كفيفة تنقل خبراتها في المطبخ للمبصرين وغير المُبصرين.

الحاجة «جليلة» أول شيف كفيفة

الحاجة جليلة عبدالتواب، ابنة قرية الخطاطبة بمركز السادات في محافظة المنوفية، تحكي لـ«الوطن» كواليس ثلاثة عمليات أجرتها في منطقة العينين أفقدتها البصر بشكل كامل، بعدما وُلدت طفلة «حلوة» بحسب ما أخبرتها والدتها، فـ تعايشت مع عجزها البصري راضية بقضاء الله حتى بلغت السادسة عشر، تركت أسرتها وانتقلت برفقة ابنة خالتها إلى إحدى جمعيات المكفوفين في القاهرة: «روحت مع المكفوفين واتعلّمت صناعة السجاد، وتعبئة وتغليف، ومحو أمية وخدت بيهم 3 شهادات».

ومن القاهرة إلى طنطا، انتقلت السيدة الخمسينية برفقة صديقتها إلى إحدى جمعيات المكفوفين هناك، واستقلت سكنًا خاصًا لمدة 4 سنوات، إذ دفعتها غربتها وبقائها في بلد بعيدة عن أسرتها في تعلم الطهي الذي كان «مرة يصيب ومرة يخيب» على حد تعبيرها: «اتعلمت الطبخ لوحدي لما كنت في السكن قبل ما أتجوز، بس طبعًا مش كل الحاجات، وباقي الأكل اتعلمته بعد الجواز».

وعلى مدار الأعوام التي قضتها الحاجة جليلة في الجمعية، التقت بزوجها الذي لاطالما رافقها في العمل، كونه يعاني من نفس إعاقتها البصرية، وقررا أن يتغلّبا على ظلام أعينهما ببعضهما البعض، فصار كل منهما عينًا للآخر، وتمت الخطبة وبعدها جاء الزواج، ليختبرا الحياة معًا، ويواجهان تحديات العيش، إذ كان كل منهما يتقاضى 60 جنيهًا من الجمعية بما يساوي 120 جنيهًا في الشهر: «والدة زوجي في الأول كانت معترضة وقالت له متاخدش واحدة كفيفة دي هتولعلك في الشقة، وأبويا بردو كان معترض وقالي متاخديش واحد كفيف، بس وقفنا قدام أهلنا ووافقوا والحمد لله اتجوزنا».

رزق الحبيبان بثلاثة أطفال مبصرين هم محمد وأحمد وآلاء، ومع متطلبات المعيشة؛ شقّت السيدة الخمسينة طريقها في التجارة لتغطية مصاريف أسرتها، بين شراء الملابس «البالة»، أو شراء الفاكهة بسعر الجملة وبيعها قطاعي، أو تشارك الفلاحين حصد المحصول: «كنت بساعد جوزي في مصاريف الدروس والمدارس عشان ولادنا يتعلموا، والحمد لله مخلتش حاجة إلا لما عملتها، اشتغلت كتير وتعبت كتير، وجوزي اتعلم عزف الأورج وكان بيشتغل على قدّه في الأفراح، والحمد لله ربنا هاديلي ولادي عشان أنا مقبلتش حاجة حرام عليهم».

الحاجة «جليلة» تحلم بمطبخ

ومن التجارة إلى المطبخ، قررت أن تتجه إلى مهنة الطهي، وتنقل خبرتها إلى الفتيات من المبصرين وغيرهنّ، مستخدمة أسلحتها من الشم والتذوق وسنوات خبرتها داخل المطبخ، فـ مثلًا تستخدم حاسة الشم حتى تتأكد من «قدح الزيت»، أما السمك المقلي تستدل على احمراره بحاسة «المعلقة»، أما الشعرية عند تحميرها تعطي رائحة مميزة تجعلها تنهال عليه بطبق الأرز، ثم يأتي «المحشي والسمك المقلي والمكرونة البشاميل والأرز المعمر» لينضموا إلى أفضل الأطباق التي تتقنها: «مفيش أي حاجة بتقابلني صعبة في المطبخ، قليّة بقلي، صواني بحط في الفرن، أكل فوق على العين بعمل، محاشي وخضار وحلويات بعمل، لكن مفيش أي حاجة بتقابلني صعبة، ومحدش علمني، أنا بالممارسة علّمت نفسي وتطلع وحشة أو تطلع حلوة أديني بجرب».

كانت تجربة تعليم «جليلة» الفتيات الطبخ بسبب كثرة حالات الطلاق التي كان سببها إخفاقهم داخل المطبخ خاصة غير المبصرين: «كل شوية كان بيقابلني حالات طلاق بسبب إنّ البنات دي محدش علّمها المطبخ ومحدش قالها تعمل إيه، فـ كانت الجوازة بتفشل بعد كام شهر جواز، وهم زمايلي ومني وأنا حاسة بيهم عشان أنا زيهم».

«نفسي في مطبخ يكون مقر ثابت ليا وأنا أعلم البنات ومش مشكلة أي حاجة».. بهذه الكلمات عبّرت الحاجة جليلة عن أمنيتها التي ترغب في تحقيقها في القريب العاجل حتى تتمكن من تدريب أكبر قدر من الفتيات المكفوفين على الطهي، خاصة وأنّ منزلها لا يتسع لهذا القدر من الفتيات اللاتي يرغبن في تعلم الطهي: «دي هتبقى فرحتي بجد وعملي الطيب اللي أنا هعمله».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المكفوفين جمعية المكفوفين

إقرأ أيضاً:

إطلاق شارة البدء لمسيرة الفتيات ضمن فعاليات الترويج للبرنامج القيادي للتدريب ببني سويف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أناب الدكتور محمد هاني غنيم محافظ بني سويف، السكرتير العام المساعد، في إطلاق شارة البدء لمسيرة الفتيات، لدعم وتمكين وزيادة وعي الفتيات، وذلك في حضور هشام الجبالي مدير عام الشباب والرياضة، وعلي يوسف رئيس المدينة، وناصر رمضان وكيل مديرية الشباب والرياضة لقطاع الشباب.

إطلاق إشارة مسيرة للفتيات ضمن فعاليات الترويج للبرنامج القيادي للتدريب

 انطلقت المسيرة من أمام ديوان عام المحافظة وحتى مبنى الرقابة الإدارية بطريق الكورنيش بمشاركة 200 فتاة وطفلة للإعلان والترويج عن فتح باب التسجيل بوحدات ريحانة، ضمن أنشطة البرنامج القيادي لتمكين وزيادة وعي الفتيات ، وتحت رعاية السيدة الفاصلة قرينة السيد رئيس الجمهورية.

 وفي كلمته بهذه المناسبة، نقل اللواء سامي علام  السكرتير العام المساعد تحيات وتقدير المحافظ" الدكتور محمد هاني غنيم"، للمشاركين والقائمين على تنفيذ المسيرة، التي تتم ضمن برنامح "ريحانة" والذي يعد نموذجا فعالا لتمكين الفتيات، ويتماشى مع توجهات القيادة السياسية في دعم المرأة وتعزيز دورها المجتمعي، مشيرا إلى أن المرأة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مقدمة أولويات الدولة بكافة أجهزتها ، وذلك إيمانا من القيادة السياسية بأن المرأة المصرية هي عمود المجتمع والتي مازالت تثبت كل يوم بأنها صمام الأمان للمجتمع، والشريك الأهم في بناء دولتها  وأصبحنا نرى المرأة في مختلف المناصب القيادية.

دعم المرأة والنهوض بدورها المجتمعي

 فيما أشار "الجبالي "إلى توجيهات المحافظ الدكتور محمد هاني غنيم بتوفير التسهيلات اللازمة لتنفيذ المسيرة التي تأتي ضمن الإعلان والترويج للبرنامج الذي يجسد توجهات القيادة السياسية وحرصها على دعم المرأة والنهوض بدورها المجتمعي، وتمكينها من المشاركة الإيجابية والفاعلة في مسارات التنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • عالم : سيطرة الذكاء الاصطناعي على البشرية قد يصل لواحد من كل 5
  • 6 طرق طبيعية لتهوية المطبخ في الصيف بدون مروحة أو تكييف
  • المخبز الأردني المتنقل في غزة يعمل 19 ساعة يوميا / فيديو
  • طرق فعالة لإزالة الدهون من خزائن المطبخ
  • طبيب نفسي: افتقاد العاطفة يدفع بعض الفتيات للارتباط بتطبيق “شات جي بي تي”
  • طبيب نفسي لـ «الأسبوع»: «علاقة الأب بأولاده سر تعلق الفتيات بشات جي بي تي»
  • كييف عادت مستباحة.. كيف تعلم الروس خداع باتريوت الأميركي؟
  • من المطبخ إلى المائدة.. إليك الحل المثالي لحفظ الأطعمة وتقليل الهدر
  • الشيف منصور بن علي يقدم لضيوف "شانجريلا الحصن" أروع النكهات المغربية الأصيلة
  • إطلاق شارة البدء لمسيرة الفتيات ضمن فعاليات الترويج للبرنامج القيادي للتدريب ببني سويف