سودانايل:
2025-01-30@22:54:47 GMT

بؤس القيادة (نموذج ياسر العطا)!

تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم
بعد ذهاب البشير غير مأسوف عليه، لم يتوقع اكثر المتشائمين، ان يخلفه من يفوقه كذبا ونفاقا وجهلا واجراما، مجسدا في البرهان. ويبدو ان وجود البشير كشخصية غير مؤهلة وفاسدة واجرامية علي سدة السلطة لمدة ثلاثة عقود، انتج معايير القيادة تطابقه، والمتمثلة في عدم التاهيل والفساد والاجرام كمواصافات للقيادة.

ولهذا السبب يصعب التمييز بين البرهان والكباشي وياسر العطا وحميدتي ... والخ من قيادات الجيش والدعم السريع.
اما من جهة القيم، فتجسدها المداهنة للقيادات العليا، والاستعداد لارتكاب اشنع الفظائع لشراء رضا تلك القيادات. اي كلما كنت اقل كفاءة مهنية واكثر طاعة تنظيمية، كنت الانسب لشغل اعلي المراتب وتسنم اوسم الرتب. وهو ما يجعل مردود هكذا منظومة وطريقة عمل تندرج في مقولة بروف بكري الجاك (التسابق نحو الحضيض) وان ذكرها في سياق مغاير.
وغالبا اصطدام الثورة وحكومتها بهكذا قيادات عسكرية منحرفة، هو ما شكل عقبة امام حكومة الثورة، وعجل باجهاض حلم الثورة في التغيير. وكل ما يلي ذلك مجرد تفاصيل سواء ضعف قحت او طوباوية الجذريين. وبتعبير آخر الاستيلاء علي السلطة بقوة السلاح واجهاض مشروع التحول الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة، هو وفاء لثقافة الاستعلاء وقيم التعدي وسلوك الاجرام التي تربي في كنفها العسكر المؤدلجين.
والحال كذلك، صعود حميدتي لم يكن مصادفة بعد ان اتقن اللعبة القذرة، واستفاد من تناقضات قيادة الجيش وجهاز الامن وكسب ثقة دولة الامارات (اسبرطة الصغري كما اطلق احدهم علي طموحاتها العدوانية). ولكن ما لم يكن متوقعا واسهم في تجاوز حميدتي لكل حدود المنطق والمعقول، لدرجة طموحه في ابتلاع الدولة، فمرده عكس العلاقة بينه وبين البشير سابقا والبرهان لاحقا، بعد ان اصبح الجنرالان الخائبان يبحثان عن رضا حميدتي ويتملاقانه، وهو مارفع الاخير ثمنه كثيرا!
بالرجوع للعطا، وكما سبق، الحديث عنه لا يختلف عن اي من اعضاء اللجنة الامنية، وضعفهم البنيوي في تكوين ومواصفات القيادة. ولكن الفارق ان العطا بقدر ما يطمع في شغل مكان البرهان، بقدرما ما يحتاج لشراء رضا البرهان للبقاء ضمن طاقم القيادة. وهذا ما جعله يراوح في هذه المساحة الملتبسة بتصريحاته العنترية، مرة لارضاء البرهان ومرة لارضاء الاسلامويين. وما يثير السخرية او الطموحات السرية، سعيه لارضاء قوي الحرية والتغيير علي عهد حكومتها، قبل ان يزجره البرهان ويزيحه من رئاسة لجنة التميكن، ثم يرجع لتوظيفه لمغازلة ذات قوي الحرية والتغيير لتمرير الانقلاب. بل حتي عندما تنحسر عنه الاضواء فترات طويلة بتدبير من البرهان او حميدتي الله اعلم، يرجع ويكيل المدح المتزلف للبرهان بطريقة مقززة. ولكن الملاحظ كلما انحسرت عنه الاضواء تصدر عنه تصريحات تُزايد لشراء رضا الاسلامويين. وهذه (المرمطة) التي ارتضاها العطا لنفسه، يغذيها احساس بانه اجدر من البرهان، وعليه الصبر وابتلاع المذلة والحفر حتي يحل محله! وهنا يشترك العطا مع بقية القيادات العسكرية، في بناء تصورات خاطئة عن قدراتهم وعن الواقع، وهذا بالضبط سبب الكوارث واعادة تكرارها بطريقة نمطية.
والمهم، اذا كان البرهان باداءه المخجل وفشله في كافة المجالات، شكل وصمة عار للقيادة باصراره علي التمسك بها مهما كان الثمن، وبما في ذلك ضياع البلاد وتقتيل اهلها! فياسر العطا ارتضي ان يكون الصورة الباهتة لهذه القيادة الفاشلة، بل والحرص علي تكرار نموذجها الكارثي (وهو يباري البرهان من كوشة لكوشة).
وما يلاحظ في قيادة ياسر العطا وبالطبع غيره من القيادت العسكرية والمليشياوية، انها تتصرف في البلاد ومصير شعبها كحق مطلق. فهي تتخذ القرارات المصيرية من غير مرجعية دستورية، وترتكب كل الاخطاء من غير محاسبة او مجرد مراجعة، ودونكم الحرب الدائرة الآن وطريقة ادارتها، والتي لا يعلم خفاياها احد (سوي المتقاتلين بالطبع)!
المهم، هؤلاء القاد العسكريون الذين افرزتهم الانقاذ، لا يكتفون بفشلهم العسكري الذي يفترض انه اختصاصهم، ولكنهم ادمنوا التطاول علي المدنيين وتجريم العمل السياسي والتدخل في شئون السلطة، وكل ذلك من غير دراية، لتنتج عن ذلك حالة التردي المطردة في كافة المجالات.
وحتي لا نلقي الكلام علي عواهنه، ولنتخذ نموذج ياسر العطا. فهذا الياسر الذي يتلبس لبوس كبار الجنرالات، وبحسب رواية قادة الحرية والتغيير، ومن خلال سعيهم المسؤول لنزع فتيل الازمة بين البرهان وحميدتي قبل اندلاع الحرب، اخبرهم ياسر بقدرة الجيش علي حسم المعركة اذا نشبت في ظرف بضع ساعات! وما يؤكد صحة رواية قادة الحرية والتغيير، ان ذات الجنرال ظل يظهر في فديوهات بعد الحرب، متحدثا عن تنظيف ام درمان واقتراب الحسم العسكري وطرد مرتزقة الدعم السريع الي خارج الديار! ومؤكد تصريحات ومواقف هذا النموذج النموذجي يقول الكثير عن حقيقة هؤلاء الجنرالات المزيفيين الذين ابتلينا بهم!
فمن جهة عسكرية، يدل علي عدم علم كبار الجنرالات لا بحقيقة قوة جيشهم ومدي استعداده لخوض المعركة، ولا قوة مليشا الدعم السريع ومدي جاهيزتها للمعركة! فهل بعد ذلك ننتظر منهم حسم للمعركة؟ والسؤال اذا كان لياسر عطا استراتيجية جديدة لحسم المعركة كما يبشرنا بها، هل من الحصافة كشفها للعدو اعلاميا؟ ام هي نوع من البروباغندا المكشوفة التي تنم عن غباء فطري وامتهان للكذب؟
ومن جانب القياة، التي يفترض ان تتحلي بالرؤية الشاملة وتفضيل الخيارات المناسبة متوخية مراعاة المصلحة العامة، والاهم مسؤولية تحمل الاخطاء والمكاشفة والصراحة. إلا اننا نجد نموذج قيادة قائدنا الهمام (هذا الياسر) فهي التصريح ذات اليمين وذات الشمال من غير اسس موضوعية، وتقديم الوعود المجانية تلو الوعود، ومن دون توضيح لماذا لم تتحق تلك الوعود، قبل ان يلحقها بوعود جديدة؟ والكارثة ان من يدفع ثمن عدم تحقيقها هم ملايين المواطنين المساكين، وعلي الاخص من هم في قلب المعارك؟ والسؤال الاهم في هذه الحرب المجنونة، ما هو معيار ياسر وغيره من كبار الجنرالات للانتصار في المعارك، والجيش يواصل خسران المواقع وسقوط الحاميات ويصر علي استراتيجية بقاءه في مقراته والدنيا تحترق من حوله، ويماطل في الذهاب للتفاوض بجدية؟ وطالما يمتلك الجيش سلاح طيران فعَّال، لماذا تتحرك مليشيا الدعم السريع بكل حرية في دارفور وهي منطقة شاسعة وشبه مكشوفة حتي سقطت جل الحاميات؟ والسؤال المؤلم، الا يوجد في قاموس هذه القيادات الاعتراف بالخطأ والفشل وقبول المحاسبة والاقالة او تقديم الاستقالة؟ واذا لم يحدث ذلك وعواقب الفشل والاخطاء تغرق الابرياء في بحور الدماء والوطن في لجة الحرب الاهلية والتذرر والضياع، فمتي يحدث ذلك؟ وهل الطمع في السلطة يبرر دمار البلاد وتشريد اهلها؟ والحال كذلك ما قيمة تلك السلطة من غير دولة وشعب؟ المهم سلسلة الاسئلة ذات الطابع العسكري لا تنتهي في هذه الحرب الغامضة؟ وصحيح لا نتحدث من موقع معرفة عسكرية، وقد تكون خاطئة او في غير زمانها ومكانها، ولكن ما سلف من اسئلة وغيرها، اعتقد انها تؤرق كل من تشغله هذه الحرب اللعينة، بكلفتها الباهظة انسانيا وعمرانيا ومستقبليا.
اما تصريحات ياسر العطا الاخيرة التي يكيل فيها التهم لدول الجوار والامارات بصفة خاصة وكانه اكتشف فجاة معلومات مجهولة؟ فهي تندرج في خانة القياد العسكرية، التي تتوهم مهارة القيادة في شحن الجنود وشراء رضا البسطاء والتنفيس عن الغضب، كما كان يفعل قائدهم البشير (رب العوارة)، الذي اشتهر بمجاراة اجواء الحماسة واطلاق العنان لرغباته المكبوتة (التصريحات الرعناء والتهديدات الجوفاء، غض النظر عن عواقبها الكارثية، وللمفارقة بعضها طاله شخصيا واحاله لقائد منبوذ، ولكنه كعناد العسكريين كل ذلك لم يردعه). في حين ان المطلوب ليس ذكر المعلومة بانفعال مراهقين، ولكن كيفية التعامل معها، والحد من خطورة تاثيرها في سير المعارك. مع العلم ان الدعم الامارتي غير سير المعارك من شدة كثافته وقوة نفوذ هذه الدولة الشريرة، وهو ما يتطلب مرونة في التعاطي، طالما هنالك عجز في كبح تاثيرها ونفوذها.
وبتعبير آخر، القيادة العسكرية المتضخمة مكتفية بذاتها، وتاليا لا تضع اعتبار للقنوات الدبلوماسية وتوازن القوي والمصلحة العامة! ولكن ذلك لا يمنعها من اراقة ماء وجهها وبلدها خلف الكواليس وتزلف اقوياء الخارج ليرضو عنهم (هنالك حديث يدور عن زيارة سرية قام بها الكباشي للامارات، اي ما يهم القيادات مصلحتها وليس ملصحة البلاد).
اما من الوجهة السياسية، فقد اتاحت الثورة وبسالة الثوار لكبار الجنرالات ومن ضمنهم ياسر العطا فرصة تاريخية، تحررهم من اخطاءهم وتكفر جرائمهم وتخلد اسماءهم، فقط لو انحازو بصدق للثورة، وحاربو الدولة العميقة، وتخلصو بحكمة من كارثة مليشيا الدعم السريع، وتصدوا بحزم لاطماع الدول الخارجية. وبكلمة واحدة اعلاء المصلحة العامة (ترك ما للمدنيين للمدنيين) وهزيمة المطامح والاطماع الخاصة (تجاوز الاختصاص والتعدي علي الحق العام وحقوق الغير)، وهو ما يميز القيادة الحقة في كافة المجالات. ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماما، لا لشئ إلا لانها قيادة مزورة وغير مؤهلة ورهينة تاريخ اجرامي وعلاقات مشبوهة داخليا وخارجيا. وبسبب فقرها المعرفي والقيادي والقيمي كانت حساباتها خاطئة او مصلحية ضيقة، وهي تراهن علي الاسلاميين والمليشيات والمصريين والاماراتيين والاسرائليين (كل اعداء الثورة)، والمحصلة هذه الحرب القذرة، التي لم تُفقدهم السلطة فحسب، ولكن البلاد برمتها، بدلالة تركهم العاصمة مركز السلطة ورموز السلطات وهروبهم الي بورتسودان كاقصي مكان آمن، وممارسة سلطة شكلية يعزَّون بها انفسهم.
والحال ان القادة العسكريين المزيفون كياسر العطا لا يخوضون الحروب كالابطال، إلا اذا كانت حروب كلامية، ولا يتفاوضون كالشجعان من اجل اوطانهم ومواطنيهم. كما ان معاركهم الاصلية ليست في ساحة المعارك، ولكنها حرب مغالطات داخلية لحقيقة خواءهم وعدم تاهيلهم واجرامهم وفسادهم واصرارهم علي الاستيلاء علي السلطة بطريقة غير شرعية. وعموما لا يمكن للقادة الحقيقيين ان يكونوا (شُخشيخة) في يد غيرهم، فهكذا مهانة تليق بالقادة المزيفين.
ولكن ما يثير الحزن والاسي ان كل هذه الكوارث التي حلت بالشعب السوداني ودولته لم تعظ قادة العسكر، وما زال مسلسل فصولها يتوالي من غير افق للحل السلمي علي ايديهم. والمقصود انه ومن اجل اطماع صغيرة، كحرصهم علي سلطة لا يستحقونها، اُفسح المجال للتفريط في الامن القومي، لتستغله مليشيا همجية تنشر الانتهاكات والخراب اينما حلت. وكل ذلك بدل مراجعة النفس والاخطاء والاعتراف بحقيقة الواقع والاوضاع العسكرية، وإدراك ما يمكن ادراكه (طالما يؤمنون بالانسحابات) من بلاد تتسرب من بين ايديهم وشعب يتعرض للهلاك يوميا. وهو ما لن يتم إلا بالتحرر من عبء الاطماع غير الشرعية، واعلان ايقاف الحرب من قبل الجيش، وقبول التفاوض غير المشروط، والخروج نهائيا من السلطة والاقتصاد والاعتذار عن كل الانقلابات السابقة. وليس هنالك تاكيد علي ان هكذا قرارات ليست مناورة، من استقالة طاقم قيادة الجيش، فهي بكل المقاييس ليس اهم من الدولة وشعبها. وهكذا توضع مليشيا الدعم السريع وقادتها امام الامر الواقع وكشف نواياها للجميع، وعندها اذا لم ترعوِ تصبح الحرب حرب وجود ضد هذه المليشيات الهمجية.
وصحيح لم نحظَ كغيرنا من الشعوب المحظوظة بقادة عظام، يقودون بلادهم لمرافئ التنمية والتطور. وحتي لو صدف توافر امثال هذه العملة النادرة من القادة، لن تسمح لها الانقلابات العسكرية بالتواجد، ناهيك عن افساح المجال لانجازاتها. ولكن دخول نظام الانقاذ الاسلاموي علي خط الانقلابات العسكرية، انحط بكل شئ وعلي وجه الخصوص شريحة القيادات، لنصل مرحلة ان يتولي زمام الامور القتلة واللصوص والرباطة والجهلة والانتهازية من كل شكل ولون. اما نتاج هذا التردي، فهو اشعال هذه الحرب الكارثية والعجز عن التحكم في دنمياتها ومآلاتها.
واخيرا
الفيك اتعرفت يا مجلس الامن وانت تخلي مسؤلياتك لذات الزول المتسبب في المصائب، وليس هنالك اسوا حظا ممن يراهن عليك. وصحيح كما يقول ستيفان زفايغ (الفقير (ونضيف الضعيف من دول وافراد) في هذا العالم هو الضحية دائما). ويبدو ان المؤامرة علي البلاد من الضخامة بمكان بحيث يشارك فيها الجميع ضد الشعب وتطلعاته. ولا حول ولا قوة إلا بالله.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحریة والتغییر یاسر العطا هذه الحرب ولکن ما وهو ما من غیر

إقرأ أيضاً:

سلطات الأمر الواقع البائس

 

سلطات الأمر الواقع البائس

خالد فضل

هل توجد في بلاد السودان سلطة حكومية معترف بها وبشرعيتها وسط أغلبية الشعب السوداني، أم هي كما يطلق عليها سلطة الأمر الواقع ؟ حسنا لنمض في النقاش بموضوعية وعقلانية ، ونقرر الإعتراف بسلطة الأمر الواقع . من هو رئيسها ؟ الإجابة طبعا هو الفريق البرهان  ما صفته الرئاسية رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، وصفته المهنية ؟ القائد العام للقوات المسلحة السودانية . كيف ومتى حاز على الصفتين ؟ الإجابة بدون رتوش : قيادة القوات المسلحة يوم 12أبريل 2019م عقب إستقالة الفريق أول عوض ابن عوف ؛ نائب رئيس الجمهورية السابق عمر البشير ووزير دفاعه وقائد عام جيشه والذي كان قد أذاع بيان خلع الرئيس البشير والتحفظ عليه في مكان آمن يوم 11أبريل، واستلامه للحكم وتكوينه لمجلس عسكري لقيادة البلاد لمدة عام واحد تجرى بنهايته إنتخابات عامة يقرر فيها الشعب من يحكمه . وتحت الضغط الجماهيري الهائل والرفض العارم لتلك الخطوة من جانب المتظاهرين المحتشدين أمام بوابات القيادة العامة للقوات المسلحة في وسط الخرطوم ، أذاع ابن عوف بيانا آخرا مساء الجمعة 12أبريل،  أعلن فيه تنحيه عن قيادة المجلس العسكري رفقة نائبه كمال عبدالمعروف، واختار الفريق عبدالفتاح البرهان ليخلفه في المنصب .

وبالفعل ساد نوع من إختلاف وجهات النظر في ساحة الإعتصام بين من يرى في تلك الخطوة إاتفافا على الثورة ومقاصدها النبيلة، وآخرون يرون أنّ الحكمة السياسية تقتضي بعض المرونة في التعاطي مع المستجدات، في تلك اللحظات بدا يتضح تأثير الفريق حميدتي على مجرى الأحداث ، فقد جاء التشكيل الأول للمجلس العسكري خلوا منه و وتردد أنّه رفض الإذعان لسلطة اللجنة الأمنية للبشير، وبضغط منه تمّ اختيار البرهان ؛ الشخصية المغمورة حتى تلك الأوقات ؛ ويقول بعض العارفين بشؤون القوات المسلحة، إنّ وظيفة المفتش العام تعتبر بمثابة (تخزين) لضابط كبير قبل إحالته للمعاش،  وتأتي في إطار حفظ حق الزمالة أكثر منها وظيفة فعلية مؤثرة . وقد سمعت في ساحة الإعتصام من يهتف باسم الضابط (أبو عشرة) ويردد الشباب والكنداكات (شيلوا الحشرة وجيبو ابوعشرة) ضمن هتافاتهم العذبة الطازجة الواعية ( شالو وداد وجابو أماني زي ما سقطت أول ح تسقط تاني) أمّا وداد بابكر فقد كانت معروفة  بالسيدة الأولى وزوجة الرئيس البشير ولكنني شخصيا لم أك أعلم من هي أماني حتى قيل لي إنها زوجة الفريق ابن عوف _لها حق الإحترام إذ لم تلغ في الشأن العام فيختلف الناس حولها أو يتفقون, أمّا السيدة وداد فهي شخصية عامة بحكم مشاركتها في الأنشطة العامة عبر مؤسسة سند , وحقّها في الإحترام الشخصي محفوظ ,ولكن يجوز الإختلاف حول أدائها العام _ المهم كانت تلك محطة البرهان في وظيفة القائد العام ؛ ولعله لم يك لباالغها لولا تلك الثورة  الشعبية ذات الأغلبية  الشبابية النسائية العارمة , ولولا ضغط صديقه ورفيقه حميدتي !!

أمّا منصب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي ؛ فقد تبوأه الرجل بموجب الوثيقة الدستورية الموقعة بين مجلسه العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير ؛ وهو التحالف السياسي المدني الذي نشأ على خلفية الإحتجاجات والمواكب التي انتظمت الخرطوم وبعض مدن السودان وخارجه تطالب بإسقاط نظام المؤتمر الوطني وحكم الحركة الإسلامية . ولتنشيط الذاكرة فقط ؛ فقد تكوّن التحالف من خمس كُتل سياسية هي ، تجمع المهنيين، التجمع الإتحادي (8 تنظيمات إتحادية) ، نداء السودان ؛ ومن ضمنه  الجبهة الثورية ، قوى الإجماع الوطني ، وكتلة المجتمع المدني (عدد من منظمات المجتمع المدني) .هذه هي قحت , وقد ساد في أوساط الناس مختصرها وكأنها تنظيم واحد . تلك الوثيقة هي من جاءت بمنصب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي، وتمّ تحديد موعد زمني، 16نوفمبر 2021م لإنتهاء أمد شغل المنصب من جانب المكوّن العسكري المسمى ( القوات المسلحة والدعم السريع) يؤول المنصب للمكون المدني ؛ أي يصبح رئيس مجلس السيادة الإنتقالي شخص آخر من المدنيين أعضاء المجلس . تلك هي الوثيقة ونصوصها، والعقد شريعة المتعاقدين كما يقال .

الحقيقة الموضوعية والمجرّدة من السوابق واللواحق أنّ السيد البرهان لم يف بالعهد , وخرق الإتفاق _إنْ لم نقل خانه_ وأذاع بيان إنقلابه المشهور في يوم25 أكتوبر2021م تحت زعم تصحيح مسار الثورة . وأقال من طرف واحد أعضاء المجلس السيادي المدنيين، وحلّ الحكومة التنفيذية المدنية، وجميع الدستوريين المدنيين من جانب المكون المدني، وزجّ بهم في المعتقلات وحبس رئيس مجلس الوزراء وحدد إقامته . ولم يبق من اثر لمن تعاهد معهم إلا لمن ألحقوا باتفاق جوبا . ومعظمهم من حلفاء المكون العسكري (المدخرين ) لهذا اليوم كما انكشف الأمر لاحقا . لقد تمّ تصنيف ما قام به البرهان بأنّه إستيلاء غير دستوري على السلطة بموجب دستور الإتحاد الإفريقي فجمّدت عضوية السودان فيه . ومن يوم الإنقلاب إلى يومنا هذا تواصل المسرحية عروضها الكئيبة، ويتابع الجمهور في مسرح اللامعقول بهلوانيات العرض كما يتابع الجمهور في بلدان وأوطان تليق، عروض (مسرح تحريك الدُمى) !! ويسمون ما يقع أمام أعينهم من سراب (بالأمر الواقع) وبئس الوقوع !!  أ ليس في العقول الصدئة بقعة صغيرة ما تزال مجلوة مما ران عليها ؟  أ ليس وسط الغافلين شخص رشيد ؟ حسبي الله ونعم الوكيل !

 

الوسومالبرهان المعاش الوثيقة الدستورية خالد فضل

مقالات مشابهة

  • “هآرتس”: الحشود التي تعبر نِتساريم حطّمت وهم النصر المطلق‎
  • “هآرتس”: صور الحشود التي تعبر نِتساريم تُحطّم وهم النصر المطلق‎
  • لا حق للدول في الوجود ولكن الحق للشعوب
  • أحمد ياسر يكتب: "مشروع إستر" نموذج لمبادرات القمع الأمريكية
  • بالفيديو..ياسر العطا من غرفة سيطرة العمليات يعلق على دخول الجيش مدينة بحري ويتوعد بملاحقة قوات الدعم السريع في هذه المناطق
  • مقال في الغارديان يناقش أزمة القيادة الفلسطينية.. قضية تخص من؟
  • بوتين: الحرب في أوكرانيا قد تنتهي خلال شهرين والمفاوضات ممكنة ولكن ليس مع زيلينسكي لأنه “غير شرعي”
  • دير البلح.. المدينة الهادئة التي استقبلت مليون نازح تعود لـالنوم باكرا
  • سلطات الأمر الواقع البائس
  • أبو الطيب البلبوسي يناشد البرهان!!