(عدن الغد)خاص:

قراءة في المتغيرات الجديدة التي يشهدها مجلس حضرموت الوطني وانعكاساتها على مستقبله..

كيف ستؤثر الانسحابات الأخيرة على تماسك مجلس حضرموت الوطني؟

ما مستقبل مجلس حضرموت الوطني في ظل التغيرات الراهنة؟

حضرموت تخلط الأوراق

(عدن الغد) القسم السياسي:

لا تخطئ عين أي مراقب في اليمن الوضع السياسي اللافت الذي تعيشه البلاد، في ظل تناسخ المجالس السياسية وتأسيس الكثير منها خلال السنوات القليلة الماضية، والتي باتت تشكل ظاهرة سياسية تستحق الرصد والدراسة، وليس فقط التعليق والتحليل.

ففي الوقت الذي غابت فيه الأحزاب السياسية العريقة عن تأدية دورها وتأثيرها في الحكم والسلطة وأوضاع البلاد -ربما بسبب الحرب-، بالإضافة إلى عدم وجود وتأسيس أحزاب جديدة، أدى كل ذلك إلى ظاهرة المجالس السياسية التي حلت بديلا عن الأحزاب، وتحولت تلك المجالس إلى قوى حقيقية مؤثرة على الساحة اليمنية، في مختلف المناطق المحررة.

والاختلاف الجوهري بين المجالس المستحدثة والأحزاب التي يكفل الدستور والقوانين تأسيسها، كأحد أبرز معالم الحياة السياسية الديمقراطية في أي بلد مستقر، هو أن المجالس تتجاوز البعد المدني والسياسي الذي تنشأ بموجبه الأحزاب، حيث تضم المجالس أجنحةً عسكرية وأخرى قبلية، لا بد منها حتى تستطيع تلك المجالس فرض أجندتها وأهدافها وتسيطر على الوضع وتفرض مطالبها.

وهذا ما كان مشاهدا في المناطق والمحافظات المحررة، منذ الفترة التي تلت تحرير تلك المحافظات، بدءا بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تأسس في مايو/ آيار عام 2017، ومرورا بالمكتب السياسي للمقاومة الوطنية في عام 2021، وليس انتهاءً بمجلس حضرموت الوطني الذي تأسس خلال العام الجاري 2023، وقبلهم جميعا كان المجلس السياسي الأعلى في مناطق سيطرة الحوثيين عام 2016.

ويجب الإشارة هنا إلى أن محافظات محررة عديدة شهدت حراكا لتأسيس مجالس سياسية مشابهة، في شبوة وأبين والحديدة وتعز والمهرة، كنتاج طبيعي لغياب الحياة السياسية الديمقراطية الطبيعية، وتنامي دعوات المناطقية في المحافظات المحررة، وسط تشجيع التوجه للنظام الاتحادي الفيدرالي، أو ربما لمواجهة نعرات الانفصال التي تصاعدت في أكثر من منطقة، خاصة في المحافظات الجنوبية من البلاد.

ولعل في مجلس حضرموت الوطني الذي تشكل مؤخرا، تتواجد الكثير من عوامل تأسيس المجالس والكيانات السياسية المستحدثة في المحافظات المحررة خلال السنوات الماضية، فهو من ناحية جاء لمواجهة رغبة قوى وكيانات سياسية أخرى في ضم حضرموت إلى سلطاتها وسيطرتها، ومن ناحية أخرى جاء لقطع الطريق أمام دعوات انفصال حضرموت عن اليمن وعن الجنوب معا، ومن ناحية ثالثة تلبية مطالب واحتياجات حضرموت الخدمية والتنموية.

> غايات وأهداف

الظروف المحيطة بأي كيان سياسي أو قوة وليدة، هي من تفرض عليها وتشكل توجهاتها وأهدافها وغايات تواجدها، وفي النموذج الحضرمي فيما يتعلق بالمجلس السياسية، فإن ثمة الكثير من العوامل التي دفعت نحو تأسيس مجلس حضرموت الوطني، ومن تلك الظروف ما هو خارجي، ومنها ما هو داخلي.

فلا يمكن فصل التسلسل الزمني لتأسيس مجلس حضرموت عن التصعيد السياسي والشعبي الذي شهدته المحافظة، في الوادي والساحل، من مظاهرات واحتجاجات خلال عامي 2022 و2023، بإيعاز ودعم من قوى سياسية أخرى تسعى لضم حضرموت مشروعها السياسي، وهي الاحتجاجات نفسها التي أدت إلى بروز وظهور مطالب انفصالية في حضرموت نفسها تدعو إلى مشروع لانفصال حضرموت عن الجنوب وعن اليمن، واستعادة الدولة الحضرمية التي كانت قبل عام 1967.

كل تلك الظروف هي التي أحاطت بتشكيل مجلس حضرموت الوطني، الذي بات لزاما عليها مراعاة العوامل التي فرضت عليه التواجد كقوة جديدة على الساحة الجنوبية واليمنية بشكل عام، وهو في سبيل إثبات تواجده وتأكيد حضوره بحاجة إلى العديد من المقومات لإبقائه قويا وعلى قيد الحياة السياسية، ومواجهات للقوى السياسية الأخرى التي ستنافسه بكل تأكيد، ويمكن أيضا أن تحاربه إذا اقتضى الأمر.

لهذا، وكغيره من القوى والمجالس السياسية الأخرى، فإن مجلس حضرموت لا بد له من ضم واستقطاب شخصيات لها وجودها القوي وتأثيرها الكبير على العمل السياسي والمحلي، ويمكنها من إحداث تغيير وتواجد على الأقل داخل نطاق المحافظة، وهو ما أعلن المجلس عنه قبل أيام، من خلال تشكيل هيئة رئاسة، وإقرار الهيئات واللجان المتخصصة المرتبطة بعمل المجلس، بالإضافة إلى أدبياته الخاصة.

كل ذلك يمكن له أن يحدد هدف وغاية مجلس حضرموت الوطني ويسهل له طريقة وآليات عمله خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى ترتيب علاقته بالقوة والتنظيمات السياسية الأخرى المتواجدة قبله على الساحة اليمنية والجنوبية على السواء، بالإضافة بعلاقته بالقوى الخارجية والإقليمية، وهو ترتيب وتهيئة وتنظيم لا مناص منه حتى يستطيع هذا المجلس الحضرمي أن يكون مؤثرا، وقوة حاضرة لا تقل أهميةً وحضورها عن القوى الأخرى.

ومن المؤكد أن التشكيل الأخير لهيئة رئاسة مجلس حضرموت الوطني عمل على وضع هذه النقاط في الحسبان، وهيأ لها ظروف نجاحها، في مختلف المجالات والقطاعات والتخصصات، ولا مبالغة في الأمر إذا شملت تلك القطاعات الجانب الأمني والعسكري الذي من خلاله للمجلس أن يحقق أهدافه وغاياته، ويكون مؤثرا كغيره من المجالس السياسية التي تمتلك أذرعا عسكرية ووحدات أمنية موالية، وهي الجزئية ذاتها التي ذُكرت أعلاه حول اختلاف الأحزاب عن المجالس السياسية المستحدثة اليوم.

> انسحابات منذ البداية

لن يختلف مجلس حضرموت الوطني عن بقية المجالس والقوى السياسية، سواء في الجوانب السياسية أو العسكرية والأمنية، حتى فيما يتعلق بالانشقاقات والانسحابات التي من الطبيعي أن تتعرض لها الكيانات المشابهة، في ظل تعارض واختلاف وجهات النظر وتباين الآراء السياسية بين أعضاء هذا الكيان أو ذاك.

وقد يعتقد البعض اعتقادا راسخا أن الانسحابات ستلقي بظلال تأثيراتها على المجلس الحضرمي الوليد، والذي لم يشتد عوده بعد، خاصة من شخصيات سياسية يشهد لها بالخبرة والتمرس، وهو كلام منطقي لا غبار عليه من أصحابه، غير أن المجلس الحضرمي الوليد يختلف في ظروف تكوينه عن غيره من المجالس السياسية التي سبقته.

بل إن مجلس حضرموت الوطني شهد تجاذبات واتهامات ومضايقات منذ اللحظات الأولى لتأسيسه، أو حتى مجرد التفكير والإعلان عن تأسيسه، ووصل الأمر إلى قذف تهم التخوين والعمالة لمجرد أن البعض رأى فيه تهديدا لمشروعه السياسي؛ وهذا ما يفسر عدم الاستقرار الذي عاشه المجلس بداية تأسيسه، والتأرجح في مواقف أبرز أعضائه ومنتسبيه، والتي بدت غير ثابتة؛ نتيجة الهزة التي أحدثها تشكيل المجلس في حضرموت.

وبناء على ما سبق، فإن أية انسحابات من مجلس حضرموت الوطني، قد تبدو طبيعية عطفا على العوامل المحيطة بتشكيل المجلس، والمؤثرات التي تحكمت في عضوية أعضائه، خاصة في هذا التوقيت من عمر المجلس، وهو يذكر بالانسحابات التي شهدتها مجالس سياسية جنوبية ويمنية لم تؤثر عليها، واستمرت المجالس في عملها وتأدية دورها دون أن تؤثر عليها الانسحابات.

> مستقبل المجلس الحضرمي

تخضع أية كيانات سياسية يتم تشكيلها بضغوط من قبل مؤسسيها أو داعميها، قد لا يكون هذا هو حال القوى والأحزاب السياسية في العالم، لكنه في اليمن أمر طبيعي أن تخضع القوى والكيانات السياسية لرغبات وأجندات متعددة، عطفا على الوضع الذي تعيشه البلاد من حروب وأزمات، وبالتالي تأثير اللاعبين الإقليميين والدوليين على ما يدور في الداخل.

ووضع كهذا ينعكس على المجالس السياسية المشكلة في اليمن منذ فترة ما بعد عام 2015، والتي تخضع لما يخضع له اليمن بشكل عام من تجاذبات وتدخلات خارجية، وهو ما يعني أن مجلس حضرموت الوطني لن يختلف عن سابقيه من المجالس اليمنية والجنوبية التي تحيا وتستمر بسبب ما تتلقاه من رعاية ودعم، وما وجدت إلا نتيجة التغيرات والمستجدات على الساحة السياسية اليمنية في مختلف منعطفاتها.

ما يجعل من التوقعات المتعلقة بمستقبل مجلس حضرموت الوطني ترتقي إلى مستوى التفاؤل باستمرارية عمله خلال الفترة القادمة وبوتيرة متصاعدة، خاصة في ظل الانتهاء من استكمال تشكيل هيئاته ولجانه وكافة أدبياته والانتقال إلى المرحلة المقبلة التي تنتظر اليمن على الصعيد السياسي وما يرتبط بها من جهود السلام واستحقاقاته التي ستكون محافظة حضرموت متواجدة فيها وبقوة.

المصدر: عدن الغد

كلمات دلالية: مجلس حضرموت الوطنی المجالس السیاسیة المجلس الحضرمی على الساحة

إقرأ أيضاً:

الشاهد جيل ثورة ديسمبر الذي هزم انقلاب 25 أكتوبر 2021 بلا انحناء

فاطمة غزالي

نعيش في دوحة المبادئ السامية والقيم العليا التي غرستها ثورة ديسمبر المجيدة، لا تزال المنقوشة على جدران الوطن وتحتل أعماق الوجدان السوداني رغم الابتلاء بالحرب فالثورة حاضرة في أذهان الشرفاء والإيمان باستمرارها مسيطر على أفئدة وعقول جيلها من الشابات والشباب الذين قدموا أعظم نماذج التضحيات فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ما بدلوا تبديلا.ديسمبرثورة جيل وثقت شجاعته بنادق القناصة، وسياط الجلادين، وأدوات التعذيب لم يتراجع ظل صامداً كالأجيال السابقة في درب النضال السلمي من أجل الحرية والسلام والعدالة في أكتوبر وأبريل وجميع ثورات التحرر من الظلم والقهر. ثورة ديسمبر المجيدة ليست لحظة عابرة في حياة الشعب السوداني ولن تكون فعل ماضي نتباكى عليه بل هي فعل مستمر تختلف الأساليب والآليات والأدوات مع اختلاف الظروف لأن الالتزام بتحقيق مبادئها عهد قطعته القوى المدنية والسياسية المؤمنة بالسلام والحرية والعدالة. الشاهد جيل ثورة ديسمبر هزم انقلاب 25 أكتوبر2021، وفشل الإنقلابيون في إعادة النظام البائد إلى السلطة بسبب الحراك الثوري والمليونيات التي أكدت تمسك الشعب بالحكم المدني الديمقراطي، ومارس جيل ثورة ديسمبر شعائر ثورته بقداسة السلمية، وهو مؤمن بأنها الطريق إلى الخلاص من طغيان الحركة الإسلامية السودانية التي وظفت المؤسسة العسكرية لمصلحة مشروعها، ونفذت عبرها انقلاب 30 يونيو 1989م، وانقلاب 25 أكتوبر2021م إلا أنها أي الحركة الإسلامية حينما فشلت بعد ألانقلاب الأخير في السيطرة التامة على مقاليد الحكم وإعادة إنتاج مشروعها بتشكيل حكومة إسلاسية كاملة الدسم استحضرت منهجها لأيديولوجي الشيطاني القائم على إراقة الدماء في إدارة صراعاتها مع القُوَى السياسية والشاهد على تنفيذ الشعار استباحة الدماء في سبيل الوصول إلى السلطة بدعوى أنها الحارس لدين الله في الأرض (فليعُد للدين مجده أو تُرق منا الدماء… أو تُرق منهم دماء.أو تُرق كل الدماء). فكرة حرب 15 أبريل 2023 م لم تأت من فراغ بل هي تنفيذ للشعار (أو تُرق كل الدماء) حينما أدرك الإسلاميون أنهم خارج منظومة إدارة السودان بعد تجربة الثلاثين عاماً من الدمار. معلوم لدى الكثيرين أن تراجيديا الحرب الكارثية سيناريو كتبته الحركة إسلامية الخبيثة استخدمت الجيش والدعم السريع لتنفيذه من أجل القضاء على ثورة ديسمبر ووئد أي محاولة للعودة بالبلاد إلى الحكم المدني الديمقراطي وإن كان الثمن إبادة كل الشعب السوداني (أو تُرق كل الدماء) وهي الحقيقة التي يحاول البعض غض البصر عنها (لشيء في نفس يُوسُف).
لا شك في أن قيادات الحركة الإسلامية المدنية والعسكرية التي مسيطرة على القرارات داخل مؤسسة الجيش ولا يريدون السلام لأنه يعني عودة جيل الثورة إلى الميادين من أجل تحقيق شعار ثورة ديسمبر (حرية وسلام وعدالة). الإسلاميون يعلمون أن جبروت الحرب لم يفلح في نزع الثورية من نفوس الثوار أو كسر إرادتهم في التغيير بالرغم من محاولات شق صف لجان المقاومة بالاستنفار واستهداف بعضهم بالاعتقالات واتهامهم بالعمالة. الثوار الشرفاء جددوا عهدهم وتمسكوا بثوريتهم فغيروا مؤشر الحراك الثوري من الميادين والطرقات التي سيطرت عليها القوى العسكرية إلى معسكرات النزوح والتكاياعبر لجان الطواري ووجهوا طاقاتهم وإمكانيتهم لخدمة المدنيين الأبرياء والسعي إلى تلبية احتياجاتهم في معسكرات النزوح ومراكز الإيواء والتكايا بالتعاون مع المنظمات والمؤسسات العاملة في مجال العمل الإنساني وأهل الخير من أجل اطعام الجِياع وسقاية العطشى وعلاج المرضى… يعملون ليل نهار لإنقاذ أرواح المدنيين الذين أصبحوا بين مطرقة الجيش وسندان الدعم السريع.
شعار (فليعُد للدين مجده أو تُرق منا… أو تُرق منهم دماء… أو تُرق كل الدماء) يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن أهل السودان لن ولم يكونوا بخير وفي أمن و سلام ما لم تُقبر الحركة الإسلامية السودانية لأنها محور الشر، أس وأساس المعاناة، مصدر العذاب والقهر ومنبع العنف والدمار. تجربة قيادات الحركة الإسلامية في الحكم لمدة ثلاثين عاماً قضتها في تصفية الحسابات مع معارضيها من القوى السياسية والمدنية بجانب الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والإبادة الجماعية دارفور التي تسببت في ملاحقة الرئيس المخلوع جنائياً عمر البشير عبر المحكمة الجنائية الدولية، ولم تسلم العديد من مناطق السودان من الحروب كل هذه السياسات الديكتاتورية تؤكد أن جُرم الحرب جُرمهم وأن مسؤوليتها الكبرى تقع على قياداتها التي حرضت وتوعدت بالحرب الذي فتح أبواب الحجيم على الكل فكانت الممارسات السادية الإجرامية في التي مورست ومازال تمارس على الأبرياء من قبل طرفي الحرب. فلول النظام البائد يتلذذون بعذاب الشعب الذي يواجه القتل والتشريد والمعاناة في رحلة النزوح واللجوء والرعب في ميدان المعارك حيث تدور وَسْط الأحياء السكنية وفي قلب القرى والمدن والفرقان والكارثة الأعظم هي إغلاق منافذ السلام الذي يتشوق إليه المدنيين من أجل استعادة كرامتهم المسلوبة وطنهم المفقود.المؤسف أن تطلعات الشعب إلى السلام تصطدم بالعقبة الكؤود الذي وضعتها مليشيات الكيزان(كتائب البراء) في طريق السلام بدعوى حرب الكرامة وهي كلمة الحق الذي اريد به باطل. كرامة الشعب هي أن يشعر بالأمن والسلام والاستقرار، كرامة السودانيين ستعود إليهم عندما تتحقق آمالهم التي تعبر عنها كلمات الشاعر طارق الأمين:-
( كل آمالي نا..
السلام  يملاها.. يطلع من هنا..
والحمام يتشابى
تقدل طفلة حلوة وبين إيديها كتابا
وحبوبة تمسح بالحنين أكوابا
والقمرية تصدح.. تستريح دبابة)
لاشك أن المعاني الجميلة للسلام الذي يعبر عن الحياة السودانية الجميلة التي وردت في كلمات الشاعر طارق الأمين تتناسب تناسباً عكسياً مع أهداف الإسلاميين وقياداتهم في الجيش والدليل على ذلك تصريحات الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش الذي يتمسك بخيار الحرب بالرغم من أهوال الحرب الذي يشيب لها الولدان وفي ذات الطريق يسير ياسرالعطا وهو يصرخ ويهدد ويتوعد ويغلق الباب أمام السلام ويؤكد عدم رغبة الإسلاميين في السلام ومقولته الشهيرة “لا سلام ولا هدنة وإن استمرت الحرب لمائة عام “… مئة عام تُراق فيها كل الدماء يا هذا؟ كم تعشقون الدماء! أولم يكفيكم إفساد حياة السودانيين بالحرب الذي دمر الوطن وشعبه وببنيته التحتية ومؤسساته الخدمية والمدنية وليس فحسب بل أفعالكم التي تغذي تقسيم المجتمع السوداني الذي وحدته ثورة ديسمبر بشعاراتها (سلمية… سلمية ضد الحرامية، حرية سلام وعدالة، يا عنصري يا مغرور كل البلد دارفور).
الإسلاميون عشاق الانفصال يسعون إلى تقسيم البلاد ولكن هيهات لَمَّا يخططوا. لسان حال قيادات النظام البائد كأنه يقول إن الشعب السوداني رهينة في أيديهم ولا قرار له وعليه أن يخضع لسياساتهم المدمرة كما خضع لإرادتهم في تجربة فصل الجَنُوب مع اختلاف المعطيات والظروف إلا أن النتيجة التي يسعى إليها الإسلاميين واحدة هي تفكيك البلاد إلى دويلات. قصدوا في تجربة الجنوب ألّا تكون الوحدة جاذبة وعملوا لتحقيق ذلك الانفصالين من الجنوب حتى تكون النتيجة لمصلحة الانفصال. بشأن الحديث المتداول عن التقسيم القائم على إرادة قوة الحرب هناك تساؤلات كثيرة تطرح نفسها هل محاولة شيطنة القوى السياسية والهجوم على(تقدم وقحت) محاولة لعزل القوى السياسية والمدنية لتنفيذ مخطط التقسيم كما حدث في اتفاقية نيفاشا وقعوا على تقرير المصير مع الحركة الشعبية إنابة عن الشماليين دون تفويض من الشعب؟ … نعم دون تفويض من الشعب ومعلوم أن الإنقاذ سرقت الديمقراطية و فرضت نفسها على الشعب السوداني بقوة الدبابة ولم تشهد البلاد انتخابات حرة ونزيهة في عهدها البائد. على أي أساس يتم فصل غرب السودان من بقية أطراف على أساس جهوي أم قبلي وإثني؟ وماهي الحدود الجغرافية التي يتم على أساسها التقسيم، هل يكون هناك استفتاء لولايتي الجزيرة والنيل بشأن تقرير مصيرهم هل يذهبون مع كردفان ودارفور أم إلى الشمال الجديد الذي يرسم البرهان وحاضنته السياسية  (الكيزان) خريطته؟ .لا يختلف اثنان في أن الإسلاميين فصلوا الجَنُوب لأسباب دينية وعنصرية، هل الآن يحاولون إعادة ذات السيناريو بزج البلاد في دوامة التشظي لأسباب عنصرية؟ هل يريدون أن يدفع كل السودان فاتورة صراعاتهم مع الدعم السريع من أجل السلطة؟ وماهي القوى الإقليمية التي تغذي الانقسام لتحقيق مصالحها؟ هل يظل الشعب السوداني أسير لأمزجة القوة التي تحمل السلاح (الجيش والدعم السريع) وتسيطر على الأرض والإعلام والفعل السياسي؟ ماهو مصير المشتركة التي تقاتل بجانب الجيش؟ حتى متى تظل القُوَى السياسية والمدنية بعيدة عن مسرح الأحداث التي خلقت قُوَى الحرب واقعها، وهل يسمح الشعب السوداني بأن يكون تقسيم السودان بقوة السلاح؟ وماذا عن علاقات المصاهرة واالأخوة والصداقات العميقة بين الأسر السودانية؟ هل فكر الانفصاليون في ماذا يعني التقسيم؟ … حقيقة لسنا بحاجة إلى فلم جديد بعنوان(وداعاً عائشة أو مريم أو فاطمة) تكفينا جراحات فيلم (وداعاً جوليا)..
بالرغم من الحملات العنصرية التي تديرها الغرف الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي لقوى الحرب التي تستغل حالة الغبن الشعبي من الانتهاكات والفظائع ضد المدنيين بلا استثناء ومازال تحدث نتيجة للحرب ،إلا أن العلاقات التي تربط بين السودانيين أقوى من أن تعصف بها تفاهات العنصريين التي تتعاطى معها سلطة الأمر الواقع في بورتسودان) قانون الوجوه الغربية) الذي يستهدف المواطنين بدوافع جهوية وقبلية وسياسية مثلاً لهذه العنصرية وحملة الاتهامات والاعتقالات والقتل والتعذيب الذي يتعرض له بعض المواطنين من قبل طرفي الحرب (الجيش والدعم السريع) لأسباب جهوية وقبيلة وسياسة أيضاً جميعها ممارسات ترفع درجة حرارة الغبن في النفوس وتزيد رصيد العنصريين ما لم تقف القوى المدنية والشرفاء من الكنداكات والثوار وقفة إنسان واحد لمواجهة التحديات الكبيرة التي تتعلق بمصير ما تبقى من السودان المهدد كيانه ووحدته. السودانيون يمرون بتجربة قاسية وامتحان صعب بيد أنهم قادرون على تجاوز الصعاب شريطة أن تشَكَّل القوى السياسية والمدنية الديمقراطية رافعة قوية بأفعال تخرج السودانيين من حالة الاصطفاف الجهوي والقبلي وهذا لا يتحقق إلا بالسمو فوق الخلافات والعمل بالحد ألأدنى من التلاقي والتنسيق حتى لا يترك مصير السودان للقوى الذي يحمل السلاح فقط.السودان بالرغم من تنوعه القبيلي والجهوي والديني والثقافي فإن الرابطة الإنسانية والوطنية بين السودانيين أقوى من يجرفها طوفان الحرب الذي أخرج عقارب وثعابين العنصرية التي تنفث سمها في الموطنيين الأبرياء في مناطق الحرب والسلم .قطعاً طول أمد الحرب ليس في صالح النسيج الاجتماعي الذي تعبث به أيادي الانفصاليين إلا أن الأمل كبير في جيل ثورة ديسمبر الذي مازال رافعاً رايتها لتضميد جراحات الوطن الذي أنهكته الحرب.ألم يأن للسودانيين أن يعيشوا في سلام؟.
لا للحرب… نعم للسلام

مقالات مشابهة

  • انعقاد مجلس الحديث لقراءة «صحيح البخاري» من مسجد الإمام الحسين
  • الكشف لكواليس صفقة مثيرة بين الرئاسي وحميد الأحمر في الرياض
  • الشاهد جيل ثورة ديسمبر الذي هزم انقلاب 25 أكتوبر 2021 بلا انحناء
  • مجلس أمناء التحالف الوطني يطلق المرحلة الثانية من إيد واحدة.. ويختار أبو العينين رئيسا للجنة التسويق والإعلام
  • مجلس أمناء التحالف الوطني يطلق المرحلة الثانية من مبادرة «إيد واحدة»
  • التهامي: حكومة الدبيبة تدرك أن الاعتراف الدولي بها يمكن أن ينهار بسهولة
  • “صحية الوطني الاتحادي” تواصل مناقشة سياسة تعزيز معدلات الإنجاب
  • اليمن يشارك في الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب
  • رؤية النخب السودانية حول الحراك الثوري والتحولات السياسية
  • كواليس اجتماع الحوار الوطني بشأن الأمن القومي