بين الأهداف المعلنة والحقيقية للحرب على غزة
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
في الثامن عشر من أكتوبر الماضي، وقبل مرور أسبوعين على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حطت طائرة الرئيس الأمريكي جو بايدن في مطار اللد في زيارة كانت الأولى التي يقوم بها رئيس أمريكي إلى إسرائيل في زمن الحرب.
وخلافا لعبارات التأييد والانحياز المعروفة، والتي تكررت لاحقا على ألسنة جميع المسؤولين الأمريكيين، نبّه بايدن مستقبليه إلى ضرورة التفكير في اليوم التالي للحرب، وتحديد أهدافها بدقة، وعدم الاندفاع وراء رغبات الانتقام كما فعلت الولايات المتحدة في الحرب على أفغانستان والعراق.
جاءت تحذيرات بايدن الدقيقة لإسرائيل، على الرغم مما عرف عنه من عدم التركيز في تصريحاته الرسمية بسبب أثر التقدم في العمر.
يمثل هذا الموقف إقرارا ضمنيا بأن الأهداف الإسرائيلية المعلنة للحرب وهي القضاء على حماس واستعادة الأسرى، ولاحقا أضيف هدف القضاء على التهديد القادم من غزة، هي أهداف غير واقعية على الإطلاق، بل يناقض بعضها بعضا. لأن القضاء على حماس أو على المقاومة يناظر القضاء على الشعب الفلسطيني، ومواصلة عمليات الإبادة والتدمير وقصف كل متر مربع من مساحة قطاع غزة، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تعريض حياة الأسرى للخطر.
فشلت خمسون يوما من حرب الإبادة والتهجير والتطهير العرقي والعقوبات الجماعية في استعادة أسير واحد، فما الذي يضمن أن استمرار هذه العمليات الوحشية (المدعومة من الإدارة الأمريكية وفق الذريعة الممجوجة والكاذبة عن حق الدفاع عن النفس) يمكن لها أن تعيد بقية الأسرى؟
في المدى المنظور تهدف هذه الحرب العدوانية إلى تكبيد الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا يفوق بعشرات المرات الثمن الذي تكبدته إسرائيل في عملية السابع من أكتوبر، وهو نهج دأبت إسرائيل على ممارسته حتى في عمليات القمع اليومية وسلسلة الحروب الصغيرة التي شنتها على غزة.
من المؤكد أن أهداف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة تختلف اختلافا جذريا عن تلك المعلنة، ولمعرفة هذه الأهداف والتحقق منها، لسنا بحاجة لمتابعة وتحليل ما يتفوّه به السياسيون والجنرالات، بل تكفينا ما تقوم به آلة الحرب من مذابح جماعية يومية، وتدمير للمساكن والبنى التحتية والمعالم الحضارية والخدمية. فهذه الحرب هي جزء من الحملة والمخططات المعروفة لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية وحسم الصراع، وهي الحملة التي عايشنا ترجماتها في الضفة على امتداد العامين الماضيين. يضاف إلى ذلك هدف التخلص من قطاع غزة الذي راود كثيرا من قادة إسرائيل على مر العقود الماضية، والذي يترجم أحيانا بشكل "ناعم" بفكرة فصل غزة عن الضفة وإخراجها من معادلة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأحيانا أخرى ينفذ بشكل وحشي وقاسٍ كما يجري الآن أو عبر مخططات التهجير التي تختفي أحيانا ثم تعاود الظهور مع كل حرب أو أزمة، ومفهوم أن اخراج غزة من الصراع يعني الخلص من مليوني فلسطيني ومن المقاومة ومن جزء مهم من قضية اللاجئين، بل ومن وحدة الشعب الفلسطيني، كل ذلك في وقت واحد.
في المدى المنظور تهدف هذه الحرب العدوانية إلى تكبيد الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا يفوق بعشرات المرات الثمن الذي تكبدته إسرائيل في عملية السابع من أكتوبر، وهو نهج دأبت إسرائيل على ممارسته حتى في عمليات القمع اليومية وسلسلة الحروب الصغيرة التي شنتها على غزة.
يمكن تسمية هذا الأمر بميزان الدم، أو عدّاد القتل والذي رأيناه في كل عملية اجتياح لمدن الضفة ومخيماتها، حيث كان يجري إعدام المطلوبين ومَن تواجد إلى جوارهم أو في طريق تنفيذ العملية وحتى عابري السبيل ممن وُجد بالصدفة في مكان العمليات، يشير عداد الدم هذا إلى مقتل عشرة فلسطينيين على الأقل مقابل كل إسرائيلي، وغالبا ما يكون الضحايا الفلسطينيون من المدنيين وبخاصة من الأطفال والنساء وكبار السن كما يجري خلال المجازر المرتكبة حاليا في غزة.
تكبيد الفلسطينيين الثمن يهدف أيضا إلى كيّ وعيهم وخلق قناعة راسخة لأجيال باستحالة التصدي لإسرائيل، أو بالكلفة الهائلة لمثل هذه المحاولات. ويرى بعض المسؤولين الإسرائيليين مثل الوزير جدعون ساعر أن استيفاء الثمن يجب أن يشمل اقتطاع جزء مهم من مساحة قطاع غزة الصغيرة أصلا، و يوافقه في ذلك معظم الجنرالات والسياسيين الذين يدعو بعضهم إلى عودة الاستيطان إلى غزة، وذهب بعضهم إلى حد المطالبة بتحويل قطاع غزة إلى منتزه قومي إسرائيلي، بل طالبت الوزيرة السابقة أييلت شاكيد بتحويل مدينة خانيونس إلى ملعب لكرة القدم.
تهدف فظائع الإبادة والتدمير أيضا إلى استعادة قوة الردع المهدورة في السابع من أكتوبر، في رسالة ملطخة بالدم ليس للفلسطينيين فقط بل لكل من يفكر بالمساس بإسرائيل، ذلك ما كرره وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي توعد بتحويل بيروت إلى غزة جديدة إذا فكر حزب الله بتصعيد المناوشات ضد إسرائيل إلى حرب مفتوحة.
تتحرك أهداف الحرب الوحشية على قطاع غزة في ضوء نتائج المواجهات الميدانية وردود الفعل الإقليمية والدولية. ففي بداية الحرب طالب قادة إسرائيل المواطنين الغزيين بالخروج من القطاع للنجاة بأنفسهم، بل إن بعض أعضاء الكنيست وخاصة داني دانون (ليكود) ورام بن باراك (يوجد مستقبل) طالبا دول العالم باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين بحيث تأخذ كل دولة حصة من هؤلاء اللاجئين، وحظي هذا الحل "العبقري" بإشادة من الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش. وفي موازاة الدعوة لتهجير الفلسطينيين، أطلَّت برأسها أفكار استيطانية وتوسعية قديمة وجديدة مثل مشروع قناة بن غوريون، والأطماع في حقول الغاز قبالة سواحل غزة وكلاهما يفترض أن الخلاص من غزة وشعبها بات أمرا ممكنا.
لكن الموقف الحازم لمصر والأردن برفض التهجير، ثم تبني موقف مشابه من قبل عديد الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة أدى إلى تراجع هذه المطالب، والاستعاضة عنها بالتهجير الداخلي الذي يهدف إلى حشر مليوني نسمة وتكديسهم في مخيمات كبرى من دون اية مقومات للحياة وبالتالي الضغط على المجتمع الدولي للتدخل من أجل إنهاء هذه الكارثة الإنسانية عبر التهجير.
تخطط إسرائيل كيفما تشاء بناء على أطماعها والدعم الأميركي لها، لكنها ليست وحدها في ميدان المعركة، فالشعب الفلسطيني صامد على أرضه، والمقاومة تقوم بواجبها، وحركات الاحتجاج تعم مدن العالم وعواصمه وتهز أركان النظام الدولي الظالم ومعاييره المزدوجة التي تُفصّل تفصيلا بحسب هوية الضحية ولونها وعرقها ودينها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب غزة الفلسطيني فلسطين غزة الاحتلال الحرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة رياضة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی القضاء على قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
الدفاع المدني الفلسطيني: ما يجرى الآن في غزة جنون واضح لقوات الاحتلال
أكدت وزارة الدفاع المدني الفلسطيني، أن ما يجرى الآن في قطاع غزة جنون واضح لقوات الاحتلال، وفقا لما ذكرته فضائية “القاهرة الإخبارية” في نبأ عاجل.
فلسطين: الاحتلال يشن غارة على سيارة وسط شارع الجلاء غرب مدينة غزة السفير اللوح يوقع شهادة تسليم وإستلام بين حكومة فلسطين و جمهورية الصين الشعبية لتقديم مساعدات إنسانية طارئة لقطاع غزة
وقالت الدفاع الفلسطيني، إنه لم نعد قادرين على تلبية كافة نداءات الاستغاثة في ظل القصف المستمر والاستهدافات التي لا تتوقف.
صحة غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي لأكثر من 45 ألف شهيد
وفي سياق آخر، أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم، ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 45,581 شهيدًا و108,438 مصابًا ، وأشارت الوزارة إلى أن هذه الأرقام تتزايد بشكل يومي في ظل استمرار القصف المكثف على مختلف المناطق.
وذكرت الوزارة أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب خمس مجازر جديدة خلال الـ24 ساعة الماضية، أسفرت عن سقوط 28 شهيدًا و59 مصابًا، تم نقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج ، وأكدت أن الاستهداف المكثف للأحياء السكنية والبنية التحتية أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وزيادة الأعباء على الكوادر الطبية والمرافق الصحية التي تعاني من نقص حاد في الأدوية والإمدادات الطبية.
وفي ظل التصعيد العسكري المستمر، تواجه المستشفيات في غزة ضغطًا هائلًا مع تضاؤل الإمكانيات وانقطاع الكهرباء، ما يهدد حياة المصابين الذين يحتاجون إلى رعاية عاجلة.
وتأتي هذه التطورات وسط دعوات متكررة من المنظمات الدولية لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إلا أن العدوان الإسرائيلي مستمر، مما يفاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان غزة.
غزة: الاحتلال الإسرائيلي يرتكب مجازر جديدة في غزة
أفادت وسائل إعلام عربية، نقلًا عن المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجازر مروعة في مناطق مختلفة من قطاع غزة، راح ضحيتها عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وسط استمرار التصعيد العسكري على القطاع.
وأوضح بصل أن مجزرة ارتكبها الاحتلال في مدينة خان يونس أسفرت عن استشهاد 11 شخصًا، بينما شهدت منطقة جباليا النزلة مجزرة أخرى راح ضحيتها 10 شهداء. وأضاف أن قوات الاحتلال تمارس “عمليات تطهير وإبادة” في جميع أنحاء القطاع، في ظل أوضاع إنسانية كارثية.
عرضت وكالة “وفا”، مقطع فيديو وصلت جثث وجرحى فلسطينيين إلى مجمع ناصر الطبي في خان يونس، جنوب قطاع غزة، بعد الغارات الجوية الإسرائيلية.
واستشهد 63 شخصًا نتيجة الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من قطاع غزة منذ فجر اليوم، وفقًا لما أفادت به وسائل الإعلام الفلسطينية.
يدخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يومه الـ454، حيث يواصل جيش الاحتلال ارتكاب المجازر الدموية بحق النازحين الآمنين في المناطق الإنسانية المختلفة.
في جنوب غزة، تم نقل جثمان شهيد فلسطيني إلى مجمع ناصر الطبي بعد قصف إسرائيلي استهدف مجموعة من النازحين في شارع الفجم ببلدة بني سهيلا شرقي مدينة خان يونس. كما قصفت مدفعية الاحتلال الإسرائيلي بالقذائف والرشاشات الثقيلة شرقي بلدة عبسان الكبيرة في المنطقة ذاتها.
وأشارت مصادر طبية فلسطينية إلى استشهاد 38 نازحًا منذ فجر الخميس، في غارات إسرائيلية على قطاع غزة، من بينهم 11 في خان يونس.
وفي غرب غزة، استشهد 4 نازحين فلسطينيين وأصيب عدد آخر جراء قصف إسرائيلي استهدف مجموعة من النازحين في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة.
من جهة أخرى، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن مقتل حسام شهوان، قائد جهاز الأمن الداخلي التابع لحماس في جنوب قطاع غزة، في غارة جوية ليل الأربعاء على منطقة خان يونس.