جراح فرنسي: أسرى إسرائيل يتلقون عناية جيدة بغزة والمستشفى العائم "عار وطني"
تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT
باريس - صفا
مع تواصل عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة غزة لما يقرب من شهرين، لا تزال صواريخ الاحتلال تقصف المدنيين وتستهدف المنشآت الصحية، بزعم استخدامها في الأعمال العسكرية من المقاومة الفلسطينية.
هذه المزاعم الإسرائيلية استنكرها البروفيسور الفرنسي كريستوف أوبرلين، الذي عمل متطوعا في مستشفيات قطاع غزة لأكثر من 20 عاما، وفي مقابلة مع الجزيرة نت، استنكر الجراح الفرنسي ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي بوجود أنفاق لحركة حماس تحت مستشفى الشفاء، أكبر مستفيات قطاع غزة.
وبفضل تجربته المهنية والشخصية، أشاد أوبرلين بمهارات الأطباء الفلسطينيين، منتقدا في الوقت ذاته ما وصفه بـ "الدور الباهت" الذي تؤديه منظمات دولية وأوروبية عدة على رأسها المحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبة إسرائيل على "الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني"، حسب تعبيره.
أعمل متخصصا في الجراحة وعلاج الأطراف الثانوية، ورحلتي الأولى إلى غزة تعود إلى 2001. خلال هذه الرحلة، وصلتني قوائم تضم أسماء جرحى أصيبوا بشكل رئيس بأعيرة نارية، ويعانون من شلل في الساق والقدم واليد، فضلا عن حالات أخرى.
أخبرني الأطباء -آنذاك- أنهم عاجزون عن علاجهم بسبب غياب متخصصين في هذا النوع من الإصابات. وعلى ضوء ذلك، بدأت العمل في المستشفيات الحكومية مع أطباء وجراحين فلسطينيين.
ومن ثم أصدرت شهادتين كنت مسؤولا عنهما بجامعة الطب في فرنسا، بما في ذلك "دبلومة" في جراحة الأطراف والجراحة المجهرية. كما أنشأت العديد من مختبرات التدريب على الجراحة المجهرية في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس ومستشفى الشفاء في غزة.
كيف تصف علاقتك بالأطباء الفلسطينيين في قطاع غزة؟
على المستوى المهني، أسهمت في تخرج حوالي 20 طبيبا متخصصا في جراحة الأطراف، 12 منهم أعرفهم جيدا وأعود لرؤيتهم والعمل إلى جانبهم 3 مرات في السنة لمدة 10 إلى 15 يوما لفترة تزيد عن 20 عاما. كما يترأس اثنان من طلابي وأصدقائي أقساما في مستشفى الشفاء والمستشفى الأوروبي في خان يونس.
وعلى المستوى الشخصي والإنساني، أعرف اليوم أطفالا وأحفاد الأطباء الذين تجمعني بهم علاقات طيبة على مدى سنوات. لذا، في كل مرة أشعر أن عائلة كبيرة تنتظرني هناك وأتوق إلى لقائهم.
وفي الواقع، وسّع الأطباء الفلسطينيون مجال مهاراتهم في الجراحة، بمن فيهم اثنان دربتهما، يعملان بجد لا يوصف في المستشفى الأوروبي؛ لأنه الوحيد الذي يزال في الخدمة تقريبا حتى الآن من بين 35 مستشفى في القطاع.
وأرى أن ما يحدث كارثة حقيقية عقب مضاعفة عدد أسرّة المستشفيات بمقدار 4 أضعاف، حيث هناك أكثر من 700 شخص يدخلون إلى مستشفى صُمّم لاستيعاب 200 سرير فقط، وهذا أمر فظيع جدا.
ما رأيك في ادعاءات إسرائيل حول وجود أنفاق تحت مستشفى الشفاء؟
أشرت في وقت سابق إلى أنني سمعت هذه الدعاية للمرة الأولى على لسان قنصل فرنسي في القدس المحتلة بعد حرب 2009.
واليوم، يمكنني الحديث عن الدعاية الإسرائيلية التي فُضحت بعد استيلاء جنود الاحتلال على مستشفى الشفاء في ظروف رهيبة للغاية، وعلى حساب مذبحة حتمية.
ورغم كل محاولاتهم، لم يتمكنوا من إثبات أي شيء، حتى إنهم وجدوا أنفسهم في محل سخرية. ولكنهم مع الأسف استمروا في قصف واستهداف المستشفيات. ومن تجربتي الخاصة والممتدة لأكثر من 20 عاما، لم أسمع أبدا أي شخص يتحدث عن مركز للقيادة تحت مستشفى الشفاء.
كيف تعرفت إلى الجراح الفلسطيني الذي اعتنى بالأسيرة ميا شيم؟
بالفعل، اكتشفت أنه أحد طلابي بفضل التقنية المستخدمة في الشق الجراحي، لكنني لا أستطيع أن أحدد على وجه اليقين اسمه بالضبط.
وتبين لي من خلال الفيديو المنتشر على نطاق واسع، أن الطبيب أعاد وضع الضمادات على الشقوق الجراحية بشكل مثالي بعد إصابة الشابة بكسر في عظم العضد.
ويمكننا أن نرى أنها تمتعت بأفضل تثبيت يمكن القيام به باستخدام معدات طبية باهظة يبلغ سعرها نحو 2500 يورو، وهو ما يبرز الجودة العالية للطب والجراحة في غزة. ولست الوحيد الذي يقول هذا الأمر، فقد اعترفت التقارير الشهرية من منظمة الصحة العالمية -أيضا- بخبرة الأطباء الفلسطينيين.
ومن خلال تجربتي الواسعة في علاج إصابات الأعصاب، فيمكنني التأكيد أن الطبيب المشرف أجرى شقا إضافيا للحصول على العصب، والتحقق من عدم التصاقه بدبابيس التثبيت. وقد شعرت بالسعادة لأنها تمكنت من العلاج على يد أحد طلابي.
رأينا في مقاطع فيديو تسليم الأسرى أنهم كانوا يتمتعون بصحة جيدة. من وجهة نظرك الطبية، ما رأيك في الرعاية التي تلقاها هؤلاء الأسرى من قبل حماس؟
سواء أطلقنا عليهم اسم "الرهائن" أو "السجناء" -اعتمادا على وضعهم عسكريين أو مدنيين- فتبقى عمليات التبادل الأمل الوحيد أمام 7000 فلسطيني معتقل في سجون إسرائيل.
ونعرف أن الجندي الفرنسي الإسرائيلي جلعاد شاليط حظي بتغطية إعلامية واسعة خاصة في فرنسا؛ لأنه كان مزدوج الجنسية.
وقد أثار الإفراج عنه جدل ازدواجية الجنسية رغم أنه لا يتحدث اللغة الفرنسية، ولم يكن له ولا لوالديه أجداد فرنسيين، ورأت الحكومة الفرنسية -آنذاك- أن ذلك هو الأصح من الناحية القانونية، نظرا للاتفاقيات الثنائية بين فرنسا وإسرائيل.
وللإجابة عن سؤالك، رأينا أن هذا الجندي تلقى معاملة جيدة وفي أقصى درجات السرية وفق ما صرح به. ولهذا يعدّ الأسير الإسرائيلي ثمينا؛ لأنه يمثل فرصة للمّ شمل العائلات الفلسطينية.
بعد ما يقرب من شهرين من الحرب، هل تعتقد أن منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات أخفقت في الدفاع عن الحقوق الأساسية للمرضى وتوفير المساعدات للمدنيين؟
كل هذه المنظمات التي أشرت إليها، دورها محدد وترسل التقارير الشهرية والموثقة بشكل جيد، استنادا إلى مصدر طبي وبمستوى عالٍ لمعرفة ظروف المستشفيات في قطاع غزة.
وحول ما يتعلق بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، فقد أرسلت إدارتها نداءات يائسة أمام المجازر الرهيبة التي يتعرض لها أطفال غزة التي نشهدها حتى الآن. كما عبّرت الأمانة العامة للأمم المتحدة عن قسوة المشاهد بحزم ووضوح شديد منذ البداية.
ومن بين كل هذه المؤسسات التي يجب أن تتحمل المسؤولية، هناك المحكمة الجنائية الدولية التي من الواضح أنها لا تؤدي عملها برئاسة المدعي العام كريم أحمد خان.
فبعد إطلاق المدعية العامة السابقة فاتو بن سودا تحقيقا بسبب شكاوى عدة موثقة، توقف كل شيء خلال العامين الماضيين منذ انتخاب خان، رغم وجود تدابير معينة تدفع إلى التصرف بسرعة عند إثبات إبادة جماعية على مستوى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، وكذلك على مستوى الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية.
ومن ثم، أعتقد أن الجنائية الدولية تأخذ على عاتقها مسؤولية ما يجري اليوم، ويشارك المدعي العام في استمرار هذه الجرائم. لذا فمن الملحّ للغاية أن يفعل ما طلِب منه، وألا يتوقف عند حد عقد مؤتمر صحفي فاتر.
وصلت السفينة "تونير" الفرنسية أو المستشفى العائم إلى سواحل قطاع غزة، لكن باريس أعلنت إمكانية استقبال بضع حالات فقط على متنها، ما رأيك في هذا الموضوع؟
ما فعلته فرنسا هو عار وطني حقيقي ويجب أن تتم المحاسبة؛ لأن السفينة قادرة على استيعاب حوالي 60 مريضا بشرط توفير الترتيبات اللازمة لاستقبالهم.
في المقابل، ما حدث فضيحة بكل المعايير إذ أُرسلت على حساب الشعب الفرنسي من ميناء تولون إلى إسرائيل، ليعلن قبطانها فيما بعد أنه يستطيع استيعاب شخصين إلى 4 أشخاص فقط.
ومن العار -أيضا- إرسال سفينة ثانية تدعي إنقاذ الجرحى الفلسطينيين بأعداد سخيفة فعلا، في حين أن هناك ما بين 30 إلى 35 ألف جريح، جزء منهم يفارقون الحياة في ممرات المستشفيات في قطاع غزة. لهذا، أرى أن هذا الجانب المدوّي من دبلوماسيتنا مخز حقا، ولا أستطيع وصفه.
المصدر : الجزيرة
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: طوفان الأقصى مستشفى الشفاء قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
1500 شهيد في شمال غزة خلال 34 يوما
أعلن المدير العام لوزارة الصحة بغزة منير البرش، اليوم الخميس، أن الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من 1500 فلسطيني بمحافظة شمال غزة، في ظل الإبادة والتطهير العرقي المستمر منذ 34 يوما.
وقال البرش إن الجيش الإسرائيلي يواصل ارتكاب المجازر واستهداف مراكز الإيواء والمدنيين في شمال قطاع غزة مخلفا ضحايا وإصابات في ظل منظومة صحية منهكة.
وفي وقت سابق، أعلن حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، أن المستشفى يقدم خدمات للمصابين بأقل الإمكانيات في ظل اعتقال الجيش الإسرائيلي كوادر صحية ومنع دخول المستلزمات الطبية.
وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأ الجيش الإسرائيلي اجتياحا بريا في شمال قطاع غزة، بذريعة منع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من استعادة قوتها في المنطقة.
بينما يقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال شمال القطاع وتحويله إلى منطقة عازلة بعد تهجير سكانه، تحت وطأة قصف دموي متواصل وحصار مشدد يمنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.
وبدعم أميركي مطلق، ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 146 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.