باريس - صفا

 مع تواصل عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة غزة لما يقرب من شهرين، لا تزال صواريخ الاحتلال تقصف المدنيين وتستهدف المنشآت الصحية، بزعم استخدامها في الأعمال العسكرية من المقاومة الفلسطينية.

هذه المزاعم الإسرائيلية استنكرها البروفيسور الفرنسي كريستوف أوبرلين، الذي عمل متطوعا في مستشفيات قطاع غزة لأكثر من 20 عاما، وفي مقابلة مع الجزيرة نت، استنكر الجراح الفرنسي ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي بوجود أنفاق لحركة حماس تحت مستشفى الشفاء، أكبر مستفيات قطاع غزة.

وبفضل تجربته المهنية والشخصية، أشاد أوبرلين بمهارات الأطباء الفلسطينيين، منتقدا في الوقت ذاته ما وصفه بـ "الدور الباهت" الذي تؤديه منظمات دولية وأوروبية عدة على رأسها المحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبة إسرائيل على "الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني"، حسب تعبيره.

أعمل متخصصا في الجراحة وعلاج الأطراف الثانوية، ورحلتي الأولى إلى غزة تعود إلى 2001. خلال هذه الرحلة، وصلتني قوائم تضم أسماء جرحى أصيبوا بشكل رئيس بأعيرة نارية، ويعانون من شلل في الساق والقدم واليد، فضلا عن حالات أخرى.

أخبرني الأطباء -آنذاك- أنهم عاجزون عن علاجهم بسبب غياب متخصصين في هذا النوع من الإصابات. وعلى ضوء ذلك، بدأت العمل في المستشفيات الحكومية مع أطباء وجراحين فلسطينيين.

ومن ثم أصدرت شهادتين كنت مسؤولا عنهما بجامعة الطب في فرنسا، بما في ذلك "دبلومة" في جراحة الأطراف والجراحة المجهرية. كما أنشأت العديد من مختبرات التدريب على الجراحة المجهرية في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس ومستشفى الشفاء في غزة.

كيف تصف علاقتك بالأطباء الفلسطينيين في قطاع غزة؟

على المستوى المهني، أسهمت في تخرج حوالي 20 طبيبا متخصصا في جراحة الأطراف، 12 منهم أعرفهم جيدا وأعود لرؤيتهم والعمل إلى جانبهم 3 مرات في السنة لمدة 10 إلى 15 يوما لفترة تزيد عن 20 عاما. كما يترأس اثنان من طلابي وأصدقائي أقساما في مستشفى الشفاء والمستشفى الأوروبي في خان يونس.

وعلى المستوى الشخصي والإنساني، أعرف اليوم أطفالا وأحفاد الأطباء الذين تجمعني بهم علاقات طيبة على مدى سنوات. لذا، في كل مرة أشعر أن عائلة كبيرة تنتظرني هناك وأتوق إلى لقائهم.

وفي الواقع، وسّع الأطباء الفلسطينيون مجال مهاراتهم في الجراحة، بمن فيهم اثنان دربتهما، يعملان بجد لا يوصف في المستشفى الأوروبي؛ لأنه الوحيد الذي يزال في الخدمة تقريبا حتى الآن من بين 35 مستشفى في القطاع. 

وأرى أن ما يحدث كارثة حقيقية عقب مضاعفة عدد أسرّة المستشفيات بمقدار 4 أضعاف، حيث هناك أكثر من 700 شخص يدخلون إلى مستشفى صُمّم لاستيعاب 200 سرير فقط، وهذا أمر فظيع جدا.

ما رأيك في ادعاءات إسرائيل حول وجود أنفاق تحت مستشفى الشفاء؟

أشرت في وقت سابق إلى أنني سمعت هذه الدعاية للمرة الأولى على لسان قنصل فرنسي في القدس المحتلة بعد حرب 2009.

واليوم، يمكنني الحديث عن الدعاية الإسرائيلية التي فُضحت بعد استيلاء جنود الاحتلال على مستشفى الشفاء في ظروف رهيبة للغاية، وعلى حساب مذبحة حتمية.

ورغم كل محاولاتهم، لم يتمكنوا من إثبات أي شيء، حتى إنهم وجدوا أنفسهم في محل سخرية. ولكنهم مع الأسف استمروا في قصف واستهداف المستشفيات. ومن تجربتي الخاصة والممتدة لأكثر من 20 عاما، لم أسمع أبدا أي شخص يتحدث عن مركز للقيادة تحت مستشفى الشفاء.

كيف تعرفت إلى الجراح الفلسطيني الذي اعتنى بالأسيرة ميا شيم؟

بالفعل، اكتشفت أنه أحد طلابي بفضل التقنية المستخدمة في الشق الجراحي، لكنني لا أستطيع أن أحدد على وجه اليقين اسمه بالضبط.

وتبين لي من خلال الفيديو المنتشر على نطاق واسع، أن الطبيب أعاد وضع الضمادات على الشقوق الجراحية بشكل مثالي بعد إصابة الشابة بكسر في عظم العضد.

ويمكننا أن نرى أنها تمتعت بأفضل تثبيت يمكن القيام به باستخدام معدات طبية باهظة يبلغ سعرها نحو 2500 يورو، وهو ما يبرز الجودة العالية للطب والجراحة في غزة. ولست الوحيد الذي يقول هذا الأمر، فقد اعترفت التقارير الشهرية من منظمة الصحة العالمية -أيضا- بخبرة الأطباء الفلسطينيين. 

ومن خلال تجربتي الواسعة في علاج إصابات الأعصاب، فيمكنني التأكيد أن الطبيب المشرف أجرى شقا إضافيا للحصول على العصب، والتحقق من عدم التصاقه بدبابيس التثبيت. وقد شعرت بالسعادة لأنها تمكنت من العلاج على يد أحد طلابي.

رأينا في مقاطع فيديو تسليم الأسرى أنهم كانوا يتمتعون بصحة جيدة. من وجهة نظرك الطبية، ما رأيك في الرعاية التي تلقاها هؤلاء الأسرى من قبل حماس؟

سواء أطلقنا عليهم اسم "الرهائن" أو "السجناء" -اعتمادا على وضعهم عسكريين أو مدنيين- فتبقى عمليات التبادل الأمل الوحيد أمام 7000 فلسطيني معتقل في سجون إسرائيل.

ونعرف أن الجندي الفرنسي الإسرائيلي جلعاد شاليط حظي بتغطية إعلامية واسعة خاصة في فرنسا؛ لأنه كان مزدوج الجنسية.

وقد أثار الإفراج عنه جدل ازدواجية الجنسية رغم أنه لا يتحدث اللغة الفرنسية، ولم يكن له ولا لوالديه أجداد فرنسيين، ورأت الحكومة الفرنسية -آنذاك- أن ذلك هو الأصح من الناحية القانونية، نظرا للاتفاقيات الثنائية بين فرنسا وإسرائيل.

وللإجابة عن سؤالك، رأينا أن هذا الجندي تلقى معاملة جيدة وفي أقصى درجات السرية وفق ما صرح به. ولهذا يعدّ الأسير الإسرائيلي ثمينا؛ لأنه يمثل فرصة للمّ شمل العائلات الفلسطينية.

بعد ما يقرب من شهرين من الحرب، هل تعتقد أن منظمة الصحة العالمية وغيرها من المؤسسات أخفقت في الدفاع عن الحقوق الأساسية للمرضى وتوفير المساعدات للمدنيين؟

كل هذه المنظمات التي أشرت إليها، دورها محدد وترسل التقارير الشهرية والموثقة بشكل جيد، استنادا إلى مصدر طبي وبمستوى عالٍ لمعرفة ظروف المستشفيات في قطاع غزة.

وحول ما يتعلق بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، فقد أرسلت إدارتها نداءات يائسة أمام المجازر الرهيبة التي يتعرض لها أطفال غزة التي نشهدها حتى الآن. كما عبّرت الأمانة العامة للأمم المتحدة عن قسوة المشاهد بحزم ووضوح شديد منذ البداية.

ومن بين كل هذه المؤسسات التي يجب أن تتحمل المسؤولية، هناك المحكمة الجنائية الدولية التي من الواضح أنها لا تؤدي عملها برئاسة المدعي العام كريم أحمد خان.

فبعد إطلاق المدعية العامة السابقة فاتو بن سودا تحقيقا بسبب شكاوى عدة موثقة، توقف كل شيء خلال العامين الماضيين منذ انتخاب خان، رغم وجود تدابير معينة تدفع إلى التصرف بسرعة عند إثبات إبادة جماعية على مستوى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية، وكذلك على مستوى الاتفاقية الدولية لمناهضة الإبادة الجماعية.

ومن ثم، أعتقد أن الجنائية الدولية تأخذ على عاتقها مسؤولية ما يجري اليوم، ويشارك المدعي العام في استمرار هذه الجرائم. لذا فمن الملحّ للغاية أن يفعل ما طلِب منه، وألا يتوقف عند حد عقد مؤتمر صحفي فاتر.

وصلت السفينة "تونير" الفرنسية أو المستشفى العائم إلى سواحل قطاع غزة، لكن باريس أعلنت إمكانية استقبال بضع حالات فقط على متنها، ما رأيك في هذا الموضوع؟

ما فعلته فرنسا هو عار وطني حقيقي ويجب أن تتم المحاسبة؛ لأن السفينة قادرة على استيعاب حوالي 60 مريضا بشرط توفير الترتيبات اللازمة لاستقبالهم.

في المقابل، ما حدث فضيحة بكل المعايير إذ أُرسلت على حساب الشعب الفرنسي من ميناء تولون إلى إسرائيل، ليعلن قبطانها فيما بعد أنه يستطيع استيعاب شخصين إلى 4 أشخاص فقط.

ومن العار -أيضا- إرسال سفينة ثانية تدعي إنقاذ الجرحى الفلسطينيين بأعداد سخيفة فعلا، في حين أن هناك ما بين 30 إلى 35 ألف جريح، جزء منهم يفارقون الحياة في ممرات المستشفيات في قطاع غزة. لهذا، أرى أن هذا الجانب المدوّي من دبلوماسيتنا مخز حقا، ولا أستطيع وصفه.

المصدر : الجزيرة

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: طوفان الأقصى مستشفى الشفاء قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يقصف مدرسة تؤوي نازحين بغزة ويستهدف مستشفى كمال عدوان

استشهد 18 فلسطينيا وأصيب آخرون فجر اليوم الأحد جراء قصف جوي إسرائيلي استهدف مناطق متفرقة في قطاع غزة، الذي يتعرض لإبادة جماعية مستمرة منذ 14 شهرا.

وأفاد مراسل الجزيرة باستشهاد 8 فلسطينيين وإصابة آخرين إثر قصف إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين بحي الدرج شرقي مدينة غزة.

وفي دير البلح وسط القطاع، استشهد 6 فلسطينيين في قصف استهدف منزلا. وقال مراسل الجزيرة إن البحث مستمر عن مفقودين تحت أنقاض المنزل المستهدف المكون من 4 طوابق، مشيرا إلى أن المبنى كان يؤوي عددا كبيرا من النازحين.

وفي المنطقة الوسطى أيضا، أورد مراسل الجزيرة أن قصفا إسرائيليا استهدف منزلا شمالي مخيم النصيرات، أسفر عن استشهاد 4 أشخاص.

في الأثناء، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي طلب إخلاء مستشفى كمال عدوان على الفور.

وحصلت الجزيرة على مشاهد خاصة تظهر تكدس النساء والأطفال الجرحى في أحد ممرات المستشفى، بعد تعرض جميع غرف وأقسام المستشفى لإطلاق نار وقصف مدفعي من الآليات الإسرائيلية المتوغلة في محيط المستشفى بمشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة.

وأظهرت صور، قيام قوات الاحتلال بإطلاق النار في اتجاه المستشفى بشكل مباشر، حيث يوجد داخل المستشفى عشرات من الكوادر الطبية والجرحى والمرضى من الأطفال والنساء.

إسرائيل قتلت أكثر من 45 ألف فلسطيني في غزة معظمهم أطفال ونساء (الفرنسية)

وقد قال مدير مستشفى كمال عدوان الدكتور حسام أبو صفية، إن الاحتلال الإسرائيلي يقصف المستشفى بشكل مباشر ودون سابق إنذار، مشيرا إلى أن الاحتلال طلب إخلاء المستشفى خلال ساعات. وحمّل أبو صفية المجتمع الدولي مسؤولية ما ترتكبه قوات الاحتلال في غزة.

إعلان

من جهته، أعلن المدير العام لوزارة الصحة في غزة الدكتور منير البرش أن وضع المستشفى "كارثي" مع تعرضه لهجوم إسرائيلي "غير مسبوق"، مضيفا أن الاحتلال استهدف المستشفى بنيران القناصة وإطلاق القذائف من الدبابات على أقسامه المختلفة.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يواصل الاحتلال استهداف المستشفى، بما يسفر عن وقوع شهداء وجرحى بين المرضى وأفراد الطواقم الطبية، بالإضافة إلى إلحاق أضرار كبيرة فيه.

وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة خلّفت قرابة 153 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.

وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.

مقالات مشابهة

  • محاصرون بمستشفى كمال عدوان بغزة: نواجه خطر الموت ولا نستطيع دفن الشهداء
  • مدير المنظمات الأهلية الفلسطينية: إخلاء مستشفى كمال عدوان ينهي أي مظهر للحياة بغزة
  • قوات الاحتلال تلقي قنابل حارقة على مولدات الكهرباء في مستشفى كمال عدوان بغزة
  • المحتل الصهيوني يقصف مجددا مستشفى كمال عدوان بغزة
  • مدير المستشفيات الميدانية بغزة: مستشفى كمال عدوان تحت تهديد الاحتلال الإسرائيلي
  • الاحتلال يقصف مدرسة تؤوي نازحين بغزة ويستهدف مستشفى كمال عدوان
  • الصحة بغزة: هجوم صهيوني غير مسبوق على مستشفى كمال عدوان
  • وزارة الصحة بغزة: جيش الاحتلال يطالب بإخلاء مستشفى كمال عدوان
  • حماس: اتفاق وقف النار بغزة قريب ما لم تضع إسرائيل شروطا جديدة
  • مصر تقدم مساعدات إنسانية وصحية للمتواجدين في مستشفى العودة بغزة