مقدمة الترجمة:

تواجه الصين أزمة كبرى في توفير التقنيات والشرائح المتقدمة اللازمة لتغذية قطاعها العسكري، بعد القيود المتزايدة التي فرضتها الولايات المتحدة على تصدير الشرائح. لكن بكين لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الأزمة حيث تُعِد خطة بديلة للالتفاف على القيود الأميركية من خلال المراكز الوسيطة في آسيا وأهمها سنغافورة.

في مقالهما المنشور بمجلة "ديفينس وان" يحدثنا مات برازيل وبيتر سينغر عن خطة بكين للالتفاف على قيود الشرائح.

نص الترجمة:

لطالما اعتمدت الصين على الشرائح الإلكترونية المُصنَّعة في الخارج من أجل جهودها الحثيثة لتعزيز أمنها القومي، التي أثمرت حواسيب عملاقة (Supercomputers)، ونظام رقابة محليا، وأنظمة ذكاء اصطناعي. وبينما يعكف صناع القرار الأميركيون هذه الأيام على الحدِّ من تدفُّق التكنولوجيا المتطورة إلى الصين، تحاول الأخيرة تسريع وتيرة إنشاء صناعتها الوطنية الخاصة لإنتاج الشرائح الإلكترونية، وتحاول أيضا تطوير سُبُل خاصة للالتفاف على قيود تصدير الشرائح إلى الصين.

على مدار ثلاثة عقود، أتاح النموذج الذي عملت به الشركات الغربية لوسطاء كثيرين أن يبيعوا ويشتروا بسهولة الشرائح الإلكترونية الصغيرة جدا المُستخدمة في الحواسيب العملاقة، ومن ثمَّ عبَّدوا الطريق لوصولها إلى جهات "محظورة" وخاضعة للعقوبات الأميركية. على سبيل المثال، استُخدِم "زيون"، وحدة المعالجة المركزية متعددة النوى (Multi-core CPUs) الخاصة بشركة "إنتل" الأميركية، في بناء الحاسوب العملاق "تيانهِه-2" الصيني، وهو الأسرع من نوعه في العالم، حيث أُعلِن عنه عام 2013، وتمتلكه الجامعة الوطنية للتكنولوجيا الدفاعية وتستخدمه في طيف واسع من بحوثها العسكرية.

النموذج الصيني

يتكوَّن نموذج الأعمال الصيني من أربعة عناصر؛ أولها أطقم العاملين في الشركات الصينية بأقسام المبيعات والهندسة والإدارة العُليا، وكلهُم تقريبا من مواطني الصين، وثانيها شركات تصنيع الحواسيب مثل "لينوفو" و"هاير" وغيرهما، التي تشتري الشرائح الإلكترونية بكميات ضخمة ثم تبيعها أحيانا من جديد في السوق، وثالثها إمبراطوريات الإلكترونيات الضخمة في الصين، وهي أسواق كبيرة لبيع وشراء الإلكترونيات، منها "عالم هواتشيانغ للإلكترونيات" بمدينة شِنزِن، وأخيرا مُوَزِّعو الإلكترونيات (المعروفون اختصارا في الصين بـ"ديستيس")، الذين يعيدون بيع وحدات المعالجة المركزية ووحدات معالجة الرسومات (GPU)، مثل عملاق صناعة أشباه الموصِّلات "Advanced Micro Devices" المعروفة اختصارا بـ"AMD"، حيث تمتلك الشركة 32 جهة توزيع مُصرَّحا لها بالعمل داخل الصين، وهي كيانات أصغر حجما تعمل في المجال نفسه. ولنقارن ذلك بشركة "إنتل" الأميركية نفسها، التي لا تملك سوى 11 جهة توزيع فحسب داخل الصين.

يُعزِّز النموذج الغربي المفتوح قيمة المبيعات رُبع السنوية، ويتفق تماما مع توقعات أصحاب الأسهم في ذلك القطاع. بيد أن هذا النموذج نفسه يُضعف القيود التي يُفترض أن تمنع نقل التكنولوجيا إلى جيش التحرير الشعبي الصيني وغيره من جهات صينية محظورة وفقا للقوانين الغربية. ففي ظل النظام الحالي، يقوم مواطنون صينيون يعملون في جهات محلية بإبرام صفقات بيع مباشرة لصالح شركات الحواسيب الصينية الكُبرى مثل "لينوفو"، أو يبيعونها لصالح موزعي الإلكترونيات داخل الصين. وتجدر الإشارة إلى أن مديري المبيعات في الصين، الذين يتفاعلون مباشرة مع المستخدم النهائي الصيني، هُم أنفسهم صينيون، ويخضعون للقانون الصيني دون التزام بأي قواعد تضعها الشركات العالمية الكبرى.

حين وضعت واشنطن قيودا جديدة على تصدير الشرائح الإلكترونية الأحدث والأسرع، وكذلك على تصدير معدات تصنيع أشباه الموصلات المتطورة؛ انكمشت المساحة المتاحة لعمليات نقل التكنولوجيا إلى الصين بطولها وعرضها. (الجزيرة)

يتيح هذا النظام إذن بابا سهلا لجهات عديدة على قائمة الكيانات المحظورة أميركيا، كي تستفيد في النهاية من عمليات النقل السري للتكنولوجيا الغربية. وباستخدام الوسطاء المحليين، تمتلك تلك الجهات فرصا عديدة لإخفاء عمليات الشراء الخاصة بها وسرقاتها للتكنولوجيا الحسَّاسة. والأخطر من ذلك أن هؤلاء الوسطاء أيضا ضالعون في انتشار تكنولوجيا الحواسيب الأميركية مؤخرا بكوريا الشمالية.

ولكن منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين وضعت واشنطن قيودا جديدة على تصدير الشرائح الإلكترونية الأحدث والأسرع، وكذلك على تصدير معدات تصنيع أشباه الموصلات المتطورة؛ انكمشت المساحة المتاحة لعمليات نقل التكنولوجيا إلى الصين بطولها وعرضها، وليس فقط لمؤسساتها الضالعة في إنتاج الأسلحة كما كان الحال في السابق. ورغم أن الوسطاء المحليين لا يزال بوسعهم نقل منتجات التكنولوجيا الأقدم، فإن حرمان السوق الصيني بأسره من الشرائح الأحدث يقلص احتمالية أن يقوم أحد هؤلاء الوسطاء بنقلها إلى الجيش أو الدولة الأمنية في الصين بدلا من بيعها لمستخدمين مدنيين.

خطة الالتفاف تُعَدُّ سنغافورة مركز الشحن العابر الأول في العالم، استغلها البعض أحيانا من أجل أنشطة إعادة التصدير غير القانونية للتكنولوجيا المُقيَّدة والسلع الخطِرة. (شترستوك)

بيد أن حلفاء بكين في طهران وبيونغ يانغ يُعَدُّون مثالا للصين في كيفية استخدام العلاقات التجارية الودية مع دول أخرى للالتفاف على العقوبات الأميركية. فقد طوَّرت إيران مؤخرا الحاسوب العملاق "سيمورق" باستخدام مكوِّنات أميركية نُقلَت إليها بطرق غير قانونية عبر جهات ثالثة وشركات وهمية في الإمارات وماليزيا. وكانت ماليزيا ذات يوم معقل شركة "غلوكوم" الكورية الشمالية، التي باعت معدات عسكرية حتى كُشِف عنها عام 2017. علاوة على ذلك، عملت شركات كوريا الشمالية سِرّا في أفريقيا طيلة عقود حتى بدأ الكشف عنها الواحدة تلو الأخرى وإدراجها على قائمة العقوبات.

بالنسبة للصين، فإن إحدى أهم السُّبُل للالتفاف على القيود الأميركية هي جوارها المباشر. لم تعُد هونغ كونغ تلعب الدور الذي لعبته سابقا في توفير سوق لإعادة توجيه المنتجات التكنولوجية إلى الصين. كما أن الثغرة القائمة سابقا في قيود أميركا على تصدير أشباه الموصلات إلى جزيرة ماكاو وقطاعها التكنولوجي المُزدهِر سُدَّت في يناير/كانون الثاني الماضي. بيد أن شركات التكنولوجيا الصينية قد بدأت تتدفَّق مؤخرا إلى سنغافورة وغيرها من بلدان جنوب شرق آسيا بالتزامن مع طفرة في صناعة أشباه الموصلات في المنطقة، وذلك في مسعى جديد لتفادي العقوبات الأميركية.

تُعَدُّ سنغافورة مركز الشحن العابر الأول في العالم، ولطالما كانت بلدا محايدا في صراعات كثيرة، ومن ثمَّ استغلها البعض أحيانا من أجل أنشطة إعادة التصدير غير القانونية للتكنولوجيا المُقيَّدة والسلع الخطِرة. وتشمل الأمثلة على ذلك المِجَسَّات الهوائية العسكرية ووحدات الاتصال الراديوية التي شُحِنَت إلى إيران في عام 2013، وكذلك مكوِّنات العبوات الناسفة التي وُجِدَت في العراق، وأمكن اقتفاء أثرها وتحديد منشأها الأصلي في سنغافورة عام 2016. لقد أفادت الصين من سنغافورة أيضا، بما في ذلك قضية تعود إلى عام 2021، حين حكمت وزارة العدل الأميركية على مواطن صيني بتُهمة التجسس لتهريبه مكوِّنات إلكترونية إلى الصين عن طريق سنغافورة. وبموجب التحولات الجارية مؤخرا، يزداد احتمال أن تنقل الصين وِجهة التجارة السرية للتكنولوجيا المرتبطة بالشرائح الدقيقة إلى جنوب شرق آسيا.

في الوقت الراهن، لا يبدو أن الولايات المتحدة على استعداد كامل لمواجهة هذا التحدي، ولا تمتلك وزارة التجارة الأميركية سوى مسؤول واحد على الأرض لمراقبة الصادرات في منطقة جنوب شرق آسيا وأستراليا بأسرها، ما يشي لنا بأن الوكالات الحكومية الأميركية المعنية بتقييد الصادرات التكنولوجية المتطورة إلى الصين ستكون في حاجة إلى الاستعداد للعبة الكبيرة القادمة في عالم نقل التكنولوجيا والتحكُّم في الصادرات.

_____________________________________

ترجمة: ماجدة معروف

هذا التقرير مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أشباه الموصلات إلى الصین على تصدیر فی الصین

إقرأ أيضاً:

سامسونج تواجه تحديات كبيرة في سباق ريادة صناعة الشرائح مع TSMC وSMIC

تعد أزمة  تصنيع الشرائح الالكترونية ازمة عالمية تحاول شركات الالكترنية الكبرى تجاوزها، فعلى سبيل المثال تصل حصة  الشركة الرائدة عالميًا TSMC في صناعة الشرائح  إلى 65% ، حيث يشمل  أبرز عملائها شركة  آبل، Nvidia، MediaTek Qualcomm، وحتى Intel.

 وحسب “phonearena”  تمتلك سامسونج بالمقاب  حصة سوقية تبلغ حوالي 18%، مما يجعلها في المركز الثاني، لكن الفارق بينها وبين المركز الثالث بدأ يتضاءل.

الصعود السريع لـ SMIC

ورغم العقوبات الأمريكية والهولندية التي منعت SMIC الصينية من الحصول على آلات الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى (EUV)، استطاعت أن تحتل المركز الثالث بحصة سوقية تقل فقط بمقدار 3.3 نقاط مئوية عن سامسونج في الربع الثالث من هذا العام، مقارنة بفارق 5.8% في الربع الثاني من عام 2024.

تسريبات تكشف أسعار هواتف سامسونج المنتظرة Galaxy S25مواصفات لم يسبق لها مثيل .. سامسونج تغو الأسواق بهاتف جديديتفوق على آيفون.. سامسونج تغزو الأسواق بهاتف جديدمشكلة العائد والإنتاج

قد تكون سامسونج سباقة في استخدام ترانزستورات Gate-all-around (GAA) في تصنيع الشرائح بتقنية 3 نانومتر، إلا أنها لم تحقق الطلب المطلوب لخدماتها بهذه التقنية. 

تعتمد تقنية GAA على استخدام رقائق نانوية أفقية موضوعة بشكل عمودي، مما يسمح بتغطية القناة من جميع الجوانب الأربعة. 

تقلل هذه التقنية تسرب التيار وتحسن أداء الرقائق وكفاءتها في استهلاك الطاقة.

ولكن التحدي الأكبر لسامسونج هو انخفاض معدل العائد (Yield)، أي نسبة الشرائح القابلة للاستخدام من إجمالي الإنتاج. 

وعلى سبيل المثال، يتراوح معدل العائد لتقنية 2 نانومتر لدى سامسونج بين 20%-30%، بينما وصلت TSMC في تجاربها إلى 60%، وهو قريب من 70% المطلوبة لبدء الإنتاج الضخم، حيث يعني انخفاض العائد ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما يدفع العملاء لتفضيل المنافسين.

الخطة الجديدة تحت قيادة هان جين-مان

قامت سامسونج بترقية هان جين-مان إلى منصب رئيس قسم الشرائح، خلفًا لدوره التنفيذي في مرافق تصنيع الشرائح في الولايات المتحدة. 

التحديات القادمة

ويتطلب رفع معدل العائد استثمارات كبيرة في التكنولوجيا والبحث والتطوير، بينما قد لا يكون الطلب على التقنيات القديمة كافيًا لتعويض الفجوة التنافسية مع TSMC.

مقالات مشابهة

  • صحيفة سويسرية: "جروس يواجه أزمة كبيرة بعد عودته لـ الزمالك"
  • سامسونج تواجه تحديات كبيرة في سباق ريادة صناعة الشرائح مع TSMC وSMIC
  • ‏إسرائيل تعلن أنها ستغلق سفارتها في دبلن بسبب السياسات المعادية التي تنتهجها الحكومة الأيرلندية
  • بعد اشتباكات بين مسلحين في الزاوية..النفط الليبية توقف تصدير النفط
  • بلينكن: واشنطن كانت على اتصال مباشر مع المجموعة التي أطاحت بالأسد
  • الاستراتيجية الأميركية التي ينبغي أن تتخذها إدارة ترامب المقبلة تجاه ملف اليمن؟
  • روسيا تحظر تطبيق المراسلات الإلكترونية "فايبر" بسبب "انتهاكات قانونية"
  • ساتورو ناجاو: عزل رئيس كوريا الجنوبية جاء بسبب التداعيات التي حدثت مؤخرا
  • ديفيد بيرديو.. عدو الصين الذي رشحه ترامب سفيرا لأميركا في بكين
  • ما الأجسام الطائرة الغامضة التي تم رصدها فوق نيوجيرسي الأميركية؟