مغني راب فرنسي في مسيرة بباريس: دفنت الشمس نفسها تحت غزة
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
فاجأ مغني الراب الفرنسي، كيري جيمس، المشاركين في مسيرة داعمة لفلسطين، في العاصمة الفرنسية باريس، أمس السبت، بأداء أغنية منددة بجرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
ووثق مقطع فيديو، نشر على منصات التواصل الاجتماعي، مداخلة مغني الراب كيري جيمس، التي أدى فيها أغنية بطابع الأسلوب الحر أو "فري ستايل" المعروف في فن الراب، وندد فيها بعدوان الاحتلال على قطاع غزة.
???????? KERY JAMES DÉNONCE LES BOMBARDEMENTS À GAZA
« (…) Les hôpitaux deviennent des cimetières, le sang fait rougir les rivières,
J'ai vu la paix sur une civière, le visage blanchi de poussière.
Perdu dans des fosses communes, la raison ne trouve plus de tribune,
J'ai vu du… pic.twitter.com/5hyL6MkjAK
— Révolution Permanente (@RevPermanente) December 2, 2023
ويصف كيري جيمس الحال عبر أغنيته قائلا: "لقد دفنت الشمس نفسها.. فقدت النجوم انحرافها وتسألني عن حالي، أريد أرقام الموتى المجهولين.. عندما تسكت شفاه العالم ويغلق الباب في وجهك.. حتى المهرجون لا يفقدون ابتسامتهم أبدا ويجدون ألف سبب للموت والشمس مدفونة تحت الركام والقمر محتضن بين ذراعيه لكن أنت يا والدي تسألني كيف تسير الأمور؟ عندما تكون العدالة خجولة والسلام موجود في القش نحن نخلق سعادة مزيفة".
وختم أغنيته قائلا: "المستشفيات أصبحت مقابر، والدماء تحوّل الأنهار إلى اللون الأحمر، رأيت السلام على نقالة، ووجهه أبيض من الغبار. تائهين في المقابر الجماعية، ولم يعد العقل يجد منبرا، رأيت الدم على الحمامة الضائعة، وسمعت أصوات (أحبك) تحت القنابل. دفنت الشمس نفسها تحت غزة، واحتضن القمر بين ذراعيها، فقدت النجوم بريقها، وتسألني "كيف حالك؟".
ويعتبر كيري جيمس، أحد أشهر فناني الراب في فرنسا حيث اشتهر بأغانيه المنددة بالعنصرية في البلاد، والممجدة لنضال السود وتعظيم النضال التحرري ضد الاستعمار.
ولم يكن جيمس هو فنان الراب الوحيد الذي أعلن دعمه لغزة ورفضه لمذابح إسرائيل في القطاع فقد سبقه مغني الراب الأميركي ريد فيل، الذي قرأ مجموعة أسماء الأطفال الذين استشهدوا منذ بداية الحرب على غزة خلال حفله ضمن مهرجان كامب فلوج جناو.
وتوشح "ريد فيل" بالكوفية الفلسطينية خلال الحفل الذي أقيم في 11 و12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وحضره آلاف الشباب في مقاطعة برينس جورج بولاية ماريلاند، وعلق على الأسماء قائلا: "ورائي قائمة بأسماء الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، ومع الأسف لم يصل أحد في هذه القائمة السوداء إلى سن الرابعة".
most important part of my set yesterday. watch ???????? pic.twitter.com/fEq32zTSTc
— playing w/ fire out now (@redveil) November 13, 2023
وحث مغني الراب ذو الـ19 عاما الجمهور على الاتصال بممثليهم والمطالبة والتوقيع على مدونة وقف إطلاق النار عبر موقعها الإلكتروني، وقال في الفيديو: "وقف إطلاق النار ليس أمرا معقدا، لا تدع أحد يخبرك بهذا الهراء"، وهتف ومعه الحشود مرددين "فلسطين حرة"، ورفع العازف خلفه علم فلسطين بينما يعزف موسيقى جنائزية.
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كتب مغني الروك الإنجليزي روجر ووترز، تدوينة على منصة "إكس"، طالب فيها بوقف المجازر المرتكبة بحق الأطفال في فلسطين وقال: "بحق محبة اللّه! توقفوا عن قتل الأطفال!".
FOR THE LOVE OF GOD! STOP KILLING THE CHILDREN! pic.twitter.com/K7Nho6jg7H
— Roger Waters ✊ (@rogerwaters) October 30, 2023
وأرفق ووترز التدوينة، بمقطع فيديو يبرز أداءه لأغنية "اترك القدس" أثناء حفله في 28 أكتوبر/تشرين الأول بالعاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو. وكُتب على الشاشات الكبيرة في محيط منصة الحفلة "أوقفوا الإبادة العرقية".
وارتفع عدد الشهداء في قطاع غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية إلى 15 ألفا و523، وبلغ عدد المصابين 41 ألفا و316، وفقا لما أعلنه المتحدث باسم وزارة الصحة في القطاع الدكتور أشرف القدرة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مغنی الراب
إقرأ أيضاً:
سرديات الخراب: كيف تعيد الحرب إنتاج نفسها في السودان؟
إنه الارتطام الأخير في سلسلة الارتطامات التي لم تكن سوى استكمالٍ لسردية الطغاة الذين يقتاتون على هشاشة البنية التاريخية لهذا المكان.
منذ اللحظة التي استُبيحت فيها الخرطوم ومدن الجزيرة والنيل الأزرق وغرب السودان تحت وطأة البنادق التي جيفت خطاها في شوارع صنعها المقهورون بعرقهم ودمائهم، بدا واضحًا أن المأساة ليست سوى إعادة إنتاج لحتميةٍ لم يتبقَّ منها إلا أنيابها المنغرزة في لحم المدن.
ما الذي يجعل الجلادين ينهشون بعضهم بعضًا بعد أن فرغوا من معاركهم ضد الأبرياء؟ لعل التاريخ، كما قال بنيامين، لا يسير نحو التقدم، بل هو كومة من الركام يزداد ارتفاعها مع كل طاغية جديد.
فمنذ سقوط الخرطوم الأول في 1885، كان المشهد معدًّا لولادة دائمة للحروب التي لا تجد نهايتها، بل تتشكل في كل مرة وفق سرديات الهيمنة السائدة: الدين، العرق، القومية، ثم أخيرًا تلك الفانتازيا القاتلة التي تُسمى الدولة.
غير أن الخرطوم لم تسقط وحدها، بل سقطت معها آخر أوهام الاستقلال، فالدولة الوطنية التي بُنيت على أنقاض الاستعمار لم تكن سوى استبدال مباشر للسيد الأبيض بسيد محلي لا يقل عنه تعطشًا للهيمنة.
كانت السلطة منذ البدء مشروعًا قمعيًا، تُعاد صياغته وفق مقتضيات اللحظة، لكن جوهره ظل ثابتًا: السيطرة عبر القوة، وتبرير تلك السيطرة عبر سرديات تبدو منطقية في ظاهرها، لكنها لا تصمد أمام التفكيك النقدي العميق.
حين وقعت ثورة ديسمبر 2018، كان ثمّة رهان على أن التاريخ قد انحرف أخيرًا عن مداره المعتاد، وأن القوى المدنية، ولأول مرة منذ 1956، قد أصبحت قادرة على كسر احتكار العسكر لمصير البلاد. لكن سرعان ما تبدّد هذا الوهم، ليس لأن الثورة لم تكن أصيلة، بل لأنها كانت تحاول زرع بذور المستقبل في أرض صلبة من اختزال الصراعات داخل ثنائية الخير والشر، متناسيةً أن من يدير آلة القمع ليس مجرد جنرال، بل بنية متشعبة تمتد من السوق إلى الجامع، ومن المنهج الدراسي إلى التلفزيون الرسمي، ومن دور الفقه إلى غرف العمليات في السفارات الأجنبية.
لم يكن العسكر وحدهم من انقضّ على الثورة، بل كان معهم تحالف كامل من الطامحين لوراثة الخراب، كلٌّ وفق رؤيته الخاصة لمستقبل الهيمنة. رجال الأعمال الذين كوّنتهم سنوات التمكين، سماسرة الحرب، زعماء الطوائف الذين لا يعيشون إلا في ظل الفوضى، والنخب التي لم تتردد لحظة في بيع الوهم للشعب مقابل موطئ قدم في مائدة السلطان.
وهكذا، كان الانقلاب على الثورة تحصيل حاصل، فلم يكن ممكنًا لنظام عسكري-رأسمالي-أيديولوجي أن يسمح بظهور نموذج جديد للحكم يهدد مصالحه.
في مساء الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، حين انقلب البرهان وحميدتي على الشراكة الهشة، لم يكن ذلك انقلابًا ضد الوثيقة الدستورية فحسب، بل كان إعلانًا صريحًا بأن المؤسسة العسكرية، التي تشكلت عبر عقود من التحالف بين الدولة العميقة والجبهة الإسلامية، لن تسمح بتحول السودان إلى فضاءٍ مدني. كان ذلك تأكيدًا على أن الهيمنة لا تعترف إلا بالقوة، وأن السردية الوحيدة المقبولة هي تلك التي تخرج من فوهة البندقية.
لكن، مثل كل الطغاة الذين ينسجون نهايتهم بأيديهم، لم يدرك الرجلان أن استيلاءهما المشترك على السلطة ليس سوى بداية لمعركة شرسة بينهما. فالقوة، كما يعلم كل من قرأ غرامشي، لا يمكن أن تظل مقسّمة بين مركزين متصارعين دون أن يحاول أحدهما ابتلاع الآخر. وهكذا، بين ليلة وضحاها، تحولت الشراكة إلى تنازع، ثم إلى قطيعة، ثم إلى الحرب.
ولأن لكل حرب سردياتها، بدأ كل طرف في إعادة تشكيل ماضيه ليناسب طموحاته. البرهان، وريث المؤسسة العسكرية التقليدية، استعاد خطاب “الدولة” و”المؤسسة”، مستندًا إلى علاقاته القديمة مع القاهرة ورياض الانقلابات، محاولًا إقناع العالم بأنه الامتداد الطبيعي لعسكر ناصر والسادات والبشير. أما حميدتي، ابن الهامش الذي صعد من بؤس دارفور إلى قلب الخرطوم، فقد حاول أن يعيد اختراع نفسه كمنقذٍ من الطغيان، متقمصًا دور الثائر ضد البيروقراطية العسكرية التي همشته رغم خدماته الطويلة لها، مستعينًا بحلفائه في العواصم البعيدة التي رأت فيه وكيلًا مثاليًا لمصالحها.
لكن كلا السرديتين لم تكونا سوى محاولتين لإخفاء الحقيقة: أن الحرب ليست صراعًا على المبادئ، بل هي معركة بين شبكتين من المصالح، تتداخل فيهما حسابات الذهب مع خطوط الإمداد الإقليمي، وتتحرك فيهما المواقف وفق الرياح القادمة من أبوظبي والخرطوم وباريس. فمنذ متى كان البرهان ديمقراطيًا؟ ومنذ متى كان حميدتي نصيرًا للثورة؟
إن استدعاء ماركس هنا ليس ترفًا، فالسودان اليوم هو النموذج الحي لما وصفه في الثامن عشر من برومير، حيث يعيد التاريخ نفسه أولًا كمأساة، ثم كمهزلة. فالجيش، الذي كان يفترض أن يكون أداةً لحماية البلاد، أصبح هو نفسه العدو الأول لها. والدعم السريع، الذي بدأ كأداة لقمع الهامش، صار وحشًا يلتهم المركز. وفي كل هذا، يبقى المدنيون، الذين ملأوا الشوارع بأحلامهم، مجرد مشاهدين لمسرحية تُكتب فصولها بالدماء، وقودًا لسرديات تُصاغ في أروقة مراكز النفوذ العالمية، بين تقارير الاستخبارات وحسابات شركات السلاح.
ما العمل إذن؟ هل نقول مع برناردو في افتتاحية هاملت: “ثمة شيء عفن في مملكة الدنمارك”؟ أم نستدعي فرانز فانون لنفهم كيف أن النخب الفاشلة تظل تعيد إنتاج الاستعمار بأدوات وطنية؟ أم نعود إلى ألتوسير لنتأمل كيف أن مؤسسات الدولة الأيديولوجية تخلق مواطنين مستعدين لتكرار المأساة إلى ما لا نهاية؟
ربما لا نحتاج إلى أيٍّ منهم، فالحقيقة أبسط من ذلك: ما لم يتم تفكيك الدولة العميقة التي جعلت من الجيش والميليشيا صنوان، وما لم يتم إعادة تعريف العلاقة بين السلطة والمجتمع خارج منطق القوة، وما لم تدرك الأجيال الجديدة أن الثورة لا تُختزل في مظاهرة، ولا في بيان، ولا حتى في حكومة مدنية، بل هي عملية طويلة من تفكيك البنى المهترئة وإعادة بناء مفهوم الدولة من الأساس، فإن هذه الحرب لن تكون الأخيرة، بل مجرد فصل جديد في الحكاية التي لا تنتهي
zoolsaay@yahoo.com