لسنا معادين للسامية.. معركة فنانين ومثقفين في ألمانيا لأجل الحق في التعبير
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
برلين – لأجل البدء في معركة قضائية ستكون مطولة ضد بلدية برلين، احتاج المركز الثقافي "عيون" إلى مبلغ 72 ألف يورو من المتبرعين المؤمنين بحرية التعبير وحرية الفن في ألمانيا، و لم تمر سوى بضعة أيام على إطلاق حملة التبرعات، حتى تمكن المركز من جمع مبلغ أكبر.
التبرعات هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للمركز الثقافي الموجود في ضاحية "نيوكولن" حيثُ تعيش جالية عربية كبيرة، وذلك بعد قرار مجلس الشيوخ في المدينة (الهيئة التنفيذية) وقف تمويل المركز، إذ كان يقدم له مليون يورو سنويا لدعم أنشطته التي تتركز على دعم المشاريع الفنية والثقافية من زاوية إنهاء الاستعمار ودعم الأصوات النسوية والمهاجرة.
وبحسب إدارة المركز، فإن سبب وقف الدعم هو احتضان المركز لندوة لجمعية "الصوت اليهودي لسلام عادل في الشرق الأوسط"، الداعمة لحقوق الفلسطينيين ولحركة المقاطعة "بي دي إس" (BDS). وعلمت إدارة مركز أن مجلس المدينة يخطط لإغلاقه في أجَل 5 أسابيع، لتقرر طرق أبواب القضاء.
في هذا السياق، تقول مديرة المركز لونا سبو "تم ربط تلك الندوة وكذلك مركزنا بمعاداة خفية للسامية، بدون إجراء أيّ تحقيق في هذا الادعاء"، مضيفة أن قرار مجلس برلين بوقف التمويل "يتعارض مع وعده بضمان الدعم المالي حتى نهاية عام 2025 على الأقل".
من جانبه، نقل موقع "تاغز شبيغل" أن المجلس لم يعلن رسميا عن إلغاء التمويل، لكنه يناقش منح البناية المملوكة للدولة إلى جمعية أخرى، خصوصا إثر ارتفاع الانتقادات تجاه أنشطة المركز فيما يخصّ استضافة أنشطة تنتقد إسرائيل بقوة.
وأكد الموقع الألماني أن المجلس وعد المركز الثقافي بدعم يصل إلى 2025، بينما يقول المجلس إن الوعد غير ملزم، ويمكنه إنهاء التمويل هذا العام.
لونا سبو مديرة المركز الثقافي "عيون" في برلين: تم ربط مركزنا بمعاداة السامية بدون تحقيق (الجزيرة) إلغاء متكررقرارات السلطات الألمانية لا تعني فقط "إنهاء عمل عدد من الفنانين، ولكن كذلك إغلاق فضاءات للمشاركة الثقافية"، بحسب لونا سبو، مستدركة أن هذه "القرارات التعسفية جزئيا هي دعوة للاستيقاظ من أجل حرية التعبير والتنوع الثقافي في ألمانيا".
لكن الأمر لا يخصّ فقط هذا المركز، فقد ألغت السلطات الألمانية في عدة مدن دعوة فنانين وكتاب وأساتذة جامعيين بسبب آرائهم، كما حُظرت عدة أنشطة خلال الأسابيع الأخيرة.
وباتت قرارات الإلغاء باتهامات "معاداة السامية وكراهية إسرائيل" خبرا شبه يومي في ألمانيا منذ بداية عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، خصوصا أن برلين تعتبر أمن إسرائيل ودعمها "مصلحة وطنية عليا".
وأحصت الجزيرة نت إلغاء 10 فعاليات على الأقل خلال الأسابيع الماضية لهذه الأسباب. منها إلغاء متحف في إيسن (غرب البلاد) عرضا فنيا لأنيس دوبلان، وهو فنان من دولة هاييتي بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين. وكذلك فَعل معرض في مدينة ساربروكن (غرب) مع الفنانة اليهودية الجنوب أفريقية كانديس بريتس، التي انتقدت إسرائيل بقوة مؤخرا.
كما استقال فريق معرض "دوكومنتا" للفن الألماني المعاصر، بشكل جماعي، للضغوط الكبيرة التي تعرض لها، خصوصا إثر جدل توقيع أحد أعضائه على عريضة لمقاطعة إسرائيل. وأشارت رسالة الاستقالة إلى استحالة "تنظيم عرض فني يسمح بوجهات نظر وتصورات وخطابات متنوعة".
مجلة التايم اختارت المصور شاهيدول علام، من بنغلاديش واحدا من شخصيات عام 2018، المعروف بدعم فلسطين (غيتي) حركة مقاطعة إسرائيلوقد يصل الأمر إلى الأدب، كإلغاء حفل تتويج رواية الفلسطينية عدنية شبلي "تفصيل صغير" في معرض فرانكفورت، لمجرد أن الرواية تتحدث عن النكبة. كما قررت الكاتبة الألمانية البريطانية شارون دودوا أوتو، التنازل عن جائزة أدبية كانت ستحصل عليها في مدينة بوخوم هذا الشهر، بعد إعلان بلدية المدينة التحقيق في توقيع الكاتبة لنداء لمقاطعة إسرائيل عام 2015.
كما ألغت 3 مدن ألمانية فعالية "بيناليه" للتصوير الفوتوغرافي المعاصر، وهي التي كانت ستستقبل أعمال 3 مصورين من بنغلاديش. وقالت إدارة الفعالية إن أحد المصورين، وهو شاهيدول علام، قد "نشر منشورات معادية للسامية"، كما رفض حذف تعليقات "عنصرية" وهو ما لا يمكن قبوله "نظرا للمسؤولية التاريخية لألمانيا تجاه إسرائيل"، وفق تعبيرها.
علام، الذي اختارته مجلة التايم واحدا من شخصيات عام 2018، هو ناشط داعم لفلسطين، أكد أنه معادٍ للصهيونية ولكن ليس للسامية. كما تضامن معه المصوران الآخران ورفضا الحضور إلى الفعالية، كما حكم بإلغائها.
ويعود جزء كبير من قرارات الإلغاء إلى مواقف تدعم حركة مقاطعة إسرائيل، المصنفة معادية للسامية في ألمانيا منذ 2019 بقرار من البرلمان الألماني، وهو القرار الذي يدعو الولايات والبلديات الألمانية إلى الامتناع عن دعم فعاليات تنظمها هذه الحركة.
لكن القرار لا يزال يثير جدلا، وفي الوقت الذي قضت فيه المحكمة الإدارية في برلين أنه لا ينتهك القانون، فقد أصدرت 7 محاكم على الأقل قرارات لصالح نشطاء على علاقة بالحركة لتنظيم فعالياتهم في وجه منع السلطات، حسب بيان للمركز الأوروبي للدعم القانوني.
بلدية ميونخ منعت محاضرة للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي (غيتي) منع متكررمؤخرا حاولت بلدية ميونخ منع محاضرة للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي حول مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، غير أنّ المنظمين من جمعية "سلام شالوم" اتجهوا للقضاء، واستطاعوا الحصول على حكم لصالحهم، وانعقدت المحاضرة أخيرا.
وقالت جمعية "ميونخ ملونة" التي احتجت على الحدث في بلاغ لها إن المحاضرة "من المتوقع أن تتمحور حول التشكيك في حق إسرائيل في الوجود أو إنكاره، ما قد يؤدي إلى نتائج منها "نشر معاداة السامية العدوانية المرتبطة بإسرائيل"، وذكرت أن الحدث يأتي في وقتٍ "تتزايد فيه الجرائم المعادية للسامية"، وهو ما سيكون له آثار سلبية على النظام العام حسب تعبيرها.
و"قد يعتقد المرء أن ظهور مؤرخ يهودي إسرائيلي في ميونخ يجب أن يحظى بحماية خاصة، بحكم الحديث المستمر عن حماية اليهود في ألمانيا، لكن محاولة بلدية ميونخ حظر المحاضرة يُظهر أن هناك مآرب أخرى تخصّ قمع الآراء"، بحسب حديث ناشط ألماني مقيم في ميونخ للجزيرة نت.
وأضاف الناشط الحقوقي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن محاولة منع المحاضرة "لا يمكن تصنيفها إلا كجزء من تضييق عام على فعاليات داعمة لفلسطين"، لافتا إلى أن الأمر يؤثر "بشكل خاص على الفلسطينيين، الذين يتم تقييد حريتهم في حرية التعبير، رغم قصف عدد من معارفهم في غزة"، وكذلك على "اليهود والإسرائيليين المتضامنين مع الفلسطينيين".
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تحاول فيها بلدية ميونخ منع محاضرة لإيلان بابي، صاحب كتاب "التطهير العرقي في فلسطين"، إذ سبق للبلدية أن ألغت حجز القاعة التي كان سيدلي فيها بمحاضرة عام 2009.
وفي وجه هذا المنع المتكرر، أكدت لونا سبو، مديرة مركز عيون الثقافي، ضرورة أن يعمل المتضررون على إعادة تنظيم أنفسهم حتى يستمروا في ظل "مشهد ثقافي عدائي". مضيفة أنه يجب -أكثر من أيّ وقت مضى- "أن نقف معا لمحاربة الادعاءات الكاذبة والسعي نحو التنوع الثقافي وحرية التعبير".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی ألمانیا
إقرأ أيضاً:
حرية التعبير في الأردن: بين قانون الجرائم الإلكترونية وضغوط المنظمات الدولية
#حرية_التعبير في #الأردن: بين #قانون_الجرائم_الإلكترونية وضغوط #المنظمات_الدولية
بقلم ا د #محمد_تركي_بني_سلامة
يعدّ قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن ضربة قوية للحريات العامة و #حرية_الصحافة، ويشكل انعكاسًا سلبيًا لصورة الأردن في المحافل الدولية، خاصةً بعد أن عبّرت العديد من المنظمات الدولية عن قلقها من تداعياته على حقوق الإنسان و #حرية_التعبير.
و تأتي هذه الانتقادات في وقتٍ يسعى فيه الأردن إلى التحديث السياسي وفتح مساحات أوسع للحوار الديمقراطي، ما يجعل هذا القانون متناقضًا مع رؤية الدولة نحو الإصلاح والتحديث .
تم تطبيق هذا القانون على عدة شخصيات بارزة، من بينهم الكاتب الصحفي #أحمد_حسن_الزعبي، الذي يُعد من الأصوات الوطنية المؤثرة.
اعتقال الزعبي بسبب آرائه المنتقدة للسياسات الحكومية عرّض الحكومة الأردنية لانتقادات واسعة من منظمات حقوقية وصحفية دولية، مما اعتبرته هذه المنظمات محاولةً للرقابة وتقييد حرية التعبير. إذ وُجهت التهم للزعبي بموجب مواد قانونية مبهمة وغير محددة تتيح للسلطات استخدام القانون بشكل تعسفي، ما جعله مثالاً حيًّا لتأثير هذا القانون على الحريات الصحفية وحرية الرأي في البلاد.
تحدثت منظمة العفو الدولية عن تأثيرات هذا القانون، معتبرةً أنه يهدف إلى تجريم النقد السياسي وقمع الأصوات الناقدة، حيث دعت السلطات الأردنية إلى إلغاء أو تعديل القانون ليكون متماشياً مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتي صادق عليها الاردن . كما أكدت أن التعبير عن الرأي حول السياسات الحكومية حق مشروع يجب على الدولة حمايته وليس قمعه. وأكدت على ضرورة إسقاط جميع التهم الموجهة إلى الصحفيين والنشطاء، وخاصةً قضية الزعبي التي أصبحت رمزًا للصحافة الحرة في الأردن.
أما منظمة “مراسلون بلا حدود”، فقد أدانت هذا القانون بشدة، مشيرة إلى أنه يشكل تهديداً لحياة وسلامة الصحفيين، ويُعد تراجعًا حقيقيًا لحرية الإعلام في الأردن. ووصفت قضية أحمد حسن الزعبي بأنها مؤشر على تدهور وضع الصحفيين وحرية الصحافة، حيث يتم استهداف الأصوات الناقدة من خلال تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية. وأكدت المنظمة أن الغموض الذي يشوب بعض مواد القانون يسمح باستخدامه كأداة قمعية تتعارض مع المبادئ الأساسية لحرية التعبير.
وقد شددت “منظمة حرية الصحافة النسائية” على أن قمع الصحفيين باستخدام مصطلحات قانونية فضفاضة أمر غير مقبول، داعية إلى توفير بيئة آمنة تضمن للصحفيين القدرة على أداء مهامهم دون خوف من العقوبات أو الانتقام. ونوهت المنظمة إلى أن التضييق على حرية التعبير يشوّه صورة الأردن ويقلل من مصداقيته كدولة تسعى إلى الديمقراطية والانفتاح، مطالبةً بإلغاء الأحكام الجائرة التي طالت الزعبي وجميع الصحفيين الذين يحاولون إظهار الحقائق للجمهور.
ومن وجهة نظر حقوقيين ونشطاء، فإن قانون الجرائم الإلكترونية يتطلب إصلاحات جذرية وعاجلة لضمان عدم استغلاله كأداة قمعية تسكت الأصوات المعارضة وتحد من حرية الصحافة. وهم يؤكدون على أن التحديث السياسي الذي دعا إليه الملك عبدالله الثاني يجب أن يكون شاملًا ويضمن حرية التعبير كحق أساسي لا يتجزأ، وأن انتقاد السياسات العامة يُعد جزءًا من الممارسة الديمقراطية التي تحترم حق الشعب في المشاركة السياسية.
وبحسب منظمة “Peoples Dispatch”، فإن تطبيق هذا القانون بطريقة صارمة يشكل تهديداً جدياً لحرية الصحافة ويؤثر على سمعة الأردن الدولية، حيث يُستخدم لملاحقة الصحفيين والنشطاء بدلًا من حماية المجتمع من الجرائم الإلكترونية الحقيقية. كما دعت المنظمة السلطات الأردنية إلى تعديل هذا القانون بما يتماشى مع المعايير الدولية لضمان حقوق الصحفيين وحماية حرية التعبير. وأشارت إلى أن مثل هذه القوانين تضعف مصداقية الدولة أمام المجتمع الدولي وتحد من فرص الأردن في جذب الدعم والاعتراف كدولة تحترم حقوق الإنسان.
في النهاية، تبقى قضية أحمد حسن الزعبي مثالًا حيًّا على معاناة الصحفيين في الأردن من التضييق، وتمثل صرخةً للحقوقيين والصحفيين للدفاع عن حرية الصحافة. إن إصلاح هذا القانون يعد خطوة ضرورية لتحقيق التحديث السياسي الذي يقوده جلالة الملك عبدالله الثاني وتعزيز صورة الأردن كدولة تحترم حرية التعبير وحقوق الإنسان، وتحقيق رؤية الملك عبدالله الثاني نحو أردنٍ أكثر انفتاحًا وحرية.