عين ليبيا:
2024-12-26@03:05:40 GMT

كيفَ يكون إيماننا فوق كل ابتلاء ومحنة؟

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

إنّ الكلام عن الإيمان عظيمُ النفعِ والحاجةِ، بل الضرورةُ ماسّةٌ إلى معرفته والعناية به معرفةً واتصافاً، وذلك أنّ الإيمانَ بالله وحده هو كمالُ العبدِ، وبه ترتفعُ درجاته في الدنيا والآخرة، وهو السببُ والطريقُ لكلِّ خيرٍ عاجلٍ وآجل، ولا يحصلُ، ولا يقوى، ولا يتمُّ إلا بمعرفةِ ما منه يُسْتَمَدُّ، وإلى ينبوعه وأسبابه وطُرُقه.

والله تعالى قد جعلَ لكلِّ مطلوبٍ سبباً وطريقاً يوصِلُ إليه، والإيمانُ أعظمُ المطالِبِ وأهمُّها وأعمُّها، وقد جعل الله له مواد كثيرةً تجلبه وتقوّيه، كما كانت له أسبابٌ تضعفه وتوهّيه.

ومواده التي تجلبه وتقوِّيه أمران: مجملٌ ومفصّلٌ:

أما المجمل فهو: التدّبُر لآيات الله المتلوّةِ من الكتاب والسنة، والتأمل لآياته الكونية على اختلاف أنواعها، والحرص على معرفة الحق الذي خُلِقَ له العبد، والعمل بالحق، فجميعُ الأسبابِ مرجعُها إلى هذا الأصل العظيم. (الأمثال القرآنية، 1 / 418).

وأما التفصيل: فالإيمان يحصل ويقوى بأمورٍ كثيرةٍ، ومن بينها:

1 ـ معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة، والحرص على فهم معانيها، والتعبّد لله بها:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ للهِ تسعةً وتسعين اسماً، مئةً إلاّ واحداً، مَنْ أحصاها دخلَ الجنّة» أيْ مَنْ حفظَها، وفهمَ معانيها، واعتقدها، وتعبَّدَ اللهَ بها دخل الجنّةَ، والجنّةُ لا يدخلُها إلا المؤمنون، فعَلِمَ أنَّ ذلك أعظمُ ينبوعٍ ومادّةٍ لحصولِ الإيمان وقوّته وثباته. ومعرفةُ الأسماءالحسنى هي أصلُ الإيمانِ، والإيمانُ يرجِعُ إليها، فكلّما ازداد العبدُ معرفةً بأسماءِ الله وصفاته ازدادَ إيمانه، وقويَ يقينُه، فينبغي للمؤمن أن يبذلَ مقدروه ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات، وتكونَ هذه المعرفة متلقّاةً من الكتاب والسنة، وما روي عن الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ، فهذه المعرفةُ النافعةُ تجعلُ المؤمنَ في زيادةٍ في إيمانه، وقوّةٍ في يقينه، وطمأنيةٍ في أحواله. (اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، ص 24).

2 ـ تدبّر القرآن الكريم على وَجْهِ العموم:

إنَّ المتدبّرَ لا يزالُ يستفيدُ من علوم القرآن ومعارفه ما يزدادُ به إيماناً، كما قال تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *} [الانفال :2] وهو العلاجُ الناجعُ لأمراضِ القلوبِ، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ *} [يونس :57] إنّه موعظةٌ من الله، وهل هناك أبلغُ من الموعظةِ الربانية؟! وأيسرُ منها؟! وأكثرُ نفاذاً إلى القلبِ والضميرِ؟! ففيه الشفاءُ لأمراضِ الشبهاتِ والشهواتِ، وأمراض الهوى والانحراف، وأمراض الشكِّ والشرك، وأمراضِ القلوبِ والنفوسِ، والجوارحِ، والحواسِ، ومشاكل السياسة والاقتصاد والأخلاق والاجتماع والحياة، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقرآن مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء :82] فهو غذاءٌ للروح، وعلاجٌ يشفي النفوسَ من عللِّها، ويكسبُها المناعةَ القويّةَ.

ومن ثمراتِ تدبُّرِ القرآن: أنّه وسيلةٌ لمعرفة ما يريدُ الله منا، وكيفيّةُ عبادَته تبارك وتعالى، ومعرفة ما أنزل الله إلينا، لأنّ القرآن الكريم منهجُ حياةِ أنزله الله عز وجل، وهو أساسُ التشريع الذي يجبُ على العبادِ أن يتدبّروه، ويلتزموا بأوامره، ويجتنبوا نواهيه ليحقّقوا عبادةَ اللهَ تعالى. (شجرة الإيمان، السعدي ص، 41).

وإذا نُظِرَ إلى انتظامِ القرآن الكريمِ وإحكامِهِ، وأنَّه يصدِّقُ بعضُه بعضاً، ويوافِقُ بعضُه بعضاً، ليس فيه تناقضٌ ولا اختلافٌ: تيقّنَ أنه {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ *} [فصلت :42] وأنّه لو كان مِنْ عندِ غيرِ الله لوُجِدَ فيه من التناقضِ والاختلافِ أمورٌ كثيرة، قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا *} [النساء :82]. وهذا مِنْ أعظمِ مقوّيات الإيمان، ويقوّيه من وجوهٍ كثيرةٍ، فالمؤمنُ بمجرَّد ما يتلو آيات الله، ويعرف ما اشتمل عليه من الأخبار الصادقة والأحكام الحسنة، يحصل له من أمورِ الإيمانِ خيرٌ كبيرٌ، فكيف إذا أحسنَ تأمُّله، وفهمَ مقاصده وأسراره؟ ولهذا كان المؤمنون الكُمَّلُ يقولون: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [ آل عمران: 193].

3 ـ معرفةُ سيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وشمائله:

فإنَّ مَنْ عرفه حقَّ المعرفةِ لم يَرْتَبْ في صدقه، وصدقِ ما جاء به، قال تعالى: أي: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ *} صلى الله عليه وسلم توجِبُ للعبدِ المبادرةَ إلى الإيمانِ ممّن لم يؤمنْ، وزيادةَ الإيمانِ ممّن آمن به، وقال تعالى مشجِّعاً لهم على تدبّر أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم الداعية للإيمان: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ *} [سبأ :46].

وأقسمَ تعالى بكمال هذا الرسولِ، وعظمةِ أخلاقه، وأنّه أكملُ مخلوقٍ قال تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ *مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ *وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ *وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ *} [القلم :1 ـ 4] فهو (صلى الله عليه وسلم) أكبرُ داعٍ للإيمان في أوصافه الحميدة، وشمائِله الجميلةِ، وأقوالِهِ الصادقةِ النافعةِ، وأفعالِهِ الرشيدةِ، فهو الإمامُ الأعظمُ، والقدوةُ الأكملُ، وقد ذكرَ اللهُ عن أولي الألبابِ الذين هم خواصُّ الخَلْقِ أنّهم قالوا: وهو هذا الرسول الكريم بقوله {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ}، وعملِه ودينِه وجميعِ أحوالِه {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [ آل عمران: 193] أيّ: إيماناً لا يدخلُه ريبٌ، ولمّا كانَ هذا الإيمانُ مِنْ أعظمِ ما يقرِّبُ العبدَ إلى اللهِ، ومن أعظمِ الوسائلِ التي يحبُّها الله ـ توسُّلوا بإيمانهم أنْ يكفِّرَ عنهم السيئاتِ، وينيلهم المطالبِ العالياتِ قالوا: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ *} [ آل عمران: 193] ولهذا كان الرجلُ المنصِفُ الذي ليسَ له إرادةٌ إلاّ اتباع الحقِّ مجرّد ما يراه ويسمع كلامه يبادر إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم، ولا يرتابُ في رسالته، بل كثيرٌ منهم مجرَّد ما يرى وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم يعرف أنّه ليس وجه كذاب (الإيمان أولاً فكيف نبدأ به، د. الهدلي ص، 119).

4 ـ التفكّرُ في الكونِ والنظرُ في الأنفسِ:

إنَّ التفكُّرَ في الكونِ، وفي خَلْقِ السماواتِ والأرضِ وما فيهنَّ من المخلوقاتِ المتنوّعةِ، والنظرَ في الإنسان، وما هو عليه من الصفات: يقوِّي الإيمانَ، لما في هذه الموجوداتِ من عظمةِ الخَلْق الدّالِ على قدرة خالِقها وعظمته، وما فيها مِنَ الحُسْنِ والانتظام والإحكام الذي يحيِّرُ الألبابَ، الدالَّ على سَعَةِ علم الله، وشمول حكمته، وما فيها من أصنافِ المنافع والنعمِ الكثيرة التي لا تعدُّ ولا تحصى، الدالة على سَعَةِ رحمة الله وجودِه وبره، وذلك كلُّه يدعو إلى تعظيم مبدعها وبارئها وشكره، واللهج بذكره، وإخلاص الدِّين له، وهذا هو روحُ الإيمان وسرُّه.

وكذلك النظر إلى فقرِ المخلوقاتِ كلِّها، واضطرارِها إلى ربها من كلِّ الوجوه، وأنها لا تستغني عنه طرفةَ عينٍ، خصوصاً ما تشاهِدُه في نفسِك، من أدلّةِ الافتقار، وقوّة الاضطرار، وذلك يوجِبُ للعبدِ كمالَ الخضوعِ، وكثرةَ الدعاءِ، والتضرّع إلى ربه، وكمالَ الثقةِ بوعده، وشدّةَ الطمع في برّه وإحسانه، وبهذا يتحقَّقُ الإيمانُ، ويقوى التعبّد، فإنَّ الدعاءَ مخُّ العبادةِ وخالصُها (هجر القران العظيم د. محمود الدوسري ص، 567).

وكذلك الفكُّر في كثرةِ نِعَمِ الله والائه العامّة والخاصة، التي لا يخلو منها مخلوقٌ طرفةَ عينٍ، فإنَّ هذا يدعو إلى الإيمان (شجرة الإيمان، السعدي، 48)، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيات لأُِولِي الأَلْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *} [ آل عمران: 190 ـ 191].

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم قال تعالى آل عمران

إقرأ أيضاً:

صلاة هى الأفضل بعد الفرائض.. لا تتركها كل يوم

تعد صلاة قيام الليل واحدة من أعظم العبادات وأقربها إلى الله -عز وجل-، حيث تحظى بمكانة خاصة في قلوب المؤمنين، لما فيها من إخلاص وسرٍ بين العبد وربه، فهي تعكس الطمأنينة في النفوس وتعد سببًا لجلب الرضا والنور على وجوه القائمين بها.

 

 وقد أكد النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف أن صلاة قيام الليل هي أفضل الصلوات بعد الفرائض: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ».

وقت قيام الليل وفضله

يبدأ وقت قيام الليل عقب صلاة العشاء وحتى طلوع الفجر، إلا أن الثلث الأخير من الليل يعد أفضل الأوقات لقيام الليل؛ إذ ينزل الله -عز وجل- إلى السماء الدنيا في هذا الوقت ويقول: «هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟».

عدد ركعات صلاة قيام الليل

ليس لصلاة قيام الليل عدد محدد من الركعات، حيث يمكن أداؤها بركعتين كحد أدنى، مع إمكانية الزيادة حسب استطاعة المصلي. والأفضلية تكمن في الالتزام بما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث كان يصلي 11 ركعة أو 13 ركعة في قيام الليل.

كيفية صلاة قيام الليل

يُستحب أن يبدأ المصلي بركعتين خفيفتين، ثم يتابع بالصلاة ركعتين ركعتين، مع ختمها بركعة وتر إذا كان يؤديها في نهاية الليل. وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلِّم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة".

حكم قيام الليل

قيام الليل سنة مؤكدة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية. فهي وسيلة لثبات الإيمان وزيادة التقرب إلى الله -تعالى-.

 وقد ورد في القرآن: "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا" (سورة المزمل: 1).

الدعوة للالتزام بصلاة قيام الليل

تعتبر صلاة قيام الليل فرصة لا تُعوض للحصول على رضا الله ونيل الأجر العظيم. كما أنها تعكس صدق التوجه والإخلاص لله -تعالى-، خاصة في زمن غفلة كثير من الناس عن هذه العبادة. فلنحرص جميعًا على اغتنام هذا الوقت الثمين في التقرب إلى الله، فهو وقت استجابة الدعاء ومغفرة الذنوب.

مقالات مشابهة

  • الإفتاء تكشف عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
  • حقوق الطفل في الإسلام.. الإفتاء توضح
  • نصيحة من الشيخ الشعراوي لمن ابتلي بفقد حبيب أو قريب
  • من أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم
  • هل تعلم أنواع الطلاق .. تعرف على الإجابة
  • أقوى دعاء للتقرب إلى الله .. مُستجاب ومُجرّب اغتنمه
  • حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته
  • حكم تهنئة المسيحيين في عيدهم.. الإفتاء توضح
  • مظاهر تحريف الأديان
  • صلاة هى الأفضل بعد الفرائض.. لا تتركها كل يوم