لجريدة عمان:
2024-12-28@09:08:55 GMT

ثَغْر الفُرْقَة في معركة التأثير

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

من الواجب الحذر من أن يقع المرء في المهالك جرّاء انسياقه الكامل خلف انفعال عاطفي عابر، كما أن ذلك الانسياق قد يكلفه الكثير، خصوصا إن تمثَّل جل ذلك الكثير في الثقة والمصداقية، ولعل الحديث يأخذنا ضمن هذا السياق إلى القضية العالمية المعاصرة (قضية فلسطين) وتداعياتها من ردود أفعال الناس حول العالم عموما، وفي العالم العربي على وجه الخصوص، ولعل المقاطعة الاقتصادية أقوى ردة فعل تبناها كثير من الأفراد حول العالم، كما تبنتها جمعيات إنسانية وحقوقية واجتماعية؛ كلها تحاول تشكيل جبهة ضغط شعبية على داعمي الاحتلال الإسرائيلي من دول داعمة للعدوان وشركات عالمية كبرى.

إيجابيات فعل المقاطعة كثيرة مبدأها توجيه رسالة مباشرة للشركات الداعمة مفادها أن لدى المستهلك من الوعي ما يجعله يعلن بصوت جماعي أننا لن نسهم في ترويج قتل الأبرياء وتهجيرهم من أرضهم لإحلال المشاريع الاقتصادية العالمية محل وطن كامل بإنسانه وتاريخه وذاكرته، كما أن المقاطعة وسيلة ناجعة لتقييد العادات الاستهلاكية غير الصحية واستبدالها بأخرى أكثر صحية وأقل تكلفة، وانتهاء بدعم المنتجات الوطنية والعربية والإسلامية -في دائرة أوسع -إسهاما في تنمية الاقتصاد ودفعا بعجلة التنمية، على أن يكون كل ذلك دون استغلال أو احتكار إذ يحتكم سوق العرض والطلب حينها إلى وعي المستهلك وقدرته بقوة سلطة الوعي من فرض العقاب ذاته كذلك على المستهلك المحلي الجشع الذي يشبه في جشعه واستغلاله تماما كبرى الشركات المستغلة للإنسان والمستنزفة طاقاته.

لكن الوعي ذاته ينبغي أن يسلمنا لقناعات أخرى تُبنى أولاها على تقبل الاختلاف، واحترام الرأي الآخر الذي قد يخالف سلوك المقاطعة الاقتصادية إلى تصالح، بل قد يتجاوز التصالح إلى استغلال اللحظة لأسباب شخصية فكرية، أو أسباب شخصية مادية، أو حتى لاختياره المضي عكس التيار دون حاجة لتبرير ذلك بأي منطق، وما مرت قضية رأي محلي أو عالمي تاريخيا دون أن تخلق هذا التباين في الرأي وهذا الاختلاف مهما بلغت حدته أو تشكّلت وتبدّلت دوائرُ طرحه، وفي هذا السياق لا ينبغي نسيان دروس التاريخ في أن التشتيت وزرع الفرقة هي أقدم أدوات المتنفذين لإضعاف الرأي العام حول قضية يؤمن بها الأغلبية ويتحدون لنصرتها، لذلك فمن غير الحكمة الوقوع في شَرَك الفُرَقة والتشتيت كلَّ مرة، لا سيما إن تجاوزت هذه القضية حدودها المحلية والإقليمية إلى بلوغ تبنيها واعتناقها من قبل الشعوب حول العالم؛ إما بسبب من هذا الانفتاح المعلوماتي الذي نعاصر ونعيش، أو لأسباب تتعلق بتشابه الظروف التاريخية واستعادة الكثير من الشعوب المقهورة مظالمِها عبر نصرة المظلوم العصري على مسرح الواقع اليوم، والذي يمثله الفلسطيني الأعزل الذي يدافع عن تشبثه بأرضه في أسوأ الظروف المتاحة من حصار وقهر وتهجير يومي، لم يحتج الرأي العالمي حينها إلا تعزيز المشهد الدموي بهجمات دولية متصلة ساعية لتهجير السكان الأصليين، لتتابع شركات سرقة موارد الأمم عملها على جسر من الدماء وأرض من الصرخات في ذاكرة جمعية مكلومة.

حين يحدث ذلك الانتصار الشعبي العالمي لهذه القضية ولهذا الرأي لا ينبغي للشعوب حينها التناحر بينها، والانشغال بحروب رأي وهمية مصنوعة بعيدا عن جوهر القضية الأم، ومنها ما نتابع جميعا بين أبناء البلاد الواحدة، أو بين مواطني بلدان مختلفة من العالم العربي في تراشق يومي بين مؤيد ومعارض، وإلصاق التهم والسباب والشتائم بالمختلف فيما لا يتجاوز بأي حال من الأحوال مبدأ إهدار الطاقة فيما لا جدوى منه، إضافة إلى استثارة العداوة والبغضاء بين الجميع، ولا أحسب أن هذا الأوان هو أوان ذلك، بل نحن مع كل دروس غزّة التي مرت بنا أحوج إلى المحبة منّا إلى البغضاء، وإلى الوحدة منّا إلى الفرقة، وليتنا نعقل جميعا فندرك حسن التركيز على جوهر قضيتنا الأم دون خلق أية معركة جانبية لن تصل بنا إلا إلى شر لا نرجوه، وجنوح عن المسار لا تتطلبه المرحلة، وما نهدر من طاقات هنا يجدر بنا خزنها لتغذية فكرتنا الرئيسة في المقاطعة طويلة المدى كرد فعل قوي فاعل مؤثر ينبغي توظيفه وتوجيهه وتفعيل أدواته دون أن يكون مجرد انفعال عاطفي عابر قد لا تتجاوز مدته أسابيع أو حتى شهورا من العزيمة والإصرار، ولا أحسبنا سنصل لأي أثر من أي فعل إن كانت ردود أفعالنا محض استثارات عاطفية وحسب، فالصبر الصبر على صنع الأثر والمحبة المحبة بيننا أوان التحديات، والشدة الشدة على تجار الحروب مصادري قوت الشعوب.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

معركة قادمة حول السياسة المالية داخل فريق ترامب

في الأعوام الأخيرة ظلت نزاعات «حافة الهاوية» تتكرر كلما حاول الكونجرس رفع سقف الدَّين العام الأمريكي وذلك لأن أصوات الجناح اليميني تهدد بإغلاق الحكومة ما لم يستجاب إلى مطالبها.

وها نحن نشهد ذلك مجددا. ففي هذا الشهر حاول مايك جونسون رئيس مجلس النواب الجمهوري تمرير اتفاق مؤقت لرفع سقف الدين بموازنة تبلغ 6.75 تريليون دولار. لكن محاولته أفشلها الرئيس القادم دونالد ترامب ومؤيدوه بمن فيهم ايلون ماسك وفيفيك راماسوامي. فقد طالب ماسك في غضب على منصة «إكس» بعدم إجازة مشروع قانون هذا الاتفاق وأشعل بذلك مفاوضات اللحظة الأخيرة وسط تهديدات بإغلاق الحكومة.

على المستثمرين أن يضعوا في بالهم ثلاث نقاط. أولا، انتصار ترامب الكاسح في انتخابات الشهر الماضي يعني أن المعركة السياسية المهمة في عام 2025 لن تكون بين الجمهوريين والديموقراطيين في الكونجرس لكن ستدور رحاها داخل الحزب الجمهوري نفسه.

ثانيا، ستكون معركة الجمهوريين مع الجمهوريين صعبة. فرجال من شاكلة ماسك وراماسوامي يريدون إسماع أصواتهم بمهاجمة الجمهوريين في الكونجرس من أمثال جونسون عديم الحيلة.

ثالثا، ستكون السياسة المالية نقطة اشتعال مبكرة في هذه المعركة خصوصا بالنظر إلى القفزة في عائدات السندات هذا الشهر عقب تراجع بنك الاحتياطي الفيدرالي عن توقعاته بشأن تخفيضات سعر الفائدة في عام 2025.

ستكون واشنطن ميدانا لهذه المعركة. ولكن أيضا منتجع «مارا لا جو» الذي يتخذه فريق دونالد ترامب مقرا له ويعبِّر فيه الآن مرشحوه لمناصب إدارته القادمة عن وجهات نظر مختلفة بوضوح حول كيفية معالجة الدين القومي الحالي لأمريكا والذي يبلغ 36 تريليون دولار.

البعض لا يرى حاجة للذعر بشأن ركام هذا الدين ويحاجون بأن مكانة الدولار كعملة احتياط ستجبر المستثمرين الدوليين على الاستمرار في شراء سندات الخزانة الأمريكية. ترامب كثيرا ما يبدو مناصرا لهذا المعسكر. بل طالب قبل أيام بإلغاء سقف الدين.

لكن هنالك آخرون حوله أكثر توجُّسا مثل ستيف بانون كبير الاستراتيجيين السابق بالبيت الأبيض. سبب ذلك أن وزارة الخزانة سيتوجب عليها إعادة تمويل سندات بقيمة حوالي 9 تريليون دولار في العام القادم وفي وقت يشهد تصاعدا في الضغوطات التضخمية.

تعهدَ ترامب بإجراء تغييرات في السياسة المالية من شأنها إضافة عدة تريليونات أخرى للدين وفي ذات الوقت هدد بإضعاف الدولار وتقويض استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي.

هذا خليط «من السياسات» بالغ السوء ويدرك ذلك جيدا سكوت بيسنت مرشحه لتولي وزارة الخزانة. بل ما هو أسوأ أن صناديق التحوط التي يمكن أن تهرب باستثماراتها لديها دور متنام في سوق أوراق الخزانة الأمريكية. أيضا الصين، التي يمكنها اتخاذ مواقف عدائية، تمتلك رافعة نفوذ في هذه السوق.

علينا فقط أن ننظر إلى قرار بكين مؤخرا بإصدار سندات سيادية بقيمة بليوني دولار في المملكة العربية السعودية. هذا الإصدار ضئيل لكنه «وَخزَة رمزية في العين» بالنسبة لواشنطن ليس أقله لأن العائد على هذه السندات كان شبيها بعائد السندات الأمريكية.

الخلاف الثاني في «مارا لا جو» حول الضرائب. لقد تعهد ترامب مرارا بجعل قانون التخفيضات الضريبية والوظائف الذي سنَّه في عام 2017 تشريعا دائما بإعفاءاته الضريبية الضخمة على الدخل والتركة. من شأن ذلك أن يحقق مكاسب كبيرة للأمريكيين الأثرياء بمن فيهم بليونيرات عديدين في فريقه الرئاسي.

كما يريد ترامب أيضا خفض ضرائب الشركات من 21% إلى 15% في أمريكا وإنهاء الضرائب على مدفوعات الضمان الاجتماعي والبقشيش والعمل الإضافي وتمديد الائتمان الضريبي لرعاية الأطفال.

قيل لي إن بيسنت وآخرين أخبروا ترامب بأن الفجوة المالية التي تنشأ عن ذلك يمكن سدها بالنمو السريع وإيرادات الرسوم الجمركية وخفضٍ في الإنفاق الحكومي بحوالي تريليوني دولار وعد به إيلون ماسك. كما هنالك أيضا دعوات بزيادة الضريبة على المؤسسات الثرية.

لكن سيكون من المستحيل تقريبا إجراء خفض كبير في الإنفاق الفيدرالي بدون تقليص الإنفاق على الضمان الاجتماعي والدفاع والذي يبدو ترامب مترددا في القيام به. كما أن حجم أي ايراد من الرسوم الجمركية غير واضح. وقد يفضل ترامب استخدام الرسوم كوسيلة تهديد جيوسياسي أكثر من أي شيء آخر.

إلى ذلك، من المستبعد أن يسدَّ النمو لوحده الفجوة المالية. ومن الممكن أن تكون تكاليف خدمة الدين أعلى من المتوقع بالنظر إلى إشارات بنك الاحتياطي الفيدرالي بإبطاء تخفيضات سعر الفائدة.

هذا يدفع ستيف بانون إلى الدعوة لمزيد من الإجراءات الجذرية بما في ذلك رفع الضرائب. فقد خاطب حفل عشاء للجمهوريين مؤخرا بقوله «سيتوجب عليكم رفع الضرائب على الأثرياء... لكي تُحكِموا السيطرة على الدَّين المنفلت.» نعم قال ذلك حقا. والسبب؟ يعتقد بانون أن اغتيال رئيس تنفيذي لشركة تأمين مؤخرا يكشف عن غضب كبير ضد النخبة المتنفذة الآن بحيث إذا ضغط ترامب على الطبقة الوسطى مفضلا عليها الأثرياء سيكون ذلك انتحارا سياسيا من جانبه. ويعتقد أن تجاهل أسواق السندات سيكون خطيرا بالقدر نفسه.

وهكذا، يقول بانون إن على المحافظين الجدد النيوليبراليين تحمُّل العواقب السلبية لسياساتهم. (المحافظون الجدد النيوليبراليون مَن يجمعون بين السياسات الخارجية والاجتماعية للمحافظين الجدد والسياسات الاقتصادية لليبراليين الجدد- المترجم). وهو يعني بذلك وجوب أن تكون الغلبة في إدارة الأمور للقوميين الشعبويين على الجمهوريين التقليديين.

حجة بانون حول الغضب الشعبوي صحيحة تماما. لكن مشكلة ترامب هي أن رفع الضرائب سيروع الجمهوريين «التقليديين» في الكونجرس. كما سيثير سخط العديد من رواد الأعمال الأثرياء الذين دعموا ترشحه للرئاسة.

لذلك سؤال الدين العام الأمريكي (36 تريليون دولار) الذي يلوح في الأفق لا يتعلق ببساطة بمن سيفوز في هذه المعركة: هل البلوتوقراط (الأثرياء أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي) أم الشعبويون؟ إنه يتعلق بما إذا كانت سوق السندات ستظل هادئة إلى أن ينجلي الغبار وتتضح الأمور.

بكلمات أخرى المناوشة التي دارت حول سقف الدَّين قبل أيام يمكن أن تكون مجرد مقدمة وتمهيد لمعارك أكبر في عام 2025. لذلك ينبغي الاستعداد لأوقات صعبة قادمة.

مقالات مشابهة

  • الشيباني: ينبغي لم الشمل في ليبيا لقطع الطريق على مؤامرة الخراب العربي
  • فشلنا في التأثير على جوارنا الأفريقي منذ بداية الحرب
  • معركةُ الوعي
  • الأوروبي لقياس الرأي: إيران أصبحت عاجزة عن صد هجمات إسرائيل على الحوثيين
  • معركة المواجهة وشروط الانتصار
  • معركة الوعى
  • معركة قادمة حول السياسة المالية داخل فريق ترامب
  • رئيس المحامين بمكة: ‏طرح الرأي القانوني يجب أن يكون مؤسس على سند من النظام أو اللائحة أو حكم نهائي قطعي
  • فضل قراءة سورة يس.. الإفتاء توضح الرأي الشرعي
  • جمعية كتاب الرأي تستضيف الرئيس التنفيذي للسجل العقاري