مضى عامٌ كامل على وداعي الأخير لوالدتي الحبيبة عند زيارتي لها في بيتها المطل بنوافذه الغربية على مسجد (كانب الولاية) التاريخي والكنيسة التاريخية التي تجاوره «كنيسة القديس برفيروس للروم الكاثوليك» واللذان تعرضا للقصف في الحرب الإجرامية الصهيونية المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول.
وقد شهدت الكنيسة التاريخية العريقة مجزرةً بشعة راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، وشهدت المنطقة والحي الأثري العريق الذي تقيم فيه والدتي، وهو أحد أقدم أحياء غزة ويعرف باسم «غزة البلد، أو البلدة القديمة»، وتقع إلى الغرب منه على بعد أمتار المستشفى المعمداني الذي شهد هو الآخر المجزرة الوحشية التي أدت إلى ارتقاء أكثر من 500 شهيد.
وفي بيت الوالدة العامر، حيث غزة القديمة وأزقتها الجميلة والتي يحمل كل حجر فيها حكاية حضارة وتاريخ وصمود شعب بطل عنيد هزمَ جميع الغزاة والمستعمرين على مدار التاريخ.
الشهيدةفي ذلك البيت القريب أيضاً من ياحة وميدان فلسطين والمسجد العمري القديم وسوق القيصيرية وسوق الزاوية وحمام السَّمرة ودار الإمام الشافعي رضوان الله عليه، كان لقائي الوداع الأخير مع والدتي، التي تعرضَّت خلال العدوان الوحشي البربري لعدة إصابات وجروح.
لم أكن أعلم أن تلك الزيارة الوداعية عشية سفري لمصر قبل حوالي العام ستكون هي الوداع الأخير الأبدي لوالدتي الحبيبة المجاهدة الصابرة المؤمنة المحتسبة الصبورة التقية النقية.. وشتان.. شتان ما بين صور اللقاء والوداع الأخير مع والدتي في بيتها العامر بالدفء والحب والحياة والفرح، والذي تعرض لأضرار شديدة طيلة أيام العدوان وخاصة يوم العدوان الذي استهدف الكنيسة، وبين صورة اللقاء الأخير مع والدتي على أرض غزة الحبيبة الصامدة المباركة.. والوداع الأبدي.. بينما حرمني العدوان المجرم البربري الوحشي حتى من إمكانية رؤيتها أو على الأقل سماع صوتها الهادئ الخاشع قبل الرحيل.. فقط هي بضع كلمات من بعض أشقائي وأهلي وأقاربي وهم يصرخون «رحم الله والدتك استشهدت».
ولا يمكن لأحد على وجه الأرض أن يعرف حجم الفارق بين الصورتين: صورة الوداع الأخير لوالدتي الحبيبة في قلب غزة الحبيبة وعلو أرضها الصامدة.. وصورة قبر الوالدة الشهيدة، بينما تفصلنا عن القبر وصاحبته المسافات والحدود ودبابات العدو الغاصب المعتدي على أرضنا ووطننا وشعبنا وأهلنا.
لا يمكن لأحد في العالم ان يعرف حجم مثل هذا الوجع، إلا لمن عاشه ويعيشه من أبناء شعبنا المظلوم داخل وخارج وطننا المنكوب..
الحمد لله رب العالمين على اصطفاء والدتي الحبيبة مع مَنْ اصطفاهم من الشهداء الأطهار الأبرار من أهل الصبر والرباط والصمود والصبر والمصابرة والمجاهدة في غزة وعسقلان وبيت المقدس وفلسطين.
قبر الشهيدةاستشهدت أمي الحبيبة على أرض غزة، وهي التي كانت تنتظر عودتي إلى غزة لرؤيتها وزيارتها والجلوس بين يديها.. هذه السيدة المُسنَّة المؤمنة المجاهدة الصابرة المحتسبة الطاهرة الطيبة التقية النقية الصالحة الكريمة، رحلت شهيدةً وقد بلغت من عمرها 90 عاماً، وقد رفضت رغم مرضها وإصاباتها السابقة وجراحها النزوح من بيتها، وأصرت ككل الفلسطينيين الأبطال الصامدين على عدم تكرار مأساة ونكبة الهجرة واللجوء، وهي التي عاشت وعاصرت وشهدت في طفولتها مرارة الهجرة واللجوء والنكبة الكبرى عام1948 من مسقط رأسها في مدينة عسقلان المجدل المحتلة.. وقد تعرضت لأكثر من إصابة خلال العدوان البربري الصهيوني الغاشم على غزة الحبيبة المظلومة الصابرة الثكلى المنكوبة.
وعاشت عمرها كله تحلم بالعودة إلى عسقلان المحتلة بعد تحريرها، ولم يغادرها حلم تحريرها لحظةً واحدة حتى شهادتها.. رحلت والدتي الحبيبة متوضئة ناطقة للشهادة مؤدية لصلاة الفجر بوقتها عن الدنيا الفانية التي يعيث بها العدو المجرم مدعوماً بالولايات المتحدة والغرب اجراماً وعربدةً ووحشيةً وافساداً وعلواً ضد شعبنا المظلوم.
أمي لم تكن أول شهداء العدوان الصهيوني الغربي الدولي ضد غزة المظلومة المنكوبة.. أمي لن تكون آخر شهداء العدوان الوحشي ضد غزة وفلسطين.. طوبى لها ولكل الشهداء الأطهار الأبرار المظلومين في غزة والضفة والقدس المحتلة، وكل الشهداء الذين ارتقوا على طريق تحرير القدس وفلسطين.
رحمك الله أمي الحبيبة وجميع شهداء شعبنا وجميع الشهداء السائرين على درب تحرير فلسطين والقدس وأسكنك واياهم فسيح جناته ونعيمه ورضوانه.. وملتقانا الجنة بإذن الله تعالى.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
بإذن الله ملتقانا وموعدنا الجنة مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسُن أولئك رفيقاً، وإنا لله وإنا إليه راجعون..
اقرأ أيضاًصحة غزة: مجزرة جديدة للاحتلال بمخيم جباليا تسفر عن عشرات الشهداء غالبيتهم أطفال
«الصحة الفلسطينية» تكشف عن عدد شهداء العدوان على غزة حتى الآن
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فلسطين شهداء القدس المحتلة شهداء العزة
إقرأ أيضاً:
استشهاد فلسطينية مسنة وإصابة آخرين في قصف إسرائيلي في غزة
استشهدت فلسطينية وأُصيب ثلاثة آخرون بجروح بينهم طفل في قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي مبنى في حي الدرج بمدينة غزة اليوم"الثلاثاء".
نقل شهداء ومصابين إلى مستشفى الأقصى في دير البلح وسط غزة.. فيديو الصحة في غزة: ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي لـ45,206 شهداء
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينة "وفا"،أن طائرة مسيرة للاحتلال الإسرائيلي قصفت تجمعا لمواطنين في حارة الحمام بمخيم طولكرم مما أدى إلى استشهاد مواطنة مسنة وإصابة 3 آخرين بجروح، بينهم طفل (10 سنوات) ونقلوا إلى مستشفى الشهيد ثابت ثابت لتلقي العلاج.
وفي حصيلة غير نهائية، ارتفع عدد الشهداء منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من شهرأكتوبر 2023 إلى نحو 45,338 شهيدا، و107,764 مصابا،أغلبيتهم من النساء والأطفال،وآلاف الضحايا الذين ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات حيث لا يمكن الوصول إليهم.
وفي سياق آخر اقتحم مستوطنون، اليوم "الثلاثاء" المسجد الأقصى المبارك، بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي.
وأفادت محافظة القدس، بأن 240 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى على شكل مجموعات متتالية من جهة باب المغاربة،ونفذوا جولات استفزازية وأدوا طقوسا تلمودية في باحاته.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي الشامل على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية،في أكتوبر 2023، شددت قوات الاحتلال إجراءاتها عند أبواب المسجد الأقصى، ومداخل البلدة القديمة.