د. يوسف عامر يكتب.. مقومات الإسلام (6)
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
المعجزة: أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على أيدى الأنبياء تأييداً لدعواهم النبوة، فهى تبرهن على أنهم مؤيدون من قبَل من لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء.
وكان من فضل الله على خلقه أن جعل معجزات الأنبياء من جنس ما برع فيه أقوامهم؛ ليكون هذا أدل على صدقهم، وأدعى إلى تصديقهم، فمثلاً سيدنا عيسى، عليه السلام، لما برع من بُعث إليهم فى الطب أيده الله تعالى بمعجزات خارقة يعجز أطباء قومه عنها، فصار يداوى المرضى الذين عجز أطباء ذلك الزمن عن مداواتهم كالأبرص والأكمه -وهو من يولد أعمى- إضافة إلى تأييده بمعجزة إحياء الموتى، والنفخ فى صورة طائر من طين فيصير طيراً حقيقياً {أَنِّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِى الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 49].
وكذلك أيد سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعدد كبير من المعجزات الحسية، كانشقاق القمر، حين سأله أهل مكة معجزة لتصديقه، فلما رأوا القمر منشقاً ادّعوا أن هذا سحر، فقال رجل منهم: فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا، فأتوا، فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك، فأنزل الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1، 2].
ومثل هذه المعجزات لا يؤمن بها أهل زماننا لمعاينتها وإنما لثبوتها عن طريق الخبر الصادق الذى ليس فيه أدنى ريب، ولما كان سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مبعوثاً للعالمين كان لا بد من معجزة باقية، وليس هذا من شأن المعجزات الحسية، لذا كانت معجزة عقلية، وهى القرآن الكريم الذى تعددت وجوه إعجازه، فأخبر عن أمور تاريخية لا يتسير الوقوف على دقائقها، إضافة إلى إخباره بأمور مستقبلية جاءت مطابقة لما أخبر به، ثم هو بهذه الألفاظ المحفوظة لم يجد البشر أى معارضة بين آياته وبين ما يقفون عليه من حقائق ثابتة، كما أنه فى تشريعاته ليس مقيداً بزمان معين أو بمكان محدد، بل هو مجاوز لحدود الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.
ومن أهم وجوه إعجازه عجز العرب -وهم أهل فصاحة وبلاغة- عن معارضته، وقد تحداهم فى أن يأتوا بمثله {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88]، أو بعشر سور مثله {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13]، أو بسورةٍ واحدةٍ {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38]، ولا ريب أن الكلام أسهل من القتال، فلما اختاروا سبيل القتال دل هذا على عجزهم التام عن معارضته.
وحتى يظل هذا الوجه الإعجازى حياً لا بد من الاهتمام بدراسة اللغة العربية التى بها نقف على مفارقة القرآن الكريم لكلام البشر مهما ارتقوا فى سُلَّم البلاغة، فاللغة من هذا المنطلق ليست فقط منطق تفكير، وأداة حضارة، وأساس هوية، بل هى برهان الرسالة الخاتمة، ودليل صدق كتابها
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مقومات الإسلام المعجزة الأنبياء والرسل السماء والأرض
إقرأ أيضاً:
كيف تحصن نفسك من الفتن والإقلاع عن المعاصي.. علي جمعة يوضح
أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، أن المسلم بحاجة إلى "الفرقان" من الله في كل وقت وحين، خاصة في أوقات الفتنة وأزمانها التي قد تُربك القلوب وتُضِل النفوس.
وطرح جمعة تساؤلات جوهرية عن ماهية الفتنة وحقيقتها، وكيف يمكن للمسلم أن يتجنبها ويخرج منها مستعينًا بفرقان الله.
حقيقة الفتنة في اللغة والشرع.
أوضح د. علي جمعة، عبر منشور نشره على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، أن الفتنة في اللغة تعني الابتلاء والاختبار، وأن أصل الكلمة يرتبط بعملية صهر المعادن بالنار، بهدف تمييز الجيد من الرديء، مستشهدًا بقول الله تعالى: "وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ" [البقرة: 102].
وأشار إلى أن الفتنة تحمل عدة معانٍ في القرآن الكريم تختلف باختلاف السياق، منها الابتلاء، الكفر، العذاب، القتل، والفضيحة.
الفتنة كابتلاء واختبار
تأتي الفتنة في كثير من المواضع بمعنى الابتلاء، كما في قوله تعالى: "وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" [الأنبياء: 35]، مما يؤكد أن الابتلاء بالخير والشر جزء من اختبار الله لعباده لتمييز صدق الإيمان عن زيفه.
الفتنة بمعنى الكفر
وأشار جمعة إلى أن الفتنة في بعض المواضع تأتي بمعنى الكفر، مستدلًا بقول الله تعالى: "وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ" [البقرة: 193]، حيث ترمز الفتنة هنا إلى محاربة الكفر والوقوف أمامه حتى لا ينتشر بين الناس.
الفتنة كفضيحة
وأضاف أن الفتنة يمكن أن تأتي بمعنى الفضيحة، كما ورد في قوله تعالى: "وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا" [المائدة: 41]، موضحًا أن من يصر على المعاصي قد يُفضحه الله في الدنيا قبل الآخرة.
الفتنة كعقوبة وعذاب
وبيّن جمعة أن الفتنة تأتي كذلك بمعنى العقوبة والعذاب، كما في قوله تعالى: "وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً" [الأنفال: 25]، محذرًا من أن العقاب الإلهي لا يصيب الظالم وحده، بل يمتد تأثيره للمجتمع بأسره إذا لم يتحرك لمواجهة الظلم.
الفتنة كقتل واقتتال
كما أوضح أن الفتنة يمكن أن تشير إلى القتل والاقتتال بين الناس، مستشهدًا بقوله تعالى: "إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ" [الأنفال: 73]، موضحًا أن الفتنة هنا تعني الفوضى والدمار الناتجين عن غياب العدل والنظام.
كيف يواجه المسلم الفتنة؟
واختتم جمعة منشوره بالتأكيد على أن النجاة من الفتنة تتطلب الاستعانة بالله وطلب "الفرقان"، أي البصيرة والتمييز بين الحق والباطل. وأشار إلى ضرورة التمسك بالقرآن والسنة كدليلين واضحين في مواجهة الأزمات، مع الدعاء المستمر بأن يمنّ الله على عباده بالهداية والثبات في مواجهة الفتن التي قد تُبعدهم عن الطريق المستقيم.
وأوضح أن الفتنة، مهما تعددت أشكالها ومعانيها، تمثل اختبارًا إلهيًا، والسبيل لتجاوزها هو الالتزام بتعاليم الدين، والتضرع إلى الله أن يجعل القلوب ثابتة على الإيمان، وأن يرزق العبد الحكمة والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة في مواجهة التحديات.