بوابة الوفد:
2024-10-02@09:19:35 GMT

عتاب متأخر للشيخ الغزالى

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

يتعلم المرء كلما أوغل زمنه فى المُضى مقتربا من يقين العلم عندما يُغادر الأرض نحو ضفة الأبدية، وأهم ما يتعلمه ألا يتقبل آراء مَن يحبهم ويُسلم بها دون تمحيص أو مراجعة.

وأصل الموضوع أننى واحد من مُتيمى الشيخ محمد الغزالى، رحمه الله، نشأت مسحورا بما يكتب، ورأيت فيه نموذجا فريدا لعالم دين يحاول التماهى مع العصر، والتقارب مع الآخرين، والتوافق مع القيم الليبرالية العظيمة.

غير أن لكل إنسان، مهما حسنت سيرته وعظمت قيمته، سقطات وهنات، وكانت أشد أخطاء الرجل فى تصورى شهادته فى قضية اغتيال فرج فوده، وإقراره بكفر الرجل، واعتبار قتلته مُجرد مفتئتين على حق ولى الأمر فى قتله. لقد أوجعتنى الشهادة، وشعرت فيها بسمات تجار الإسلام الذين يزايدون على الجميع ناصبين أنفسهم قضاة وجلادين، ولا يحتملون حوارا.

وقبل أيام قرأت يوميات المستشرق المجرى العظيم إليجناس جولد تسيهر، والتى ترجمها فى المركز القومى للترجمة كل من مجدى عبدالرءوف، وعبدالحميد مرزوق، وذكرنى ذلك بكتاب هام للشيخ الغزالى صدر منتصف التسعينيات بعنوان «الرد على مطاعن المستشرقين ضد الإسلام» والذى خص فيه المستشرق جولد تسيهر بنعوت قاسية شملت «اليهودى الخبيث»،»الاستعمارى الضال»، «الكذاب المزور»، و»عدو الإسلام».

وأعترف لكم أن صورة جولد تسيهر فى ذهنى ظلت سلبية لعدة سنوات تأثرا بكلام الشيخ الغزالى، الذى لم يكن قد قرأ للرجل شيئا، وإنما كتب كتابه اندفاعا وتأثرا بكلام للشيخ مصطفى السباعى عن كتاب مبكر للمستشرق بعنوان «العقيدة والشريعة فى الإسلام»، أساء «السباعي» فهمه وحمله ظنونا خاطئة، وتسرع باعتباره عدوا للإسلام، يقوم بدراسته ليطعن فيه ويُسيء إليه.

لقد ولد جولد تسيهر سنة 1850 وكان من أوائل المستشرقين فى العالم توغلا فى دراسة الإسلام قرآنا وسنة وسيرة وتاريخا، وقضى سنوات طويلة فى مصر وسوريا وتركيا والجزائر تعلما وتعايشا مع المسلمين،ومات عام 1921، وترك لابنه يومياته لكنها لم تنشر، وورث حفيده اليوميات، وقام فى نهاية السبعينيات بنشرها، حتى ترجمت مؤخرا بمصر.

ويكشف كتاب اليوميات قدرا عظيما من التعاطف والمودة للإسلام والمسلمين من جانب الرجل، الذى وصل به الحال أن يجلس فى صحن الأزهر ضمن طلبته فى القرن التاسع عشر ليدرس التفسير والتوحيد والفقه سنين عددا.

ويفاجئ قراء يوميات المتهم بالطعن فى الإسلام بمحبة غامرة تجاهه، فيقول فى صفحة 60 :»وفى قاعة رئيس الأساقفة ازداد حبى للإسلام أكثر من حبى له عندما أكون بين المسلمين».

وفى صفحة 71 يقول :»التوحيد عندى هو الإسلام، ولم أكن كاذبا عندما قلت إننى أعتقد فى نبوءة محمد، ويشهد على ذلك نسخة القرآن التى أحتفظ بها».

ويقول فى صفحة 72» إننى أرغب جاهدا فى الانحناء مع آلاف المؤمنين والركوع والسجود أمام الله مكررا الله أكبر، بل وأعفر وجهى فى التراب مع الآخرين أمام الله الواحد القهار».

وفى صفحة 185 يكتب» فى مارسيليا اعتقد الرجل الذى يحاورنى أننى مسلم لأننى اتخذت موقف الدفاع عن الإسلام، كما دافعت عن القرآن فيما نسب إليه من نصوص مغلوطة، واستشهدت بالصحيح منه».

يقول محمد عونى عبدالرءوف مترجم اليوميات إنه قام بترجمة يوميات المستشرق ليساعد القارئ العربى على إصدار حكم صادق على الرجل ويتبين ما قدم من جهد فى دراسة العقيدة الإسلامية والحضارة العربية.

ولا شك أن تسرع الشيخ الغزالى فى تصنيف المستشرق العظيم باعتباره عدوا وطاعنا هى واحدة من أخطاء عالم الدين المدفوع بالحماس قبل العقل، والمنتفخ بالثقافة السمعية الغالبة على ساحة الفكر للسير قطيعا فى طريق واحد دون تفكر.

وما يُستفاد من الحكاية هو أننا (وأنا معكم) يجب ألا نقبل أفكار مَن نُحب دون دراسة وشك، وأن علينا أن نصيغ مواقفنا تجاه الآخرين بأنفسنا بدلا من التقليد والمسايرة.

والله أعلم

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المرء ي غادر الأرض رحمة الله العصر

إقرأ أيضاً:

غريزمان يطوي نهائيا صفحة المنتخب الفرنسي

قال لاعب أتلتيكو مدريد الإسباني، أنطوان غريزمان، اليوم الإثنين، إنه "اعتزل اللعب دولياً مع منتخب فرنسا وعمره 33 عاماً".

وكتب غريزمان الفائز بكأس العالم 2018، والذي خاض 137 مباراة دولية مع فرنسا، عبر حسابه على تطبيق إنستغرام "بقلب مليء بالذكريات أغلق هذا الفصل من حياتي. شكراً لكم على هذه المغامرة الرائعة وأراكم قريباً".

مقالات مشابهة

  • في اليوم العالمي للمُسنِّين.. كيف نظر الإسلام لبِرِّ الأبوين في كِبرهما؟
  • «أوقاف مطروح» تطلق خطة دعوية في 33 مسجدا لمواجهة الأفكار المتطرفة
  • عتاب وتساؤلات مفتوحة في بريد السيد مني أركو مناوي
  • كل أسبوع.. لماذا الطلاق بيد الرجل؟
  • غريزمان يطوي نهائيا صفحة المنتخب الفرنسي
  • احترام الزوجة لزوجها في الإسلام
  • كلمة مرتقبة للشيخ نعيم قاسم اليوم
  • الرجل الثالث ورفيق نصرالله.. هذا كان دور كركي داخل الحزب
  • ماذا قدَّم "عبد الناصر" للإسلام؟
  • الأسباب الخلفية لمعركة طاعة المرأة زوجها.. صراع على السلطة؟