أدهم شرقاوي*: المقاومة المعجزة!
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
قبل إبرام صفقة وفاء الأحرار التي تُعتبر أكبر عملية تبادل للأسرى بين المقاومةِ والاحتلالِ عام ٢٠١١، طلبَ الاحتلالُ من رئيسِ المخابراتِ المصرية، والذي كان وسيطاً آنذاك، عمرو سليمان أن يتأكد بنفسه من أنّ جُنديّها “جلعاد شاليط” ما زال حيًّا!
وبالفعل تواصل عمرو سليمان مع قيادة المقاومة في غزّة وأخبرهم بشرط الاحتلال للمضيّ قُدُماً في الصّفقة!
لم تُبدِ قيادة المقاومة أية تحفّظات على هذا الشرط، وبالفعل حضرَ عمرو سليمان إلى معبر رفح، وطُلبَ منه التخلي عن أي جوّال أو وسيلة اتصال، ثم أركبوه في سيارة، ثم في سيارة ثانية، ثم في ثالثة، وهكذا حتى تنقل في ٢٥ سيّارة دون أن يدخل أي مكانٍ في غزّة، وكانت السيارة رقم ٢٥ هي التي أعادته إلى معبر رفح!
اتصل بعدها عمرو سليمان بوسطاء الاحتلال وأخبرهم أن “شاليط” بخير وصحة جيدة!بالطبع كان الاحتلال يُراقب المشهد كله من الجو، فقالوا له باستغراب : كيف عرفتَ أنه بخير وقد قضيتَ الوقت تنزل من سيارة وتصعد في سيّارة؟!
فقال لهم : “شاليط” كان في السيارة رقم ٧!
وتمت بعدها الصفقة، وخرج بموجبها ١٠٢٧ أسيراً فلسطينيا من بينهم الرّجل الذي يتحكّم بمصائر أسرى العدوّ الآن!
هذا موقف واحد من مواقف دهاء المقاومة، وما خفي أعظم!
ودعونا مما خفيَ، وتعالوا نذهبُ إلى ما بدا!
السابع من أكتوبر لم يكن مجرّد معركةٍ عابرة، لا في تاريخ كتائب القسّام ولا في تاريخ جيش الاحتلال! بالنسبة لكتائب القسّام هذا يومٌ من أيّام الله، أبادوا فيه فرقة غزّة بكل كتائبها في غضون ساعتين، وأسروا منها العدد الأكبر في تاريخ حروب الاحتلال، في معركة سيكتبها التّاريخ بأحرفٍ من نور! أما بالنسبة لجيش الاحتلال فلم يتم إذلاله من قبل بهذه الطريقة، لا الجنود في مواقعهم عرفوا هذا البأس من قبل، ولا زملاؤهم في الجيش اعتادوا أن يروا جيشهم يُهان بهذه الطريقة! المقاومة لم تكشف مدى هشاشة جيش الاحتلال الذي بدا ضعيفاً دون غطاء نيران الطيران الحربي، وإنما أحدثت شرخاً في روح هذا الجيش، وهذا هو انتصارها الأكبر في المعركة!
بعدما استوعب جيش الاحتلال شيئاً من الصّدمة، أعمل آلة القتل في المدنيين، وقصف المدارس، والمساجد، والجامعات، والمستشفيات، والكنائس، في جولة إجراميّة ارتقى فيها ١٥ ألف شهيد!
في هذه الأثناء كانت المقاومة تُهين دبابات الاحتلال بقذائف الياسين ١٠٥، وتحرق عربات النمر المصفحة بالكورنيت، ويُلصق مجاهدوها عبوات العمل الفدائي وشواظ على أبواب الدبابات، ولولا أنّ المقاومة كانت تُوثّق هذه المشاهد للنّاس ما صدّقها أحد! إنه شيءٌ يُشبه المعجزات! وكما ربحت المقاومة معركة الهجوم، ربحت كذلك معركة الدّفاع! فسارع الاحتلال للقبول بالهدنة، والهدنة وقّعها الميدان، وفرضتها القذائف، وانتزعها مجاهدو الكتائب بأيديهم دون فضلٍ لأحدٍ إلا الله، وإلا فإنَّ الاحتلال لا يسمع أصوات المناشدات والاستجداءات، الصوت الوحيد الذي يسمعه هو صوت الرّصاص!
ثم جاءت عمليّة التبادل التي خاضت فيها كتائب القسّام معركة إعلاميّة مذهلة، كسبتها بجدارة، ونالت فيها احترام العالم في السّلم، كما نالت احترامه وتقديره في الميدان!
ثم عاد العدوان، وسرعان ما سيتوقف بإذن الله، فلو كان الاحتلال قادراً على كسر المقاومة لما توقف للهدنة أساساً، ولكن نتنياهو يجرُّ معه الكيان كلّه في دفاع عن شخصه، ولتحسين شروط الصفقة الشاملة التي اشترطت فيها المقاومة رفع الحصار كاملاً! وهذا هو هدفها الأساسيُّ من هجومها المُظفّر! ساذج من يعتقد أن الهدف الأساسي للحرب كان تحرير الأسرى فقط، هذا أحد أهدافها الهامشيّة، لأن المقاومة بالأساس كان لديها من الأسرى قبل الحرب ما يسمح بإفراغ سجون الاحتلال من أسرانا!
قلتُ في أوج الحرب: مضى الوقتُ الذي كان بالإمكان أن تُكسر فيه المقاومة، وإنّها عصيّة ومنيعة، ولقد أثبتت الأيام هذا!
ربحت المقاومة كلّ شيءٍ، الميدان والإعلام والرأي العام العالمي، وخسر الاحتلال كلَّ شيءٍ، وما رأيناه ما هو إلا بروفة مصغّرة ليوم التحرير الكبير، وهذه المرّة ليس من جهةٍ واحدة، وإنّه لآتٍ !
كاتب مصري.
المصدر: الوحدة نيوز
كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي عمرو سلیمان
إقرأ أيضاً:
الأزهر يحتفي بانتصارات العاشر من رمضان ويؤكد: «الله أكبر» صنعت المعجزة
نظَّم الأزهر الشريف احتفالية كبرى بالجامع الأزهر، بمناسبة الذكرى الـ٥٣ لانتصارات العاشر من رمضان، بحضور الدكتور محمد عبد الرحمن الضويني وكيل الأزهر الشريف، نائبًا عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف السابق، والدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر، والدكتور عباس شومان الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء.
وقال رئيس جامعة الأزهر الشريف الدكتور سلامة داود: «لا ننسى ذلك اليوم الذي وقف فيه فضيلة الإمام الأكبر عبد الحليم محمود على هذا المنبر، وقص على الرئيس الراحل محمد أنور السادات رؤيا رآها، إذ قال له: "رأيت رسول الله ﷺ يعبر القناة، ووراءه العلماء والجيش المصري، فَسر يا سيادة الرئيس، فإنك منصور بإذن الله".. وقف الشيخ على المنبر وأعلنها حربًا في سبيل الله، مؤكِّدًا أن من مات فيها فهو شهيد، ومن فرّ منها وهو قادر عليها فهو على شعبة من النفاق».
وأضاف: «مصر كنانة الله في أرضه، والكنانة هي جعبة السهام التي يحملها الفارس، أي أن مصر مستودع القوة في العالم الإسلامي، كما أن الكنانة مستودع قوة الفارس.. لقد ذقنا مرارة الانكسار في عام ١٩٦٧، ثم ذقنا حلاوة الانتصار في عام ١٩٧٣، والفترة بينهما كانت عصيبة جدًّا، استطاع خلالها شعب مصر وعلماء الأزهر أن يحطموا اليأس في النفوس، ويزيلوا الهزيمة النفسية من القلوب، فانتشروا في كل مكان، حتى في ميادين القتال والمعسكرات».
واستشهد رئيس جامعة الأزهر بقول الشاعر: «إذا الشعبُ يومًا أراد الحياةَ، فلابد أن يستجيبَ القدرُ، ولابدَ لليل أن ينجلي، ولابدَ للقيد أن ينكسرَ»، موضحًا أن «المحتل الغاشم كان يُروّج لأسطورة جيشه الذي لا يُقهر، ولكن الحقيقة ظهرت عندما سمع العالم كله صوت جنودنا وهم يرددون "الله أكبر"، فانهارت أوهام الاحتلال، وسقط خط بارليف الذي كانوا يظنونه حصنًا منيعًا، وأذاق أبطال قواتنا المسلحة جيش الاحتلال هزيمةً ساحقةً ستظل وصمة عار في تاريخه العسكري».
وأشار إلى أن جنود مصر البواسل كانوا يكتبون على خوذهم عبارات مثل «الله أكبر! لا إله إلا الله»، وكتبوا على عرباتهم العسكرية «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله»، وكانوا يؤمنون بأنهم يخوضون معركة الحق ضد الباطل، وكان ذلك من أسباب النصر الكبير الذي أكرمهم الله به.
من جانبه، تحدَّث الأستاذ الدكتور عباس شومان الأمين العام لهيئة كبار العلماء رئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، عن هذا الانتصار العظيم، مؤكدًا أن الأزهر الشريف كان دائمًا في طليعة المؤسسات الداعمة للوطن في جميع معاركه ضد الغزاة والمحتلين، وأنه كان له دور محوري في حشد همم المصريين للوقوف في وجه كل معتدٍ.
وقال: «بعد الخامس من يونيو ١٩٦٧، ظن المحتل الغاشم وداعموه أنهم تمكّنوا من القضاء على الجيش المصري تمامًا، وأنه لن يتمكّن في المستقبل من مواجهتهم.. وربما كان لهذا الظن بعض المبررات، فقد مُنينا بهزيمة قاسية، وقُصفت الطائرات والدبابات قبل أن تتحرك.. لكن خلال ست سنوات فقط، استطاعت مصر أن تُعيد بناء جيشها من جديد، رغم ضعف الإمكانات، وقلة الموارد، ورفض بعض الدول تزويدنا حتى بقطع غيار للأسلحة المتقادمة.. لم يكن الجيش المصري يُبنى فقط، بل كانت هناك عمليات فدائية وحرب استنزاف أضعفت العدو، حتى جاءت اللحظة الحاسمة».
وأضاف شومان: «ظن العدو المحتل أنه في مأمن، فأنشأ خط بارليف، وقال قادته: "لا يمكن للجيش المصري اختراق هذا الحاجز إلا باستخدام قنبلة نووية".. ولكن المفاجأة الكبرى للعالم كله كانت في العاشر من رمضان، حين عبرت القوات المصرية قناة السويس في ساعات معدودة، وسقط خط بارليف ليس بقنبلة نووية، بل بفكرة مصرية غير مسبوقة: استخدام مدافع المياه.. لقد سقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، وحرر رجالنا جزءًا كبيرًا من أرضنا، وبفضل قوتهم وتوفيق الله لهم، أُجبر العدو على الرضوخ للسلام، فاستعدنا أرضنا، وستظل مصر حرة أبية إلى يوم القيامة».
وأشار الدكتور عباس شومان إلى دور الأزهر وعلمائه خلال تلك المرحلة، مؤكدًا أن شيوخ الأزهر لم يتخلوا يومًا عن دورهم الوطني، مشيرًا إلى أن الشيخ حسن مأمون كان أول من نادى باستخدام سلاح البترول، وخاطب رؤساء الدول العربية، مطالبًا إياهم باستخدام هذا السلاح، قائلًا: «إن مصر لا تحارب إسرائيل وحدها، وإنما تتصدى للعدوان الموتور الذي تدعمه أمريكا وبريطانيا».. وبعد السادس من أكتوبر، تم قطع سلاح البترول، وكان لهذا القرار أكبر الأثر في حراسة النصر الذي حققه رجال القوات المسلحة على الأرض.
وأكد أن الشيخ محمد الفحام، رغم ضعف قوته، كان دائم الذهاب إلى جبهة القتال، معتبرًا نفسه جنديًا مقاتلًا، وكان يقول: «أريد أن أعفِّر قدميَّ في سبيل الله»، فشارك في شحذ همم الجنود وتشجيعهم.. وكذلك الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي قسّم المهام بينه وبين قواتنا المسلحة، قائلًا: «أنا بالحرف، وأنتم بالسيف.. أنا بالكتاب، وأنتم بالكتائب، أنا باللسان، وأنتم بالسنان».. هؤلاء هم علماء الأزهر، الذين لم يتخلوا يومًا عن وطنيتهم، ولم يقعدوا عن نصرة بلادهم».
وفي ختام كلمته، وجّه الدكتور عباس شومان رسالة إلى الشباب، قائلًا: «المخاطر ما زالت تحيط بنا، وأعداؤنا يعلنون عداءهم لنا جهارًا، ويؤكدون أنهم ماضون في خصومتهم معنا، لكننا نشكر لدولتنا وقيادتنا السياسية والعسكرية أنها مدركة لهذه التحديات، وأن جيشنا دائم التطوير والتحديث.. وأعتقد جازمًا أن جيشنا اليوم أقوى مما كان عليه في حرب أكتوبر، بفضل الله، ثم بفضل الإعداد المستمر والتحديث الدائم».. وختم حديثه بالتأكيد على أن «مصر ستظل حرة أبية بإذن الله، ولن ينال منها أحد، كائنًا من كان، ومهما امتلك من القوة، لأننا نمتلك قوة الإيمان، ونتوكل على الرحمن».
وفي ختام الاحتفالية، ألقى المبتهل حسام الأجاوي ابتهالات دينية مميزة، تضرع فيها إلى الله بالدعاء لمصر وأهلها، وبالنصر والعزة للأمة الإسلامية، فحملت كلماته معاني الإيمان والتوكل على الله، واستحضرت روح الانتصار والعزة التي تجسدها ذكرى العاشر من رمضان.