ما الذي يراهن مؤتمر المناخ على تحقيقه في ضوء التحديات التي تواجهه خاصة بعدما كشف "تقرير التقييم العالمي" الأول من نوعه عن عدم إحراز تقدم في خفض الانبعاثات منذ اتفاق الأطراف عام ٢٠١٥؟
لعل التحدي الرئيسي أمام قمة الأمم المتحدة للمناخ (COP٢٨) في دبي هو إحداث تغيير في اتجاه هذه القمم السنوية من الأقوال إلى الأفعال، حتى لا يشهد العالم عامًا آخر من إطلاق الدول الكبرى "الكثير من الهواء الساخن"! لقد تعود العالم على تنصل الدول الكبرى في نهاية المطاف بعد قمم المناخ من التزاماتها بحماية البشرية من الضرر الجسيم الذي لا يمكن إصلاحه والناجم عن حرق الوقود الأحفوري وارتفاع درجة حرارة الأرض.

وقد خلص تقرير التقييم العالمي الصادر في سبتمبر الماضي من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى أنه على الرغم من وعودها لا تزال حكومات العالم تخطط لإنتاج واستهلاك أكثر من ضعف كمية الفحم والنفط والغاز في عام ٢٠٣٠، وهو حجم لا يساهم إطلاقا في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ١.٥ درجة مئوية، حيث أن هناك فجوة ظلت دون تغيير بشكل أساسي منذ عام ٢٠١٩.
ويتضح من تقرير التقييم أيضا أن العالم لا يزال بعيدًا عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتفاق باريس بل إنه وعلى عكس الطموحات فقد ارتفعت درجة حرارة الكوكب بالفعل بمقدار ١.٢ درجة مئوية، والانبعاثات التي تقود التغيير آخذة هي الأخرى في الارتفاع، وليس الانخفاض كما هو مأمول. ويأمل المشاركون في مؤتمر دبي والمدافعون عن البيئة أن تضع المراجعة الأساس المفترض للإجراءات الطموحة التي يجب على البلدان اتخاذها للمضي قدمًا نحو تحقيق هدف ١.٥ درجة مئوية. 
وقد أكدت إنجر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، في تقرير التقييم أن مستقبل البشرية في خطر، مطالبة الحكومات "أن تتوقف عن قول شيء وفعل شيء آخر" وأضافت أن خطط الدول تلقي بظلال من الشك على التحول العالمي للطاقة النظيفة. 
يحدث ذلك في نهاية عام حطمت فيه درجات الحرارة العالمية مستويات قياسية شهرًا بعد شهر، مما يجعل عام ٢٠٢٣ على الأرجح العام الأكثر سخونة في التاريخ المسجل حتى الآن، متجاوزًا متوسط ما قبل الصناعة بمقدار ١.٤٣ درجة مئوية. دمرت حرائق الغابات كندا كما دمرت الفيضانات البنية التحتية الحيوية لبعض المدن في ليبيا. كما وصل شمال المحيط الأطلسي أيضًا إلى درجات حرارة عالية غير مسبوقة، مع تأثيرات متتالية على الحياة البحرية والسلاسل الغذائية. 
ويجذب مؤتمر المناخ في دورته الحالية بدبي الأضواء إلى قضية الوقود الأحفوري الذي يهدد الكائنات الحية والتوازن على الكرة الارضية. وتسعى الأطراف للبناء على الخطوات التي تم إحرازها في المؤتمر السابق في شرم الشيخ التي تبنت قرارا بإنشاء صندوق لتعويض الخسائر والأضرار للدول النامية، من ذلك زيادة الدعم المالي للصندوق للتكيف مع تغير المناخ خاصة بالنسبة للدول الأكثر فقرا والتي ترى أنها ضحية لما ارتكبته وترتكبه الدول الصناعية منذ بدء الثورة الصناعية من تلوث للبيئة وتدميرا للطبيعة.
ويتجدد طرح السؤال الرئيسي حول من سيدفع للصندوق ومن سيكون له حق الوصول إلى الأموال. كما تدور المناقشات حول السبل الكفيلة بردم الفجوة بين أزمة الكوكب المتجهة نحو كارثة مناخية وبطء الحكومات الشديد لتجنبها. وهذا التفاوت بين المخاطر المتصاعدة والحلول التي لا تناسبها يجعل التوصل لصياغة خطة لتسريع التحول العالمي نحو التكيف المناخي ضروريًا حتى تحقق القمة نجاحًا يُحسب لدورة دبي. ويعاد طرح مقترح الدورة السابقة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري مع جدول زمني مرن للتحول للطاقة النظيفة من الرياح والشمس وكيفية مواجهة ما يترتب عليه.
ومما يزيد في التحديات أمام مؤتمر هذا العام الاضطرابات الجيوسياسية الحالية بما في ذلك الحرب الاسرائيلية ضد غزة والحرب الروسية الأوكرانية، مع ما تلقيه الآلات العسكرية من قنابل بكميات غير مسبوقة مدمرة للإنسان والبيئة. ولم تخل اللقاءات بين ممثلي الوفود والمنظمات من أحاديث "غير رسمية" حول هذه القضية وسط استياء من بعض النشطاء والمشاركين جراء الحضور الإسرائيلي في المؤتمر دون أي عقوبات أو حتى إبداء تذمر من الأمم المتحدة رغم ارتكابها لجرائم حرب كارثية تجاه أهل غزة وكأنها كانت "قتلت ذبابًا" وليس آلاف الأطفال والنساء والصحفيين والمدنيين.
ويتردد داخل أروقة المؤتمر أن الحروب والصراعات المشتعلة حاليًّا من المرجح أن تؤدي إلى إضعاف احتمالات وفاء الدول الغنية بوعودها بمنح التمويل المطلوب للتكيف المناخي في الدول النامية والفقيرة، في ضوء ما تقدمه العديد من الدول الكبرى من تمويلات طارئة "سخية" لإسرائيل وأوكرانيا، إضافة للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة. 
ألفة السلامي: كاتبة صحفية متخصصة بالشؤون الدولية

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: مؤتمر المناخ خفض الانبعاثات COP٢٨ الطاقة النظيفة الأمم المتحدة تقریر التقییم درجة مئویة

إقرأ أيضاً:

أبو الغيط في مؤتمر الدبلوماسية العلمية: الجامعة العربية تؤمن بأهمية توطيد العلاقات مع الدول الأورومتوسطية

أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي رفيع المستوى حول الدبلوماسية العلمية، أن الجامعة العربية تؤمن بأهمية توطيد العلاقات مع الدول الأورومتوسطية، عبر التعاون مع الاتحاد من أجل المتوسط والاتحاد الأوروبي، لتحقيق مزيد من الشراكات الناجحة في المجالات العلمية والدبلوماسية.

وقال أبو الغيط إن الدبلوماسية في جوهرها وتاريخها الممتد هي أداة لحل المشكلات والتفاوض للوصول لحلول، وتحقيق أوضاع أفضل، وعبر التاريخ الطويل لهذه المهنة التي عرفتها كافة الحضارات، ظل هذا الجوهر ثابتاً، وإن تغيرت الظروف والأدوات والآليات.

وأظهرت الدبلوماسية قدرة لافتة على التكيف مع روح كل عصر.. فهي طريق لحل المشكلات، ولكن المشكلات ذاتها تتغير بتلاحق العصور، ومن ثم تحتاج الدبلوماسية دوماً لتطوير الأدوات لارتياد مجالات جديدة للنشاط الإنساني تقتضي الاستفادة من مهارات الدبلوماسية في التوصل إلى حلول وسط وتحقيق الصالح عبر التفاوض.

وأضاف أبو الغيط رأينا في الفترة السابقة دور الدبلوماسية يمتد ويتوسع ليدخل إلى مجالات جديدة مثل البيئة والتغير المناخي والتنمية المستدامة، وكلها ملفات تتضارب فيها مصالح الدول وتتطلب المهارة الدبلوماسية في الوصول لحلول وسط مرضية للدول، وتصب في صالح الإنسانية كلها.

وأعتبر أن الدبلوماسية العلمية مجال مهم يستدعي بناء الخبرات الخاصة لدى الكوادر الدبلوماسية، فالعصر التكنولوجي والعلمي الذي نعيشه يطرح معضلات كثيرة تحتاج إلى فنون التفاوض والحلول الإبداعية، لم يعد مستغرباً أن تتقاطع المصالح السياسية والغايات الإنسانية وتتشابك تشابكاً هائلاً في ملفات مثل الأوبئة العالمية والأمن الغذائي والحفاظ على التنوع البيولوجي، فضلاً عن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بكل ما تطرحه من أسئلة وقضايا شائكة تحتاج إلى التفاوض البناء بين كافة أصحاب المصلحة من الدول والشركاء والمنظمات الدولية والمراكز العلمية، لتسخير هذه التكنولوجيا لخدمة البشر وتلافي شرورها المحتملة ومخاطر الاستخدام المنفلت.

وقد رأينا جميعاً كيف ساهم تحالف العلم مع الدبلوماسية في مجابهة جائحة كوفيد 19، بتسهيل تبادل الخرائط الجينية للفيروس من أجل تسريع عملية انتاج اللقاحات، ولعبت الدبلوماسية دوراً فعالاً في نقل الخبرات والتجارب الناجحة ووضع الإجراءات الوقائية التي كان لها فضل في تلافي المخاطر الكبرى لتلك الجائحة، ولا شك أن الدروس المستخلصة من تجربة مواجهة الوباء العالمي، بما في ذلك ما انطوت عليه هذه المواجهة من بعض السلبيات في استئثار بعض الدول باللقاحات الفعالة.. أقول إن هذه الدروس تستحق التأمل والبناء عليها كخبرة مضافة لحقل الدبلوماسية العلمية الذي أتوقع أن تتزايد أهميته وتشتد الحاجة إليه في مستقبل تشكله تطورات العلوم والتكنولوجيا أكثر من أي وقت مضى.

إن الجامعة العربية تؤمن بأهمية توطيد العلاقات مع الدول الأورومتوسطية، عبر التعاون مع الاتحاد من أجل المتوسط والاتحاد الأوروبي، لتحقيق مزيد من الشراكات الناجحة في المجالات العلمية والدبلوماسية.

مقالات مشابهة

  • دون إجلاء عسكري.. الدول التي تحركت لإخراج مواطنيها من لبنان
  • الجامعة البريطانية والأمم المتحدة ينظمان نموذج محاكاة قمة المناخ COP29 بالتعاون مع جامعة ADA
  • الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ينظمان نموذج محاكاة قمة المناخ COP29
  • ورشة عمل لمناقشة التحديات التي تواجه القطاع الخاص
  • الأمم المتحدة: استمرار العمل في ميناء الحديدة وسط التحديات
  • السفارة الأمريكية: نشعر بالقلق من الأضرار التي لحقت بمقر سفير الإمارات في السودان
  • معرض صوت المرأة يلقي الضوء على التحديات التي تواجه المرأة المبدعة بالإمارات
  • “قادربوه” يبحث التحديات التي تواجه الرقابة على صندوق الإنماء الاقتصادي
  • السفير ناصر كامل: العلم والدبلوماسية يعملان جنبًا إلى جنب للتغلب على التحديات واغتنام الفرص
  • أبو الغيط في مؤتمر الدبلوماسية العلمية: الجامعة العربية تؤمن بأهمية توطيد العلاقات مع الدول الأورومتوسطية