من أين جاء هذا الحميدتي؟ (1-2)
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
قال الروائي السوداني الطيب صالح "من أين جاء هؤلاء الناس؟" حين راعه من نظام "الإنقاذ" خروقه لحقوق الإنسان لدى توليه الحكم في السودان عام 1989. ولاحق السؤال النظام كاللعنة لصدوره عن سادن للروحية السودانية.
ويقف كثير من الناس أمام ما راعهم من حرب الدعم السريع الناشبة وقساوتها ليسألوا "من أين جاء هؤلاء الناس؟" ومع ذلك فالسؤال عن هوية قوم "الدعم السريع" مكرر، فقد طرأ ذلك السؤال للناس حيال ما ارتكبه الـ "جنجويد"، الطبعة الأولى لـ "الدعم السريع" من مقاتل في دارفور خلال منتصف العقد الأول من القرن.
كان ذلك في الدورة الأولى، أما في الدورة الحالية فأنصار "الإنقاذ" المبادة رأوا في الدعم السريع مرتزقة من الساحل الأفريقي لتقويض الكيان السوداني بينما يرى كثير من خصومهم التاريخيين، ممن سبق لهم التعريض بالـ "جنجويد" كمرتزقة في خدمة "الإنقاذ" كما رأينا، أنهم سودانيون مستحقون لرأيهم وموقفهم مهما كان الرأي فيهم.
من رأي المؤرخ للسودان دوقلاس جونسون أن ما يعيب الكتابة عن السودان هو تركيزها على سياسات الدولة المركزية غاضة الطرف عن الأقاليم وسياساتها المحلية. فنجد الكتابات تحمل الرئيس جعفر نميري (1969 - 1985) مثلاً وزر نقض "اتفاق أديس أبابا" الذي تواثق بها مع قومي جنوب السودان عام 1972 بعد عقد من توقيعه بغير اعتبار منها للخلاف الجنوبي - الجنوبي الذي كان محرضاً كبيراً على النقض. فإذا اشتكت الأقاليم من التهميش من المركز زادتها الكتابة القاصرة على المركز في المسألة السودانية تهميشاً، فصارت الأقاليم في التهميش المركب.
فواضح أن الإجابة في دوائر الصفوة عن سؤال "من أين جاء هؤلاء؟"، سواء للـ "جنجويد" أو "الدعم السريع"، أنهم جماعة مرتزقة في الغالب وظفها مركز الدولة لإماطة أذى المعارضة عن طريق مشروع له. ولا اعتبا فيها للسياسات الإقليمية والمحلية التي تولدت منها هذه الظواهر.
ونبهت الصحافية والسينمائية جولي فلنت باكراً في كتابها "الحرب الأخرى: حروب العرب البينية في دارفور" (2010) إلى أن الطريق لفهم الظواهر مثل الـ "جنجويد" ربما ساقنا إلى الإحاطة بالسياسات المحلية قبل أن تسقط في حبائل الدولة المركزية، كما يذهب الناس في فهمها. وأهم ما خرجت به في كتابها أن العرب الذين ارتكبوا الجرائم بحق أفارقة دارفور خدمة لنظام "الإنقاذ" حتى اتهموا بـ "التطهير الإثني"، كانوا في الأثناء قاتلوا بعضهم بعضاً طويلاً وبضراوة ودموية، فعادت فلنت في كتابها إلى الجفاف والتصحر الذي ضرب شمال دارفور كجزء من الساحل الأفريقي خلال السبعينيات والثمانينيات. وذكرت كيف زعزعت موجات الجفاف المتلاحقة تلك أول ما زعزعت الأبالة (رعاة الإبل) العرب في شمال دارفور من قبائل منسوبة لشعب الرزيقات الذي كثيره مع ذلك من رعاة البقر (بقارة) في جنوب دارفور. ونكبت تلك البادية الشمالية في دارفور فلم تعد دارهم صالحة للعيش فيها. وسعى أبالتها يطلبون رزقاً في الأرض وبغوا.
ولما انسدت أمامهم سبل العيش أرادوا تفريج محنتهم بترحالهم التقليدي جنوباً لترعى سعيتهم كما تعودت في مزارع الفور، من الزرقة ومن تسمت بهم دارفور نفسها، حتى بلوغهم جنوب دارفور موطن أهلهم البقارة. وامتنع عليهم ذلك الرزق البديل لسببين. وكان السبب الأول هو زيادة السكان والسعية زيادة سعّرت الصراع على الموارد المحدودة في الجهات التي قصدوها. وكان السبب الآخر هو حيلولة بـ "زرائب الهواء" بينهم وبين الرعي في زرع المزارعين بعد حصاده. وهذه الزرائب هي ما أخذ يبنيه الفور والبقارة لحماية جنائنهم وسعيتهم التي وجدت ثمارها تسويقاً مبتكراً في الخرطوم والخليج.
ولما ضاق بهؤلاء "الأبالة" اقتصادهم الرعوي تحولوا إلى اقتناء السلاح الثقيل والعسكرة لحماية ذلك الاقتصاد على علاته. وستكون هذه العسكرة عماد معاشهم حين خرجت الحكومة المركزية تجند لقواتها مثل حرس الحدود والدفاع الشعبي لحرب الحركات المسلحة المعارضة. واشتبكوا في مسعاهم ذلك مع جماعات من أهلهم وهم بقارة جنوب دارفور في معارك مضرجة الضحايا.
ونواصل
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع من أین جاء
إقرأ أيضاً:
كارثة إنسانية في الفاشر.. مليون نازح سوداني ونداءات للتدخل العاجل
السودان – أعلن وزير التنمية الاجتماعية السوداني أحمد آدم بخيت أن مدينة الفاشر استقبلت نحو مليون نازح نتيجة عمليات إحراق قوات الدعم السريع القرى في المناطق المحيطة بالمدينة.
وأشار الوزير السوداني إلى أن النازحين يعانون من ظروف إنسانية صعبة تتطلب تدخلا عاجلاً.
من جانب آخر، طالبت قيادات من إقليم دارفور خلال مؤتمر صحفي عقد امس الخميس، المجتمع الدولي بإدراج قوات الدعم السريع على قوائم المنظمات الإرهابية، وذلك في أعقاب التصعيد العسكري في شمال دارفور.
وفي سياق متصل، أكد عضو مجلس السيادة السوداني إبراهيم جابر أن إنهاء النزاع مرهون بوقف تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى قوات الدعم السريع. جاء ذلك خلال لقائه مع المبعوث الأممي رمطان لعمامرة، حيث نفى جابر وجود مجاعة في البلاد، ووصف تلك التقارير بأنها “ادعاءات تهدف إلى تحقيق أجندات خاصة”.
وشهدت الفاشر قصفا مكثفا من قبل مدفعية الجيش السوداني صباح اليوم الخميس، حيث استهدفت مواقع متفرقة لقوات الدعم السريع. وتشير التقارير الميدانية إلى هدوء نسبي يسود المنطقة حاليا، مع استمرار حالة التأهب بين الطرفين.
وتعد الفاشر المعقل الأخير للجيش السوداني وحلفائه من الحركات المسلحة في إقليم دارفور، وتحاول الدعم السريع السيطرة عليها لإحكام نفوذها على الإقليم، الذي باتت 4 من أصل 5 ولايات تشكله تحت إمرتها.
المصدر: RT