سودانايل:
2024-11-23@12:50:39 GMT

من أين جاء هذا الحميدتي؟ (1-2)

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

قال الروائي السوداني الطيب صالح "من أين جاء هؤلاء الناس؟" حين راعه من نظام "الإنقاذ" خروقه لحقوق الإنسان لدى توليه الحكم في السودان عام 1989. ولاحق السؤال النظام كاللعنة لصدوره عن سادن للروحية السودانية.
ويقف كثير من الناس أمام ما راعهم من حرب الدعم السريع الناشبة وقساوتها ليسألوا "من أين جاء هؤلاء الناس؟" ومع ذلك فالسؤال عن هوية قوم "الدعم السريع" مكرر، فقد طرأ ذلك السؤال للناس حيال ما ارتكبه الـ "جنجويد"، الطبعة الأولى لـ "الدعم السريع" من مقاتل في دارفور خلال منتصف العقد الأول من القرن.

وتفرق الناس في الإجابة عن السؤال كل في شرط زمانه ومصالحه، فرأى المعارضون لنظام ""الإنقاذ"" يومها فيهم مخلباً للنظام لإقامة حزام أمني عربي إسلامي يخلي به دارفور من جماعاتها الأفريقية ("الزرقة" في المصطلح المحلي). ومن رأي الأكاديمي والقيادي بحركة "العدل والمساواة" المسلحة عبدالله عثمان التوم أن الـ "جنجويد" محاولة لاستئصال شعب دارفور الأصيل (الأفريقي) واستلاب أرضه مدججة بالأيديولوجية الاستعلائية العربية. بينما لم ير مؤيدو النظام غضاضة في الـ "جنجويد" طالما حاربوا تمرد حركات دارفور المسلحة الناهضة لإسقاط "الإنقاذ".
كان ذلك في الدورة الأولى، أما في الدورة الحالية فأنصار "الإنقاذ" المبادة رأوا في الدعم السريع مرتزقة من الساحل الأفريقي لتقويض الكيان السوداني بينما يرى كثير من خصومهم التاريخيين، ممن سبق لهم التعريض بالـ "جنجويد" كمرتزقة في خدمة "الإنقاذ" كما رأينا، أنهم سودانيون مستحقون لرأيهم وموقفهم مهما كان الرأي فيهم.
من رأي المؤرخ للسودان دوقلاس جونسون أن ما يعيب الكتابة عن السودان هو تركيزها على سياسات الدولة المركزية غاضة الطرف عن الأقاليم وسياساتها المحلية. فنجد الكتابات تحمل الرئيس جعفر نميري (1969 - 1985) مثلاً وزر نقض "اتفاق أديس أبابا" الذي تواثق بها مع قومي جنوب السودان عام 1972 بعد عقد من توقيعه بغير اعتبار منها للخلاف الجنوبي - الجنوبي الذي كان محرضاً كبيراً على النقض. فإذا اشتكت الأقاليم من التهميش من المركز زادتها الكتابة القاصرة على المركز في المسألة السودانية تهميشاً، فصارت الأقاليم في التهميش المركب.
فواضح أن الإجابة في دوائر الصفوة عن سؤال "من أين جاء هؤلاء؟"، سواء للـ "جنجويد" أو "الدعم السريع"، أنهم جماعة مرتزقة في الغالب وظفها مركز الدولة لإماطة أذى المعارضة عن طريق مشروع له. ولا اعتبا فيها للسياسات الإقليمية والمحلية التي تولدت منها هذه الظواهر.
ونبهت الصحافية والسينمائية جولي فلنت باكراً في كتابها "الحرب الأخرى: حروب العرب البينية في دارفور" (2010) إلى أن الطريق لفهم الظواهر مثل الـ "جنجويد" ربما ساقنا إلى الإحاطة بالسياسات المحلية قبل أن تسقط في حبائل الدولة المركزية، كما يذهب الناس في فهمها. وأهم ما خرجت به في كتابها أن العرب الذين ارتكبوا الجرائم بحق أفارقة دارفور خدمة لنظام "الإنقاذ" حتى اتهموا بـ "التطهير الإثني"، كانوا في الأثناء قاتلوا بعضهم بعضاً طويلاً وبضراوة ودموية، فعادت فلنت في كتابها إلى الجفاف والتصحر الذي ضرب شمال دارفور كجزء من الساحل الأفريقي خلال السبعينيات والثمانينيات. وذكرت كيف زعزعت موجات الجفاف المتلاحقة تلك أول ما زعزعت الأبالة (رعاة الإبل) العرب في شمال دارفور من قبائل منسوبة لشعب الرزيقات الذي كثيره مع ذلك من رعاة البقر (بقارة) في جنوب دارفور. ونكبت تلك البادية الشمالية في دارفور فلم تعد دارهم صالحة للعيش فيها. وسعى أبالتها يطلبون رزقاً في الأرض وبغوا.
ولما انسدت أمامهم سبل العيش أرادوا تفريج محنتهم بترحالهم التقليدي جنوباً لترعى سعيتهم كما تعودت في مزارع الفور، من الزرقة ومن تسمت بهم دارفور نفسها، حتى بلوغهم جنوب دارفور موطن أهلهم البقارة. وامتنع عليهم ذلك الرزق البديل لسببين. وكان السبب الأول هو زيادة السكان والسعية زيادة سعّرت الصراع على الموارد المحدودة في الجهات التي قصدوها. وكان السبب الآخر هو حيلولة بـ "زرائب الهواء" بينهم وبين الرعي في زرع المزارعين بعد حصاده. وهذه الزرائب هي ما أخذ يبنيه الفور والبقارة لحماية جنائنهم وسعيتهم التي وجدت ثمارها تسويقاً مبتكراً في الخرطوم والخليج.
ولما ضاق بهؤلاء "الأبالة" اقتصادهم الرعوي تحولوا إلى اقتناء السلاح الثقيل والعسكرة لحماية ذلك الاقتصاد على علاته. وستكون هذه العسكرة عماد معاشهم حين خرجت الحكومة المركزية تجند لقواتها مثل حرس الحدود والدفاع الشعبي لحرب الحركات المسلحة المعارضة. واشتبكوا في مسعاهم ذلك مع جماعات من أهلهم وهم بقارة جنوب دارفور في معارك مضرجة الضحايا.
ونواصل

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع من أین جاء

إقرأ أيضاً:

المجلس الرئاسي يناقش جهود الإسراع بتنفيذ خطة الإنقاذ الإقتصادي

شدد مجلس القيادة الرئاسي، الخميس، على ضرورة تسريع الجهود المبذولة لانفاذ خطة الانقاذ الاقتصادي، والتخفيف من المعاناة الإنسانية في البلاد، بالتزامن مع إنهيار قياسي للعملة الوطنية.

 

جاء ذلك خلال اجتماع لمجلس القيادة الرئاسي برئاسة الرئيس رشاد العليمي، رئيس المجلس، وبحضور اعضائه عيدروس الزبيدي، الدكتور عبدالله العليمي، عثمان مجلي، وعبر الاتصال المرئي طارق صالح، وعبدالرحمن المحرمي، بينما غاب بعذر عضوا المجلس سلطان العرادة، وفرج البحسني.

 

وذكرت وكالة سبأ الحكومية، أن الاجتماع وقف امام عدد من القضايا المشمولة بجدول اعماله، بما فيها مستجدات الاوضاع المحلية، وفي المقدمة التطورات السياسية والاقتصادية، والخدمية.

 

وأضافت أن الاجتماع ناقش المتغيرات المتعلقة بتقلبات اسعار الصرف، والجهود المبذولة لتسريع انفاذ خطة للانقاذ الاقتصادي، والتخفيف من المعاناة الانسانية التي فاقمتها الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية، وخطوط الملاحة الدولية.

 

وأشارت إلى أن الاجتماع تطرق لتقارير حكومية حول التطورات المحلية، ومستوى تنفيذ قرارات وتوصيات المجلس، خصوصا تلك المتعلقة بتحسين وصول الدولة الى مواردها السيادية، وردع المضاربين بالعملات، والرقابة على اسعار الخدمات، والسلع الاساسية.

 

وثمن مجلس القيادة اعلان المملكة المتحدة عن حزمة جديدة من الدعم لقوات خفر السواحل اليمنية ضمن الجهود المنسقة مع الحلفاء الاقليميين والشركاء الدوليين لمكافحة القرصنة، والإرهاب، وتهريب الأسلحة، والجريمة المنظمة، فضلا عن تعهداتها بحزمات اكبر من الدعم التنموي للشعب اليمني خلال المرحلة المقبلة.

 

وبحسب الوكالة الحكومية، فقد اطلع الاجتماع على تقديرات موقف بشأن المستجدات الاقليمية المرتبطة بالحرب الاسرائيلية الوحشية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، والهجمات الحوثية على خطوط الملاحة الدولية، وتداعياتها المدمرة على الامن الغذائي، والسلم والامن الدوليين، واتخذ القرارات والتوصيات، والموجهات اللازمة بشأنها.


مقالات مشابهة

  • “قطعوا لي أذني.. لا يرحمون أحدًا” .. انتهاكات الدعم السريع
  • أين تقف .. مع مليشيات الجيش أم مليشيا الدعم السريع؟
  • السودان.. (القوة المشتركة) تحبط عملية تهريب أسلحة وعتاد لـ(الدعم السريع) من تشاد
  • القوة المشتركة: استولينا على إمدادات عسكرية كانت في طريقها إلى الدعم السريع
  • مواجهات في الفاشر تتزامن مع قطع إمدادات للدعم السريع
  • المجلس الرئاسي يناقش جهود الإسراع بتنفيذ خطة الإنقاذ الإقتصادي
  • مقاتل العطاوة الذي يتم استغلاله وإرساله لقتل آخرين في الهلالية لم تكن بينه وبينهم أي عداوة
  • والي غرب دارفور يعفي 42 من قادة الإدارة الأهلية لموالاتهم الدعم السريع
  • قناة القاهرة الإخبارية: ميليشيا الدعم السريع تقصف الفاشر غربي السودان
  • السودان.. قوات الدعم السريع تهاجم قرية وتقتل 40 مدنياً