لجريدة عمان:
2025-01-31@17:41:54 GMT

احذروا الإجماع الجديد بشأن الاقتصاد العالمي

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

خلال الفترة التي سبقت عام 2023، بدت آفاق الاقتصاد العالمي قاتمة. فقد توقع المحللون أن يُـفـضي حرب روسيا على أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة الذي ترتب عليها إلى إشعال شرارة انكماش اقتصادي خطير في أوروبا. وأعلنت منصة بلومبرج إيكونوميكس أن احتمال معاناة الولايات المتحدة من الركود قائم بنسبة 100%. وقليلون هم من تصوروا أن أغلب الاقتصادات النامية قد تكون قادرة على تحمل تركيبة تتألف من ارتفاع أسعار الطاقة، وارتفاع أسعار الفائدة، والانكماش في الاقتصادات المتقدمة.

لو توقع المحللون اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس واحتمالات تصعيدها على المستوى الإقليمي، واشتداد وطيس الحرب الروسية الأوكرانية، والاضطرابات السياسية في بعض الدول الغربية، لكان تشاؤمهم يزداد وضوحا. علاوة على ذلك، كانت التقلبات غير العادية في سوق سندات الخزانة الأمريكية، التي تشكل معيارا أساسيا لعدد كبير من الأسواق المحلية والدولية، لتغذي المخاوف بشأن ركود عالمي يلوح في الأفق، كما كان ليفعل إفلاس البنوك الأمريكية. ولكن في حين كان من المحتم أن تتسبب الاضطرابات السياسية والجيوسياسية والسوقية غير المتوقعة في كبح آفاق النمو العالمي بدرجة أكبر، وجدنا الاقتصاد العالمي يفاجئنا بأداء إيجابي.

فقد تحدت الغالبية العظمى من الاقتصادات المتقدمة كل التوقعات، ونجحت في تجنب الانكماش الاقتصادي. وتجنبت البلدان النامية ككل الضائقة المالية. وحتى الصين، على الرغم من نموها المخيب للآمال، استعرضت مرونة اقتصادها وقدرته على الصمود مع اقتراب العام من نهايته.

دفعت هذه الاتجاهات المشجعة المحللين إلى تبني توقعات متفائلة لعام 2024. فبدلا من الركود، تشير التوقعات الـمُـجـمَـع عليها الآن إلى أن اقتصاد الولايات المتحدة يتجه نحو «هبوط ناعم»، حيث مَـهَّـدَ انحسار التضخم الطريق أمام تخفيضات أسعار الفائدة. ومن المتوقع أن تتمكن أوروبا، بعد أن نجحت في تعزيز احتياطياتها من الطاقة وإعادة هيكلة سلاسل التوريد، من تجنب الركود هي أيضا، وإن كان من المحتمل أن يستمر اقتصاد ألمانيا في التخلف عن الركب.

وفي الصين، من المتوقع أن تعمل حزمة تحفيز كبرى على تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي. ومن المنتظر أيضا أن تعمل التركيبة التي تتألف من أسعار الفائدة الأقل وأسعار الطاقة المستمرة في الهبوط على حماية أغلب البلدان النامية من الارتباكات الاقتصادية والمالية.

ولأني كنت أكثر تفاؤلا من التوقعات الـمُـجـمَـع عليها لعام 2023، فإنني كنت لأود تأييد التوقعات المتفائلة للعام المقبل. ففي نهاية المطاف، لا يستطيع الاقتصاد العالمي أن يتحمل مزيدا من النكسات. ولكن على الرغم من رغبتي في أن أكون متفائلا، فأنا أخشى أن توقعات الإجماع، التي تبين أنها كانت قاتمة للغاية لعام 2023، تأرجحت أبعد مما ينبغي في الاتجاه المعاكس لعام 2024.

السبب الرئيسي وراء هذا القلق هو أن ديناميكيات النمو العالمي اعتراها الضعف مع تسبب التوترات الجيوسياسية وارتباكات السياسية المحلية في تفاقم التطورات الاقتصادية والمالية المؤسفة. ويبدو أن عددا كبيرا للغاية من صناع السياسات يركزون على إعادة تنشيط محركات النمو غير الفَـعّـالة بدرجة أكبر من تركيزهم على التصدي للتهديدات الطويلة الأمد مثل أزمة المناخ والتحول نحو نماذج أكثر استدامة وتطلعا إلى المستقبل.

يتجلى هذا بوضوح في الصين، وأوروبا، وكثير من البلدان النامية حيث فشلت الحكومات في تنفيذ الإصلاحات البنيوية اللازمة لتعزيز الإنتاجية وإمكانات النمو. ورغم أن الولايات المتحدة في وضع أفضل نسبيا بفضل مشاريع القوانين الاقتصادية الكبرى التي أقرتها إدارة الرئيس جو بايدن، فإن تضاؤل مدخرات الأسر، فضلا عن ارتفاع الديون، يلقي بظلال قاتمة على توقعات النمو للعام المقبل.

لا يزال الاقتصاد العالمي يتصارع مع التأثيرات التي خلفتها الزيادات الكبيرة في تكاليف الإقراض. وفي بيئة حيث من المتوقع أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة مطولة، تصبح إعادة تمويل بعض عقود الديون ــ وخاصة في قطاع العقارات التجارية ــ أمرا متزايد الصعوبة.

الواقع أن التحول بعيدا عن عشر سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع وعمليات ضخ السيولة السخية من قِـبَـل البنوك المركزية عملية تدريجية وقد تكون مؤلمة لبعض الأطراف، وخاصة مع اقترابنا من «جدار استحقاق السداد» الذي يواجه قطاع الشركات في عام 2025.

تهدد هذه الشكوك بزعزعة استقرار سوق تتعامل في صميمها بالفعل مع تقلبات عالية إلى حد غير عادي. في غياب ركائز اقتصادية وسياسية وفنية قوية، ظلت عائدات سندات الخزانة الأميركية شديدة التقلب. وكلما طال أمد هذه الحالة من عدم الاستقرار، كلما ارتفعت احتمالات تسبب مخاطر أسعار الفائدة في إشعال شرارة الذعر في ما يرتبط بالائتمان والأسهم والسيولة.

وقد تؤدي التحولات الجيوسياسية والمحلية أيضا إلى تفاقم نقاط الضعف الاقتصادية والمالية والسوقية، مع تسبب الخسائر البشرية الهائلة والمروعة الناجمة عن الصراعات الجارية، وخاصة في غزة، في تعظيم خطر التصعيد وتقويض الاستقرار العالمي. علاوة على ذلك، يهدد الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة إزاء الصراع الدائر في الشرق الأوسط بالتعجيل بتفتت النظام الاقتصادي الدولي وتقليص مكانة أميركا ونفوذها العالمي بدرجة أكبر.

قد يُـفضي هذا، جنبا إلى جنب مع الثقة المتنامية التي تكتسبها «الدول الـمُـرَجِّـحة» المتوسطة القوة، إلى إعاقة عملية تنسيق السياسات الدولية التي تشكل أهمية بالغة في التصدي للتحديات العالمية مثل تغير المناخ، ونقص النمو، والديون المفرطة، واتساع فجوات التفاوت، ونقاط الضعف التي تعيب سلاسل العرض والتوريد، والحاجة إلى إزالة المخاطر عن علاقات اقتصادية بعينها دون التسبب في إحداث انفصال مؤلم. وقد تفرض الانتخابات في بلدان مستقطبة مثل الولايات المتحدة عقبات تحول دون التحرك العالمي في الوقت المناسب.

على الرغم من المشهد السياسي والجيوسياسي الأكثر صعوبة من أغلب التوقعات، فاق الاقتصاد العالمي التوقعات في عام 2023. ولكن في حين قد يكون من الـمُـغري الاستقراء من هذه التجربة والتنبؤ بأداء أقوى في عام 2024، فمن الأهمية بمكان أن نتعامل مع مثل هذه التوقعات بجرعة صحية من الحذر. فمن المحتمل بدرجة كبيرة أن يطيش سهم التوقعات الـمُـجـمَـع عليها مرة أخرى، وقد تكون العواقب أوخم هذه المرة.

محمد العريان رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج، وأستاذ بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب «اللعبة الوحيدة في المدينة: البنوك المركزية، وعدم الاستقرار، وتجنب الانهيار التالي».

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاقتصاد العالمی الولایات المتحدة أسعار الفائدة عام 2023

إقرأ أيضاً:

مصر تنطلق نحو المستقبل| تسويق سندات دولية بـ 2 مليار دولار لدعم النمو الاقتصادي.. وخبير يعلق

في خطوة استراتيجية مهمة نحو تعزيز الاقتصاد المصري، بدأت مصر تسويق سندات دولية بقيمة تصل إلى ملياري دولار، مما يعكس عزم الدولة على مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية وتعزيز الاستقرار المالي.

طرح السندات
وتأتي هذه الخطوة في وقت هام، حيث تسعى مصر إلى الاستفادة من الأسواق المالية الدولية لدعم مواردها من العملات الأجنبية وتعزيز قدرتها على تنفيذ مشروعات تنموية كبيرة، مع استمرار جهود الحكومة في دعم القطاعات الاقتصادية المختلفة. تظهر هذه السندات كأداة أساسية لتحقيق التوازن المالي ودفع عجلة النمو، مما يعكس رؤية مصر المستقبلية نحو اقتصاد قوي ومستدام.

وتطرح مصر سندات بأجل 5 و8 سنوات في الأسواق الدولية، بحسب إفصاح «جي بي مورجان سيكيوريتيز»، التابعة لبنك «جي بي مورجان» لبورصة لندن. وقال بنك «جي بي مورجان سيكيوريتيز»، وفقًا لبيان صدر أمس الثلاثاء، إنه اعتبارًا من اليوم تبدأ فترة استقرار الأسعار المتعلقة بالسندات، والتي تهدف إلى دعم السعر بعد إصدار السندات.

فيما لم يحدد الإفصاح قيمة الطرح وتركها حسب المستوى المعياري في السوق، أوضح مسؤول في أحد المؤسسات الدولية أن قيمة الطرح عادة ما تتراوح بين 1 و1.5 مليار دولار للشريحة الواحدة.

وبحسب إفصاح «جي بي مورجان سيكيوريتيز» لبورصة لندن، فإن الأوراق المالية المعروضة غير مضمونة من قبل جهة معينة، وسيتم إدراجها في بورصة لندن، ولن يتم عرضها أو بيعها في الولايات المتحدة، حيث إنها غير مسجلة وفقًا لقانون الأوراق المالية الأمريكي.

ومن المرجح أن تتراوح قيمة الإصدار لتبلغ نحو ملياري دولار، على شريحتين: الشريحة الأولى بأجل 5 سنوات وبسعر استرشادي 9.25%، والشريحة الثانية بأجل 8 سنوات وبسعر استرشادي 10%، وفقًا لـ«العربية Business».

من جانبه، قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن مصر تسوق حاليًا سندات دولية بقيمة 2 مليار دولار، وهو ما يعكس احتياج الدولة للعملة الصعبة لتلبية احتياجاتها التمويلية والظروف الاقتصادية العالمية، بجانب تأثيرات الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي أثرت بشكل كبير على موارد الدولة من العملات الأجنبية، ومنها قناة السويس التي شهدت انخفاضًا في إيراداتها بنسبة تتراوح بين 60% إلى 80% نتيجة تراجع حركة التجارة العالمية.

وأوضح الشافعي لـ«صدى البلد» أن الاقتصاد المصري يواجه تحديات كبيرة، منها التأثيرات السلبية للمعطيات الخارجية، مثل ارتفاع تكلفة الاستيراد وتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي. هذه الضغوط تؤدي إلى زيادة الحاجة إلى تمويل خارجي لتعزيز الاستقرار الاقتصادي في ظل المتغيرات العالمية التي لا تزال تلقي بظلالها على المنطقة.

وأشار إلى أن الدولة، رغم هذه التحديات، تعمل بشكل مكثف على دعم القطاعات الاقتصادية المتنوعة، مثل الصناعة والزراعة، لتقليل الاعتماد على الاستيراد وزيادة الإنتاج المحلي. هذا الاتجاه يهدف إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة تسهم في تقوية الاقتصاد وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.

وأكد أن هناك بوادر أمل في قدرة الاقتصاد المصري على تجاوز التحديات الحالية، خاصة مع الخطط القومية التي تهدف إلى تنشيط الاقتصاد وزيادة معدلات التصدير، مشددًا على أهمية استمرار العمل على تحسين بيئة الاستثمار، بما يعزز من قدرة الدولة على تحقيق التوازن المطلوب بين احتياجاتها الاقتصادية والضغوط الخارجية.

وكان أحمد كجوك، وزير المالية، قد أكد التزام مصر بعدم تجاوز إصدارات الدين الدولية 4 مليارات دولار خلال السنة المالية 2024-2025، وفقًا لما ذكره في مقابلة مع "الشرق" على هامش انعقاد منتدى دافوس.

وقال إن خطة الإصدارات الدولية "في مسارها السليم"، متوقعًا أن يشهد النصف الثاني من السنة المالية مجموعة من الإصدارات المتنوعة، ما يشكل "عودة لمصر إلى الأسواق العالمية مرة أخرى".

وأشار إلى أن البلاد تبحث أيضًا في إصدار صكوك، نظرًا إلى أنها "شهدت نجاحًا، وكانت من أدوات التمويل التي أظهرت صلابة خلال كل الفترات الماضية".

وفي سبتمبر 2021، طرحت وزارة المالية سندات دولارية دولية بقيمة 3 مليارات دولار، حيث استطاعت الوزارة تنفيذ الطرح على ثلاث شرائح (6 - 12 - 30 سنة)، بقيم مصدرة تبلغ 1.125 مليار دولار، و1.125 مليار دولار، و750 مليون دولار على التوالي، وهو الطرح الثاني خلال عام 2021، والطرح الأول خلال العام المالي الجاري 2021/2022.

مقالات مشابهة

  • روسيا تسجل نموا اقتصاديا بلغ 4% العام الماضي
  • البنك المركزي الأوروبي يخفض أسعار الفائدة 25 نقطة.. ويحذر من ضعف الاقتصاد
  • ارتفاع كبير في سعر الذهب العالمي وسط توقعات بتأثير قرارات الفيدرالي الأمريكي
  • الفيدرالي عن آثار سياسات ترامب على الاقتصاد: سننتظر لتقييمها
  • الذهب يستقر عالميا بعد تثبيت أسعار الفائدة الأمريكية
  • أسعار الذهب في محلات الصاغة اليوم الخميس
  • الفيدرالي الأمريكي يثبّت سعر الفائدة في أول اجتماع له خلال 2025
  • الاقتصاد الألماني يعاني من أزمة وتخوفات من انكماش الناتج المحلي
  • رئيس وزراء بريطانيا يؤكد بدء تعافي الاقتصاد
  • مصر تنطلق نحو المستقبل| تسويق سندات دولية بـ 2 مليار دولار لدعم النمو الاقتصادي.. وخبير يعلق