حرب غزة وشيطنة المسلمين في الهند
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
في 7 أكتوبر، نشر حزب (بهاراتيا جاناتا) الحاكم في الهند تغريدة، يوازن فيها بين هجوم حماس على إسرائيل والوضع في الهند قبل انتخاب (ناريندرا مودي) رئيسا للوزراء في عام 2014، قائلا: «ما تواجهه إسرائيل اليوم، عانت منه الهند بين عامي 2004 و2014»، مضيفا عبارة «لن نسامح أبدًا، ولن ننسى أبدًا».
إنّ الرسالة كانت واضحة، فقد كانت مصحوبة بفيديو لهجمات مسلحة سابقة، تروج لسردية الإرهاب الإسلامي، في بلدٍ تم فيه شيطنة السكان المسلمين البالغ عددهم 220 مليون نسمة من قبل الحكومة التي يقودها مودي في العام الذي سبق الانتخابات العامة.
بعد فترة وجيزة من نشر التغريدة، صوَّرت القنوات الإخبارية الموالية للحكومة في الهند الهجوم على إسرائيل على أنه تهديد للجهاد الإسلامي، وهو أمر زعموا أن الهند كانت في صراع معه منذ عقود، مدّعين أنّ الهند وإسرائيل واجهتا عدوًا مشتركًا، وهو «الإسلام»، ثم تبع ذلك ملايين التغريدات المتضامنة مع إسرائيل حملت خطابا معاديا للمسلمين.
تعود جذور هذا التطور إلى فكرة منحرفة عن التفوق الهندوسي، فتاريخيًّا، كان القوميون الهندوس يقدّسون أدولف هتلر، ويرجع ذلك إلى الفترة التي سبقت الاستقلال، عندما أشاد المنظر الرئيسي للحركة (إم. إس. جول والكار) بـ «الحل النهائي» الذي قدمه النازيون للمشكلة اليهودية واعتبره «درسًا جيدًا لنا في هندوستان لنتعلمه ونستفيد منه». لقد ظل كتاب «كفاحي»، لأدولف هتلر بتركيزه على التفوق العنصري، من أكثر الكتب مبيعا في الهند على الدوام.
ومع ذلك، فإن العديد من القوميين الهندوس اليوم هم أيضًا من المؤيدين المتحمسين لإسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، الذي يعتبره (مودي) أحد أصدقائه المقربين وأفضل حلفائه.
بل بلغ الأمر أن القوميين الهندوس اليمينيين المتطرفين احتشدوا خارج السفارة الإسرائيلية في نيودلهي مطالبين بالانضمام إلى قوات الدفاع الإسرائيلية لمحاربة العدو المشترك لكل من إسرائيل والهند، وقال أحد المذيعين على شاشة التلفزيون: «إنّ التفكير الإرهابي الإسلامي الجهادي المتطرف الذي تعده إسرائيل أنها ضحيته، نحن ضحيته أيضًا، فإسرائيل تخوض هذه الحرب نيابة عنا جميعا». وقال زعيم آخر لحزب (بهاراتيا جاناتا) الذي يتزعمه مودي على وسائل التواصل الاجتماعي: «قد نواجه الوضع الذي تواجهه إسرائيل اليوم إذا لم نقف ضد التطرف ذي الدوافع السياسية».
ويشكل هذا الدعم القوي لإسرائيل خروجا عن تاريخ التضامن الهندي مع الفلسطينيين، فوفقًا لموجز صدر عام 2019 على الموقع الإلكتروني للحكومة الهندية، فإن «دعم الهند للقضية الفلسطينية جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية للبلاد. وفي عام 1974، أصبحت الهند أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني».
لكن حزب (بهاراتيا جاناتا) بزعامة مودي يحتضن إسرائيل بما يتماشى مع الاعتقاد السائد بين العديد من القوميين الهندوس المحافظين بأن لهم الحق في إقامة دولة هندوسية، تماما كما نجح الصهاينة في إنشاء دولة يهودية. إن القوميين الهندوس، الذين غالبًا ما يرتدون الصليب المعقوف أو صورة هتلر أثناء عرض الصور على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يدركون جيدًا هذا التناقض؛ ومع ذلك، فإنهم يشيدون بإسرائيل باعتبارها الدولة الوحيدة التي يعتقدون أنها أظهرت للمسلمين مكانتهم التي يستحقونها، وهو نموذج يرغبون في تكراره في الهند، إذ يتم الآن إدخال قوانين في البرلمان لإلغاء وضع مساواة المسلمين بغيرهم في الهند.
عندما قال وزير الدفاع الإسرائيلي، (يوآف غالانت): «إننا نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك»، لاقى ذلك صدى مؤيدا في وسائل التواصل الاجتماعي الهندية. فحماس، بالنسبة لليمين الهندي، لا تمثّل كل فلسطيني فحسب، بل تمثّل كل مسلم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها اليمين الهندي الهجمات الإرهابية الدولية لتأجيج المشاعر المعادية للمسلمين، ففي أعقاب هجمات 11 سبتمبر، ظهر (مودي)، الذي كان حينها أحد كبار الموظفين في حزب (بهاراتيا جاناتا)، في برنامج حواري بعنوان «الكفاح الكبير» لانتقاد وسائل الإعلام الهندية لعدم اعترافها بالإرهاب الإسلامي واختار اقتباسات منتقاة بعناية من القرآن ليربط الإسلام بالإرهاب. وبعد بضعة أشهر، كانت ولاية (جوجارات) الهندية، حيث كان مودي رئيسًا للحكومة هناك، مسرحًا لمذبحة عام 2002 التي قُتل فيها أكثر من ألف شخص، معظمهم من المسلمين. (وبسبب عدم اتخاذه إجراءات لوقف أعمال الشغب، مُنِعَ مودي من دخول الولايات المتحدة لمدة تقرب من عقد من الزمان).
يدور الصراع بين إسرائيل وغزة في الوقت الذي تصل فيه الكراهية ضد الإسلام في الهند إلى ذروتها، وتجد المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة أرضًا خصبة، إذ غمرت مقاطع الفيديو المفبركة أو ذات التصنيف الخاطئ التي كان منشؤها الهند وسائل التواصل الاجتماعي وشوهدت ملايين المرات. وتروج صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للحكومة لمقاطعة اجتماعية شاملة للمسلمين حتى لا يتمكنوا من تنفيذ عمليات ضد الهندوس، ويشبهونهم بالفلسطينيين المشتبه في قيامهم بالتجسس لصالح حماس عندما كانوا يعملون في إسرائيل، بينما تحث رسائل الواتساب الهنود على التصويت لمودي باعتباره السبيل الوحيد لتجنب مثل هذه العمليات مستقبلا.
إن الدعم المكثف الذي تقدمه الهند لإسرائيل لا ينبغي أن ينظر إليه إلا من خلال عدسة واحدة، وهي السياسات المعادية للإسلام. ستُعقد الانتخابات العامة في أبريل ومايو، وسيكون كل مقعد في مجلس النواب بالبرلمان معرضا لخطر شغله من قبل حزب مودي، فلقد جاء الصراع بين إسرائيل وغزة في وقت ملائم جدا لمودي وحزبه.
رنا أيوب صحفية هندية ومؤلفة كتاب «ملفات غوجارات: تشريح المخفي».
عن واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی بهاراتیا جاناتا فی الهند
إقرأ أيضاً:
دراسة علمية فلسطينية: استثمار وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة للإعلاميين ومطلب أكاديمي مهم في الجامعات
أوصت دراسة إعلامية فلسطينية حديثة بأهمية استثمار وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة رئيسية لنشر القضية الفلسطينية على نطاق كبير للوصول إلى جمهور واسع، مشددة على ضرورة مواكبة الإعلاميين الفلسطينيين للتطورات التقنية والتكنولوجية لتعزيز دورهم في إيصال الرسائل الإعلامية بفعالية أكبر.
جاءت هذه التوصية ضمن توصيات متعددة لدراسةٍ أنجزها الباحث الفلسطيني الصحفي إسماعيل الثوابتة الذي يعمل مديراً عاماً للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة ضمن رسالته لنيل درجة الدكتوراه في الصحافة والإعلام، حملت عنوان: "مدى اعتماد الإعلاميين الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي في الوصول للجمهور". وأظهرت الدراسة حاجة ماسة إلى تسخير هذه الوسائل المهمة لإبراز الرواية الفلسطينية ومجابهة حملات التضليل والحظر التي تستهدف المحتوى الفلسطيني.
وسلطت الدراسة الضوء على مجموعة من التوصيات المهمة، أبرزها، تعزيز الوعي الأكاديمي بوسائل التواصل الاجتماعي حيث دعت الدراسة وزارة التربية والتعليم العالي والجامعات الفلسطينية إلى تطوير المناهج التعليمية المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، وتضمينها في مختلف التخصصات لضمان فهم أعمق للمنصات الرقمية وتوظيفها بفعالية لخدمة القضية الفلسطينية.
كما أوصت الدراسة الإعلاميين الفلسطينيين بالالتحاق بالبرامج الأكاديمية والتخصصية الجامعية في الصحافة والإعلام والاتصال، لإثراء خبراتهم بصبغة علمية تضيف بُعداً عملياً وواقعياً لعملهم.
كما وحثت الدراسة الصحفيين على اتخاذ تدابير ذكية لتجنب الحظر أو الحجب الذي تمارسه منصات التواصل الاجتماعي ضد المحتوى الفلسطيني، مع دراسة سياسات هذه المنصات واستثمار التكنولوجيا الحديثة لدعم عملهم الإعلامي.
وأظهرت الدراسة أن الجمهور الفلسطيني يستهلك وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، إلا أن العديد من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية لا تزال تتردد في الاستثمار الكامل في هذه الوسائل، مما يحد من وصولها إلى جمهور أوسع.
اعتمد الباحث الثوابتة على المنهج الوصفي في دراسته العلمية، مستخدماً أدوات متعددة منها الاستبانة، والمقابلات، والملاحظة الميدانية. وشارك في الدراسة 189 إعلامياً معتمداً لدى المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، حيث تم تحليل البيانات باستخدام برنامج (SPSS) الإحصائي، ما منح الدراسة مصداقية علمية وأهمية إضافية في فهم الواقع الإعلامي الفلسطيني.
تُعد هذه الدراسة واحدة من الدراسات القليلة التي تركز على الاستخدام الاستراتيجي لوسائل التواصل الاجتماعي في الإعلام الفلسطيني. وتبرز أهميتها في توجيه الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية والجامعات الفلسطينية نحو ضرورة استثمار أمثل لهذه الوسائل، بما يعزز من وصول الرسالة الإعلامية الفلسطينية إلى الجمهور العالمي، ويدعم حق الشعب الفلسطيني في إيصال صوته وحقيقته للعالم.
المصدر : وكالة سوا