المستشفيات والقانون الدولي الإنساني.. الخط الذي كان أحمر
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
لطالما كان الهجوم على المشافي وتدميرها خطا أحمر وجريمة شنيعة طبقا للقانون الدولي الإنساني، ولكن إسرائيل تجاوزت هذا الخط مرارا وتكرارا وأمام الكاميرات.
ومنذ بداية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قصف الاحتلال مشافي غزة وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، مما نتج عنه استشهاد المئات من المرضى والجرحى وتدمير سبل الحياة الأخيرة في غزة.
وتضمنت قائمة المشافي المستهدفة مجمع الشفاء الطبي والمعمداني، والقدس، والرنتيسي، والإندونيسي، والعودة، وهي المشافي الرئيسية في غزة.
وكذلك قطعت إسرائيل الكهرباء والمياه والوقود عن هذه المرافق الصحية وهو ما يشكل جريمة حرب بجميع المعايير.
وتساهم هجمات إسرائيل في رسم نهج جديد ذي أبعاد مرعبة لما يمكن لدولة أن تفعله على مسمع ومرأى من المجتمع الدولي.
تشريع الجريمةالمفكر والمحلل السياسي ذو الأصول اليهودية نورمان فينكلستاين علق على هذا النهج في محاضرة في جامعة جورجتاون في قطر قائلا "شرعت إسرائيل والأوروبيون والأميركيون شيئا كان حتى هذه اللحظة خطا أحمر مطلقا وفعلا محرما في السياسة الدولية. لقد هاجمت دول أخرى المستشفيات من قبل، ولكن أفعالها لم تُعْط شرعية أبدا".
وانتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش الهجمات المتكررة التي شنتها القوات العسكرية الإسرائيلية على المرافق والكوادر الطبية، مشيرة إلى أنها تُدمّر نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة، وأنه ينبغي التحقيق فيها كجرائم حرب.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن إسرائيل قتلت ما لا يقل عن 521 شخصا، بما في ذلك 16 عاملا طبيا، في 137 "هجوما على الرعاية الصحية" في غزة حتى تاريخ 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
هذه الهجمات وما صاحبها من قطع للكهرباء والمياه ومنع للمساعدات، جعلت الكوادر الطبية تتعامل مع أعداد هائلة من المصابين في ظروف بالغة التعقيد، مما دفع الكثير من الأطباء لإجراء العمليات بدون تخدير.
وكان تبرير الجانب الإسرائيلي لهذه الهجمات هو الادعاء بأن مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوجدون في هذه المشافي، وهو ما أكد عدم صحته أطباء ومسؤولون.
وقد تكشّف أمام الكاميرات زيف ادعاء الجيش الإسرائيلي وجود قاعدة لحماس تحت مجمع الشفاء، فلم يستطع الاحتلال تقديم دليل مقنع رغم احتلاله للمشفى.
وحينها، قال المدير العام لمنظمة أطباء بلا حدود ميني نيكولاي "إن بيان مهلة 24 ساعة الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية والذي ينص على أنه يجب على سكان شمال غزة مغادرة أراضيهم ومنازلهم ومستشفياتهم، أمر مثير للغضب، وهو يمثل هجوما على الرعاية الطبية وعلى الإنسانية. نحن نتحدث هنا عن أكثر من مليون إنسان".
وأضاف أن عبارة "غير مسبوق" لا تغطي حتى الأثر الإنساني الطبي لهذا الأمر، لأن "غزة تسوى بالأرض، وآلاف الناس يموتون. يجب أن يتوقف ذلك الآن، نحن ندين البيان الإسرائيلي أشد الإدانة."
استثناءات وثغرات
وتنص القاعدة 35 من القانون الدولي الإنساني على أنه "يحظر توجيه هجوم على منطقة أنشئت لإيواء الجرحى والمرضى والمدنيين وحمايتهم من آثار القتال".
كما يحمي القانون الدولي الإنساني كل من يوجد داخل المستشفى من مدنيين وجرحى ومرضى، والعاملين في المجال الطبي والديني، وموظفي الإغاثة الإنسانية، فجميعهم فئات محمية وفقا لقواعد القانون الدولي العرفي 1 و47 و25 و27 و31 بالترتيب.
ولكن وفقا للمادة 13 من الملحق الأول الإضافي لاتفاقية جنيف، وهي جزء من القانون الدولي الإنساني، فإن هذه الحماية سارية فقط بشرط ألا "تستخدم المستشفيات لارتكاب أعمال ضارة بالعدو، خارج نطاق وظيفتها الإنسانية".
وتعرف اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأعمال الضارة بأنها تشمل "استخدام المستشفى كمأوى للمقاتلين الأصحاء أو الهاربين، أو كمستودع للأسلحة أو الذخيرة، أو كمركز مراقبة عسكري".
وهذا ما حاولت إسرائيل أن تتذرع به في تبرير هجماتها ضد القطاع الصحي في غزة، ولكنها فشلت في تقديم أي دليل يدعم مزاعمها.
وبالمثل، في حين أن القاعدة 25 من القانون الدولي الإنساني والمادة 2 من اتفاقية جنيف لعام 1864 تحظران مهاجمة العاملين في المجال الطبي، إلا أنهما تنصان على أن هذه الحماية تشترط حيادة العاملين في المجال الطبي حيث إنهم "يفقدون حمايتهم إذا ارتكبوا، خارج نطاق وظيفتهم الإنسانية، أعمالا ضارة بالعدو".
دعوة لسد الذرائع
وتعد غزة حالة رئيسية تستحق الدراسة فيما يتعلق بكيفية استغلال هذه القوانين، حيث إنها تترك المجال للسياسيين وصناع القرار لتبرير مهاجمة المشافي والطواقم الطبية.
ووفقا للباحثيْن في القانون الدولي نيكولا بيروجيني من جامعة أدنبرة ونيف جوردون من جامعة كوين ماري، فإنه يجب منح المستشفيات حصانة كاملة ضد أي هجوم، حتى لا يستغل أي طرف الاستثناءات التي وردت قي القانون الدولي الإنساني.
وهذا الطرح يؤيده واقع أن إسرائيل عندما تهاجم المستشفيات، فإنها لا تنكر ضرورتها الطبية، ولكنها تدعي بأنها تستخدم كذلك لدعم وتقوية حماس عبر كونها ملجأ لهم.
وفي حالة غزة، فإن الصمت الدولي خصوصا الأميركي والأوروبي، يضفي شرعية على المزاعم الإسرائيلية مما يسمح لها بالاستمرار في قصف المستشفيات، وفق العديد من الحقوقيين.
————
*باحثة في السياسة الدولية
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القانون الدولی الإنسانی فی غزة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل تواصل ترويج الأكاذيب لتضليل المجتمع الدولي.. وجيش الاحتلال يصعّد عملياته العسكرية في غزة
◄ كشف أكاذيب إسرائيل حول "أنفاق فلاديلفيا"
◄ الاحتلال يشن واحدة من أكبر الغارات على غزة منذ أسابيع
◄ استهداف جرافات ومركبات تستخدم في رفع الأنقاض
◄ تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال يهدد حياة 600 ألف طفل
◄ مناقشة مقترح جديد لهدنة تمتد إلى 7 سنوات
الرؤية- غرفة الأخبار
تواصل إسرائيل تضليل الرأي العام الدولي عبر الترويج للأكاذيب خلال عدوانها الغاشم على قطاع غزة، كما أنها تصعد من هجماتها على القطاع المحاصر في الأيام الأخيرة، رغم التنديدات الدولية بهذه الممارسات الإجرامية.
ولقد كشف يوآف جالنت، وزير دفاع جيش الاحتلال المقال والمطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، جانبا من هذه الأكاذيب، والتي تتعلق بصورة النفق الذي ادعت إسرائيل إنها عثرت عليه في محور فلاديلفيا قرب الحدود المصرية.
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، قال جالنت: "الصورة التي نشرها الجيش وقال إنها لعربة له بنفق في محور فيلادلفيا لم تكن لنفق وإنما لخندق، وتم تسويقه على أنه نفق عميق للمبالغة في أهمية محور فيلادلفيا وتأخير صفقة الأسرى".
ويأتي ذلك بعد أيام من الروايات الإسرائيلية المضللة حول واقعة إعدام عدد من المسعفين الفلسطينيين في قطاع رفح، على الرغم أنه جرى توثيق هذه المذبحة على هاتف أحد المسعفين قبل استشهاده.
وميدانيا، شن جيش الاحتلال، الثلاثاء، واحدة من أكبر الغارات على غزة منذ أسابيع، فيما أصدر مسؤولون في قطاع الصحة تحذيرا جديدا من أن منظومة الرعاية الصحية تواجه انهيارا تاما بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على جميع الإمدادات.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة تعليق حملة التطعيم ضد شلل الأطفال التي تدعمها الأمم المتحدة، مما يعرض القطاع لخطر عودة ظهور المرض الذي كاد أن يقضى عليه تماما، وكانت الحملة تستهدف أكثر من 600 ألف طفل.
وقال فلسطينيون إن القوات الإسرائيلية قصفت عدة مناطق في أنحاء القطاع بالدبابات والطائرات والزوارق البحرية، مضيفين أن الهجمات أصابت منازل ومخيمات وطرقا.
وأفاد مسؤولون وسكان بأن الغارات الجوية دمرت جرافات ومركبات تُستخدم لرفع الأنقاض والمساعدة في انتشال الجثث المحاصرة تحت الأنقاض.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة خليل الدقران إن منع وصول الإمدادات يُعرّض حياة مئات الآلاف من المرضى في مستشفيات قطاع غزة للخطر.
وأضاف "إذا لم تتوفر التطعيمات فنحن بصدد كارثة حقيقية، لا يجوز استخدام الأطفال والمرضى كأوراق ابتزاز سياسي". وذكر أن 60 ألف طفل تظهر عليهم الآن أعراض سوء التغذية.
وفي إطار جهود دبلوماسية لإنهاء الحرب، من المقرر أن يصل وفد من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إلى القاهرة لإجراء محادثات.
وقال مصدران إن الوفد سيناقش عرضا جديدا يتضمن هدنة لمدة تتراوح بين خمس وسبع سنوات بعد إطلاق سراح جميع الأسرى ووقف القتال.
وأضاف المصدران أن إسرائيل، التي رفضت عرضا قدمته حماس في الآونة الأخيرة لإطلاق سراح جميع الأسرى مقابل إنهاء الحرب، لم ترد بعد على مقترح الهدنة طويلة الأمد. وتطالب إسرائيل بنزع سلاح حماس، وهو ما ترفضه الحركة.
وتمنع إسرائيل وصول أي إمدادات إلى غزة منذ بداية مارس، واستأنفت عملياتها العسكرية في 18 من الشهر الماضي بعد الانقلاب على قف إطلاق النار.
وتقول السلطات الصحية في غزة إنه منذ ذلك الحين أسفرت الغارات الإسرائيلية عن استشهاد أكثر من 1600 فلسطيني وأجبرت مئات الآلاف على ترك منازلهم مع سيطرة إسرائيل على ما تسميه منطقة عازلة من أراضي غزة.
وصارت جميع المباني تقريبا في غزة غير صالحة للسكن بعد حملة القصف الإسرائيلية المستمرة منذ 18 شهرا. ويعيش معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة الآن في العراء مستظلين بخيام مؤقتة. ومنذ فرض الحصار الشامل الشهر الماضي، أُغلقت جميع المخابز التي كانت تعمل بدعم من الأمم المتحدة وعددها 25.