لجريدة عمان:
2025-03-12@11:30:59 GMT

نوافذ: نسخة كئيبة من العجز البشري!

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

قد لا يتمكن الأجداد من فهم ما يردده الأحفاد عندما يصفون أنفسهم بكلمة: «تعب!»، فلديهم تصوّر جاهز بأنّ هذا الجيل المدلل لم يُكابد «تعبًا» مُماثلا لما عايشوه هم في عقود مضت، عندما كانت أياديهم العارية تنسجُ تفاصيل علاقتهم الشاقة بالحياة وبلقمة العيش.

قد يبدو الأمر عسيرا على الفهم حقا، إلا أنّ الحياة ـ شئنا أم أبينا ـ تختلقُ صنوفا من المعاناة لم تكن موجودة من قبل! فالتعب -وإن تغير الزمان والظروف والمفردات والأعراض والتفسيرات- لا يخفت ولا ينطفئ بتغير الأعمال الخشنة، «يبدو أنّه مترسخٌ في الأجساد مسجلٌ أيضا عبر القرون في الوعي وفي البنيات الاجتماعية إلى أن يصيبنا في العمق».

في الحقيقة لفتني أن يكون «التعب» موضوعا ومادة دراسة. قرأتُ هذا في فصول كتاب «تاريخ التعب» للكاتب جورج فيغاريلو،ت : محمد نعيم، دار: صفحة ٧، فتراجع الأعمال المُنهكة التي حلّت محلها الآلة، لا يعني بالضرورة أنّنا قلصنا العقبات المحتملة وصنوف الهشاشة وقابلية العطب البشري.

يتتبع الكتاب تاريخ التعب من العصر الوسيط وحتى أيامنا هذه، فعلى سبيل المثال يتبدى «المحارب» كأنموذج مركزي في العصور الوسطى، يُقاس تعبه بعدد الطعنات التي يتلقاها في ساحات المبارزة. يتحدث فيغاريلو عن العصر الوسيط الذي عظّم التعب المرتبط بالقتال وليس المرتبط بالعمل، فما يثيرُ التقدير هو الزبد الخارج من الفم، قصص المنهكين التائهين في الصحاري، الأرجل الدامية، ولأنّ الخارج يفرض نفسه كأولوية، فقيمة المعركة تكمن في أن تكون طويلة وطاحنة. ولكي يتكثف معنى النصر ينبغي أن يكون المحارب صلبا، فالأشياء تُقدر قيمتها بمشقتها. أمّا المتفرجون في العصور الوسطى فيثمنون الضراوة وعدد الضربات. ولا أدري لماذا أحالني هذا المشهد من الكتاب إلى الحرب على «غزة»، حيث يتحول بعضنا إلى مجرد «مشجعين» في حلبة مصارعة، مُتناسين الحيوات التي تُهدر والدماء التي تُراق دون ذرة عاطفة واحدة! بل إنّ حماسهم يدفعهم لأن ينتظروا من الأبطال أن ينجزوا مهمتهم كما يفعل الخارقون في الأساطير دون توجع أو تفجع، وكأنّهم بذلك -أي المشجعون- يعوضون خرابهم الداخلي ووضاعة أحوالهم!

في القرن السابع عشر ظهرت مفردات جديدة، من قبيل كلمة «فتور» التي أثارها الأثرياء الذين بدأوا يشكون من أوجه ضعف وهشاشة. وأيضا ثمّة آلام لم تكن تسترعي انتباه الإنسان القديم ولكن في القرن الثامن عشر أطلق عليها «تصلب عضلي»، ثمّ تناسلت كلمات العياء ودلالاتها. أمّا السفر في وقت كان بلا خرائط، فقد كان يعني ملء الفراغات بمزيد من التعب. فالمسير بقدر ما يصنع التقدم، بقدر ما يمد أشكال المعاناة. فالخارج الجغرافي يؤكد «ألم» الداخل الجسدي.

لقد تأكد «العياء العام وهيمنته أكثر من أي وقت مضى، بل وتحول إلى بداهة يومية». ففي القرنين 20-21 ارتبط التعب بالهم والقلق، وتلك الفكرة التي تطارد الجميع بضرورة تحقيق الذات، فالظروف المعيشية الحديثة تحرض على التنافس، والاعتراف المهني يغدو أشبه بمكافأة عاطفية، الأمر الذي يُضاعف أرباح منتجي مضادات الاكتئاب، وكأنّ «لا شيء من رؤية العياء والإنهاك سيتغير مع الوقت»!

كنا نظن أنّ الحياة اليوم بدخول الألفية الجديدة ستلغي مفردة «التعب» من قاموسها إلا أنّ المفردات تتزايد! إذ «يحل العبء المعلوماتي محل العبء الجسدي، وتظهر التمزقات الشخصية أو الجماعية» بصور لا يمكن إنكارها، فيبطل الإحساس بالقوة والحماسة في ظل اجتياح النفايات الكيميائية للأجساد كما يصورها فيغاريلو.

فهذا العالم في فوران حواسه المحتدمة، من الأكيد أن يترك انطباعا على الأبدان، فها نحنُ على سبيل المثال محاطون برعب المشاهدة التي تخترق بيوتنا، الرسائل والمشاهدات التي تعصف بنا بكثافة مرعبة فتضع عدسة مكبرة على حوادث الزمان، بينما لم يكن الإنسان فيما سبق محاطا بثورة معلوماتية كما هو الحال الآن والتي رغم أهميتها: «تجفف الأبدان البشرية وتؤدي إلى خراب الأرواح الحية».

إننا في حقيقة الأمر نتمرغُ في القلق! بسبب السيلان الإخباري الذي يقض مضجعنا فلا نروم التخلي عنه ولا نروم الاتصال اليومي المعذب به! الأمر الذي يُؤكد أنّ التعب لن يغادرنا أبدا، فهو «نسخة كئيبة وحتمية من العجز البشري».

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

500 نسخة فقط.. لامبورغيني تطلق "عربة خارقة" للرُضع

فجرت شركة صناعة السيارات الإيطالية أوتوموبيلي لامبورغيني، مفاجأة بدخولها مجال معدات الأطفال من خلال الشراكة مع العلامة التجارية البريطانية سيلفر كروس لإنتاج عربة أطفال بإصدار محدود تسمى ريف أل أرانسيو.

ووفق ما نشره موقع "Fast company"، فمن المُقرر أن تُصنع الشركة 500 عربة فقط بلوحة مرقمة، تطلق عليها اسم "عربة الأطفال الخارقة" بسعر يبلغ حوالي 5000 دولار.
وتقول شركة سيلفر كروس، إن تصميم عربة الأطفال مستوحى من أسس لامبورغيني، حيث زودت بدواسة فرامل مستوحاة من السيارات، ومقود يدوي الصنع، وجلد سويدي عالي الأداء مع تفاصيل من الجلد الإيطالي.

وتأتي العربة مع سرير حمل من البولي كربونات عالي اللمعان، وعجلات تعليق كاملة، وحامل أكواب، وجرى دمج شعار لامبورغيني الثور والدرع في جميع أنحاء العربة.
واستغرقت عملية تصميم عربة "Reef AL Arancio"، أكثر من عامين وشملت اجتماعات مع فريق التصميم والترخيص بشركة لامبورغيني وزيارات إلى صالات عرضها لاستلهام الأفكار.

مقالات مشابهة

  • فرنسا بين العجز المالي والطموح العسكري: كيف سيموّل ماكرون خططه الدفاعية؟
  • استمرار العجز في سوق البلاتين للعالم الثالث على التوالي
  • 500 نسخة فقط.. لامبورغيني تطلق "عربة خارقة" للرُضع
  • عاجل المساحة الجيولوجية لـ"اليوم": تدشين أكاديمية الهيئة يعزز رأس المال البشري
  • حجز 118 كلغ من اللحوم البيضاء غير صالحة للإستهلاك البشري
  • يوعابد: أمطار مارس أنهت نصف شتاء من العجز في التساقطات
  • سيدي بلعباس.. حجز ما يفوق قنطارين من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك البشري
  • ماذا يفعل النصر في إياب ثمن نهائي «أبطال آسيا»؟
  • توزيع 29 ألف مصحف على المعتمرين بمطار جدة
  • الرسوم الجمركية لن تحل مشاكل أمريكا