عودة الحرب: هل فقد الأميركيون التأثير في "إسرائيل"؟

هل يمتلك الأميركيون قدرة التأثير في "إسرائيل"؟ واقعياً، يرتبط كل عمل سياسي أو نشاط خارجي للدولة بعاملين: الإرادة والقدرة.

الأميركيون لديهم القدرة على ممارسة الضغوط على "إسرائيل" سياسيا وعسكريا واقتصاديا، لكن الواقع أنه ليس هناك إرادة ورغبة أميركية بهذا الشأن.

يمتلك الأميركيون أدوات القوة التي يمكن استخدامها للضغط على "إسرائيل" لوقف عدوانها على قطاع غزة أو لإجراء تسوية سياسية تؤدي لاستقرار المنطقة من أجل التفرغ لاحتواء الصين.

* * *

في صباح يوم الجمعة في الأول من كانون الأول/ديسمبر، أعلنت "إسرائيل" عودة عملياتها العسكرية في قطاع غزة، وقامت الطائرات الإسرائيلية بقصف البيوت المدنية والبنى التحتية في القطاع، وذلك بعد زيارة قام بها وزير الخارجية الأميركي لـ"إسرائيل"، وتحدث فيها عن وجوب تمديد الهدنة الإنسانية لأيام أخرى يتم فيها تحرير الرهائن وإمداد القطاع بالمساعدات الإنسانية.

وكان بلينكن قد شارك في اجتماع مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي. ونقلت وسائل الإعلام عنه أنه لم يعارض كلياً عودة العمليات العسكرية ضد حماس، بل قال إنها "يجب ألا تتسبب في نزوح جماعي للسكان، وإن إسرائيل لا تملك أشهراً لتحقيق أهداف العملية العسكرية".

هذه التصريحات تتناقض مع الأهداف المعلنة لمهمته الأساسية التي جاء بها إلى المنطقة، والتي تشي بأحد أمرين: إما أن الولايات المتحدة لا تملك الأدوات والوسائل الكافية للضغط على "إسرائيل" لوقف عدوانها، وإما أن الموقف الأميركي الرسمي من التطورات في غزة لا ينفصل عن الموقف الإسرائيلي، وأن الدعوات التي تصدر من هنا وهناك، والتي تدعو الى تجنّب القتل الواسع للضحايا المدنيين، ما هي إلا محاولة لـ"تقليص الانتقادات" العالمية لـ"إسرائيل" وإدارة بايدن.

ولمعرفة الأمر الأكثر صدقاً، من المفيد إعادة التذكير بجوهر وتاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وأسباب الدعم الأميركي اللامحدود لأعمال "إسرائيل" المخالفة للقوانين الدولية.

تاريخ العلاقة الأميركية - الإسرائيلية

توصف العلاقة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة بـ"العلاقة الخاصة"، كما وصفها الرئيس جون كينيدي. وبالرغم من الدعم الأميركي لإنشاء دولة يهودية بعد الحرب العالمية الثانية، فإن العلاقة بين الطرفين لم تتطور إلا بعد حرب عام 1967، حين أظهرت "إسرائيل" تفوقها العسكري على حليفين للسوفيات (مصر وسوريا).

بانتصارها في تلك الحرب، آمن الأميركيون بأن لـ"إسرائيل" قيمة استراتيجية، بحيث يمكن توكيلها بـ"دور وظيفي" يتحدد في احتواء الاتحاد السوفياتي في الشرق الأوسط، وردع القوى العربية المناوئة للغرب، وتأمين إمدادات النفط.

وعلى الرغم من العلاقة الخاصة، فلم تبدأ المساعدات العسكرية "المجانية" الواسعة لـ"إسرائيل" إلا في عهد الرئيس كلينتون الذي وقّع في آخر ولايته الثانية 3 مذكرات تتعهد فيها الولايات المتحدة بتقديم المليارات من المساعدات العسكرية سنوياً، ولمدة 10 سنوات.

وقد تطوّرت تلك المساعدات تدريجياً، وصار كل رئيس أميركي يضيف إليها سنوياً، حتى بلغت المساعدة العسكرية الأميركية لـ"إسرائيل" قبل حرب غزة ما يقارب 4 مليارات دولار سنوياً. وانطلاقاً من الالتزام الأميركي بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل" في المنطقة، والحفاظ على الردع الذي تتمتع به ضد أعدائها، أصبحت "إسرائيل" عاشر أكبر مصدر للأسلحة في العالم.

هل يمتلك الأميركيون قدرة التأثير في "إسرائيل"؟

واقعياً، يرتبط كل عمل سياسي أو نشاط خارجي للدولة بعاملين: الإرادة والقدرة.

بالنسبة إلى القدرة، يمتلك الأميركيون الكثير من أدوات القوة التي يمكن استخدامها للضغط على "إسرائيل" لوقف عدوانها على قطاع غزة أو للذهاب إلى تسوية سياسية تؤدي إلى استقرار في المنطقة يريده الأميركيون بشدة من أجل التفرغ لاحتواء الصين.

لكن، وبالرغم من اعتقاد الكثير من الخبراء الأميركيين أنَّ المكاسب التي تجنيها الولايات المتحدة من "إسرائيل" في المنطقة لا توازي الثمن الأخلاقي والدولي المدفوع عالمياً، وخصوصاً الكره الذي تشعر به العديد من شعوب العالم لأميركا، ولا سيما العربية، تبقى الفوائد الشخصية والكلفة العالية لانتقاد "إسرائيل" في الداخل الأميركي العامل الأساسي.

يجني المسؤولون الأميركيون فوائد شخصية من دعم "إسرائيل"، وخصوصاً في ظل فاعلية اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، والتأييد العارم الذي تتمتع به "إسرائيل" بين الكنائس الإنجيلية.

إضافة إلى ذلك، لدى "إسرائيل" من النفوذ والمكانة والقدرات ما يجعل معاداتها أو انتقادها مكلفاً داخل أميركا، ولنا في ما حصل مع الرئيس الأسبق باراك أوباما بعد انتقاده نتنياهو مثال واضح.

وبناء عليه، يبدو أن ما نراه أو ما يحكي عنه من انقسامات داخل الإدارة الأميركية هو نوع من توزيع الأدوار داخل الحزب الديمقراطي الذي يخشى أن يتكرر مع بايدن في انتخابات عام 2024 ما حصل مع هيلاري كلينتون عام 2016، حين امتنع جزء من الديمقراطيين عن التصويت، ما سمح بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

في النتيجة، من المؤكد أن الأميركيين لديهم القدرة على ممارسة الضغوط على "إسرائيل"، وهي قدرات ووسائل ضغط سياسية وعسكرية واقتصادية وعقوبات وسواها من الوسائل التي تستخدم في العالم، والتي تمّ يوماً تهديد الحلفاء الأوروبيين بها، لكن الواقع أنه ليس هناك إرادة ورغبة أميركية بهذا الشأن.

*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

المصدر | الميادين نت

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أميركا إسرائيل فلسطين غزة الحرب على غزة أدوات القوة طوفان الأقصى الولايات المتحدة الولایات المتحدة التأثیر فی

إقرأ أيضاً:

مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"

بعد مرور حوالي عام على لحظة وداعه المؤثرة لحفيدته الصغيرة ريم، ارتقى الجد الفلسطيني خالد نبهان، المعروف بلقب "أبو ضياء"، إثر قصف إسرائيلي استهدف مخيم النصيرات وسط قطاع غزة. نبهان، الذي أصبحت صورته وهو يحتضن جثمان حفيدته رمزا لمعاناة الفلسطينيين، يكتب اليوم فصلا جديدا من المأساة التي لا تنتهي.

اعلان

في نوفمبر 2023، أبكى خالد نبهان العالم وهو يودع حفيدته ريم التي قتلت في غارة إسرائيلية، بكلمات حنونة خالدة: "روح الروح.. ما لي غيرك، ما لي بالدنيا غيرك". تلك اللحظة الحزينة انتشرت عالميا، مجسدة حجم الألم الذي يعيشه الفلسطينيون يوميا في ظل الحرب الإسرائيلية الدامية والمتواصلة منذ أكثر من 14 شهرا.

Relatedالحرب على غزة: مجازر إسرائيلية على وقع مفاوضات التبادل ونتنياهو يؤكد "غيرنا الشرق الأوسط وسنستمر"الحرب بيومها الـ437: قتلى في غزة ولبنان وقصف على سوريا وكاتس يعلن عن جهوزية الجيش لضرب إيرانمقتل 28 فلسطينياً بينهم أطفال ونساء في غارات إسرائيلية على غزةعشرات القتلى والجرحى بقصف إسرائيلي على غزة والأونروا: قرار إسرائيل يهدف لتجريد اللاجئين من حق العودة

كما ظهر الجد "أبو ضياء" في وقت سابق في لقاءات صحفية حيث تحدث عن معاناته بسبب الحرب ومقتل أحبائه. لم يصمد طويلاً أمام فراق حفيدته وصديقه الدكتور محمود الشيخ علي الذي قتل هو الآخر في وقت سابق من نفس الشهر في ضربة أخرى.

View this post on Instagram

A post shared by khaledmnabhann (@khaledmnabhann)

منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش قطاع غزة تحت وطأة حرب شرسة شنها الجيش الإسرائيلي، أودت بحياة عشرات الآلاف وخلفت دمارا هائلا. وبحسب التقارير، تجاوزت الحصيلة أكثر من 151 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، غالبيتهم من النساء والأطفال، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي حلت بالسكان المدنيين.

هذا وأسفرت الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة عن تدمير واسع للبنية التحتية في قطاع غزة، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.

ويعاني السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والدواء، فيما تتضاعف المعاناة بسبب الحصار الذي يمنع وصول المساعدات الإنسانية الأساسية إلى المنطقة.

وفي وقت تتفاقم فيه الأزمة، أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن تل أبيب باتت على وشك إنهاء "مهمتها" في القطاع، مع تأكيدات حول قرب إتمام صفقة تبادل الأسرى.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية تل أبيب تغلق سفارتها في أيرلندا بسبب "السياسات المعادية لإسرائيل" أو هكذا قالت هل آن أوان "إسرائيل الكبرى"؟ حافظ الأسد أراد السباحة يوما في طبريا فاحتل نتنياهو أعلى قمم جبل الشيخ أستراليا تُباغت الزوار الإسرائيليين بإجراء جديد: استبيان يُشعل القلق في تل أبيب أزمة إنسانيةقطاع غزةضحاياقصفالصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعتداء إسرائيلاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. الحرب بيومها الـ437: قتلى في غزة ولبنان وقصف على سوريا وكاتس يعلن عن جهوزية الجيش لضرب إيران يعرض الآن Next الكرملين: لا قرارات نهائية بشأن مستقبل القواعد الروسية في سوريا حتى الآن يعرض الآن Next لمكافحة استغلال الأطفال عبر الإنترنت.. السويد تدرس فرض حدود عمرية على وسائل التواصل الاجتماعي! يعرض الآن Next البرلمان الألماني يصوت اليوم على منح الثقة لشولتس وحكومته: هل سيفشل؟ يعرض الآن Next أجسام طائرة مجهولة تثير الفزع في أمريكا وترامب يطالب بإسقاطها فورًا.. ماذا نعرف حتى الآن؟ اعلانالاكثر قراءة ما الذي يخبئه فروٌ على كتفي سيدة؟ كاميرا خفية تدخل مزارع تربية الثعالب في فنلندا فماذا وجدت؟ عزل رئيس كوريا الجنوبية.. احتجاجات حاشدة في سيول تطالب بسحب القرار مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز لصوص بالعشرات بينهم رجال ونساء وأطفال.. جرائم نهب وحرق للبيوت داخل مجمع سكني قرب دمشق سوريا ما بعد الأسد.. تصريحات أردوغان تثير البلبلة فهل تتحول البلاد إلى محمية تركية؟ اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومسورياإسرائيلبشار الأسدهيئة تحرير الشام روسياعيد الميلادإيرانبنيامين نتنياهوبودابستغزةدونالد ترامبداعشالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • تعاون بين «أبوظبي للاستثمار» وبنك التصدير والاستيراد الأميركي
  • تحالف “أوبك+” قلق من زيادة إنتاج النفط الأميركي
  • في عهد ترامب: تحولات محتملة في العلاقة بين واشنطن وبروكسل بشأن ملف التكنولوجيا
  • وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز القيادة التعبوي الذي تنفذه المنطقة الجنوبية العسكرية
  • الأسلحة الكيميائية وسر نظام الأسد المظلم الذي تخشاه إسرائيل والغرب
  • روني كاسريلز.. حان الوقت لتغيير حق الفيتو الذي يحمي إسرائيل
  • الجارديان تستعرض الأزمات التي تعصف بألمانيا وفرنسا قبل عودة ترامب
  • مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"
  • وزير الأمن الداخلي الأميركي: لا تورط أجنبي بشأن مشاهدات المسيّرات
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته