أبدى الكاتب الأميركي توماس فريدمان حذره الشديد من استمرار إسرائيل في غزوها البري لغزة مخافة أن تغوص في وحلها إلى الأبد، وأن تصبح كل "علل" القطاع تحت مسؤوليتها، وأن تضطر إلى إدارة سكانه الذين يزيد عددهم على مليوني شخص يرزحون تحت وطأة أزمة إنسانية.

 

والأسوأ في ظل سيناريو من هذا القبيل -من وجهة نظر الكاتب- أن ذلك سيلطخ سمعة الجيش الإسرائيلي الذي ظل يسعى لاستعادة ثقة الإسرائيليين فيه.

 

وحث في البداية القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في التأمل بالقول المأثور المنسوب إلى كونفوشيوس "قبل أن تشرع في رحلة الانتقام، احفر قبرين أحدهما لعدوك والآخر لنفسك".

 

وأشار فريدمان -في مقاله الأسبوعي بصحيفة نيويورك تايمز- إلى أن هدف إسرائيل المعلن من الغزو هو استعادة أسراها المحتجزين، وتدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وبنيتها التحتية بشكل نهائي.

 

وقال إن السبب في أن يكون حذرا بشأن الغزو -للتخلص من حماس إلى الأبد- لم يكن مردّه أي تعاطف مع هذه الحركة الإسلامية بل "القلق عميق من أن إسرائيل تتصرف بدافع غضب أعمى" بغية الوصول لهدف لا يمكن تحقيقه وهو "محو حماس من على وجه الأرض" وبدون أن يكون لها خطة لما بعد ذلك، محذرا من أن التمادي في ذلك قد يعني الغرق في وحل غزة إلى الأبد.

 

وقارن الكاتب بين العملية العسكرية التي تنفذها إسرائيل الآن في قطاع غزة انتقاما لهجوم حماس عليها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبين الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على مدينتي نيويورك وواشنطن "اللتين دفعنا ثمنهما غاليا".

 

واقترح أن تقتدي إسرائيل بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) التي أنشأت "خلية حمراء" أو "فريقا أحمر" وهي مجموعة من موظفي الاستخبارات خارج سلسلة القيادة العسكرية أو السياسية المباشرة، والتي توكل لها أساسا مهمة فحص خطط الحرب وأهدافها للعراق وأفغانستان وإخضاعها للاختبار باقتراح بدائل متناقضة للأهداف القابلة للتحقيق لاستعادة الأمن والردع الأميركي.

 

وأوضح فريدمان أن اقتراحه لا يقتصر على إنشاء فريق أحمر لكيفية التعامل مع حماس في غزة، ولكن تأسيس "فريق أزرق" أيضا لنقد ما يقوم به نظيره الأحمر من أعمال. وأضاف أن إسرائيل بحاجة إلى إجراء نقاشات داخلية أكثر حيوية ذلك لأنها "اندفعت بوضوح إلى حرب ذات أهداف متعددة ومتناقضة".

 

وفي مواجهة المأزق الذي تواجهه إسرائيل في نقل حربها البرية من شمال غزة إلى جنوبها، ينصح فريدمان الفريق الأحمر الإسرائيلي بتبني بديل "متشدد" تدعو إسرائيل من خلاله لوقف إطلاق نار دائم، يتبعه انسحاب مباشر لجميع قواتها العسكرية من غزة شريطة أن تعيد حماس إليها جميع الأسرى المتبقين لديها من مدنيين وعسكريين، وكل موتاها، دون أن تحصل على أي أسرى فلسطينيين في المقابل.

 

واعتبر الكاتب الأميركي ذلك البديل "صفقة نظيفة" مشيرا إلى أن إسرائيل تحتفظ بحق تقديم كبار قادة حماس الذين خططوا لـ"مذبحة" السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى العدالة في المستقبل.

 

كونفوشيوس "قبل أن تشرع في رحلة الانتقام، احفر قبرين أحدهما لعدوك والآخر لنفسك"

 

5 مزايا

 

وحدد فريدمان 5 مزايا يمكن أن تحققها مقترحاته تلك لإسرائيل عبر الفريق الأحمر: أولها أن كل الضغوط الرامية لوقف النار لتجنيب المدنيين في غزة المزيد من الموت والدمار سوف تقع على عاتق حماس، وليس على إسرائيل. وبذلك ستضمن الأخيرة أن حماس لن تحصل على "أي نصر كبير" من هذه الحرب.

 

ثانيها أن الفريق الأحمر سيتولى الرد على شكاوى البعض -وربما كثيرين- في إسرائيل من أن الغزو لم يحقق هدفه المعلن مما سيعني انتصارا لحماس. وسيتمثل الرد في أن ذلك الهدف -بادئ ذي بدء- لم يكن واقعيا، خاصة مع عدم رغبة الحكومة الإسرائيلية اليمينية في العمل مع السلطة الفلسطينية "الأكثر اعتدالا" في الضفة الغربية لصناعة بديل لحماس يدير قطاع غزة.

 

وثالثها أن البديل المتشدد الذي سيتبناه الفريق الأحمر من شأنه أن يصنع نفس نمط الردع لحماس الذي أحدثه القصف الإسرائيلي المدمر للمجتمعات المؤيدة لحزب الله بالضواحي الجنوبية لبيروت في حرب عام 2006. وقال فريدمان إن أمين عام الحزب حسن نصر الله "لم يجرؤ" على إثارة حرب واسعة النطاق مع إسرائيل منذ ذلك الحين.

 

ورابع المزايا -حسب الكاتب- أن من بين أكبر الفوائد الإستراتيجية التي قد تترتب على خروج إسرائيل من غزة، مقابل وقف إطلاق النار تحت مراقبة دولية، هو أن بإمكانها تكريس جل اهتمامها على حزب الله في جنوب لبنان.

 

وخامسها أن بمقدور الفريق الأحمر أن يزعم بأن ثمة ترياقا داخل إسرائيل يتيح لها التعافي، واستئناف مشروعها المتمثل في تطبيع العلاقات مع جيرانها العرب، وإقامة علاقة مستقرة مع القيادة الفلسطينية الأكثر اعتدالا بالضفة الغربية. وفي رأي فريدمان أنه لن يتسنى لإسرائيل تحقيق ذلك إلا بعد إزاحة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو من سدة السلطة.

 

الفريق الأزرق

 

أما الفريق الأزرق -الذي يقترحه الكاتب الأميركي- فسوف يتساءل عما ستفعله إسرائيل إذا ما رفض القيادي بحماس، يحيى السنوار، القبول بوقف النار فقط، بل بإخراج 6 آلاف فلسطيني ونيف من السجون الإسرائيلية، معلنا استعداده لدفع ثمن ذلك وقوف الرأي العام الغربي في وجههم. والنتيجة أن إسرائيل ستبقى عالقة في وحل غزة.

 

وسيقول هذا الفريق إن لديه فكرة أفضل تتلخص في خفض مستوى أهداف إسرائيل من الحرب، والإعلان بأن هدف جيشها ليس محو حماس من على وجه الأرض، وإنما تقليص قدرتها القتالية بشكل كبير.

 

وعوضا عن ذلك الهدف، يعلن الفريق الأزرق أن إسرائيل سوف تنسحب من غزة، وتنشئ نطاقا ومخافر أمامية بعمق ميل واحد داخل الحدود مع القطاع، لضمان عدم تعرض مستوطناتها الحدودية لهجوم بري مرة أخرى شبيه بما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

 

وأخيرا، فإن هذا الفريق سيتولى مهمة إبلاغ القيادة الإسرائيلية بأن "تكف عن الكذب على نفسها وعلى العامة". حسبما جاء بالمقال الذي يضيف كاتبه أن إسرائيل إذا حاولت الاحتفاظ بغزة بالكامل فإن الأخيرة لن تبتلع القادة فحسب، بل إن الساسة سيثيرون شكوكا هائلة في أذهان عامة الناس حول الجيش بأن يمنوهم بهدف غير قابل للتحقيق، على حد تعبيرهٍ.

 

وفي المجمل، فإن إسرائيل تحتاج لهذا النوع من الحوار الداخلي، حيث يستطيع الفريقان الأحمر والأزرق تذكير القيادة بأنه لا توجد "نتيجة مثالية" بانتظار إسرائيل في غزة، ذلك لأن "ترويض" غزة بشكل نهائي يظل دوما "ضربا من الخيال" كما يعتقد فريدمان في ختام مقاله.

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: الفریق الأحمر إسرائیل من إسرائیل فی أن إسرائیل

إقرأ أيضاً:

النفوذ الإيراني في اليمن على المحك.. إلى أين تتجه المواجهة بين إسرائيل والحوثيين؟

يشهد الوضع الإقليمي تصعيدًا خطيرًا بين إسرائيل وجماعة الحوثي التي تُعد آخر أذرع المحور الإيراني في المنطقة، حيث نفذ الحوثيون هجمات بالصواريخ الباليستية والمسيرات على أهداف إسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب، تحت شعار التضامن مع غزة، فيما ردت إسرائيل بضربات جوية استهدفت منشآت استراتيجية في اليمن، وهددت بالوصول إلى قادة الحوثيين، الذين كثفوا استهداف السفن الدولية في البحر الأحمر، ما يهدد الملاحة البحرية، فيما تتزامن هذه الأحداث مع دعم أمريكي لإسرائيل وضغوط على إيران، بينما يعوّل الحوثيون على ترسانة متطورة من الأسلحة والصواريخ، مما ينذر بمزيد من التصعيد في صراع متعدد الأطراف يؤثر على أمن المنطقة والعالم.

نفذ الجيش الأمريكي ضربات جوية جددة ضد أهداف للحوثيين في صنعاء، معلنًا أن الهجمات استهدفت منشأة لتخزين الصواريخ ومرفق قيادة وتحكم، إضافة إلى طائرات مسيّرة وصاروخ كروز مضاد للسفن فوق البحر الأحمر، وذلك بعد ساعات من هجوم صاروخي شنه الحوثيون على إسرائيل أسفر عن إصابة 16 شخصًا. كما اعترضت الدفاعات الإسرائيلية طائرة مسيّرة قادمة من الشرق. وأكدت القيادة المركزية الأمريكية أن الضربات تهدف إلى إضعاف قدرات الحوثيين على تنفيذ هجمات ضد السفن الحربية والتجارية الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

وحذر رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الحوثيين من أن من يمس إسرائيل «سيدفع ثمنا باهظا للغاية. بعد حركة حماس، حزب الله، وسوريا، أصبح الحوثيون تقريبا الذراع الأخيرة المتبقية لمحور الشر الإيراني» فيما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يِسرائيل كاتس، أن «يد إسرائيل الطويلة ستصل إلى قادة الحوثيين في اليمن»، وشنت مقاتلات الجيش الإسرائيلي، بتوجيه من هيئة الاستخبارات وسلاح البحرية، سلسلة غارات طالت أهدافا عسكرية للحوثيين في القطاع الساحلي الغربي وفي عمق اليمن، وتحدثت قناة «المسيرة» اليمنية التابعة للحوثيين عن «مقتل تسعة أشخاص خلال استهداف ميناء، الصليف، بينما قتل اثنان في منشأة رأس عيسى النفطية، بمحافظة الحديدة بغرب اليمن. الغارات استهدفت أيضاً محطتين مركزيتين للكهرباء - حزيز وذهبان - جنوبي وشمالي العاصمة صنعاء».

يأتي التصعيد الأخير بعد أن أعلن الحوثيون تبنيهم لإطلاق صواريخ على إسرائيل في يافا بصاروخين باليستيين فرط صوتيين (من نوع فلسطين 2)، تضامناً مع غزة، ورداً على استهداف إسرائيل مدينتيْ صنعاء والحديدة، حيث دوت صفارات الإنذار في تل أبيب وهشارون وهرتسليا وحولون، مما تسبب في دخول أعداد كبيرة إلى الملاجئ، كما اعترضت القبة الحديدية صاروخا أُطلق الاثنين الماضي من اليمن.

ورد الجيش الأمريكي باستهداف منشأة قيادة وسيطرة يديرها الحوثيون لتنسيق العمليات مثل الهجمات على السفن الحربية والتجارية التابعة للبحرية الأمريكية جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وأشارت القيادة المركزية للجيش الأمريكي «سنتكوم» في منشور على منصة إكس، أن الضربة تعكس التزام القيادة المركزية بحماية القوات الأمريكية وقوات التحالف والشركاء الإقليميين وضمان أمن الشحن الدولي.

وصرح رئيس مجلس الحكم الحوثي، مهدي المشاط، بمناسبة ما يسمى بعيد الاستقلال أن «أي محاولة للتصعيد ضد صنعاء ستواجه بتصعيد أشد ورد أقوى، وهناك محاولات أمريكية لإشعال الجبهة الداخلية»، وأكد استمرار الجماعة في مساندة فلسطين في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن والمحيط الهادي والبحر المتوسط، وفي عمق الكيان الغاصب حتى وقف العدوان ورفع الحصار.

وبدأ الحوثيون استهداف السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر في منتصف نوفمبر 2023، وأجبروا حركة الشحن التجارية على إعادة تنظيم مساراتها عبر طرق أخرى أطول وأكثر تكلفة، ووصل عدد السفن التي استهدفتها ميليشيا الحوثي منذ بدء الهجمات إلى نحو 166 سفينة، أغلبها إسرائيلية وبريطانية وأمريكية مثل «يونيتي إكسبلورر»، و«نمبر ناين»، و«أتش إس أم دايموند» البريطانيتين، و«جالاكسي ليدر» الإسرائيلية، و«سي إم إيه» و«سي جي إم» الإسرائيلية، و«سنترال بارك» الإسرائيلية، و«يو إس إس ميسون» الأمريكية، و«يو إس إس كارني» الأمريكية وغيرها.

وهددت ميليشيا الحوثي حركة الملاحة، لاسيما في البحر الأحمر، بعد سيطرتها على ميناء الحديدة، ثاني أكبر موانئ اليمن بعد ميناء عدن، ثم ميناء الصليف والمخصص لإنتاج الملح وتصديره، ثم ميناء رأس عيسى النفطي، والذي يستخدم كمنصة لإطلاق الصواريخ والطائرات المفخخة على السفن العابرة في البحر الأحمر، وخلال إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب (2017- 2020) تم تصنيف ميليشيات الحوثي جماعة إرهابية، لكن تم إلغاء التصنيف في ظل إدارة الرئيس الحالي، جو بايدن، بداعي أن تصنيف الحوثي جماعة إرهابية سيعيق عمل منظمات الإغاثة والطواقم الإنسانية في إغاثة المحتاجين، ثم أعادت إدارة بايدن تصنيف الحوثي إرهابية في 17 يناير الماضي كرد على تصاعد هجماتها على السفن المارة في المياه الدولية في البحر الأحمر.

يرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستكثف من التضييق والضربات على الحوثي، تزامنا مع تكثيف الضغط على إيران سياسيا واقتصاديا وعسكريا، لحل أزمة الورقة النووية لدى إيران في الفترة القادمة، وباعتبار الحوثي هو آخر الأذرع الباقية حاليا على الأرض، وما تزال تنفذ الكثير من الهجمات على أهداف في عمق إسرائيل وفي المياه الدولية لأهداف تابعة لإسرائيل وأمريكا وبريطانيا وغيرها من السفن العابرة في البحر الأحمر بما يهدد حركة الملاحة الدولية.

على الجانب الآخر يعول الطرف الحوثي على مخزون كبير من الأسلحة النوعية والمسيرات والصواريخ الفرط صوتية، حيث يمتلك الحوثي صواريخ من نوع بركان 1 و2 إتش وبركان 3 وفلق وقاصف 1 وقاصف 2 كيه وراصد وقدس 1 وصياد وسجيل وكرار وطوفان وزلزال وجعران وقاهر 1 و2 وبدر 1 بي وبدر إف وتوشكا أو آر تي 21 وسكود سي وتيرميت بي 15 السوفيتيين وهواسنج 5 و6 الكوري الشمالي وسي 802 الصيني، وصواريخ كروز ومضادات السفن والزوارق المفخخة وصواريخ مضادة للسفن مثل مندوب 2 وسجيل والقدس وعاصف وفلق الإيراني وروبيز السوفيتي، كما يمتلك الحوثي مخزونا من الطائرات المسيرة مثل صماد 1 و2 و3 وهدهد 1 ورقيب وغيرها.

اقرأ أيضاًقصف حوثى يُسقط ويصيب 4 أطفال فى اليمن

الصحة العالمية: اليمن يواجه أسوأ أزمة كوليرا عالمية

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: لن نسمح للحوثيين بمهاجمة إسرائيل
  • قلق أممي إزاء استمرار تدمير إسرائيل للمناطق السكنية جنوب لبنان
  • مع استمرار الصراع بين حماس وإسرائيل.. البرد والقصف يحصدان الأرواح في غزة
  • نتنياهو: الحوثيون سيتعلمون الدرس الذي تعلمته حماس وحزب الله
  • إسرائيل ترد على اتهامات حماس بعرقلة الهدنة
  • ياسر مناع: إسرائيل تستفيد من استمرار الحرب على قطاع غزة
  • خبير سياسي: إسرائيل تستفيد بشكل عام من استمرار الحرب على غزة
  • حماس: إخلاء المستشفى الإندونيسي استمرار لجرائم الحرب والتطهير العرقي
  • النفوذ الإيراني في اليمن على المحك.. إلى أين تتجه المواجهة بين إسرائيل والحوثيين؟
  • الإعلام الحكومي في غزة يدعو للضغط على إسرائيل لوقف سرقة المساعدات الإنسانية