مشروع "موازنة 2024".. والاطمئنان الاجتماعي.
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
د. عبدالله باحجاج
يُمكننا أنْ نُطلق على "موازنة 2024" المقبلة أنَّها ستكون مفصلية من عدة نواح؛ أبرزها: كون العام 2024 سيشهد تطبيق منظومة الحماية الاجتماعية التي تتضمَّن مجموعة من الحقوق الاجتماعية لمساعدة أفراد المجتمع على مواجهة بعض التحديات الناجمة عن التحولات المالية وغلاء المعيشة، وكون هذا العام يمثل آخر سنوات خطة التوازن المالي "2020-2024"، وكونه كذلك سيشهد مناقشات وورش عمل وطنية متعددة الجهات الدستورية للخطة الخمسية الحادية عشرة؛ انطلاقا مما تحقق في الخطة الخمسية العاشرة "2021-2025"؛ وبالتالي فإن أمام كل الفاعلين الحكوميين والرسميين كمجلس عمان -بغرفتيه الدولة والشورى- استحقاقات زمنية ضاغطة عليهم الاستعداد لها من الآن.
ولو توقفنا عند ما تحقق حتى الآن خلال الخطتين "موازنة الدولة 2023 والخطة الخمسية العاشرة"، فسنجد أنه تمَّ إنجاز كيان مالي مستدام، وفي الوقت نفسه وضعتا البلاد على اعتبار اقتصاد مستقبلي قوي قوامه مصادر دخل غير ناضبة، تُشكل المصادر البديلة للنفط كالهيدروجين الأخضر الذي تطمح بلادنا من خلاله إلى أن تصبح مركزا إقليميا لتصديره خلال السنوات العشر المقبلة، وقد خصصت الحكومة المليارات للاستثمار فيه، وأبرمت عدة اتفاقيات دولية؛ مما يُبشر بمستقبل اقتصادي واعد لبلادنا.
صحيح ستواجه بلادنا منافسة إقليمية، لكنها تتميز بموقعها الجيو إستراتيجي البعيد عن مناطق الصراعات والتوترات، وكذلك باستقرارها السياسي والاجتماعي، ومواقفها وعلاقاتها الدولية وعدم وجود معها خلافات إقليمية ودولية؛ مما يجعلها الدولة الأكثر جاذبية والدولة الأكثر ضمانة للتصدير المستدام؛ سواء وقت السلم أو الحرب أو التوترات الإقليمية والعالمية، وهذه عوامل مهمة لاتخاذ قرار الشراكات ومنظومة المصالح الدولية وديمومتها.
وذلك التلازم بين الكيانين المالي والاقتصادي قد نجح رغم أزمتيْ النفط وكورنا وضغوطاتهما الكبيرة، فكيف بها الآن وقد ودعنا الأزمتين بهذا النجاح الثنائي؛ مما يدفع بوزارتي المالية والاقتصاد إلى التفكير العميق الآن في الكيانين من حيث تعظيم إنجازاتهما المتلاحقة والتقييم المستمر، خاصة الكيان المالي من حيث انعكاساته الاجتماعية لبعض مساراته، ومن المؤكد أن هذا التفكير موجود، لكننا نشدد عليه هنا مساهمة منا في إثراء نقاشات هذه المرحلة التي تتصدرها الآن النقاشات الدستورية والقانونية لمشروع "موازنة 2024" بعد استضافة مجلس الشورى معالي وزير المالية في جلسة سرية مؤخرا.
ومتابعتنا للمناخات والمعطيات المالية والاقتصادية التي تُؤسِّس فيها هذه الموازنة يُمكننا أن نطلق عليها بأنها موازنة تعزيز الاطمئنان الاجتماعي، ولماذا نُعلي هنا من شأن الاطمئنان ونعظمه؟ لأن الاطمئنان من التأسيسات السيكولوجية مكوِّن الدولة الاجتماعي منذ انطلاقة نهضة مؤسسها الراحل -طيب الله ثراه- عام 1970، ولأن المكون من قوى الدولة الأساسية في كل الأوقات، نشهد ذلك في كل المناسبات الوطنية، وكذلك عندما تستدعي الحاجة استنهاض القوة الاجتماعية العمانية، مما يكون من البديهيات لورش عمل إعداد مشروع الموازنة الجديدة التفكير فيه بعمق بعد تجاوز الأزمتين، وبعد الاطمئنان المالي والاقتصادي -ولله الحمد.
وقد جاءت منظومة الحماية الاجتماعية في غايتها السياسية لتعزز من شأن المسار الاجتماعي، مما نجد هناك حاجة لاستكمال بناء منظومة الحماية الاجتماعية المؤجلة كمنحة الباحثين عن عمل مثلا، والتي تشكل أولوية لحقبة تعزيز الاطمئنان الاجتماعي المستدام. ومن هنا، فإن الطموحات الاجتماعية كبيرة في استدراك هذا التأجيل وتضمينها موازنة 2024.. وتفاؤلنا هنا نبنيه على عدة معطيات موضوعية أبرزها:
- التصريح المهم لمعالي الدكتور سعيد بن مُحمد الصقري وزير الاقتصاد الوطني، والذي قال فيه حرفيا: "نطمئن الجميع بأن مؤشرات تحسن الاقتصاد العماني ستنعكس عاجلا على مؤشرات دخل الفرد والقوة الشرائية". ومن هنا، نبني انطلاقة تعزيز الاطمئنان من عام 2024 كونها خطة قصيرة الأجل "سنة"، وتتناغم مع مفردتيْ "ونُطمئن"، و"عاجلا" التي وردت في تصريح معاليه.
وتصريح معاليه يذهب بالاطمئنان إلى مساحات عميقة وبعيدة اجتماعيا، وذلك من خلال منطوق ومضامين مفرداته، كالصفة العاجلة لانعكاس تحسن الاقتصاد، ومحدداته -أي الانعكاس- الواضحة، وهى على دخل الفرد والقوة الشرائية، ومن هنا نعلي من شأن تعزيز الاطمئنان الاجتماعي الذي لو ترافق مع منحة الباحثين عن عمل، فسيشكل نقلة نوعية وكمية لمرحلة ما بعد خطة التوازن المالي، ونجاح الجهود في تأسيس القوتين المالية والاقتصادية للنهضة المتجددة.
- تحقيق فوائض مالية متصاعدة لمالية الدولة خلال شهور العام 2023، وهى معلنة بصورة دورية وخلال شهور السنة 2023.
- الأداء المالي الجيد الذي تنشر أرقامه وزارة المالية بصورة دائمة عبر منشوراتها المتلاحقة، وتأتينا بصورة مستمرة من وزارة المالية.
لنقف هنا مع النقاشات الوطنية التي تجري لمشروع "موازنة 2024" بشأن منحة الباحثين بعد تأسيس الكيان المالي المستدام وآفاق قوة اقتصادنا الوطني، فاستحقاق المنحة الآن أولوية وطنية، وستكون بمثابة ضمانة لنجاح تجنب الكثير من التحديات الداخلية والخارجية لفئة الشباب، وقد تناولناها سابقا في عدة مقالات بشيء من الحدة والتي بسببها لم تصل للمعنيين بالأمر، والآن نطرحها بصوت هادئ في إطار الدعوة للتفكير في مجموعة تحديات إقليمية ودولية بأجندات لم تعد سرية، وهى معلومة بالضرورة، وقد تستغل هذه الأجندات حالات الفراغ التي قد تطول فترتها الزمنية حتى يحصل بعض الشباب على فرصته في العمل داخل بلاده، ويمكن استيعاب بندها المالي من خلال رفع سقف السعر المستهدف للنفط خلال موازنة 2024 الجديدة، كأن يكون ما بين 60-65 دولارًا للبرميل، وهذا سعر يعدُّ حَذِرًا في ضوء ارتفاع أسعار النفط ومستقبله، أي قابل لاستيعاب أسوأ الاحتمالات في سوق النفط، أو يمكن تأمين ولو جزء منه من خلال إيرادات الاستثمارات الحكومية الداخلية والخارجية الناجحة، فحجم المصالح الوطنية العامة لمنحة الباحثين متعددة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"الصندوق الثقافي" يدعم 120 مشروعًا ويوفر 3500 وظيفة خلال 2024
حقق الصندوق الثقافي خلال عام 2024 إنجازات بارزة انعكست بشكل إيجابي على القطاع الثقافي في المملكة، إذ قدّم دعمًا ماليًا شاملًا لمختلف المشروعات الثقافية وأسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستدامة المالية لهذا القطاع الحيوي.
منذ تأسيسه وحتى عام 2024، بلغ إجمالي الدعم المالي الذي قدمه الصندوق 377 مليون ريال سعودي، وتوزع بين التمويل والمنح والاستثمار، مما مكّن العديد من المشروعات الثقافية من النمو والتطور.
وشمل الدعم أكثر من 120 مشروعًا ثقافيًا في مختلف مناطق المملكة، وأسهم بشكل مباشر في استحداث أكثر من 3,500 فرصة وظيفية جديدة.
هذا إضافة إلى تحقيق أثر اقتصادي واضح من خلال رفع مساهمة القطاع الثقافي بأكثر من مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي.
في إطار تعزيز الاستدامة المالية للقطاع الثقافي، أطلق الصندوق الثقافي في شهر سبتمبر من عام 2024 برنامج "التمويل الثقافي"، الذي يُعد الأول من نوعه في المملكة.
ويستهدف دعم جميع أنشطة سلسلة القيمة في مختلف القطاعات الثقافية، ويوفر حلولًا تمويلية شاملة تعزز من نمو وتوسع المشروعات الثقافية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } جهود الصندوق الثقافي السعودي - اليوم
وقد ركز البرنامج على دعم المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وغطى سبعة قطاعات ثقافية رئيسية تشمل المتاحف والتراث والموسيقى والمهرجانات والفعاليات الثقافية وفنون الطهي والأزياء والأفلام.
وخلال الأشهر الأربعة الأولى من إطلاقه، وافق الصندوق على تمويل 22 مشروعًا نوعيًا بقيمة إجمالية بلغت 193 مليون ريال سعودي ضمن التسهيلات الائتمانية المقدمة، مما يعكس مدى تأثير هذا البرنامج في تمكين المشاريع الثقافية وتحقيق استدامتها.
في مجال الاستثمار، تمكن الصندوق الثقافي من تحقيق المستهدف من "صندوق الأفلام السعودي"، الذي تم إطلاقه في عام 2023، حيث بلغ حجمه 375 مليون ريال سعودي بمشاركة عشرة مستثمرين محليين وعالميين، مما يعكس تزايد الاهتمام بصناعة الأفلام السعودية، وتعزيز حضورها على المستوى المحلي والدولي.
ولم يقتصر دعم الصندوق على التمويل والاستثمار فحسب، بل امتد ليشمل تمكين رواد الأعمال والمبدعين من خلال تقديم حلول تطويرية متخصصة استفاد منها أكثر من 1,200 مستفيد.
وقد تضمنت هذه الحلول برنامج "بناء القدرات"، الذي قدم جلسات معرفية وتدريبية استفاد منها أكثر من 500 فرد، كما تم استضافة شخصيات بارزة من مختلف المجالات الثقافية مثل المصمم العالمي برونيلو كوتشينيلي.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت "خدمة القسائم" دعمًا لأكثر من 200 مستفيد، حيث ساعدتهم في تغطية تكاليف تأسيس وتشغيل مشاريعهم الثقافية.
فيما أتاحت "خدمة الاستشارات" لأكثر من 500 مستفيد فرصًا للحصول على استشارات متخصصة في الجوانب الإدارية والمالية والفنية، مما ساهم في تطوير مهاراتهم وتعزيز قدراتهم في إدارة مشاريعهم.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } أرقام عن الصندوق الثقافي السعودي - اليوم
توقيع اتفاقيات تعاون مع خمس مؤسسات
عزز الصندوق الثقافي خلال عام 2024 شراكاته الاستراتيجية من خلال توقيع اتفاقيات تعاون مع خمس مؤسسات مالية بارزة لدعم خدمات التمويل، إضافة إلى إبرام عدد من الشراكات مع كيانات رائدة في مختلف القطاعات الثقافية.
وذلك بهدف تحقيق مستهدفاته الاستراتيجية، وتقديم خدمات نوعية تساهم في إحداث أثر اقتصادي ملموس وتعزز من قدرة المشاريع الثقافية على النمو والتطور.
تأتي هذه الإنجازات تأكيدًا على التزام الصندوق الثقافي بدعم وتمكين القطاع الثقافي في المملكة، وتعزيز مساهمته في الاقتصاد الوطني من خلال حلول تمويلية واستثمارية متطورة تسهم في بناء قطاع ثقافي مستدام.
كما يتماشى مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة ورؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تعزيز دور الثقافة كمحرك رئيسي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وترسيخ مكانة المملكة كمركز ثقافي عالمي مزدهر.