جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-01@14:37:10 GMT

حرب المائة عام على فلسطين

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

حرب المائة عام على فلسطين

 

 

علي الرئيسي *

مع المجازر التي يرتكبها العدوان الصهيوني يوميا على غزة؛ حيث بالمعدل هناك استشهاد أكثر من مائة طفل يوميا وآلاف المدنيين من النساء وكبار السن، وحيث تقوم الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بأحدث أسلحة الدمار أمام صمت عربي وعالمي مشين، قد يكون من المفيد مراجعة سريعة لكتاب "حرب المائة عام على فلسطين"، وهو لأحد أبرز المثقفين الفلسطينيين حاليا في الولايات المتحدة، والذي برزت كثيرا من مقالاته مؤخرا في "نيويورك تايمز" و"ذي نايشن" وصحف أخرى مهمة على الساحة الأمريكية، يتناول فيها النضال من وجهة نظر فلسطينية.

رشيد الخالدي.. مؤرخ أمريكي معروف من أصل فلسطيني يرأس كرسي إدوارد سعيد للدراسات الحديثة في التاريخ، في جامعة كولومبيا في نيويورك، لديه العديد من الدراسات حول القضية الفلسطينية. كتابه "حرب المائة عام على فلسطين" يقدم تحليلا شاملا وثاقبا للصراع في المنطقة، فيقدم الخالدي استكشافا عميقا ودقيقا للتعقيدات التاريخية والسياسية والاجتماعية التي شكلت النضال من أجل فلسطين على مدى القرن الماضي، معتمدًا ليس على الوثائق التاريخية فحسب بل على أرشيف عائلته المتجذرة في القدس. فيكتب عن عمه فخري الخالدي الذي سجنته بريطانيا ونفته سنوات في جزر السيشل، وعن والده إسماعيل رجب الخالدي الذي كان دبلوماسيا في الستينيات من القرن الماضي في الأمم المتحدة في نيويورك، وعن زوجته منى الراشدي التي عملت في بيروت في وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" في السبعينيات من القرن الماضي، وعلى كثير من المقابلات والحوارات الشخصية.

ويتتبع الكتاب بدقة نضال الشعب الفلسطيني، بدءًا من أواخر الفترة العثمانية ومرورا بالانتداب البريطاني، وإقامة دولة إسرائيل، والعقود اللاحقة من النضال. ويمزج الخالدي بمهارة الروايات التاريخية والأحداث الشخصية والتحليل السياسي، لتقديم فهم متعدد الأوجه للقوى المؤثرة في المنطقة.

ويتناول الخالدي نكبة فلسطين عام 1948، أو ما يسميه هو "الإعلان الثاني للحرب على الفلسطينيين"؛ حيث يوضح بدقة التآمر الغربي مع الصهيونية في إنشاء دولة إسرائيل، وكذلك تآمر بعض الدول العربية، واستمرار المؤامرة في نفي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إنشائه دولته المستقلة.

وتتمثل إحدى نقاط القوة في الكتاب في تركيزه علي أصوات وتجارب الفلسطينيين العاديين، الذين غالبا ما يتم تجاهل قصصهم في المناقشات السائدة حول النضال الفلسطيني؛ من خلال تركيزه على وجهات نظرهم، ويؤنسن الخالدي النضال من أجل الحقوق الفلسطينية؛ وذلك من خلال سرد الحكايات والنضال الشخصي للأفراد العاديين، ويسلط الضوء على التأثير طويل الأمد للنزوح وتجريد الملكية والاحتلال.

علاوة على ذلك، يتعمَّق تحليل الخالدي في دور القوى العالمية الكبرى والجهات الفاعلة الإقليمية والمؤسسات الدولية في تشكيل مسار النضال، ويدرس بشكل نقدي تواطؤ القوى العالمية في إدامة معاناة الشعب الفلسطيني، فضلا عن تعقيدات السياسة العربية والإسرائيلية في السياق الأوسع للشرق الأوسط.

كتابات الخالدي علمية، لكنها متاحة للقراء العاديين؛ مما يجعل من قراءة الكتاب قراءة ممتعة لكل من الأكاديميين والقراء العامة المهتمين بفهم تعقيدات النضال الفلسطيني والمؤامرات الدولية ضد هذا النضال. تجعل أبحاثه الدؤوبة وراوية القصص المقنعة "حرب المائة عام على فلسطين" مساهمة قيمة ووثيقة مهمة في تاريخ النضال الفلسطيني.

.. إنَّ "حرب المائة عام على فلسطين" هو سرد مدروس ومثير للتفكير بدقة بالنضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير، ويوفر تحليل الخالدي وسرده المقنع للقراء فهما أعمق للأبعاد التاريخية والسياسية والإنسانية للنضال الفلسطيني. الكتاب بحق مرجع مهم ولا غنى عنه لأي شخص يسعى لفهم تعقيدات النضال المستمر من أجل العدالة والسلام في فلسطين.

 

* باحث في قضايا التنمية والاقتصاد

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هل نحتاج الكتاب اليوم؟

عندما دُعيتُ إلى معرض مسقط للكتاب لتأثيث فعالية على هامش المعرض حول شعر الرَّاحل زاهر الغافري، وقبلها كنتُ في معرض تونس للكتاب، تداعت في ذهني أسئلة تخصُّ منزلة الكتاب والشَّغف به، هل ما زلنا نحتاج الكتاب، وتلك العبارات التي مُلِئْنا بها في صغرنا، واعتمدناها تواقيع في كتبنا، من نوع "رحيق الكتب"، و"خير جليس في الزمان كتاب" "وخير جليس في الأنام كتاب"، وتراكُمٌ من الشعارات سادت زمن العقّاد والرافعي والزيّات وانتشرت في أجيال لاحقة آمنت بما آمنت به من وَفْرَةِ الأصنام التي تداعت عبر الزّمان. تذكّرت مقولات الكتاب والحثّ على القراءة والعمل على امتلاك الكتاب ورقيّا (فلم تكن لدينا بدائل، سوى الامتلاك ليسير الحال، والاستعارة لعسير الحال)، والشَّغف والفرح الذي كان يعترينا عندما نظفر بكتاب، فوجدتُ عملا هائلاً على إعادة مكانة الكتاب، واستعادة أثره، ولكن هنالك أمرين على غاية من الأهميّة في ظنّي، الأمر الأوّل لاحظته في بعض الشباب الذين يهتمّون بالكُتَّاب عمومًا، ويتتبَّعونهم ويعملون على طرح الأسئلة عليهم، ولقد لاحظت اليوم في عينيّ طفلٍ أسئلةً عن التّاريخ وعن عنوان المحاضرة التي سأل فيها الولد الصّغير الدكتور أحمد الرحبي عن عنوان المحاضرة "أوَّل إطلالة أوروبيّة على عُمان" فأبان له الدكتور أحمد الرحبي أنّ الرَحّالة الروسي أفاناسي نيكيتين هو أوّل رحّلة تحدّث عن عُمان وأظهر له أنّ الأستاذ ديمتري ستريشنيف صاحب المحاضرة، هو من المهتمّين بهذا الموضوع ومن متتبِّعيه علميّا، وبدأ من ذلك حديث عن التاريخ ومنزلته وقيمته، ولعلَّ أهمّ ما في هذا الأمر غير شغف الولد وقدرتَه وحبَّه المعرفيّ، أنَّ أباه هو الذي تعهَّده وشجّعه على سؤال مدير الجلسة، وأنّه هو الذي طلب برفق السّؤال، ثمَّ ترك ابنه وانصرف، وهذا ملمحٌ رأيته يتعاود مع كلّ مبدعٍ أمرُّ معه أو ألتقيه، ترى الأطفال والشبابَ يقفون مع هذا وذاك. قيمة المعرض ليست في إحياء الكتب وتعهُّد القراءة فحسب، بل أيْضًا في تدريب الناشئة على التواصل مع كتّابهم، في مناسبات حفلات التوقيع، أو في المحاضرات، أو في أروقة المعرض. الأمرُ الثاني الذي يُحسَب لمعْرض مسْقَط هو توفير أرضيَّة لتلاقي المبدعين والنُقَّاد والكُتّاب على اختلاف أعمارهم وشرائحهم وأرضيّاتهم وأهوائهم وأمزجتهم، فتجد المستشرق والمستغرب والعربيّ والمستعرب، وتوفَّرت جلسات كانت على هامشها حوارات بنَّاءة ونُظِّمت فعاليّات ونقاشات أثارت الرّاكد وحرَّكت السّاكن، وإن كان يُطلَب أكثر من ذلك، فإنّي أعتقد أنّ الأرضيّة قد تهيَّأت لفعل الأحسن، من مآثِر هذه اللِّقاءات أن التقيت بالمترجمة والمحقّقة الألمانيّة المستعربة كلاوديا أوت، التي أبهرتني بوفرة أسئلتها وبعمق رغبتها في معرفة كلّ ما هو عربيّ، وكانت تسأل بدقّة وتسمع بإنصات ورقّة، لا تتباهى زهْوًا بعلمٍ لها، ولا تبثّ ممكن معرفتها بثَّ مسْتعْرِضٍ، وإنّما تنساب باحثة عن إكمال الصّورة المشهديّة التي تكوِّنها عن الأدب العربيّ، الذي بدأته دارسةً، وانتهت معه مترجمةً، ناقلةً لقسم من أدبنا إلى اللّغة الألمانيّة. هذا الاحتفاء بالعلم والعلماء له تقديرٌ عميقٌ وأثرٌ في الأنفس، وصانعٌ لأجيالٍ تُقَدِّرُ المعرفة، والعلم، وتُجلُّ فعل القراءة، ونحن أمَّةٌ دينُها يدعو إلى القراءة، إلى الاطّلاع، إلى البيان وكشفَ الغمّة. لابدّ أن يُقدِّر أهل الفعل والحزم والعزم والحلّ والعقد أنّ هذه النماذج الأدبيّة والعلميّة تصنع اقتداءً واحتذاءً أفضل بكثير من الفراغ وشطحات الأهواء. لقاءُ أديبٍ أو عالمٍ أو فنّانٍ أو رسّام أو كاتبِ تجربته، هو شعورٌ بامتلاء الذات وبعضٌ من التوازن الذي تحتاج إليه الناشئة والشباب، ويحتاجه الكبار أيضًا لتعميق التواصل ولتقريب الأفكار، يحتاج الكاتب أن يرى ناشره، أن يُعاتبه، أن يذكر له المحاسن والأضداد، والعكس صحيح. يحتاج الصحفيّ والإذاعي أن يجد أرضيَّة ثقافيّة علميّة يُمكن أن ينتعش بها وفيها، يحتاج الأديب والكاتب عامَّة أن يُلاقي وجْهًا من قُرّائه، وأن يُدرك أثره في هذه الذّوات، كلّ هذا يكون في محفلٍ يحتفي بالكتاب مهما كان نوعه، فالبقاء للكتاب، ومزيدًا من الألق والتألُّق لكلّ من أثّثه وساهم في نجاحه. بقي أمرٌ بسيطٌ حتّى لا أغرق في الإطراء، وهو تركيمُ الفعاليّات وتزامنها في الوقت ذاته أحيانًا، وهو أمرٌ أثَّر بنسبة على أعداد الحاضرين، فكانت بعض الندوات شبه فراغ تقريبًا، ولذلك لابدّ من العمل على التفكير في كيفيّة نجاح هذه الفعاليّات على أهمّيتها وضرورة المحافظة عليها، يعني مثلاً، لمَ لا تكون حفلات التوقيع لبعض الكتّاب المتحقّقين مصحوبة بحوارٍ حقيقيّ، ينتهي إلى التوقيع، لمَ لا تُدَارُ نقاشاتٌ عميقة حول بعض الكتب التي ترشِّحها لجان قراءة. من حقّنا أن نزهو بعرْض الكتاب وتعمّقه لندفع ما اتُّهمنا به من أميّة قرائيّة ظالمة!

مقالات مشابهة

  • تسارع نمو القروض البنكية بـ3,9 في المائة في مارس وفق نشرة الإحصائيات النقدية لبنك المغرب
  • محكمة كويتية تؤيد حبس سلمان الخالدي في قضية أمن دولة
  • السكوري: نسبة الرفع من الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بلغت 20 في المائة
  • هل نحتاج الكتاب اليوم؟
  • إنتاج الكهرباء يرتفع بـ4.7 في المائة منذ مطلع العام
  • تحولات اجتماعية عميقة في المجتمع المغربي.. ارتفاع نسب الأسر التي تعيلها النساء وتزايد الشيخوخة
  • الطماوي: تاريخ الحياة البرلمانية سيسجل إنجازات المجلس التاريخية
  • حزب ”المصريين“: لقاء الرئيس السيسي والبرهان يجسد عمق الروابط التاريخية
  • نائب رئيس فلسطين يشكر القيادة المصرية والشعب المصري على موقفهم الداعم للشعب الفلسطيني
  • الشيخ الباحث والأمانة التاريخية