جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-31@12:32:24 GMT

المعايير المزدوجة للسياسة الغربية

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

المعايير المزدوجة للسياسة الغربية

د. صالح الفهدي

لا تخجل الأنظمة السياسية الغربُية في مجملهِا أن تتحدَّث بلسانها عن حقوق الإِنسان، إلا إنْ كانت تقصد حقوقه في الشذوذ وانحراف الفطرة الإنسانية السَّوية، وليس حقوقه في الحرية والكرامة والعيش الكريم في الحياة كإنسانٍ سويٍّ!

لا تخجلُ أن تتحدَّث عن الديمقراطية إلا إنْ كانت تقصدُ الاستبدادَ وفعل ما لا يوافق شعوبها، وليست الديمقراطية التي تعبِّرُ عنها شعوبها في المظاهرات الحاشدة التي تمتلئ بها شوارعها وساحاتها.

لا تخجلُ أن تتحدث بلسان المجتمع الدولي الذي لم يخوِّلها الحديث عنه إلا إنْ كانت تقصد نسبة 1% من دول العالم التي تساند العدوان على شعبٍ يرزحُ تحت الاِحتلال منذ 75 عاماً! وليس عن نسبة 99% من المجتمع الدولي الذي يطالب بوقف العدوان "البربري" عليه من عدوٍّ غاشم.

لا تخجل تلك الأنظمة أن تتحدَّث عن حق الدفاعِ عن النفس لمحتلِّ وطن، ولا تتحدث عن حق استرداد وطنٍ، وقمع وتهجير أهلهِ، ووضعهم في سجونٍ مغلقة ومفتوحة.

لا تخجل أنْ تتحدث عن الإرهاب وهي تدعم أسبابه ودواعيه، وتغذِّي جذوره، ولهذا استعاد الشعب الأمريكي رسالة بن لادن التي عزا فيها أسباب هجوم 11 سبتمبر لما تمارسه من دعم للكيان المحتل، ونظامه السياسي الحالي يُعيد إنتاج الأسباب نفسها.

لا تخجل الأنظمة الغربية في كيل الاتهامات بمعاداة السامية وهي تكبت الضمائر الحرية من أبناء شعبه الأحرار، وتصدر القوانين المجرِّمة لذلك، أو لمن يدعم حقوق شعبٍ يواجه إبادةً جماعية.

لا تخجل الأنظمة الغربية أن تتحدث عن مبادئ القانون الدولي وهي تنتهكه، وتلقي به في الحضيض، وتعارضُ كل قرار يوقفُ العدوانَ على شعب محاطٍ بأسوارٍ من كل جهة.

لقد انحسرتْ كلُّ الأوراق الغربية، وهذا بالطبع ليس مفاجئاً، ولكن التأييد العلني الصريح من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومن ألمانيا وفرنسا، وهما قائدتا الاتحاد الأوروبي، ووقوفهما بكل صفاقةٍ ووقاحةٍ مع مغتصبِ وطنٍ، ومحتلِّ أرض، وقوةٍ طائشة العقل، لا ضميرَ لها هو ما قضى على آخر ما تبقى لها من شعارات؛ فلا هي تستجيبُ للضغوطات الداخلية من شعوبها وسياسيِّها أصحاب الضمائر الحرَّة، ولا هي تقفُ مع المجتمع الدولي وشعوبه التي تهتفُ بأعلى صوتها "Cease fire" أي: "أوقفوا الحرب!"، فما هو هذا الضمير المزدوج الذي تمتلكه هذه الأنظمة التي تشجبُ روسيا من جهة، وتدعمُ الكيان الصهيوني من جهةٍ أُخرى؟! وما هو هذا اللسان الذي تتحدثُ به عن حقوق الإنسان من جهة وترسل الأسلحة المدمرة والفرقاطات الحربية والغواصات وحاملات السفن للقضاء على هذا الإنسان؟ ما هو هذا الوجه المزدوج الذي توصي به العدو الغاشم لتجنُّب قتل المدنيين، ثم توصيه بالقضاء على المقاومين؟ ما هو هذا القانون الدولي الذي يصدر مذكرة للقبض على الرئيس الروسي ولا يصدر مذكرة للقبض على رئيس الكيان الصهيوني؟

وإن كان هذا السياق يستدعي في المقابل الإشادة بدور ومواقف بعض الدول الأوروبية التي كان لها موقفٌ مشرِّفٌ في الوقوف مع الشعب الفلسطيني وهي أيرلندا والنرويج وأسكتلندا؛ حيث تفرَّدت منذ البداية في تعبيرها عن حقوق الشعب الفلسطيني وتنديدها بأفعال الكيان المحتل، ولحقتهما مؤخراً إسبانيا التي هدَّدت أوروبا بأنها ستتخذ قراراً مستقبلا بالاعتراف بدولةٍ فلسطينية مستقلة إن لم يُوافقها الاتحاد الأوروبي في قرارها.

تساقطت أقنعة السياسة فكشفت عن وجوهها دون ذرة خجل، أو وخزة ضمير، فهل سيأتي من يأتي ويتحدث عن قيم العدالة وحقوق الإنسان والحرية التي يتبناها الغرب وهو يعاني من الانفصام في سياسته، والازدواج في معاييره؟! هل للغرب لسانٌ يتحدثُ به عن الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها بعد أن أسهم في الإبادة الجماعية، فأكَّد بذلك أن عقلية المستعمر ل اتزال مستقرَّةً فيه، وإن ادَّعى التحضُّر والتقدم؟

أما "الخير الذي يخرجُ من بطنِ الشرِّ"، فإنَّ الأحداث الجارية اليوم على الساحة الدولية هي بمثابة بداية لعالم جديد بمفاهيم جديدة، لابد أن يشهد مخاضها قسوةً وشدَّة وفوضوية ستخرجُ منها الدول المظلومة منتصرة، وحرة، ومستقلة القرار.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: ما هو هذا

إقرأ أيضاً:

لنعد إلى إنسانيتنا

جاء في بعض قواميس اللغة أن الإنسانيَّة جُمْلَة الصفات التي تُميِّز الإنسان، وهي مجموع خصائص الجنس البشريّ التي تُميّزه عن غيره من "الأنواع القريبة، وهي ضدّ البهيميّة والحيوانيّة".

وبالمقابل هنالك مصطلح "اللا إنسانيَّة" ويُراد به إهدار قيمة الإنسان وحقوقه، والإيمان بالعنصريّة، والقسوة في معاملة الآخرين.
والإنسان، أي إنسان، قيمة عليا في الأرض، ولا بُدّ أن يُحترم كيانه وفكره دون النظر إلى سلالته وعرقه ولونه ولغته، وغيرها من عناصر التناحر البشري الشكلية والعرقية والعشائرية والقبلية والعنصرية والمالية والسلطوية والمجتمعية.
والإنسان سواء أكان من الحكام أم المحكومين، ومن السود أو البيض، ومن الفقراء أو الأغنياء، وسواء أكان من الرجال أم النساء، والصغار أو الكبار يجب أن يُحترم، وألا تُمسّ إنسانيته بما يَخدشها، وألا يُتَعرض له إلا في الأحوال التي تتعارض فيها "إنسانيته" مع إنسانية الآخرين، إنسانية المجتمع، وهنا تكون الكلمة الفصل للقانون والقضاء.
والمبادئ الإنسانية النبيلة قائمة في الأنظمة الصّحّية الكريمة، التي تَحترم إنسانية الإنسان وتحافظ عليها بما تَمْلُك من قدرات قانونية وأمنية ومالية وفكرية وتربوية وعلمية، وحتى الرياضية والفّنّية.
وخلافا لتلك الأنظمة الراقية هنالك الأنظمة الهابطة التي تُحارب الإنسان وتسحقه وتتلذّذ بقتله، وتخريب مدنه وممتلكاته ومجمل حياته، وهذه الحالات "اللا إنسانية" قائمة في الأنظمة السقيمة، ومنها الكيان الصهيوني وطريقة تعامله الهمجي مع الفلسطينيين!
والتصرفات الصهيونية "اللا إنسانية" تتمثّل حاليا بأبشع صورها في الجرائم المستمرّة لسحق الشعب الفلسطيني في غزة، وخصوصا بعد أن عادت "إسرائيل"، قبل أسبوعين، لقتل المدنيين العزّل بعد أن ضَرَبت بهدنة وقف القتال عرض الحائط، واستندت إلى قوتها وهمجيتها في تعاطيها مع أهالي غزة!.
وهنالك اليوم مئات الصور الإنسانية الراقية حول العالم، التي تنادي بضرورة التعامل الإنساني مع أهالي غزة، والوقوف في وجه الهمجية "الإسرائيلية".
ومن هذه الصيحات الحرّة "الكلمة الإنسانية" التي هزّت أركان البرلمان الإيطالي، يوم 21 آذار/مارس 2025، والتي أطلقتها المحامية وعضو مجلس النّوّاب "ستيفّانّيا أسكاري" وممّا قالته: عندما استيقظت هذا الصباح رأيت صورة طفل فلسطيني قُتِل الليلة في القصف "الإسرائيلي" على غزة، وكانت تنام بجانبي طفلتي، ومباشرة احتضنتها، وقد انتابني إحساس عميق بالألم لما يعيشه الآباء في غزة، وأبشع كابوس ممكن أن يعيشه الأهل هو موت ابنهم، إن كل ما يحدث أمر مروّع فقد قتل في ليلة واحدة 400 شخص، بينهم 130 طفلا!.
هل أُصِبْنا بالجنون، وهل هؤلاء الأطفال إرهابيون أم أبرياء؟
وختمت كلمتها بالقول: "لقد فقدنا كل شيء، وضاعت الحقوق، وضاعت العدالة، وفقدنا التمييز والإدراك، وفقدنا الضمير الحيّ والأهم من ذلك فقدنا الإنسانية، لِنَعُد إلى إنسانيتنا"!.
وفي اليوم التالي انهارت الدكتورة الأمريكية "تانيا الحاج حسن"، من منظّمة أطباء بلا حدود، وبكت بمرارة خلال جلسة الأمم المتّحدة عندما تحدّثت عن غزة، وخاطبت العالم: "نحن لسنا مجهولين، نحن أُناس خلقنا الله. لا يستطيع أهل غزة أن يتحدّثوا عن أنفسهم ويدافعوا عن غزة هنا لأن" النظام الذي نعيش فيه حاليًا لا يعترف بحقّهم في الحياة"! وغيرها العديد من المواقف الرافضة للوحشية "الإسرائيلية"، كون أحوال غزة الحالية تُمثّل انتهاكًا صارخًا لأبسط المبادئ الإنسانية.
ما أحوجنا اليوم إلى إحياء القيم الإنسانية الأساسية التي تاهت وسط ضجيج الديمقراطية والإرهاب، وما يجري في غزة حالة متوحّشة بعيدة عن القوانين والأعراف والتقاليد والأخلاق الإنسانية النبيلة!.
الجرائم "الإسرائيلية" تخطّت جميع الخطوط الحمراء، وضربت كافّة القوانين والأخلاق، المدنية والعسكرية، وهذه حالة خطيرة لا يمكن أن تخلو من تداعيات مستقبلية ليس فقط في فلسطين والمنطقة، بل، وربّما، في غالبية الدول الغربية!
حافظوا على الإنسان، وانصروا القضايا العادلة حتى تستمرّ حياتنا على الكوكب بعيدا عن الإرهاب والخراب والضياع!.

مقالات مشابهة

  • تحركات مصرية قطرية - صحيفة تتحدث عن أبرز مستجدات مفاوضات غزة
  • غرفة الأخشاب: تطوير صناعة الأثاث في مصر يحتاج لمواكبة المعايير العالمية
  • ازدواجية المعايير .. العراق نموذجًا
  • سيناتورة أسترالية تتحدث عن إخوتها الفلسطينيين (بورتريه)
  • مقترح عيد الفطر .. تقارير تتحدث عن هدنة قريبة في غزة
  • سيناتور أسترالية تتحدث عن إخوتها الفلسطينيين (بورتريه)
  • "مقترح عيد الفطر".. تقارير تتحدث عن هدنة قريبة في غزة
  • لنعد إلى إنسانيتنا
  • إيقاف حفل مخالف في ساحة أحد الجوامع بالرياض
  • “حقوق الإنسان” بالأمم المتحدة: الترحيل القسري لسكان غزة جريمة حرب بموجب القانون الدولي