المعايير المزدوجة للسياسة الغربية
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
د. صالح الفهدي
لا تخجل الأنظمة السياسية الغربُية في مجملهِا أن تتحدَّث بلسانها عن حقوق الإِنسان، إلا إنْ كانت تقصد حقوقه في الشذوذ وانحراف الفطرة الإنسانية السَّوية، وليس حقوقه في الحرية والكرامة والعيش الكريم في الحياة كإنسانٍ سويٍّ!
لا تخجلُ أن تتحدَّث عن الديمقراطية إلا إنْ كانت تقصدُ الاستبدادَ وفعل ما لا يوافق شعوبها، وليست الديمقراطية التي تعبِّرُ عنها شعوبها في المظاهرات الحاشدة التي تمتلئ بها شوارعها وساحاتها.
لا تخجلُ أن تتحدث بلسان المجتمع الدولي الذي لم يخوِّلها الحديث عنه إلا إنْ كانت تقصد نسبة 1% من دول العالم التي تساند العدوان على شعبٍ يرزحُ تحت الاِحتلال منذ 75 عاماً! وليس عن نسبة 99% من المجتمع الدولي الذي يطالب بوقف العدوان "البربري" عليه من عدوٍّ غاشم.
لا تخجل تلك الأنظمة أن تتحدَّث عن حق الدفاعِ عن النفس لمحتلِّ وطن، ولا تتحدث عن حق استرداد وطنٍ، وقمع وتهجير أهلهِ، ووضعهم في سجونٍ مغلقة ومفتوحة.
لا تخجل أنْ تتحدث عن الإرهاب وهي تدعم أسبابه ودواعيه، وتغذِّي جذوره، ولهذا استعاد الشعب الأمريكي رسالة بن لادن التي عزا فيها أسباب هجوم 11 سبتمبر لما تمارسه من دعم للكيان المحتل، ونظامه السياسي الحالي يُعيد إنتاج الأسباب نفسها.
لا تخجل الأنظمة الغربية في كيل الاتهامات بمعاداة السامية وهي تكبت الضمائر الحرية من أبناء شعبه الأحرار، وتصدر القوانين المجرِّمة لذلك، أو لمن يدعم حقوق شعبٍ يواجه إبادةً جماعية.
لا تخجل الأنظمة الغربية أن تتحدث عن مبادئ القانون الدولي وهي تنتهكه، وتلقي به في الحضيض، وتعارضُ كل قرار يوقفُ العدوانَ على شعب محاطٍ بأسوارٍ من كل جهة.
لقد انحسرتْ كلُّ الأوراق الغربية، وهذا بالطبع ليس مفاجئاً، ولكن التأييد العلني الصريح من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومن ألمانيا وفرنسا، وهما قائدتا الاتحاد الأوروبي، ووقوفهما بكل صفاقةٍ ووقاحةٍ مع مغتصبِ وطنٍ، ومحتلِّ أرض، وقوةٍ طائشة العقل، لا ضميرَ لها هو ما قضى على آخر ما تبقى لها من شعارات؛ فلا هي تستجيبُ للضغوطات الداخلية من شعوبها وسياسيِّها أصحاب الضمائر الحرَّة، ولا هي تقفُ مع المجتمع الدولي وشعوبه التي تهتفُ بأعلى صوتها "Cease fire" أي: "أوقفوا الحرب!"، فما هو هذا الضمير المزدوج الذي تمتلكه هذه الأنظمة التي تشجبُ روسيا من جهة، وتدعمُ الكيان الصهيوني من جهةٍ أُخرى؟! وما هو هذا اللسان الذي تتحدثُ به عن حقوق الإنسان من جهة وترسل الأسلحة المدمرة والفرقاطات الحربية والغواصات وحاملات السفن للقضاء على هذا الإنسان؟ ما هو هذا الوجه المزدوج الذي توصي به العدو الغاشم لتجنُّب قتل المدنيين، ثم توصيه بالقضاء على المقاومين؟ ما هو هذا القانون الدولي الذي يصدر مذكرة للقبض على الرئيس الروسي ولا يصدر مذكرة للقبض على رئيس الكيان الصهيوني؟
وإن كان هذا السياق يستدعي في المقابل الإشادة بدور ومواقف بعض الدول الأوروبية التي كان لها موقفٌ مشرِّفٌ في الوقوف مع الشعب الفلسطيني وهي أيرلندا والنرويج وأسكتلندا؛ حيث تفرَّدت منذ البداية في تعبيرها عن حقوق الشعب الفلسطيني وتنديدها بأفعال الكيان المحتل، ولحقتهما مؤخراً إسبانيا التي هدَّدت أوروبا بأنها ستتخذ قراراً مستقبلا بالاعتراف بدولةٍ فلسطينية مستقلة إن لم يُوافقها الاتحاد الأوروبي في قرارها.
تساقطت أقنعة السياسة فكشفت عن وجوهها دون ذرة خجل، أو وخزة ضمير، فهل سيأتي من يأتي ويتحدث عن قيم العدالة وحقوق الإنسان والحرية التي يتبناها الغرب وهو يعاني من الانفصام في سياسته، والازدواج في معاييره؟! هل للغرب لسانٌ يتحدثُ به عن الديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها بعد أن أسهم في الإبادة الجماعية، فأكَّد بذلك أن عقلية المستعمر ل اتزال مستقرَّةً فيه، وإن ادَّعى التحضُّر والتقدم؟
أما "الخير الذي يخرجُ من بطنِ الشرِّ"، فإنَّ الأحداث الجارية اليوم على الساحة الدولية هي بمثابة بداية لعالم جديد بمفاهيم جديدة، لابد أن يشهد مخاضها قسوةً وشدَّة وفوضوية ستخرجُ منها الدول المظلومة منتصرة، وحرة، ومستقلة القرار.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: ما هو هذا
إقرأ أيضاً:
بين الحرب والفصل.. معاناة موظفي الأونروا الفلسطينيين تكشف ازدواجية المعايير
طالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بوقف إنهاء خدمات الموظفين الفلسطينيين الذين فروا من غزة من أجل سلامتهم، حيث طالب برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف الموظفين الذين يعملون عن بعد بسبب الحرب بالعودة إلى غزة أو مواجهة الفصل من العمل.
ويهدد القرار حياة الموظفين الفلسطينيين ويكشف أيضًا عن ازدواجية معايير مقلقة في واجب الأمم المتحدة في الرعاية، حيث يتم حرمان الموظفين الدوليين في مناطق الأزمات من امتيازات العمل عن بعد الممنوحة لهم في أماكن آمنة.
وفر هؤلاء الموظفين الفلسطينيين من غزة بحثًا عن الأمان، وانتقلوا على نفقتهم الخاصة للهروب من الحرب المتصاعدة في غزة، حيث استمروا في أداء أدوارهم عن بُعد.
واتخذ برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف قرارًا بإنهاء عقود موظفيهم الفلسطينيين الذين تمكنوا من الفرار من غزة، ويطالب برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسيف بعودتهم إلى غزة.
وأكد زملاء الموظفين الذين يحتجون على القرار، إنه تهديد مباشر لحياة الأشخاص أنفسهم الذين من المفترض أن تحميهم هذه المنظمات، وأن توجيه الموظفين بالعودة في ظل هذه الظروف، مع حجب خيارات العمل عن بعد المتاحة بحرية للموظفين في أماكن أكثر أمانًا، يكشف عن ازدواجية معايير مقلقة في واجب الرعاية الذي يفرضه نظام الأمم المتحدة.
ويضم برنامج الأغذية العالمي 12 موظفًا محليًا يعملون في غزة، وقد نقل الموظفون الاثنا عشر أنفسهم خارج غزة، ودفع كل موظف 5000 دولار، بالإضافة إلى 5000 دولار إضافية لكل فرد معال، لضمان سلامتهم وسلامة أسرهم.
ويعيش الموظفون في ظروف محفوفة بالمخاطر، ويعتمدون فقط على رواتبهم، ومن اللافت للنظر أن هؤلاء الموظفين استمروا في العمل عن بعد وأداء واجباتهم في ظل ظروف صعبة للغاية.
وتستعد اليونيسيف لتتبع نفس النهج مع موظفيها الفلسطينيين الثلاثة عشر، وتخطط منظمة الصحة العالمية للقيام بنفس الشيء مع حوالي عشرة موظفين فلسطينيين إضافيين.
أجرى برنامج الأغذية العالمي اجتماعات سريا مع الموظفين المتضررين، وأمرهم بالعودة إلى غزة قبل نهاية العام، مما يعني فعليًا إنهاء ترتيبات العمل عن بعد.