الموسيقى تؤثر على كلام الإنسان.. دراسة تكشف المفاجأت
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
قال باحثون من المملكة المتحدة إنهم تمكنوا من إثبات أن الموسيقى يمكن أن تؤثر على الكلام البشري وتغييره وتحسينه.
وذكرت يوريكاليرت، توصل العلماء إلى استنتاج مفاده أن الموسيقى يمكن أن تغير كلام الشخص لأنها تؤثر على مناطق معينة من الدماغ المسؤولة أيضًا عن الكلام البشري، ونحن نتحدث عن الأشخاص الذين يعانون من ضعف النطق ويحتاجون إلى علاج ودروس معينة لتحسينه.
وتنشأ المشاكل بسبب اضطرابات طيف التوحد أو السكتات الدماغية أو الخرف أو تلف الدماغ وعلى أية حال فإن هذا يؤدي إلى إصابة الشخص بنوع من الاضطراب في وظيفة النطق ونتيجة لذلك، لا يستطيع الشخص التحدث بشكل طبيعي.
الموسيقى تؤثر على الدماغيستخدم العلماء طرقًا مختلفة لعلاج هذه المشكلة واكتشفوا الآن أنه من الممكن استخدام الموسيقى - فهي تؤثر على المناطق الضرورية في الدماغ، مما يجبرهم على العمل بشكل أكثر نشاطًا ونتيجة لذلك، تتطور اتصالات عصبية جديدة تساعد على تحسين الكلام البشري.
وتساعد الأعمال الموسيقية على إعادة الأشخاص الذين يعانون من الخرف إلى بيئتهم المألوفة، مما يمنعهم من الانسحاب إلى أنفسهم وفي هذه الحالات، يمكن أن يكون هذا أيضًا عاملاً مهمًا في استعادة وظيفة الكلام لدى الشخص.
ومن المخطط أن يستخدم الأطباء الآن هذا الاكتشاف لعلاج الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النطق. يقول العلماء إن الموسيقى يمكن أن تكون وسيلة فعالة لإعادة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة ومساعدتهم على الاستقرار بعد أنواع مختلفة من الصدمات.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الموسيقي الدماغ السكتات الدماغية الخرف تلف الدماغ استخدام الموسيقى الأعمال الموسيقية تؤثر على یمکن أن
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب: عمار الشريعي.. قيثارة الموسيقى التي أنارت دنيا النغم
"لم يكن عمار الشريعي مجرد ملحن، بل كان شاعرًا يصوغ قصائده بالنوتات لا بالكلمات، وفيلسوفًا يترجم أسئلة الوجود إلى مقامات موسيقية، وثائرًا يحمل عصاه البيضاء ليهدم أسوار الظلام بنور الإبداع." هكذا يمكننا أن نبدأ حديثنا عن هذا العملاق الذي حول إعاقته إلى إضاءة، وجعل من قلبه عينًا تبصر ما لا تراه العيون.
في ذكرى رحيله، نستعيد سيرة الرجل الذي علمنا -كما تقول- أكثر مما تعلمنا في أعرق الجامعات، فهو لم يكن يقدم موسيقى للسمع فقط، بل كان يصنع "كلام الروح الذي لا يمكن للحكام أن يقبض عليه"، كما عبرت بتعبيرك الجميل. لقد كان عمار الشريعي مدرسة متكاملة في التحدي والإبداع، عيناه المحجوبتان عن النور لم تمنعاه من أن يكون "الغواص في بحر النغم" الذي أضاء بعمق فهمه وشفافية إحساسه عوالم كانت غائبة عنا.
طفل الصعيد
ولد عمار علي محمد إبراهيم علي الشريعي في 16 أبريل 1948 بسمالوط بمحافظة المنيا، في أسرة ارستقراطية حيث كان جده لأبيه محمد الشريعي من أعيان سمالوط ونائبًا بالبرلمان في عهد الملك فؤاد، وجده لأمه مراد الشريعي من قادة ثورة 1919 . لكن هذه الامتيازات الاجتماعية لم تخفف من صعوبة مصيره كطفل كفيف في مجتمع كان ينظر إلى الإعاقة نظرة قاسية. يقولون إن "المولود بإعاقة يهمل في زوايا النسيان"، لكن والده -المتأثر بثقافته الأوروبية- قرر أن يلقنه "أعظم دروس الحياة: ألاّ يستسلم لسجن العمى" .
الطفل الذي حرم من رؤية العالم، وجد في أذنيه نافذته السحرية. كانت أمه -كما تروي المصادر- مولعة بالغناء والفلكلور، اعتادت أن تهدهده بالأغاني فيضحك ويبكي مع النغمات، وأورثته حبها لأغاني محمد عبد الوهاب . وهكذا فتحت له "خلف سور العتمة بابًا للخيال، وأغنته بالتصور عن الصور"، كما وصفتَ بدقة في كلماتك.
حاولت الأم أن تجعل منه "طه حسين الثاني"، فكلاهما من المنيا، لكن عمار كان له مساره المختلف. بينما درس طه الأدب العربي وأتقن الفرنسية، أتقن عمار الإنجليزية وتأثر بشكسبير، وسعى لدراسة مسرح إبسن . لقد رفض أن يكون نسخة من أحد، حتى لو كان عميد الأدب العربي نفسه، واختار أن يشق طريقه الخاص، طريق النغم الذي سيصبح فيه "طه حسين الموسيقى" كما أطلق عليه لاحقًا.
الثورة على القيود الاجتماعية
في أسابيعه الأولى بالجامعة، استغنى عمار عن "المرافق" الذي خصصته له الأسرة ومضى إلى الكلية وحده . هذه الخطوة كانت بداية تمرده على كل القيود التي حاول المجتمع فرضها عليه بسبب إعاقته. لكن التمرد الأكبر كان عندما قرر أن يعول نفسه بعزف الأكورديون في ملاهي شارع الهرم بدلاً من أن يطلب المال من أحد .
"جن جنون الأم: ابن الشريعي يعزف خلف الرقاصات؟" كما تذكر الروايات . لقد اصطدم حلم الأم في أن يكون ابنها أستاذًا جامعيًا مرموقًا بواقع اختياره لحياة الفن. وكانت النتيجة قطيعة استمرت خمس سنوات، عاش خلالها عمار بين راقصة وأخرى، يعزف أحيانًا على "عربات كارو" متحركة في الأعراس .
لكن القدر كان يخبئ له مفاجأة ساحرة. بينما كانت أمه في البنك ذات يوم، لاحظ الصراف لقبها وسألها إذا كانت قريبة لعمار الشريعي، فردت بتحفظ: "قرابة بسيطة، أنا أمه". فجأة تغيرت معاملة البنك بالكامل، واستقبلها المدير شخصيًا . في تلك اللحظة أدركت الأم أن ابنها لم يصبح مجرد عازف، بل تحول إلى ظاهرة موسيقية. وعندما اتصلت به كأنها تستأنف حديثًا انقطع بالأمس، ضاعف عمار زهوها بقوله: "الأستاذ عبد الوهاب كلمني من أسبوع" . لقد كانت شهادة اعتراف من الموسيقار الأكبر تعادل في نظرها "دكتوراه طه حسين من السوربون".
معجزة الموسيقى التصويرية
"كيف سيشعر بإحساس الممثلين والموقف الدرامي، وكيف يقيس شريط الصورة على شريط الصوت؟!" . هذا كان رد المخرجين عندما اقترح أحدهم أن يتولى عمار الشريعي الموسيقى التصويرية لفيلم "الشك يا حبيبي" لشادية. لقد اعتقدوا أن الكفيف لن يستطيع أن يفهم الصورة التي لا يراها. لكن شادية أصرت، وكانت النتيجة تحفة فنية أثبتت أن عمارًا كان يرى بعين القلب ما لا يراه الآخرون بأعينهم .
من هذه البداية، انطلق عمار ليصبح سيد الموسيقى التصويرية في مصر والعالم العربي، حيث قدم موسيقى أكثر من 50 فيلماً و150 مسلسلاً . لقد كان قادرًا على تحويل الصور إلى مشاعر، والمشاعر إلى نغمات. من أبرز أعماله التلفزيونية مسلسلات "الأيام"، "بابا عبده"، "رأفت الهجان"، "أرابيسك"، "الراية البيضا"، و"الشهد والدموع" . وفي السينما قدم موسيقى أفلام مثل "البريء"، "حب في الزنزانة"، "أرجوك أعطني هذا الدواء"، و"حليم" .
لكن الإنجاز الأكبر كان في اختراعه - مع الشاعر سيد حجاب والمطرب علي الحجار- لفن "التتر" التلفزيوني كما نعرفه اليوم. لم يعد مجرد موسيقى تصاحب كتابة فريق العمل، بل صار "طاقة مغناطيسية لاستقطاب الجمهور، وربما تكون أكثر بقاء من المسلسل نفسه" . لقد جعل من هذه الشارات قصائد موسيقية تختزل روح العمل الفني كله في دقائق معدودة.
فلسفة الكبرياء
"الصبر والكبرياء" كانا الدرسين اللذين تعلمهما عمار من والده الذي توفي وهو في السادسة عشرة . هذان المبدآن أصبحا فلسفة حياة للرجل الذي رفض أن يكون ضحية لإعاقته أو لظروف مجتمعه. لقد حول الظلام إلى مساحة خصبة للخيال، والصمت إلى عالم زاخر بالنغم.
"طه حسين" كان يرى بعين العقل، أما عمار الشريعي فكان يرى بأذن الروح. كلاهما امتلك "عبقرية شفاهية" وقدرة على "الهيمنة على المتلقي بعذوبة الحكي"، كما ورد في إحدى المقالات . لكن بينما التزم طه بالفصحى البسيطة، انحاز عمار إلى "عامية قريبة من الفصحى" في حديثه، وكان "بليغًا بحلاوة العبارة، وجمال التصور، والحس الساخر اللطيف" .
لم يكتف عمار بإتقان آلة واحدة، بل تعلم العزف على البيانو والأكورديون والعود والأورج . لقد كان "أكثر شجاعة من أن يبقى حبيس آلة واحدة"، كما كان رافضًا أن يكون حبيس العمى . وعندما افتتح استديو خاصًا به، كان قادرًا على أن يجلس على "المكسر" ويدير عشرات المفاتيح لتوليف النغمات ، محققًا بذلك معجزة تقنية لم يتصورها الكثيرون لشخص كفيف.
مدرسة المواهب
لم يكن عمار الشريعي يكتفي بالإبداع الفردي، بل كان دائم السعي لاكتشاف المواهب الجديدة ورعايتها. في عام 1980 كوّن فرقة "الأصدقاء" التي ضمت منى عبد الغني وحنان وعلاء عبد الخالق . كما اهتم بأغاني الأطفال، حيث قدم أغاني احتفالات عيد الطفولة لمدة 12 عامًا متتالية ، مشاركًا في ذلك نجومًا مثل عبد المنعم مدبولي ونيللي وصفاء أبو السعود ولبلبة .
من بين المواهب التي اكتشفها أو رعاها: منى عبد الغني، حنان، علاء عبد الخالق، هدى عمار، حسن فؤاد، ريهام عبد الحكيم، مي فاروق، أجفان الأمير، آمال ماهر، أحمد علي الحجار، وسماح سيد الملاح . لقد كان يؤمن بأن الفن رسالة جماعية، وأن العطاء لا يكتمل إلا عندما يساعد المبدع في إبراز مواهب الآخرين.
على المستوى الأكاديمي، تم تعيينه أستاذًا غير متفرغ بأكاديمية الفنون المصرية عام 1995 . كما أصبحت أعماله موضوعًا لرسائل علمية عديدة، حيث تناولت 7 رسائل ماجستير و3 رسائل دكتوراه من مصر أعماله، بالإضافة إلى رسالة دكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا .
جوائز وتكريم
حصل عمار الشريعي على العديد من الجوائز المحلية والدولية التي كرست مكانته كأحد عمالقة الموسيقى العربية، منها:
- جائزة مهرجان فالنسيا بإسبانيا عام 1986 عن موسيقى فيلم "البريء"
- وسام التكريم من الطبقة الأولى من السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان عام 1992
- جائزة الحصان الذهبي لأحسن ملحن في الشرق الأوسط لسبعة عشر عامًا متتالية
- جائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2005
نغم لا يموت
في ليلة زفافه على الإعلامية ميرفت القفاص، ترك عمار "الكوشة" ليعزف كما تروي زوجته . هذه الحكاية تلخص شخصية الرجل الذي جعل من الفن زواجه الحقيقي، ومن الموسيقى بيته الدائم. لقد كان -كما وصفتَه بدقة- "قمر الظلام" الذي أضاء لنا دروب الحنين، و"صديق الرحلة" التي عشناها مع تترات مسلسلاته الخالدة.
عندما توفي في 7 ديسمبر 2012 عن 64 عامًا بسبب قصور القلب ، لم يكن يرحل مجرد ملحن، بل كان يترك وراءه إرثًا إنسانيًا وفنيًا يثبت أن الإعاقة ليست في العينين، بل في الروح التي ترفض أن ترى الجمال. لقد علمنا عمار الشريعي أن "الظلام يمكن أن يكون أرضًا خصبة لأجمل الألحان"، وأن "اليد التي لا ترى قادرة على صنع ما يعجز عنه البصر".
اليوم، كلما سمعنا موسيقى "الأيام" أو "رأفت الهجان" أو أي من أعماله الخالدة، ندرك أن عمار لم يرحل حقًا، فهو حاضر في كل نغمة تذكرنا بأن الفن الحقيقي هو ذلك القادر على تحويل الظلام إلى نور، والصمت إلى أغنية، واليأس إلى أمل.