أعلن الاحتلال الإسرائيلي ومنذ الأيام الأولى للعدوان، نيّته تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر، لحماية أمن الكيان المحتل من المقاومة والشعب الفلسطيني الذي وصفه وزير حرب الاحتلال يؤاف غالانت بالحيوانات البشرية، واتهمه رئيس الكيان هيرتسوغ بأنه شعب غير بريء، لعدم وقوفه ضد حركة حماس وكتائب القسام التي أطاحت بفرقة غزة في أقل من خمس ساعات في معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.



حاول الاحتلال الإسرائيلي مبكرا، فتح مسارات لتنفيذ هذا الهدف بالتعاون مع القاهرة التي زارها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ولكن القاهرة وعلى لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، أعلنت رفضها القاطع لفكرة التهجير، بقوله إن "ما يحدث في غزة ليس عملا ضد حماس، وإنما محاولة لدفع المدنيين إلى اللجوء والهجرة إلى مصر"، معتبرا ذلك تصفية للقضية الفلسطينية وتهديدا لأمن مصر القومي.

وفي ذات السياق، أعلن الأردن رفضه القاطع لهذه الفكرة، التي ستشكل تصفية للقضية الفلسطينية ومقدّمة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن.

تراجُع الحديث عن التهجير إعلاميا على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، لا يعني بالضرورة موتا للفكرة في رؤوسهم، وإنما قد يكون تغييرا في التكتيكات الخطابية بعد أن استفزّت تلك التصريحات العديد من الدول العربية والغربية، لأنها فكرة لا يمكن الترويج لها أو مباركتها في العلن.

تراجُع الحديث عن التهجير إعلاميا على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، لا يعني بالضرورة موتا للفكرة في رؤوسهم، وإنما قد يكون تغييرا في التكتيكات الخطابية بعد أن استفزّت تلك التصريحات العديد من الدول العربية والغربية، لأنها فكرة لا يمكن الترويج لها أو مباركتها في العلن
وبمتابعة إجراءات الاحتلال وسلوكيات عدوانه على غزة في الجولة الأولى أو الثانية بعد الهدنة، نرى أنها كانت ولا تزال حاضرة في العقل الإسرائيلي من خلال:

أولا: استمرار الحصار المطبق على قطاع غزة، بمنع دخول كافة احتياجات الإنسان الأساسية من أغذية ومياه وأدوية ووقود، مع تدمير جيش الاحتلال لنحو 60 في المئة من الوحدات السكنية في قطاع غزة، وتدمير معظم البنى التحتية، ولا سيّما في مدينة غزة وشمالها، وفي مقدمتها القطاع الطبي حيث خرج نحو 25 مشفى من أصل 35 عن الخدمة، وما دخول بعض المساعدات قبل الهدنة المؤقتة وأثناءها، إلا قطرة في بحر احتياجات المواطنين، وحتى لو استمر دخول تلك المساعدات، وهو أمر مشكوك فيه، فلن يشكّل الحد الأدنى لاستمرار الحياة البشرية.

ثانيا: استطاع جيش الاحتلال وبقوة التدمير المباشر للأحياء السكنية في مدينة غزة وشمال القطاع، إجبار نحو 700 ألف مدني للنزوح إلى وسط وجنوب القطاع، ما يشير إلى أن معظم السكان أصبحوا يتمركزون في وسط وجنوب قطاع غزة بواقع 1.7 مليون تقريبا من أصل 2.25 مليون، مع الإشارة إلى أن نحو 1.8 مليون من السكان أصبحوا في عداد النازحين عند الأقارب وفي مراكز الإيواء التي لا يتوفّر فيها أدنى مقوّمات الحياة.

ثالثا: بعد أن انتهت الهدنة الإنسانية المؤقتة، واستأنف الاحتلال عدوانه على قطاع غزة في الأول من الشهر الجاري، يُلاحظ أن الاحتلال بدأ يركّز قصفه بالطائرات على ما تبقى من مدينة غزة وشمالها بالإضافة إلى جنوب قطاع غزة وخاصة مدينة خان يونس، التي تعد المدينة الثانية بعد مدينة غزة، وهي الوحيدة التي بقي فيها قطاع طبي نشط كمجمع ناصر الطبي. واللافت هنا أن هذه المدينة تشهد كثافة نارية كبيرة، مع دعوة الاحتلال لسكان المناطق الشرقية منها، وهي مناطق مكتظة بالسكان، إلى النزوح إلى مدينة رفح الواقعة على الحدود مع مصر، وليس النزوح إلى وسط مدينة خان يونس أو المحافظات الوسطى للقطاع، في إشارة واضحة إلى محاولته تركيز أكبر عدد ممكن من السكان على الحدود المصرية.

تلك المعطيات تشير إلى أن الاحتلال يصنع وقعا معقّدا، في محاولة منه، لدفع السكان إلى اللجوء إلى مصر عبر الحدود بقوة القصف والنيران التي لا زالت تحصد أرواح المئات يوميا، وتدمّر الوحدات السكنية والبنى التحتية بشكل كبير، وتحرمهم من لوازم الحياة الإنسانية كالغذاء والماء والوقود، بهدف تفريغ قطاع غزة من السكان، وتحويله إلى أرض محروقة، بعد أن فشل جيشه عسكريا وأمنيا في مواجهة كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية.

اللافت أيضا، أن القاهرة ومع تأكيدها على رفض التهجير، لم تقم مع جامعة الدول العربية ولا منظمة التعاون الإسلامي بمستلزمات تنفيذ القرار الذي أخذوه في القمة الطارئة في الرياض، في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، لتثبيت سكان غزة في أرضهم، بكسر الحصار وإدخال المواد الإغاثية والطبية والوقود إلى غزة فورا، ما يضع علامة استفهام على هذا السلوك المجانب لمقتضيات الجِوَار والعروبة وحقوق الإنسان.

فكرة التهجير ليست مجرد خطاب إعلامي يظهر ويختفي، وإنما مشروع يجري محاولة تنفيذه، ولعل زيارة رئيس جهاز الـ"CIA" وليام بيرنز إلى المنطقة قبل عدة أيام والتقاءه برئيس الموساد الإسرائيلي وبعدد من رؤساء أجهزة المخابرات العربية، يشير إلى أن هناك أمرا مهما وخطيرا يجري الإعداد له
وعلى صلة بالموضوع، أبدى العديد من المراقبين توجّسهم من توقيت إعلان مصر على لسان رئيس وزرائها مصطفى مدبولي، عن خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية في شمال سيناء بقيمة نحو 363 مليار جنيه (نحو 12 مليار دولار)، خلال السنوات الخمس المقبلة، في ظل معاناة مصر من أزمة اقتصادية، وفي ظل الحديث عن خطط إسرائيلية أمريكية لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء.

وفي ذات السياق، وقبل إعلان مدبولي عن تلك الخطة، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أرسل مذكّرة إلى مجلس النواب، باعتماد 106 مليارات دولار للتعامل مع "الآثار الإنسانية العالمية" للحرب في أوكرانيا وقطاع غزة.

وحسب مذكّرة بايدن، فإن من شأن تلك الموارد "دعم المدنيين النازحين والمتضررين من النزاع، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، وأن تلبي الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارّين إلى البلدان المجاورة".

هذه المؤشّرات تجعل من فكرة التهجير ليست مجرد خطاب إعلامي يظهر ويختفي، وإنما مشروع يجري محاولة تنفيذه، ولعل زيارة رئيس جهاز الـ"CIA" وليام بيرنز إلى المنطقة قبل عدة أيام والتقاءه برئيس الموساد الإسرائيلي وبعدد من رؤساء أجهزة المخابرات العربية، يشير إلى أن هناك أمرا مهما وخطيرا يجري الإعداد له، فمن غير المعقول أن يأتي السيد بيرنز إلى المنطقة ليناقش تمديد الهدنة المؤقتة في غزة ليوم أو يومين للإفراج عن عشرات الإسرائيليين لدى حركة حماس..!

يبدو أن هناك شيئا ما يُخطّط له، وينفّذ بشكل غير معلن وبدون ضجيج إعلامي، وقد يكون أحد ملامحه أو مخرجاته هو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وما المجازر المستمرة على مدار الساعة من شمال القطاع إلى جنوبه إلا لدفع السكان إلى النزوح تدريجيا من الشمال إلى الجنوب ومن غزة إلى خان يونس إلى رفح فإلى سيناء قسرا.

يبدو أن هناك شيئا ما يُخطّط له، وينفّذ بشكل غير معلن وبدون ضجيج إعلامي، وقد يكون أحد ملامحه أو مخرجاته هو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وما المجازر المستمرة على مدار الساعة من شمال القطاع إلى جنوبه إلا لدفع السكان إلى النزوح تدريجيا من الشمال إلى الجنوب ومن غزة إلى خان يونس إلى رفح فإلى سيناء قسرا
تصريحات المسؤولين الأمريكيين الرافضة للتهجير القسري، لا تشفع لهم ولا تساعد أي مراقب على تصديقهم، لأن تصريحاتهم تتناقض مع دعمهم المفتوح للعدوان الإسرائيلي الوحشي على المدنيين في قطاع غزة، ويمكن تفسير تلك التصريحات على أنها محاولة لذر الرماد في العيون، ولتخفيف حجم الضغوط الشعبية الداخلية والخارجية على الرئيس بايدن الذي يعاني من تراجع شعبيته قبيل الانتخابات الرئاسية، بسبب مواقفه الداعمة لإسرائيل في عدوانها على غزة.

الاحتلال الإسرائيلي بدوره يظن أنه قادر على إنفاذ ذلك السيناريو بأعلى قوة نارية ممكنة باستخدامه، خلال مدّة زمنية قصيرة، لأفتك سلاح أمريكي، حصل عليه بعد زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن الذي غادر تل أبيب بعد سويعات من تجدّد العدوان على غزة في الأول من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، فنجاح ذلك السيناريو المفترض، سيعني للاحتلال فسحة لإعادة رسم مستقبل قطاع غزة وفقا لأجندته الأمنية والسياسية، والتي قد ترقى في ظنّهم إلى ضم قطاع غزة حسبما ورد على لسان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

مع حجم الدمار والقتل الوحشي الذي يجري في قطاع غزة على مدار الساعة، ورغم صمت وعجز الدول العربية والإسلامية المرتهنة للإرادة الأمريكية، إلا أنّ الكلمة الفصل تبقى للشعب الفلسطيني ولقدرة المقاومة على إفشال مخططات الاحتلال رغم الثمن الباهظ الذي يجري دفعه من دماء الأطفال والمدنيين العزّل.

الجولة الثانية من العدوان قد تكون الأشرس والأعنف على كل قطاع غزة، ولكن الذي صمد طوال خمسين يوم مضت، يمكن له أن يصمد أيضا ويطيح بكل أهداف الاحتلال، ويغيّر المعادلة التي ستكون لها ارتدادات كبيرة على مستقبل الكيان وعلى المنطقة برمّتها، وعلى من وَقَفَ مع غزة أو خَذَلها في اللحظة التاريخية الفارقة. فالفلسطيني في قطاع غزة يصمد ويقاتل وظهره إلى الجدار، ويعلم أن لا خيار إلا أن يكون، وأن هذه المعركة هي معركة فاصلة في تاريخ الصراع مع الاحتلال والمشروع الصهيوني، وأنها هي المنطلق لرسم ملامح المرحلة القادمة والمؤسِّسَة لمرحلة التحرير والعودة، بعد أن يستنفد الاحتلال كامل قوّته وخياراته ويفشل في تحقيق أهدافه.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي تهجير غزة الفلسطيني إسرائيل فلسطين غزة جرائم تهجير مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدول العربیة فی قطاع غزة مدینة غزة خان یونس غزة إلى إلى مصر قد یکون أن هناک غزة فی إلى أن بعد أن

إقرأ أيضاً:

من هو القسام الذي بدأ المقاومة.. وماذا ورثت عنه الكتائب في غزة؟

تحل ذكرى استشهاد الشيخ عز الدين القسام الذي قضى في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 1935، بعدما اكتشفت القوات البريطانية تواجده في منطقة ما بين مدينتي جنين ونابلس مع 11 شخصا من أتباعه المقاومين.

وكانت نتيجة المعركة وحصار وضع نهاية لعمل مقاوم استمرار لسنوات ضد الاستعمار الفرنسي في سوريا والانتداب البريطاني في فلسطين.

واستشهد القسام حينها مع ثلاثة من مجموعته في الاشتباك وهُم يوسف عبد الله الزيباوي وعطية أحمد المصري وأحمد سعيد، فيما جرح نمر السعدي وأسعد المفلح، بينما اعتقل حسن الباير، وأحمد عبد الرحمن، وعربي البدوي، ومحمد يوسف، وحكم على كل منهم بالسجن مدة 14 عاما.



ووضع استشهاد القسام نهاية لمرحلة من المقاومة المنظمة غير المسبوقة في فلسطين، لكنه أسس لبداية أخرى تمثلت في الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، واستمر اسمه حاليا مع كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، والذي يوصف بأنه المسؤول عن أكبر عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي في العصر الحديث، وهي طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

يُصادف اليوم الذكرى ال ٨٨ لاستشهاد الشيخ عز الدين القسام بعدما حاصرته القوات البريطانية في أحراش جنين طالبة منه الاستسلام.
جوابه كان :
"وإنه لجهاد، نصرٌ أو استشهاد".
٢٠ تشرين الثاني ١٩٣٥. pic.twitter.com/fwgkPXJGMi — دانيال ???? (@DanielHasRisen) November 20, 2023
كيف عاش؟
ولد باسم مركب وهو محمد عز الدين عبد القادر القسام عام 1882، في قرية جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية السورية، وتلقى تعليمه الأول في كتاب الشيخ محمود وزاوية الإمام الغزالي بقريته، ومن ثم انتقل في الرابعة عشرة من عمره إلى القاهرة لإكمال دراسته في الأزهر حيث التقى واستلهم من الشيخ الإصلاحي الكبير محمد عبده ورشيد رضا وغيرهم.

وبعد نحو عقد من الزمن عاد إلى بلدته عام 1906 ليُدّرس في كُتاب والده بجبلة وعُين إماما وخطيبا في مسجد إبراهيم بن أدهم، وعندما غزا الجيش الإيطالي ليبيا في عام 1911، صعد الشيخ القسام إلى منبر مسجد المنصوري داعيا إلى الجهاد.

وسرعان ما قام بتجنيد عشرات الشباب للقتال في طرابلس، بعدما بدأت إيطاليا حصار المدينة عقب تنسيق مع فرنسا لتقسيم المستعمرات، وجمع مئات الشباب وتواصل مع الحكومة التركية وأخذ موافقتها على نقل المتطوعين عبر ميناء إسكندرون، فمكثوا 40 يوما ولم تأتهم الباخرة للإبحار.

ورغم ذلك أصر القسام على النجدة فانتقل سرا إلى الأراضي الليبية، وأنجز جزءا من المهمة بإيصال التبرعات السورية إلى ليبيا ولقاء الشيخ عمر المختار.

عندما نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914 تطوع عز الدين القسام للخدمة في الجيش التركي، وأرسل إلى معسكر جنوب دمشق، والمرجح أنه اعتزل القتال حين أعلن الشريف حسين الثورة على الأتراك، وعاد إلى بلده عام 1916، لأنه رفض أن يرفع السلاح في وجه أخيه العربي.

نأى عز الدين بنفسه عن التأثر بالنزعات العرقية التي تخطط لانفصال العرب عن الترك بقيادة الجمعية العلمية السورية، التي تأسست عام 1868، كما رفض مساوئ الاتجاه القومي الطوراني، الذي كان يسعى لطمس الهوية العربية ومحاصرة لغة الضاد.

وعندما وصل الأسطول الفرنسي اللاذقية والساحل السوري، أقدم القسام إلى بيع بيته لتجهيز نفسه للمواجهة وأعلن التحدي ورفض التفاوض، ورد لجنة كراين الأمريكي للاستفتاء على تقرير المصير، وأخذ في التعبئة من المساجد، وتدريب المتطوعين والخروج إلى جبال صهيون للتخفي، واصطياد معسكرات الفرنسيين المحتلين، لتكون هذه النقطة مع جبال العلويين وحلب مراكز الانطلاق الثلاثة ضد القوات الفرنسية.

ولما اشتدت وطأة المقاومين على معسكرات المحتلين حاولت فرنسا استمالة القسام بالعفو والمال والمنصب، فرفض كل شيء وقال للوسيط: "عد من حيث أتيت"، فصدر حكم بإعدام عز الدين وبعض رفاقه، ورصدت قوات الاحتلال جائزة كبيرة لمن يدل عليه.

وبعد اشتداد المطاردة وارتكاب الاحتلال مجازر في القرى بحثا عنه، توجه القسام حيفا وبدء مرحلة جديدة من المقاومة

في فلسطين
استقر عز الدين القسام في مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا، الذي كان يأوي الفلاحين والطبعة العاملة المتوسطة الذين نزحوا من قراهم بسبب الأوضاع الاقتصادية، ونشط بينهم في محاولة لتعليمهم ومكافحة الأمية التي كانت منتشرة عبر تقديم دروس ليلية لهم.

انضم القسام إلى المدرسة الإسلامية في حيفا ثم جمعية الشبان المسلمين هناك، وأصبح رئيسا للجمعية في العام 1926، وقام بالتدريس في مدرسة البرج ومسجد الاستقلال.



ومع حلول عام 1928، التحق بالمحكمة الشرعية أثناء تأسيسه وترأسه جماعة "الشباب المسلمين" في فلسطين، مستوحيا من تجربة جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا قبيل ذلك في مصر.

كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين في ذروتها، حيث ارتفع عدد اليهود في فلسطين من نحو 175 ألف عام 1931 إلى أكثر من 355 ألف في 1935، وقبل أن يدعو القسام إلى حمل السلاح، ظهرت مجموعات مسلحة تشن عمليات عسكرية ضد المنشآت البريطانية واليهودية في فلسطين.

ولم يصدق الناس في ذلك الوقت أن بريطانيا جادة في تنفيذ وعد بلفور بجعل فلسطين وطن قومي لليهود، وحينها سارع لإطلاق الشرارة الأولى للمقاومة، ولكنه لم يعلن ذلك تصريحا بل كان في شكل تحذيرات كثيرة من الثقة بوعود الإنجليز وتحذيرات أشد من الهجرات اليهودية التي تتدفق بمساعدة الانتداب البريطاني.

وأنشأ القسام ما تُسمى "العصبة القسامية" في صورة مجموعات سرية لمحاربة الاحتلال البريطاني لفلسطين، وحرص فيها على السرية، حيث كان يختار الأفراد بعناية كبيرة، ويؤكد لهم ضرورة التخفي عن عيون الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية.

وظلت هذه المجموعات تشن هجماتها على الإنجليز لسنوات دون أن تعرف سلطات الاحتلال البريطاني ومخابراته حقيقتها، حتى أعلنها القسام نفسه عام 1935، ولم يوجه الاحتلال إلى القسام أي اتهامات أكثر من التحريض، ولم تعرف النخب المقربة منه ما يقوم به.

وقد نشطت المجموعات القسامية في تنفيذ عملياتها ضد الاحتلال البريطاني منذ عام 1928، وحافظت على سريتها حتى عام 1935، ومع كثرة العمليات في حيفا وملاحظة إصرار عز الدين القسام على الدعوة إلى جهاد المحتل شكت السلطات البريطانية فيه، فاستدعته الشرطة للتحقيق ولكنها لم تدنه لعدم كفاية الأدلة.

"قد بلغت"
بعد تزايد مراقبة القسام وملاحقته مع كل من له صلة به، قرر إعلان الحركة القسامية مخافة أن تختفي قبل أن تظهر، ومع تزايد معدلات الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين رأى أنه من الواجب إعلان الثورة، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1935 ألقى آخر خطبه في جامع الاستقلال.

وجاء في الخطبة الشهيرة: "أيها الناس، لقد علمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالما بها، وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فإلى الجهاد أيها المسلمون، إلى الجهاد أيها المسلمون"، ثم اختفى.

وتوجه عز الدين القسام إلى جنين، وكانت خطته التخفي والاستمرار في العمليات ضد الانتداب والعصابات الصهيونية، وأثناء التنقل بين القرى اكتشفت القوات البريطانية مكان المجموعة وتوجهت قوة كبيرة إلى هناك وحاصرتهم فدارت بين الجانبين معركة استمرت لمدة 6 ساعات تقريبا.

وبحسب كتاب "عز الدين القسام"، فإنه جرى نقل الشهداء إلى حيفا، وتمت الصلاة عليهم في جامع الاستقلال، وشُيّعت جثامينهم في تظاهرة وطنية كبرى، نادت بسقوط الإنجليز، ورفض الوطن القومي لليهود.

وبعد استشهاد القسام، لم تنتهِ المقاومة بل كانت الانطلاقة الجديدة لها في فلسطين؛ وبهذا أكد مؤلف كتاب "زعماء الإصلاح الإسلامي"، محمد مورو، أن لـ"استشهاد القسّام وكفاحه دورا في نشر الوعي والثورة، وأثراً مهماً في اندلاع الثورة الوطنية الكبرى في فلسطين سنة 1936، التي امتدت 3 سنوات، وظل التنظيم الذي شكله عز الدين ينفّذ العديد من العمليات الفدائية ضد اليهود والإنجليز".

الإمام المجاهد عزالدين القسام: "ليس المهم أن ننتصر المهم قبل كل شيء أن نعطي من أنفسنا درسا للأمة و للأجيال القادمة"#التناصح pic.twitter.com/9ObFGGPT7f — قناة التناصح (@TanasuhTV) May 19, 2021
"ولادة جديدة"

بعد استشهاد القسام بنحو 7 شهور، ولد طفل فلسطيني على أرض قرية الجورة، التابعة لقضاء المجدل جنوبي عسقلان، واسمه أحمد إسماعيل ياسين، الذي أسس لاحقا حركة حماس وكان زعيمها التاريخي.

وتزامن تأسيس حماس مع بداية الانتفاضة الأولى، حيث أصدرت الحركة بيانها الأول في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1987 بعد خمسة أيام فقط من بداية الانتفاضة، وسرعان ما حققت الحركة نجاحا وانتشارا شعبيا واسعا في الأوساط الفلسطينية.

وكان الجهاز العسكري لحماس حسنها يُسمى "المجاهدون الفلسطينيون" بقيادة الشيخ صلاح شحادة (جرى اغتياله عام 2002) قد بدأ في عملياته العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتمكن من خطف وقتل الرقيب الإسرائيلي آفي ساسبورتس في شباط/ فبراير 1989، والجندي إيلان سعدون في أيار/ مايو من العام نفسه.



وترتبط قصة سعدون بالشيخ ياسين بشكل مباشر، ففي أيار/ مايو 1989، وبعد وقت قصير من اختطاف واختفاءه، تم اعتقال الشيخ، وتبين في التحقيق معه أنه أعطى تعليماته لعناصر حماس بخطف الجنود وقتلهم ودفنهم، ليتم إجراء المفاوضات حول إعادة الجثث مقابل إطلاق سراح عناصر حماس.

وقال رئيس مخابرات مصلحة السجون تسفي سيلا الذي كلفته حكومة الاحتلال بجمع المعلومات الجنائية والأمنية من داخل السجون، إن أحمد ياسين رفض فرصة الحرية والإفراج عنه مقابل تسليم جثة الجندي سعدون، بحسب تقرير لصحيفة "هآرتس" نشر عام 2009.

وكشف سيلا: "بعد عامين من الحديث معه، جاءتني السلطة وقالت: اذهب إليه واطلب جثة الجندي المفقود سعدون، وفي المقابل إسرائيل مستعدة للإفراج عنه، وكان رده: لا يوجد يهودي في العالم يعرف عن أحفادي، عن شوقي إلى الحرية، أنت الوحيد الذي يعرف الحقيقة، وكيف أعيش، وكم أريد الحرية".

وبينما تشابه موقف الشيخ ياسين بموقف القسام الذي رفض الاستمالة بالعفو والمال والمنصب، جاء أيار/ مايو 1990 وتشيكل حماس جناحها العسكري باسم كتائب عز الدين القسام الذي حل محل كتائب "المجاهدون الفلسطينيون".

استمرت العمليات العسكرية لحماس في السنوات اللاحقة، فبحسب دراسة كتبها غسان دوعر، نفذت حماس 138 عملية عام 1993 خسر الكيان الإسرائيلي فيها حسبما أعلن بنفسه 79 قتيلا و220 جريحا.

ورغم دخول منظمة التحرير الفلسطينية في تسوية مع "إسرائيل"، وإعلان اتفاقية أوسلو بين الجانبين في العام ذاته، وتوليها إدارة الضفة وقطاع غزة، ما أدى إلى انخفاض حاد في وتيرة الأعمال العسكرية لحماس؛ فإن ذلك لم يمنع ظهور "العمليات الاستشهادية" فيما بعد.
شهدنا أنهم قد جاهَدوا صَيفًا وشِتاءً، في عِزِّ الصقيعِ، وتحتَ وهجِ الشمس، في أيامِ الفطرِ، وأيامِ الصيامِ، في الأشهُرِ الحُرُمِ، وغيرِها..
جَاهَدوا فوقَ الأرضِ وتحتها، علی اليابسةِ، وفي البِحار، في وسط الشوارعِ، وبينَ الرُّكام.
إن كانَ منهُم عِشرونَ صَابرونَ؛ فإنهم يغلِبوا… pic.twitter.com/K6UsF24N1W — أدهم شرقاوي (@adhamsharkawi) November 6, 2024
واستمرت هذه العمليات خلال الانتفاضة الثانية، وتوسعت دائرتها وأساليب المواجهة فيها خلاصة خلال تصاعد العدوان على قطاع غزة عام 2021 (عملية سيف القدس)، وأخيرا بحرب الإبادة الحالية المستمرة (طوفان الأقصى).

مقالات مشابهة

  • إصابة العديد من الأطفال بمخلفات سامة لقوات الاحتلال شرقي مدينة غزة
  • اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال خلال اقتحام مخيم العين غرب مدينة نابلس
  • فلسطين.. آليات الاحتلال تطلق النار بكثافة في المناطق الجنوبية لحي الصبرة جنوبي مدينة غزة
  • «القاهرة الإخبارية»: قوات الاحتلال تنسحب من مدينة جنين ومخيمها
  • أحمد موسى: أنا ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد تهجير أهل غزة
  • خليل الحية: نبحث في كافة الأبواب والطرق التي يمكن من خلالها وقف العدوان
  • مراسل سانا: أصوات الانفجارات التي سمعت في مدينة تدمر ناجمة عن عدوان إسرائيلي استهدف أبنية سكنية والمدينة الصناعية فيها
  • إذاعة جيش الاحتلال: الضابط الذي أصيب بشمال غزة قائد كتيبة
  • 8 شهداء في جباليا.. وإصابة مراسل الجزيرة بقصف على مدينة غزة (شاهد)
  • من هو القسام الذي بدأ المقاومة.. وماذا ورثت عنه الكتائب في غزة؟