ما دَوْر القانون في صناعة المستقبل؟ وكيف تتأثر القوانين والدراسات القانونيَّة بالتغيُّرات المستقبليَّة؟ وكيف يُمكِن الاستفادة من التخطيط الاستراتيجي وفن الاستشراف في تطوير القوانين؟
كُلُّ تلك الأسئلة تحتاج إلى إعادة نظر ونقاشات تخصصيَّة معمَّقة؛ لأنَّنا بالفعل كمُجتمع نتأثر كثيرًا بأحداث مصدرها من الخارج، نتأثر بشكلٍ كبير بتلك التغيُّرات العابرة للحدود الوطنيَّة لدرجة أنَّها يُمكِن أن تهدِّدَ حاضرنا القائم ومستقبلنا القادم، وليس من طريقة لتوقِّي أخطارها سوى دراستها وتحليلها واستشراف آثارها، والسَّعي لإيجاد الحلول والوسائل المناسبة لاحتوائها بشكلٍ كامل أو على أقل تقدير التقليل من تهديداتها.


القوانين هي النظام لأيِّ أُمَّة واعية، وتُعدُّ من العوامل الأساسيَّة لنهوضها، هي العقل البَشَري؛ لأنَّها قواعد تحكم شعوب الأرض قاطبة، كما أنَّ «مصير الأُمم منوط بحكم القوانين وبلا معقوليَّتها»، بالإضافة إلى أنَّ «القانون بوصفه شعورًا ملائمًا هو سبب صحيح للتوافق مع الطبيعة ـ وليس مخالفًا لها ـ فالتنظيم والقانون هو الخطوة الأولى من أجْل تكوين إنسانيَّة الإنسان، والقواعد القانونيَّة في الأصل تسنُّ للحفاظ على مصلحة الجماعة ككُلٍّ وصيانة والحفاظ على الحقوق الأساسيَّة الَّتي دفعت الإنسان في مرحلة ما ولحاجة ما بالتضحية بالعديد من حُريَّاته لأجْلها بمجرَّد قَبوله الانضواء تحت مظلَّة الجماعة والمُجتمع والدَّولة».
على ضوء ما سبق، تبرز أهمِّية التعمُّق والتوسُّع في دراسات مستقبل القوانين الوضعيَّة في ظلِّ التحوُّلات التكنولوجيَّة والمستقبل، أهمِّية دراسة القانون في ظلِّ العولمة والعصر الرَّقمي، وما الأدوار الَّتي يُمكِن أن تؤدِّيَها القوانين في تعزيز مكانة الإنسان وحقوقه في المستقبل؟ كيف يُمكِن أن تؤثِّرَ القوانين في الاستقرار والأمن والحُريَّة؟ وبشكلٍ أشمل ما هو دَوْر القانون في صناعة المستقبل؟ في الجانب الآخر كيف يُمكِن الاستفادة من التخطيط الاستراتيجي والاستشراف والدراسات المستقبليَّة في تعزيز مكانة القانون ودَوْره في الحياة الوطنيَّة؟
وطنيًّا رغم وجود بعض المحاولات والجهود الرائعة لاستشراف المستقبل القانوني وتبادليَّة التأثير بَيْنَ القوانين والمستقبل، وفي الكيفيَّة الَّتي يُمكِن أن يستفادَ فيها من التخطيط الاستراتيجي والدراسات المستقبليَّة في القوانين كما هو الحال مع «مؤتمر القانون والثَّورة الصناعيَّة الرابعة: تشكيل مستقبل التشريعات في عصر التكنولوجيا» الَّذي انعقد بالجامعة العربيَّة المفتوحة، إلَّا أنَّ هذه المحاولات والخطوات تحتاج إلى مزيدٍ من المبادرات والجهود وفي مختلف أنواع القوانين وعلى مختلف المستويات والمؤسَّسات.
لعلَّ هذا المقال المختصر يصلح لِيكُونَ دعوة مفتوحة لمؤسَّساتنا الوطنيَّة ذات الاختصاص بالقوانين أو الاهتمام بالدراسات المستقبليَّة والتخطيط الاستراتيجي مِثل المؤسَّسات الأكاديميَّة (كلِّيات القانون والحقوق الخاصَّة والعامَّة) أو أكاديميَّة الدراسات الاستراتيجيَّة والدفاعيَّة، بالإضافة إلى الأكاديميَّة السُّلطانيَّة للإدارة، أو غيرها من المؤسَّسات الوطنيَّة لتوسيع دائرة البحث والتحليل في القضايا سالفة الطرح.
ختامًا.. يُمكِن أن أسهمَ بطرح بعض الأهداف الرئيسة الَّتي أجد أنَّها ذات أهمِّية ويُمكِن أن تنطلقَ مِنْها المؤتمرات والندوات القادمة في هذا السِّياق مِثل: العلاقة التبادليَّة بَيْنَ القانون والمستقبل، خصوصًا ما يتعلق مِنْها بالذَّكاء الصناعي والعولمة وتأثر رأس المال البَشَري القانوني بها، دَوْر القوانين وأهدافها وأهمِّيتها في رؤية عُمان 2040، كيف ترسم القوانين والتشريعات مستقبلنا الوطني؟ كيف يُمكِن الاستفادة من فنِّ الاستشراف والدراسات المستقبليَّة والتخطيط الاستراتيجي في تطوير القوانين؟
بالإضافة إلى أهمِّية البحث والتأليف الأكاديمي في تلك العلاقة بَيْنَ القانون والتخطيط الاستراتيجي والدراسات المستقبليَّة، ضرورة تدريس الطلبة في كلِّيات الحقوق مادَّة التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل المدمج مع الدراسات القانونيَّة.

محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
[email protected]
MSHD999 @

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: والتخطیط الاستراتیجی التخطیط الاستراتیجی ر القوانین

إقرأ أيضاً:

انطلاق منتدى إنفستوبيا الاستراتيجي الاقتصادي بين الإمارات ودول أوروبا الوسطى والشرقية


دبي (الاتحاد)
نظمت إنفستوبيا اليوم في دبي «منتدى إنفستوبيا الاستراتيجي الاقتصادي بين دولة الإمارات ودول أوروبا الوسطى والشرقية»، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري في القطاعات الاقتصادية المتقدمة والمستدامة وعلى رأسها الاقتصاد الجديد والذكاء الاصطناعي والفضاء والدفاع والطاقة والتكنولوجيا، وفتح قنوات استثمارية مستقبلية تدعم التواصل بين مجتمعي الأعمال في الجانبين، واكتشاف الفرص الاستثمارية الواعدة في القطاعات الناشئة التي تسهم في تشكيل مستقبل الاقتصاد العالمي.
حضر المنتدى الذي تم تنظيمه بالتعاون مع شركة «يورو أتلانتيك للاستشارات»، معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد والسياحة، رئيس إنفستوبيا، ومجموعة من الوزراء والمسؤولين وقادة الأعمال وصناع القرار والمستثمرين من القطاعين الحكومي والخاص في دولة الإمارات ودول أوروبا الوسطى والشرقية.
وشارك معالي عبدالله بن طوق المري في جلسة رئيسية بعنوان «إعادة الهيكلة الجيوسياسية والجيو اقتصادية، بمشاركة معالي ميلون زوغوفيك، نائب رئيس الوزراء للبنية التحتية والتنمية الإقليمية في حكومة الجبل الأسود، والدكتور تاماس فيليجي، رئيس مجلس إدارة شركة «يورو أتلانتيك»، حيث قال معالي بن طوق: تجمع دولة الإمارات ودول أوروبا الوسطى والشرقية علاقات اقتصادية متنامية تتميز بالتنوع المتزايد، ومدعومة بشراكات استراتيجية واتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي، وحماية وتشجيع الاستثمارات، التي أرست أساساً متيناً لتوسيع حجم التبادل الاقتصادي والاستثماري بين الجانبين.
وتابع معاليه: يمتلك الجانبان فرصاً اقتصادية واستثمارية واعدة في القطاعات المتقدمة والناشئة، بما في ذلك مجالات الاقتصاد الجديد والتكنولوجيا، والاقتصاد المعرفي، والطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، والصناعات المستقبلية، والسياحة، والنقل، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة لبناء شراكات نوعية طويلة المدى، مشيراً معاليه إلى أن عدد الشركات من دول أوروبا الوسطى والشرقية العاملة حالياً في دولة الإمارات وصل إلى قرابة 17400 شركة، والتي تعمل في أنشطة اقتصادية متنوعة تغطي مجموعة كبيرة من القطاعات الحيوية.
وأضاف معاليه: انطلاقاً من هذا الزخم المتنامي، يمثل إقامة منتدى إنفستوبيا الاستراتيجي الاقتصادي اليوم خطوة محورية تهدف إلى خلق مسارات جديدة للتعاون وبناء شراكات ومشاريع ناجحة بين دولة الإمارات ودول أوروبا الوسطى والشرقية، مما ينسجم مع رسالة إنفستوبيا في توفير منصة فاعلة للحوار وتبادل الرؤى بين قادة الأعمال وصنّاع القرار والمستثمرين، ومشاركة أحدث السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بالاتجاهات العالمية للتمويل والاستثمار، مما يسهم في ربط منطقتين ديناميكيتين تعيدان رسم ملامح آفاق الفرص المستقبلية بصورة مستدامة وشاملة.
من جهته، قال الدكتور تاماس فيليجي، رئيس مجلس إدارة شركة «يورو أتلانتيك»: يمثل منتدى إنفستوبيا الاستراتيجي الاقتصادي بين دول أوروبا الوسطى والشرقية ودولة الإمارات العربية المتحدة، منصة مهمة لتعزيز النقاشات والشراكات الاقتصادية والاستثمارية، من خلال الابتكار والاستثمار والتعاون في مجال السياسات الاقتصادية المرنة والتنافسية، وانطلاقاً من مخرجات هذا المنتدى، ستواصل «إنفستوبيا» و«يورو أتلانتيك» تعزيز هذا الحوار وترجمة الأفكار والرؤى إلى شراكات ملموسة.
وتفصيلاً، شهد المنتدى تنظيم مجموعة من الجلسات النقاشية التي تناولت مستقبل التعاون في القطاعات الاقتصادية الحيوية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والفضاء والدفاع، والطاقة، والتكنولوجيا، باعتبارها ركائز أساسية لتعزيز مستويات الشراكة الاقتصادية والاستثمارية بين دولة الإمارات ودول أوروبا الوسطى والشرقية. 
يُذكر أن «إنفستوبيا»، من خلال فعالياتها ومؤتمراتها استقطبت أكثر من 16 ألف مشارك من نحو 71 دولة، وذلك منذ العام 2021 وحتى الآن، ونظمت 18 فعالية عالمية في مدن كبرى مثل نيويورك، وجنيف، ولندن، وميلانو، وموناكو، والرباط، وهونغ كونغ، وبكين، وذلك في إطار تعزيز رؤية دولة الإمارات في ترسيخ مكانتها كبيئة عالمية جاذبة للاستثمارات ودعم ربطها بالأسواق الأسرع نمواً في العالم.

أخبار ذات صلة الإمارات والجبل الأسود تبحثان توسيع شراكتهما وتعزيز التعاون الاقتصادي الإمارات وكوريا تبحثان التعاون في حماية وإدارة حقوق الملكية الفكرية

مقالات مشابهة

  • مناقشة دور الرقابة الدستورية في تفعيل التوجيهات الإرشادية التي تتضمنها الدساتير
  • انعقاد أولى فعاليات مركز البحوث والدراسات الدستورية للدول الإفريقية بالمحكمة الدستورية العليا
  • بالصور .. استعراض الخطة الاستراتيجية والمشاريع المستقبلية لسلطة منطقة العقبة وشركة تطوير العقبة
  • جعجع: مزارع شبعا ذريعة بيد حزب الله… والحل القانوني متاح وواضح
  • رئيس حزب القوات اللبنانية: مزارع شبعا ذريعة بيد حزب الله.. والحل القانوني متاح وواضح
  • جعجع: مزارع شبعا ذريعة بيد حزب الله .. والحل القانوني واضح
  • روسيا والصين تعقدان جولة محادثات لتعزيز التعاون في الدفاع الصاروخي والاستقرار الاستراتيجي
  • باحث اقتصادي: السعودية يهمها الدخول في الصناعات المستقبلية والذكاء الاصطناعي
  • رئيس كوريا: نعمل على ترسيخ التعاون مع مصر دعمًا للسلام وتعزيزًا للشراكة المستقبلية
  • انطلاق منتدى إنفستوبيا الاستراتيجي الاقتصادي بين الإمارات ودول أوروبا الوسطى والشرقية