لم تكن سينما السيرة الذاتية بعيدة عن الجمهور منذ البدايات الأولى، بقي ذلك الولع السردي – القصصي في اقتفاء المحطات الأكثر إثارة في حياة الشخصيات تجتذب الجمهور العريض، ذلك النوع من الاحتفاظ المرئي بتاريخ الشخصية واسترجاع ما كانت عليه في إطار نوع من ثقافة الاكتشاف الماضوي.

السينما وخلال ذلك النمو المتصاعد في توظيف السيرة الذاتية أدخلت العملية في حد ذاتها في نطاق تجاري محض وذلك على مستويين، الأول: إن الشخصية المستهدفة هي شخصية ذات شعبية تستحق ذلك التوثيق، والثاني: هو الاستثمار في الشخصية وظهورها بطريقة جذابة ومعززة بجماليات السينما مما منحها جانبًا تعبيريًا إضافيًا.

ومن هنا كانت بواكير الأفلام وبدايات ظهور السينما قد ارتكزت منذ ذلك الحين على تأسيس ذلك النوعي الفيلمي ولهذا يحمل لنا تاريخ السينما أفلامًا لمخرجين عدة من بينهم توماس أديسون الذي خلّد الملكة الاسكتلندية ماري في فيلم حمل اسمها يعود لعام 1895 بينما خلد الفرنسي جورج ميليه جان دارك في فيلم من إنتاج 1900 ثم شخصية اني بولين التي قدمها الألماني آرنيست لوبيتش في عام 1920 ثم لنكون مع شخصية نابليون بونابرت في فجر السينما مع الفيلم الذي أخرجه أبل جانس في عام 1927 ثم توالت العشرات بل قل المئات من أفلام السيرة الذاتية وحتى يومنا هذا، حيث شاهدنا سيَر سياسيين وفلاسفة ومفكرين ورياضيين وموسيقيين وعلماء في تلك الأفلام.

على أن شخصية الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت كانت لها جاذبية خاصة على صعيد السينما، وحتى على صعيد كتب السير الذاتية، حيث تشير الإحصائيات إلى نشر ما مجموعه 60 ألف كتاب عنه وعن سيرته الذاتية منذ وفاته في عام 1820 وحتى يومنا هذا بينما قارب عدد الأفلام المصنوعة عنه حوالي 180 فيلمًا.

وها هو المخرج البريطاني الشهير ريدلي سكوت، وقد بلغ الخامسة والثمانين من العمر يعود إلى بونابرت ليخلده بفيلم ملحمي تاريخي وفيلم سيرة ذاتية أيضًا بدأ عرضه في الصالات هذه الأيام ولا يزال النقاش حوله محتدما وفي تصاعد.

ريدلي سكوت بعد أن أخرج 30 فيلما وعرف على نطاق واسع بأسلوبه الصارم في الإخراج وفي انتقاء قصصه السينمائية بعناية وعناد مدافعا عن وعيه الخاص وتوجّهه الدقيق وكذلك ولعه بالأفلام الملحمية الضخمة التي يطلق فيها مخيلته في إطلاق الحشود كما في أفلامه المصارع الذي قدمه للسينما في عام 2000 الذي يستعد حاليًا لإخراج جزء ثان منه ثم فيلم مملكة الجنة في عام 2005 وفيلم روبن هود عام 2010 وفيلم بروميثيوس عام 2012 وصولًا إلى أفلام هانيبال ومتسابق المتاهة وايكودوس والمطر الأسود وثيلما ولويس وغيرها وقد توجها بالحصول على تسع جوائز أوسكار.

تثير نسخة ريدلي سكوت وزميله كاتب السيناريو ديفيد سكاربا عن السيرة المتفجرة لنابليون بونابرت جدلًا حادًا بين ثقافتين فكأن الفيلم نسخة أنجلو سكسونية للإمبراطور الفرانكوفوني أو أنها تقدم القراءة البصرية لبونابرت من وجهة النظر الأمريكية وهي نقطة خلافية حساسة لم ترق للفرنسيين كثيرًا بل أثار استياءهم تقديم بونابرت بلكنته الأمريكية – البريطانية وضاع ذلك الإرث الفرنسي إلا من مظاهر قطع رأس ماري أنطوانيت وسط ذلك البهاء الملكي سواء في الأزياء والقصور وإذا بنا أمام ثورة يكون شاهدها ضابط المدفعية قصير القامة ذو القبعة الغريبة بونابرت نفسه.

الهامشي الذي صعد إلى القمة هي واحدة من استدراكات المنطق الفرنسي الذي يرفض ذلك النزول بشخصية تنحدر أصلًا من عائلة ارستقراطية كما أن صعوده لم يكن بتلك الصورة وغير ذلك كثير مما حفلت به الصحف الفرنسية في تصديها للفيلم لكن ها هو سكوت يرد بكل برود إنكليزي معهود قائلا: "الفرنسيون لا يحبون حتى أنفسهم، والجمهور الذي شاهد الفيلم في باريس أحبه، وأنا أميل أن أكون بصريًا خلال مشاهدة الفيلم قبل الكلمة المكتوبة"، وهنا قالت مجلة "جيه كو" الفرنسية إن هنالك شيئا" مربكا للغاية وغير طبيعي ومضحكا في هذا الفيلم وذلك من خلال رؤية الجنود الفرنسيين عام 1793 وهم يهتفون "تحيا فرنسا" بلهجة أمريكية.

وهنا يقول سكوت: "إنه (نابليون) رائع للغاية. محترم ومكروه ومحبوب... أكثر شهرة من أي رجل أو زعيم أو سياسي في التاريخ. كيف لا تريد العودة إلى هذا العصر؟".

على وفق هذه الأرضية انطلق سكوت في رسم خطته الإخراجية ابتداءً من اختيار الممثل الأمريكي جواكيم فوينكس لأداء شخصية الإمبراطور وهو الدور الذي لعبه عشرات الممثلين قبله، بمن فيهم: مارلون براندو، رود ستيغر، داني ديفيتو، جروتشو ماركس، وروان أتكينسون وغيرهم في مقابل حبيبته وزوجته جوزيفين – قامت بالدور الممثلة فانيسا كيربي، وهي المحطة الأكثر أهمية التي توقف عندها الفيلم بحسب رؤية سكوت، وذلك ما يكرس الثلاثية التي آمن بها نابليون وهي الشعب والحرب وجوزيفين، فهو الذي جعله ذلك الحب يغادر ساحة الحرب لتفقد جوزيفين متحملا خيانتها العلنية له، وهو الذي غير خططه الحربية من أجل لقاء معها وهو الذي ما انفك يكتب لها الرسائل من الخطوط الأمامية للمواجهات الدامية، كل ذلك تم تكريسه في هذا الفيلم بما يجعل لحياة بونابرت الخاصة مساحة بالغة الأهمية في تلك السيرة.

على الجانب الآخر وبسبب السيرة المتشعبة لبونابرت التي قد تحتاج إلى ساعات من التوثيق الصوري، فقد بدا سكوت انتقائيا في إبراز أهم المحطات والأكثر تفجرا في حياة بونابرت ولهذا لن نستغرب ذلك المرور العابر لبونابرت وهو يغزو مصر بجيوشه ومؤرخيه وعلمائه وإذا هي بضع دقائق عابرة تم تصويرها في مدينة صحراوية بالمغرب وليس في مصر وتوجت بقذائف نابليون التي ضرب بها الأهرام وهو حدث لم يتيقن أحد من كتاب سيرته أنه فعلها.

واقعيا كانت الثورة الفرنسية وارتداداتها وحروب نابليون وآثارها هما البؤرتان السرديتان الأساسيتان اللتان ارتكز عليهما الفيلم، فهو على صعيد الثورة مال إلى السخرية كثيرا وإلى هشاشة صانعيها والتقلبات التي شهدتها قيادة البلاد من خلال جمعية وطنية انتهى بها الامر الى عزل نابليون واذا به يعود من جديد ليصبح امبراطورا مع أنه أوجد توازنا موضوعيا على صعيد الشخصيات عندما جاء بالممثل الفرنسي من أصول جزائرية طاهر رحيم الذي لعب دور الجنرال بول باراس تلك الشخصية المنسية في التاريخ، التي أزاح عنها سكوت الستار بمعالجة مختلفة.

أما إذا انتقلنا إلى إشكالية الحرب باعتبارها بؤرة سردية أساسية في هذه السيرة فإننا في مواجهة ست حروب خاضها نابليون جسدها الفيلم انتقائيًا أيضًا وحيث نابليون هو ذلك القائد الذي ازهقت في حروبه ملايين الأرواح فإن معركتين طاحنتين عني بهما الفيلم عناية خاصة وهما المعركة ضد الروس في تلك الأجواء المتجمدة القاسية ومعركة واترلو الشهيرة التي أنهت مجد نابليون.

في كلتا المعركتين وجد ريدلي سكوت ضالته في قيادة الحشود وهي لعبته المفضلة وهو يقود مئات الكومبارس، ويستخدم العديد من الكاميرات لتصور كل حركة بدقة حتى تراكم ذلك التدفق الصوري على طاولة المونتاج ليقدم لنا تلك الوفرة البصرية المبهرة وبخاصة المعارك مع الروس في ذلك المدى المتجمد وكيف جسد تساقط الجنود والخيل وهي تطفو تحت الثلج في المياه المتجمدة في مشاهد شديدة الابهار.

..

إخراج: ريدلي سكوت

تمثيل: خواكين فينيكس، فانيسا كيربي، طاهر رحيم، روبرت إيفريت.

سيناريو: ديفيد سكاربا.

تصوير سينمائي: داريوش فولسكي.

مونتاج: كلير سيمبسون وسام ريستيفو.

موسيقى: مارتن فيبس. مدة العرض: 158 دقيقة.

التقييمات آي ام دي بي 7من 10، موقع روتين توماتو 60 من 100، صحيفة الغارديان البريطانية 4 من 5، صحيفة تايمز 4 من 5

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ریدلی سکوت على صعید فی عام

إقرأ أيضاً:

انتخاب القائد.. الدستور واضح لا موجب لتعديل المادة 49 والنص لم يذكر النصاب

قبل أربعة وعشرين ساعة من جلسة الخميس الرئاسية، ازدحمت الساحة السياسية بالاتصالات على خطوط المقرات المعنية، وبحركة الموفدين التي لم تهدأ منذ مطلع العام، من زيارة الموفد القطري، إلى السعودي، إلى الأميركي وصولاً إلى الفرنسي، بيد أن كل هذا الحراك لم يفض إلى تفاهم الكتل النيابية على مرشح يمكن أن ينتخب في الدورة الأولى أوالثانية، وإن كانت مصادر نيابية ترى أن الرئيس سوف ينتخب قبل العشرين من الجاري، ربطاً باتفاق كامل متكامل يتعلق بالرئاسة والحكومة وباتفاق وقف اطلاق النار وتنفيذ القرارات الدولية.

وفي الساعات الفاصلة عن موعد الجلسة، ورغم أن قائد الجيش لا يزال الأوفر حظاً، عاد إلى الواجهة أمس اسم الوزير السابق جهاد أزعور الذي يتقاطع عليه حزب "القوات اللبنانية"و"التيار الوطني الحر" ، وفيما طرح الدكتور سمير جعجع أمام الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للخصخصة زياد الحايك، فإن النائب جبران باسيل الذي التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في الساعات الماضية بعيداً عن الإعلام طرح اسمي أزعور والوزير السابق زياد بارود، معللاً طرحه بأهمية أن يحظى المرشح الرئاسي بتأييد دولي وعربي، في حين أن الرئيس بري لا يزال بحسب مصادر في تكتل لبنان القوي، لا يزال يفضل السير باللواء الياس البيسري وانتخابه في الدورة الثانية بـ65 صوتاً، في حين أن المصادر نفسها تشير إلى اللواء البيسري الذي لا يمانع انتخابه التيار الوطني والذي تم طرحه من قبل القطريين لا يحظى بدعم أميركي وسعودي وبالتالي فإن ليس باستطاعة الدوحة الدفع لانتخابه.

إذن الغموض سيد الموقف، وازاء هذا التخبط الحاصل وعدم امتلاك الكتل السياسية قبل ساعات من الجلسة المقبلة تصوراً مشتركاً أو رؤية موحدة، يمكن القول أن الكتل السياسية الأساسية في أزمة لن تخرج منها إلا تحت ضغط خارجي لا يزال وقعه محدوداً قبل ساعات من جلسة الخميس، لكن الأكيد ان ما بعد انتخاب الرئيس يجب ان لا يكون كما قبله، فلقد حان الأوان لإعادة انتظام الحياة الدستورية وعمل المؤسسات، وحان الوقت أيضاً لاضفاء بعض التعديلات على الدستور والتي من شأنها أن تحد من الفراغ الرئاسي بعد كل ست سنوات من انتهاء ولاية الرئيس المنتخب.

إن شغور سدة الرئاسة أصبح ممارسة شاذة تتكرر في لبنان، وأصبحت الظروف الاستثنائية السبيل الأكثر اعتمادًا لانتخاب رئيس للجمهورية في ظل هذا الفراغ. فهل سيكون وضع العماد عون الانتخابي مشابهًا لوضع العماد ميشال سليمان، ويُجرى انتخاب الرئيس دون تعديل المادة 49 من الدستور؟

ويقول رئيس مؤسسة JUSTICIA والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص، لـ"لبنان24": في عام 2008، وفي ظل تولي العماد سليمان منصب قائد الجيش، تم انتخابه رئيسًا للجمهورية رغم عدم استقالته بما يتناسب مع الشروط الواردة في المادة 49 من الدستور، التي تمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى "مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم." كذلك، استنادًا إلى قانون الانتخاب بالنسبة إلى العسكري والذي يشترط مرور ستة أشهر على تركه الخدمة. ولذلك، لجأ مجلس النواب في انتخابات 2008 إلى الإفادة من المادة الدستورية رقم 74 للتنصل من تعديل المادة 49، حيث اعتبر أن ما حصل مع العماد سليمان كان "تجاوزاً للمهلة"، أي الستة أشهر التي تفرض استقالة قائد الجيش أو سواه من العسكريين من منصبه قبل الانتخابات، وأن هذه المدة سقطت نتيجة الخلاء الحاصل في منصب الرئاسة بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود عام 2007.

وتتناول المادة 74 من الدستور خلو منصب الرئيس بسبب الوفاة أو الاستقالة أو أي سبب آخر، ما يستدعي الاجتماع فورًا دون دعوة من رئيس المجلس. ولبنان يواجه الآن، بحسب مرقص، ذات المعضلة من حيث خلو سدة الرئاسة، ولكن هذه المدة تجاوزت اليوم قرابة السنتين، مما يذهب معه البعض إلى اعتبار أنه يتوافق مع الشرط المذكور في المادة 74. لذلك، وبالطريقة عينها التي اعتُبرت فيها الظروف الانتخابية للعماد سليمان "تجاوزاً للمهلة" وبالتالي مسقطة لشرط المهلة نتيجة الخلاء الرئاسي، للقول بأن الأمر قد ينسحب على انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية، مع إشارته إلى أنه يمكن الطعن في انتخابات رئيس الجمهورية أمام المجلس الدستوري، بشرط أن يُقدَّم الطعن من ثلث أعضاء مجلس النواب، أي 43 نائبًا من أصل 128. وفي حال نال العماد عون أكثر من 86 صوتًا، سيتعذّر الطعن أمام المجلس الدستوري.

في مطلق الأحوال وبحسب المادة 12 من النظام الداخلي لمجلس النواب معطوفة على المادة 23 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، فإن الفصل في صحة الانتخاب لهذه الجهة يعود، بحسب مرقص، للمجلس الدستوري وليس إلى مجلس النواب الذي لا يعود إليه إهمال الأصوات المقترعة لصالح العماد عون أو اللواء البيسري في حال انتخاب أحدهما دون تعديل الدستور أو القانون الانتخابي.

ويقول الدكتور مرقص: ثبت من خلال التجربتين الأخيرتين لاسيما في مناسبة الانتخابات الأخيرة لرئيس الجمهورية، أن عدداً من النواب يستفيد من غياب النص الصريح في المادة / 49/ من الدستور اللبناني المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، على «نصاب Quorum لانتخاب الرئيس يساوي على الأقل نصف عدد الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب في الدورات التالية لدورة الاقتراع الأولى، حيث اكتفى المشترع الدستوري بذكر «الغالبية» Majorite افتراضاً منه أن لا حاجة لفرض النصاب وعلى اعتبار أن الانتخاب سلطة واجبة الممارسة من النواب.

ويضيف مرقص: عدد من النواب توخى استخدام تعطيل «النصاب كوسيلة للتعبير السياسي وللتعبير عن خياراته الانتخابية عوض اللجوء إلى التعبير عن خياراته السياسية والانتخابية في الانتخاب نفسه مما أسفر عن تعطيل التئام المجلس وخلاء سدة الرئاسة، هذا الواقع أدى وقد يؤدي عملياً إلى تحكم 43 نائباً باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، وإلى منع مجلس النواب برمته من الانعقاد. وبناء عليه، اقترح مرقص تعديل الدستور للمادتين /49/ و /73/ لتقضي بأن ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورة الاقتراع الثانية وبالغالبية النسبية في الدورات التي تلي». ويحق لكل من تتوافر فيه شروط الترشيح التقدم إلى الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى أما في حال عدم فوز أحد المرشحين بغالبية الثلثين في الدورة الأولى، ففي الدورات التي تلي تنحصر المنافسة بالمرشحين اللذين تقدما في عدد الأصوات قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس ويواظب في مطلق الأحوال على الانعقاد في دورات اقتراع متتالية طيلة جلسة مفتوحة ومتواصلة إذا اقتضى الأمر. وتعتبر ساقطة حكما وفوراً نيابة عضو مجلس النواب الذي يتخلف عن حضور أي من الدورات في جلسة الانتخاب دون عذر مسبق مشروع ومقدم أصولاً، كما وفي حال رفض هيئة مكتب المجلس طلب المعذرة المقدم منه أو عدم مصادقتها عليه لمطلق أي علة كانت في مهلة أربعة وعشرين ساعة من تقديمه.

ويقول مرقص: ثمة نظرية أنه ليس من ضرورة لإجراء أي تعديل لسببين:السبب الأول لأن الانتخابات الرئاسية قد طالت بما يقارب السنتين، وبالتالي فإنّه لا موجب بعد الان لتعديل المادة 49 من الدستور لتمكين موظفي الفئة الأولى أو ما يعادلها ومنهم قائد الجيش من الاستقالة، بسبب سقوط المهلة بالدرجة الأولى. والسبب الثاني لعدم الحاجة لتعديل الدستور بحسب هذه النظرية، باعتبار أنّه من المفترض أن ينال قائد الجيش أكثرية موصوفة تفوق الأكثرية المطلوبة لتعديل الدستور وفقاً للمادة 76 منه وأنّه بالتالي لا حاجة لتعديل الدستور من اجل انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية. ويذكر مرقص بما حصل مع العماد سليمان، حينها لم يُجر تعديل دستوري بل اُعتبر أنّ الأكثرية الموصوفة العالية التي حازها تنطوي ضمناً على تعديل للدستور، رغم أنّ الأصول تقضي باتباع شكليات واجراءات معينة لتعديل الدستور، ولا يمكن استنجاتها ضمناً، لكن الشغور في الموقع الرئاسي إضافة إلى أنّ الحكومة هي حكومة تصريف اعمال يجعلان التعديل الدستوري متعذراً وواقعاً في غير محله الطبيعي.

ومن هنا يرى مرقص، ضرورة احترام المادة 49 من الدستور لناحية فتح جلسة انتخابية بدورات اقتراع متتالية دون توقف ودون مدى زمني طويل يفصل بين الدورة والأخرى على أن تتوافر أكثرية الثلثين في الدورة الاولى والأكثرية العادية في الدورات التي تلي عملاً بصراحة نص المادة 49 من الدستور، والذي يجري تحميله أكثر مما يحتمل، مما يجعل أن الانتخابات متعذرة بسبب الاصرار الدائم على توافر أكثرية الثلثين بينما النص لم يذكر النصاب، انما اكتفى بذكر الأكثرية فقط، وانّه بالتالي من الخطأ الشائع تحويل الاكثرية إلى نصاب. أي أنّ الأعمال الانتخابية تخضع للمادة 34 من الدستور التي تكتفي بالنصاب العادي أي النصف زائدا واحدا في الدورات الانتخابية التي تلي الدورة الاولى. وكذلك فإنّ المجلس النيابي يتحول بمقتضى المادة 75 إلى هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، وبحسب النص المذكور فانّه يثابر على الانتخاب دون اي عمل اخر وحتى دون مناقشة إلى حين الانتخاب. وهكذا يحب أن تكون الاجراءات وأن يرجع فيها إلى الأصول الدستورية.

ورغم كل أهمية مواد الدستور المتصلة بالانتخابات الرئاسية واقتراح عدد من الدستوريين تعديل بعضها بما يمنع الفراغ الرئاسي ويقف سداً منيعاً أمامه، يطرح البعض بين الفينة والاخرى انتخابات مباشرة من الشعب، فرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، كان قد طرح على المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في ايار الماضي فكرة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، علما أنه سبق للرئيس السابق العماد ميشال عون أن دعا في العام 2014(قبل انتخابه في العام 2016) إلى تعديل الدستور لانتخاب رئيس جديد بالاقتراع المباشر من الشعب، ليعود رئيس التيار الوطني الحر ويدعو لإجراء الانتخابات الرئاسية من الشعب لكن على دورتين: دورة يشارك فيها المسيحيون حصراً، ودورة ثانية يشارك فيها جميع اللبنانيين.

من وجهة نظر الدكتور مرقص، هذا الأمر صعب ليس لأنه يحتاج إلى تعديل دستوري فحسب بل لأننا لسنا في نظام رئاسي وإنما برلماني، وثانيا لأن الأمر قد يفسّر بأنه إتيان برئيس مسيحي بأصوات أكثرية من المسلمين مما يعرّض صحة التمثيل في الحكم للاهتزاز وهو هشّ أصلاً. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • تعزيز التعاون بين شرطة الشارقة ودائرة العلاقات الحكومية
  • هل أنت مدير أم قائد؟!
  • البرهان فى الخطوط الأمامية ومحاولة القتال والعمليات العسكرية
  • انتخاب القائد.. الدستور واضح لا موجب لتعديل المادة 49 والنص لم يذكر النصاب
  • خاص.. الكشف عن هوية الضحايا الثلاث من التحالف الدولي خلال عملية أمنية في العراق
  • زلزال الصين.. ارتفاع عدد الضحايا إلى 95 قتيلا و130 جريحاً
  • مئات الضحايا.. شاهد لحظة وقوع زلزال التبت غرب الصين
  • محمد بن زايد القائد الأكثر إلهاماً في العالم
  • رئيس البرلمان العربي يقلد ملك البحرين بوسام القائد
  • هههههههه..الفياض:الحشد الشعبي مرتبط بالقائد العام!!