أصداف : قرن الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
ليس بمقدور أحَد استشراف مستقبل الذَّكاء الاصطناعي، والمقصود هنا ما سوف يشهده هذا القِطاع الهائل من تطوُّر وانتقالات متسارعة، ومنذ انطلاقته الأولى في العام 1956 لَمْ يشهد الذَّكاء الاصطناعي مِثل هذه القفزات الكبيرة، في كُلِّ يوم يتفاجأ العالَم بجديد، جميع مناحي الحياة طرق أبوابها هذا الكائن العملاق، وخلال فترة وجيزة انتشر الروبوت التوليدي حتَّى أنَّ الإلمام بها جميعًا أصبح أمرًا مستحيلًا رغم تربع (جات جي بي تي) على العرش منافسًا خطيرًا لعملاق البحث جوجل من شركة ألفا بيت، وبَيْنَما حقَّق هذا الروبوت التوليدي رقمًا قياسيًّا في عدد تحميلاته واستخدامه، إذ تجاوز العدد خلال أسبوع المئة مليون مستخدم، إلَّا أنَ مواقع الذَّكاء الاصطناعي الأخرى شهدت هي الأخرى إقبالًا متزايدًا، ويتوقع الخبراء استمرار الإقبال على هذا الحقل العلمي والمعرفي كلما ازدادت معرفة النَّاس باستخدامه واعتادوا عَلَيْه، وفي الوقت نَفْسِه شهد الكثير من المواقع تراجعًا في خدماتها والَّتي أصبح الذَّكاء الاصطناعي يضطلع بها على نطاق واسع وبسهولة كبيرة وبتكلفة أقل بكثير.
توقَّع العديد من المختصِّين في عالَم الإنترنت أن يكُونَ القرن الحادي والعشرون «قرنًا خاصًّا بالذَّكاء الاصطناعي» وفي المقدِّمة مِنْهم مؤسِّس مايكروسوفت بيل جيتس وغيره، ورغم بروز أصوات تحذر من خطورة هذا العملاق، خصوصًا فيما يتعلق بقضيَّة إزاحة الكثير من المهن وتقليص الفرص في سُوق العمل، إلَّا أنَّ هذه المخاوف وما صاحبها من تحذيرات ومحاولات للغوص في أعماقها لَمْ تتمكن من تقليل حجم الانبهار بالتطوُّرات الهائلة والمتسارعة في عالَم الذَّكاء الاصطناعي، وبَيْنَما شهد أصحاب الرأي القائل بغزو إيجابي في حياتنا من قِبل الذَّكاء الاصطناعي تأييدًا واسعًا، فإنَّ أصحاب الرأي الآخر جوبهوا بمَنْ يذكّر بأنَّ المخاوف صاحبت التطوُّرات الَّتي شهدتها الثَّورة الصناعيَّة منذ انطلاقتها، وازدادت المخاوف في عصر الأتمتة حيث سادت مخاوف من إزاحة الكثير من المِهن بعد أن دخلت الآلة سُوق الصناعة والعمل، لكن اكتشف الكثيرون أنَّ دخول الآلة وانتشار المصانع أتاح المزيد من فرص العمل بعد أن أصبحَ طرق أبواب الصناعة بمختلف أنواعها أمرًا في غاية السهولة، وهكذا الحال بالنسبة للذَّكاء الاصطناعي، فبَيْنَما يؤكِّد الخبراء أنَّ السنوات المقبلة ستشهد القضاء على أكثر من ثلاثمئة مليون وظيفة، يرى آخرون أنَّ حقولًا واسعة أخرى ستفتح أبوابها لاستقبال العاملين في تخصُّصات عديدة، وما يؤكِّد ذلك أنَّ الذَّكاء الاصطناعي يمنح فرصًا كثيرة في حقول الكتابة وإنتاج الفيديوهات وإطلاق قنوات بتقنيَّات عالية وبقدرات قليلة جدًّا، وثمَّة ميادين أخرى كثيرة يفتحها الذَّكاء الاصطناعي أمام الكثيرين.
لَنْ يتوقفَ الجدل والنقاش حَوْلَ مستقبل البَشَريَّة وهي التطوُّرات الَّتي ستحصل وما هي الأخطار الَّتي تدهم حياتنا، بعضها تأتي بالتدريج والبعض دُونَ سابق إنذار، لكنَّ المُهمَّ في كُلِّ ذلك أن لا يتوقف الجميع عن استثمار الفرص وعدم الانتظار على قارعة المتغيِّرات الكبيرة في مختلف مناحي الحياة.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي
wzbidy@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: کاء الاصطناعی
إقرأ أيضاً:
"ديب سيك"... تهديد صيني حقيقي لعمالقة الذكاء الاصطناعي الأمريكيين؟
شهد عالم الذكاء الاصطناعي مؤخرًا دخول منافس جديد بقوة على الساحة، وهو روبوت المحادثة الصيني "ديب سيك-آر1" (DeepSeek-R1)، الذي أطلقته شركة صينية ناشئة تحمل الاسم نفسه. تمكن هذا التطبيق، خلال أيام فقط من إطلاقه في 20 يناير 2025، من تجاوز المنافسين الأمريكيين مثل ChatGPT (أوبن إيه.آي) وGemini (جوجل) ليصبح التطبيق المجاني الأكثر تحميلًا على متجر آبل.
هل يمثل هذا التطور تهديدًا حقيقيًا لكبار الشركات الأمريكية؟ وهل يمكن أن يُعيد "ديب سيك" تشكيل خريطة المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي؟
النجاح السريع والمفاجئيعود سبب الضجة التي أثارها "ديب سيك" إلى أدائه القوي وتكلفته المنخفضة مقارنة بالمنافسين الأمريكيين. ووفقًا لموقع "بانديلي" الصيني المتخصص، فقد تصدر التطبيق قائمة أكثر التطبيقات المجانية تحميلًا في كل من النسخة الأمريكية والصينية من متجر آبل في 27 يناير، وهو إنجاز غير مسبوق لشركة صينية ناشئة في هذا المجال.
أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في نجاح "ديب سيك" هو تركيزه على المهندسين المحليين بدلًا من الاعتماد على المواهب الأجنبية، كما تفعل بعض الشركات الصينية الأخرى. ويقول غوانغيو تشياو-فرانكو، الخبير في التكنولوجيات الناشئة بجامعة رادبود الهولندية:
"بدلًا من البحث عن المواهب في الخارج، تركز ديب سيك على المهندسين الشباب المتخرجين حديثًا من الجامعات الصينية، مما يمنحها ميزة تنافسية من حيث التكلفة والكفاءة".
تكلفة أقل وفعالية أكبروفقًا لتقرير نشرته الشركة الصينية، فإن تكلفة تدريب نموذج ديب سيك-آر1 بلغت 5.6 مليون دولار فقط، مقارنة بمئات المليارات من الدولارات التي تنفقها شركات وادي السيليكون مثل أوبن إيه.آي وجوجل.
ماريو كرين، مدير الأبحاث في معهد ماكس بلانك بألمانيا، أشار إلى أن هذه التكلفة المنخفضة قد تعود إلى استخدام "ديب سيك" تقنيات مختلفة لتقليل الحاجة إلى الإشراف البشري المكلف أثناء تدريب النموذج. كما أن الشركة توفر نموذجها بشكل مفتوح المصدر، مما يمنح المطورين والمستخدمين فرصة لتعديله بحرية، على عكس النماذج المغلقة مثل ChatGPT وGemini.
وقد علق سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه.آي، على نجاح "ديب سيك" بقوله:
"نموذج آر1 مذهل، خاصة بالنظر إلى ما يقدمه مقابل السعر. ولكننا لا نزال نؤمن بأن القدرة الحاسوبية الأكبر ستظل العامل الأساسي في نجاح نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية".
التأثير الاقتصادي والمنافسة المحتدمةيبدو أن نجاح "ديب سيك" لم يقتصر فقط على جذب المستخدمين، بل كان له أيضًا تأثير فوري على أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى في وادي السيليكون. فقد شهدت أسهم كل من مايكروسوفت، جوجل، ميتا، وإنفيديا انخفاضًا ملحوظًا بعد الإعلان عن تقدم التطبيق الصيني، حيث خسرت إنفيديا وحدها أكثر من 12% من قيمتها السوقية في بداية الأسبوع.
المحلل المالي ألكسندر باراديز من شركة IG France علق على هذا التطور قائلًا:
"قد يكون لديب سيك تأثير هائل على النموذج الاقتصادي للذكاء الاصطناعي في أمريكا الشمالية، خاصة وأن الشركات الكبرى تعتمد على فرض رسوم مرتفعة لتغطية تكاليفها الهائلة، بينما يقدم المنافس الصيني بديلًا أقل تكلفة وفعالًا".
الذكاء الاصطناعي والمنافسة الجيوسياسيةلا يمكن فصل نجاح "ديب سيك" عن السياق السياسي والاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة. فبينما تحاول واشنطن فرض قيود على تصدير التقنيات المتقدمة إلى الصين، يثبت نجاح "ديب سيك" أن بكين قادرة على تطوير تقنياتها الخاصة رغم هذه القيود.
يقول يان لو كون، كبير الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي في "ميتا":
"نجاح ديب سيك هو دليل على تفوق نماذج المصدر المفتوح على نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة التي تهيمن عليها الشركات الأمريكية".
من جانب آخر، يبدو أن الحكومة الصينية تستغل نجاح "ديب سيك" لتعزيز مكانتها في سباق الذكاء الاصطناعي. فمؤسس الشركة، ليانغ وينفينغ، كان الرئيس التنفيذي الوحيد لشركات الذكاء الاصطناعي المدعو لحضور اجتماع مع رئيس الوزراء الصيني في 20 يناير، مما يعكس اهتمام الحكومة بدعم وتطوير هذه التقنيات.
عقبات وتحديات مستقبليةرغم نجاح "ديب سيك"، فإن التحديات لا تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق برقابة الحكومة الصينية على المحتوى. فقد لاحظ مستخدمون أن الروبوت يتجنب الإجابة عن أسئلة تتعلق بالأحداث السياسية الحساسة، مثل احتجاجات ميدان تيانانمن أو وضع تايوان، حيث يرد بعبارات مثل:
"أنا مساعد ذكاء اصطناعي مصمم لتقديم إجابات مفيدة وغير مؤذية".
وهذا قد يشكل عائقًا أمام انتشار التطبيق عالميًا، حيث أن المستخدمين في الدول الغربية قد ينظرون إلى هذه الرقابة بعين الريبة.
هل "ديب سيك" هو المستقبل؟بفضل مزيج من التكنولوجيا المتقدمة والتكلفة المنخفضة والمصدر المفتوح، نجح "ديب سيك" في إحداث زلزال في قطاع الذكاء الاصطناعي العالمي خلال فترة قصيرة. ولكن يبقى السؤال: هل سيتمكن من الاستمرار في هذا الزخم ومنافسة عمالقة وادي السيليكون على المدى الطويل؟
يرى بعض المحللين أن "ديب سيك" قد يكون مجرد بداية لموجة جديدة من الابتكارات الصينية التي ستغير قواعد اللعبة في سوق الذكاء الاصطناعي، بينما يرى آخرون أن قيود الرقابة الصينية قد تحد من انتشاره عالميًا.
في كل الأحوال، من الواضح أن "ديب سيك" قد فتح الباب أمام مرحلة جديدة من المنافسة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث لم تعد الهيمنة الأمريكية في هذا المجال أمرًا مسلمًا به.