تسارع الأحداث في حرب غزة وتعاظمها بين ألم وأمل
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
سليمان المجيني
tafaseel@gmail.com
تتسارع الأحداث وتتعاظم يوما إثر يوم، والعمر يجري بسرعة كبيرة ليس كأي وقت، تخط أقلامنا بعض ما يجري بغزة لكن المشهد يختلف غدا؛ فنعود لنكتب آخر فيختلف بعد ساعات، وهكذا لا نلاحق تواتر هذه الأخبار، هل من طريقة لوقف دائرة الأحداث؟ إن تسارعها يصيب بالغثيان وينبئ بالموت القريب، ليس الموت كواقعة بل كرخص في سبيل الكرامة والعزة، أصبح الموت سهلا سماعهُ، رؤيته، وكذلك تعاطيه.
دولة الاحتلال لا تعبأ بعدد القتلى ولا بالكيفية بسبب عجزها لا بسبب قوّتها، القوة في المواجهة وليس القتل من أجل القتل والدمار، ماذا سيبقى في قلب هذا الجيل؟ ماذا يحاولون فعله بذاكرتهم؟ هل يتوقون لهذا التدمير مرات ومرات؟ إنهم يُحمّلون أجيالهم مهمة أخرى صعبة كما حمّلهم الماضون هذا الواجب السادي غير الإنساني، لا يظنون أن الخوف سوف يتلبس قلوب شبابنا بل هو شأنهم أما المسلمون فحياتهم في كرامتهم ومن ثم شهادتهم من أجلها.
ولأن إسرائيل دولةٌ لا تعبأ بأي أعراف أو مبادئ تجدها تأخذ ببروتوكول هانيبال الذي يجيز لها قتل أسراها لدى الجانب الآخر حتى لا يكونوا وسيلة ضغط عليها، هكذا يتعاملون مع الحياة.
لا تتوقف الوقائع الصحيحة وغير الصحيحة، كما لا تتوقف دولة الاحتلال عن القتل العمد للأبرياء بالصورة التي تراها مناسبة، لذا؛ فأخبار الحرب والدمار تستجدي الوقت في كل مرة، والسرعة التي تحدث بها هذه الأحداث ليست طبيعية، وكأنها مجبولة على التعجيل، فما أن نكاد نستوعب مجزرة تأتي الأخبار بمجزرة أخرى، ثم وعيد بغيرها مستخدمة دولة الاحتلال ذريعة النزوح كطريقة للسلامة أو كسلاح تهديد وكلاهما مر.
فالنزوح هو المطلب الأساسي لتفريغ غزة من سكانها وهذه أمنية قديمة لقاداتها خصوصا رابين وشارون؛ فبعد أمنياتهم التخلص من غزة بالغرق أو أن يبتلعها البحر بقيت صامدة في وجه العدوان، حتى إن شارون صاحب نظرية "الصدمة سبيلا للردع" كان يعتقد أن القتل والتدمير سبيلا لتثبيط المقاومة إلى أن تم إجباره على خطة "فك الارتباط" عام 2005، وهي في صالح المقاومة، ثم بقيت لعنة غزة تطاردهم[i].
ولأن غزة تتوق إلى الخلاص أيضا من دولة الاحتلال، تتسارع الوقائع بحيثيات مختلفة وحقائق جديدة لا يمكن حصرها وتناولها معا؛ فكل حدث يحتاج إلى مجلدات من الإنسانية والشفقة ومشاعر العطف والتودد، ولا نغالي لو قلنا أن غزة تحترق بكل إنجازاتها ودُورها ومؤسساتها المدنية.
تتسارع أحداث القتل والتدمير بتفتيت سبل العيش، تتسارع أحداث الجوع والعطش بقطع الماء والغذاء، أحداث الظلمة بقطع الكهرباء، تتسارع الاجتماعات والنداءات بوقف عنف دولة الاحتلال، تتسارع النتائج المؤلمة والمرضية من أرض المعركة على حد سواء، أحداث تتوالى ومن الصعب إيقافها، حتى إن منظر شحنات الأغذية والكساء وغيرها أصبح توقا يصعب استمراره مع تسارع الإجرام الصهيوني.
لا نكاد نبصر حدثا حتى نفاجأ بغيره وهكذا لا تمر دقيقة إلا بخبر جديد يغري الكاتب لتناوله وتحليله، الأفكار تتشابك والرؤى تختلط وتتداخل ثم تتشوه؛ فالخبر والخبر المضاد يلقي قتامة على وضوح وصدق الخبر السابق، وهكذا هي حرب شاملة وعامة قتل الأطفال فيها هو الأوضح والأكثر شناعة وظلما وعدوانا، هو الموضوع الذي يشاهد مرأى العين ولا يخطئهُ النظر.
تتسارع الأحداث وكأن الغبن يلتف حولنا لا نستطيع ردعها وكأنها هلامية لا يمكن إدراكها، أحداث كان يجب أن تظل في الذاكرة لكننا نمهر أدمغتنا دائما بالنسيان، نختم عليها قبل أوان تصديرها وحفظها في ملفات الذاكرة الحية، قرأنا التاريخ المخزي للاحتلال منذ 1948، وعشنا تاريخا مظلما، عشناه في طفولتنا نسمع بعض الشذرات الطائرة من هنا وهناك، ثم في المدرسة تربينا على القضية الفلسطينية (فلسطين داري ودرب انتصاري، وسأحمل روحي على راحتي، وإذا الشعب يوما أراد الحياة، وأخي جاوز الظالمون المدى) وغيرها مما تربينا عليه ودخل في أذهاننا، ولكن -كما قلت- تناسينا كل ذلك مع الحياة وتسارع أحداث النكبات، وكأنها أخبار ليست بالجديدة، وكأنها أخبار عادية قامت تأتينا بين فترة وأخرى، وكأنها تحدث بأثر رجعي.
لكنها سريعة تأتي وتذهب ثم يأتي غيرها في الصباح الباكر، بل لا نكاد نصبح حتى نفزع على مجازر ارتكبت بدم بارد مع سبق الإصرار والترصد، نقول متى سيأتي الفرج؟ ثم نسمع عن تفجير دبابات المحتل وقتل بعض جنودهم فنفرح قليلا فرحة هشة تقضمها صور الأطفال القتلى والمتدلية من بنايات غزة التي تعانق الأرض، ثم لا نكاد نثبت أفكارنا نحو تبعات النصر، وقيم المنتصر حتى نشهد انتقاما يغرز أنيابه وآلته المدمرة بإبادة المستشفيات والمساجد والمنازل والمدارس والبُنى الأساسية في غزة لتضمحل فرص الحياة خصوصا وأن المؤن اللازمة للعيش تصل متعبة من كثرة انتظارها في الطرقات، تصل هزيلة بعد عناء المساومة والثقة منزوعة الدسم.
تجثم غارات دولة الاحتلال بسرعة وعدم توقف على مدن غزة وعلى أحيائها الهادئة والسكان المسالمون، في تحد صارخ لرغبة دول العالم التهدئة، جعلت السكان يبحثون عن أقاربهم بين ركام المباني وفرق الإنقاذ الأهلية في منظر متكرر بين يوم وآخر، ثم تنتقل تلك الغارات بالسرعة نفسها إلى أحياء غيرها دون رابط بين هذه الغارة وتلك وبلا هدف سوى القتل والتدمير ولتصعيب العيش وإعطاب أسس الحياة.
هذه السرعة في التدمير وتوسعته إنما تنذر بكارثة عصيبة، ويتبئ عن عدو مغرور متجهم ينتزع متعته بالبارود، وتنتقص من شأن نفسه من خلال إلحاق الأذى بغيره، حيث يسوق أحداث قتل الأبرياء واغتيال الأبطال كانتصار سريع واعتزاز كبير بالنفس في لحظتها ثم يباشر بغيرها وهكذا لا تنفك عنه عقدته طالما امتلك السلاح وتبجح به، ولطالما المجد للأقوى والهوان للضعيف حينما تكبر الدائرة، فنحارب -نحن البعيدين- بأضعف الإيمان.
ضرورة التركيز مع الوقع السريع للأحداث حتى يمكن اختزال المشهد وهذا لا يتأتى كثيرا لأن الأحداث متفرقة بأماكنها ومتشابهه بوقعها، تتخللها نتائج دائمة كالفقد ومؤقتة كالبيت والماء والغذاء، وهناك نتائج تخرج من بين تلك الأحداث تؤثر في صلب الحياة وديمومتها، وخلف تسارع الأحداث نتائج كارثية لا تحاكي المدة التي وقعت بها لأنها كثيرة ومؤلمة بل قاصمة ومرشحة للزيادة في أي وقت؛ فدولة الاحتلال لا تمعن كثيرا في زهق الأرواح البريئة وتعتبر حربها عليهم من ضرورات الحرب على المقاومة.
لذا؛ على المقاومة إدارة وقتهم لهذا التسارع المخيف للأحداث وتعاظمها بين ألم وأمل، والاستعداد للتكيف مع أسوأها لأن تسارع العدو واضطرابه ناتج عن توتر شديد أصاب الكيان، يستعجل النتائج الإيجابية التي تعزز من نفسيات جيشه فأصبح لا يفرق في حربه بين ردع ولوثة مرضية.
[i] https://www.arab48.com/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%B1%D8%A3%D9%8A/2023/05/11/-%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A9-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D9%82%D9%89-%D8%AA%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D9%87%D9%85
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تسارع خطى تكوين حكومة سودانية «موازية» في مناطق «الدعم السريع» وسط تحذيرات من أن الخطوة تهدد وحدة البلاد
تتسارع المشاورات بين «قوى سياسية» سودانية وحركات مسلحة من جهة، وممثلين عن «قوات الدعم السريع» من الجهة الأخرى، في العاصمة الكينية نيروبي، لبحث تكوين حكومة «موازية» في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع» وتحت حمايتها، وذلك في موازاة الحكومة التي تتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية عاصمة مؤقتة تحت حماية الجيش، الأمر الذي يسبب مخاوف من انقسام التحالف المدني، ويهدد وحدة السودان.
ومنذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، ظلت مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع» بلا حكومة، في حين تفرض الحكومة الموالية للجيش، ومقرها المؤقت مدينة بورتسودان، سلطتها الكاملة على 7 ولايات، بالإضافة إلى بعض المدن ومناطق معزولة في ولايات أخرى، بما في ذلك العاصمة الخرطوم التي تمارس سلطتها فيها على مناطق محدودة منها.
وإزاء ذلك، طُرحت فكرة حكومة في مناطق «الدعم السريع» للمرة الأولى في المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، ثم أعيد طرحها في اجتماع الهيئة القيادية للتنسيقية مطلع الشهر الجاري، وتم التوافق على إحالتها للآلية السياسية التابعة للتنسيقية، لكن المؤيدين لفكرة هذه الحكومة سارعوا إلى الدخول في مشاورات تكوينها قبل بحثها في الآلية السياسية.
معارضة داخل «تقدم»
لكن «تقدم» التي يترأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، تعارض هذه الفكرة؛ إذ قال رئيس حزب «المؤتمر السوداني» والقيادي في «تقدم»، عمر الدقير، في تصريحات صحافية، إنهم لن يعترفوا بحكومة في مناطق سيطرة «الدعم السريع» ولا بأي شرعية أخرى. ويحذر الدقير من أن فكرة الحكومة الموازية قد تقود إلى انقسامات داخل صفوف «تقدم» والقوى المدنية المنادية بوقف الحرب. وقال: «ما نحتاجه فعلياً هو إجماع مدني لينقلنا من مربع الحرب إلى مربع السلام».
ورغم أن رئيس «تقدم» عبد الله حمدوك كان قد أشار إلى نزع الشرعية عن الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة لها، وهي أيضاً غير معترف بها من قبل الاتحاد الأفريقي، فإن الكثيرين حذروا من أن يقود التباين على فكرة الحكومة الموازية إلى انشطار «تقدم» التي تعد التحالف المدني الأكبر في تاريخ البلاد.
وحسب مصادر، فإن الحكومة الموازية يمكن أن تعتمد الوثيقة الدستورية الموقعة بين قادة المجلس العسكري الانتقالي وتحالف «الحرية والتغيير» في 17 أغسطس (آب) 2019، والتي تنص على مشاركة السلطة بين العسكريين والمدنيين، دستوراً يحكم العلاقات بين مكوناتها.
وتشير بعض المصادر إلى أن الحكومة المزمعة قد تتكون من مجلس سيادي ومجلس وزراء، وتتخذ من الخرطوم مقراً لها، وأن يتسلم أعضاء مجلس السيادة السابقون: محمد الحسن التعايشي، والهادي إدريس، والطاهر حجر، عضوية مجلس السيادة المزمع. كما يشارك كل من إبراهيم الميرغني من «الحزب الاتحادي الديمقراطي»، وسليمان صندل من «حركة العدل والمساواة»، وأعضاء مدنيون آخرون أبرزهم أسامة سعيد من حزب «مؤتمر البجا» المعارض، ووزراء سابقون أبرزهم وزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري.
وكانت وكالة «رويترز» قد نقلت عن مصادر قولها إن الحكومة المزمعة ستكون مدنية بالكامل ومستقلة عن «الدعم السريع»، لكنها تنسق معها على تولي قواتها الدور العسكري والأمني.
حرمان من خدمات الدولة
ويرى المؤيدون للفكرة أن ملايين المواطنين في مناطق سيطرة «الدعم السريع» قد حُرموا من خدمات الدولة، جراء ما يعتبرونه استخداماً لهذه الخدمات كأدوات للحرب من قبل حكومة بورتسودان ضد أعدائها في «الدعم السريع». وفي هذا الصدد، يقول الناشط السياسي عزّام عبد الله إبراهيم إن «ما أُطلق عليها حكومة بورتسودان تحرم المواطنين في المناطق التي لا تسيطر عليها من حقهم في الحصول على خدمات مثل جوازات السفر والأوراق الثبوتية، بل وتعاقب بموجبها المعارضين والنشطاء».
ويعتبر عزّام أن قرار حكومة بورتسودان تبديل العملة الجزئي في مناطق سيطرتها واستثناء مناطق سيطرة «الدعم السريع»، دليل صارخ على «توظيف ملف الاقتصاد في حرب ضد ملايين المواطنين، وعقاب جماعي لهم على جريمة لم يرتكبوها». وأضاف: «لقد هرب الجيش من تلك المناطق، بما فيها العاصمة الخرطوم، وتخلى عن سكان هذه المناطق ولم يتخلوا هم عنه... والآن يعاقبهم على خذلانه لهم». ويتابع عزّام: «كما أن عقد امتحانات الشهادة السودانية في مناطق سيطرة الجيش، يحرم آلاف التلاميذ في مناطق (الدعم السريع) من حقهم في التعليم والحصول على الشهادات».
ورغم أن دعاة الحكومة الموازية يستندون على هذه الأفعال كمبرر لتشكيل حكومة موازية، فإن البعض يرى أن أي حكومة في مناطق «الدعم السريع» - مهما كان شكلها - لن تحقق الأهداف المرجوة منها؛ لأنها ستصبح جزءاً من الأداة الحربية لـ«قوات الدعم السريع» مثلما يفعل الجيش. لكن المحامي والمحلل السياسي، حاتم إلياس، يعتبر أن الحكومة الموازية تأتي «استجابة موضوعية لحاجات المواطنين في مناطق (الدعم السريع) لرعاية مصالح المواطنين». ويقلل إلياس من مخاوف الانفصال، بقوله: «الزعم بأن هذه الحكومة ستكون بذرة للانفصال، مجرد تهويل وشكل من أشكال الدعاية الحربية. من وجهة نظري، من الأفضل تسميتها بالحكومة الإسعافية». ودعا إلياس «تقدم» إلى أن تكون جزءاً من مثل هذه الحكومة إذا كانت تتحدث عن الوضع الإنساني ودخول المساعدات العاجلة، «فهذا يستدعي وجود سلطة مدنية يمكن محاسبتها على التفريط».
كمبالا: الشرق الأوسط: أحمد يونس