نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن الوضع في غزة بعد انتهاء الحرب والسيناريوهات المحتملة للمرحلة اللاحقة. 

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هناك تساؤلات عديدة مطروحة على الطاولة حول من سيحكم قطاع غزة الذي تحوّل إلى ساحة خراب عندما يتوقف القتال؟ قد يبدو السؤال سابقا لأوانه، بل وغير مناسب، حيث وعد الاحتلال باستئناف هجومها بمجرد انتهاء الهدنة السارية لمدة أسبوع.

وسواء شهدنا وقفا رسميا لإطلاق النار أو انخفاضا تدريجيا في كثافة العمليات العسكرية، فإن التحديات سوف تكون هائلة. 

بعد 50 يوما من القصف، أشارت تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أنه وقع تدمير نحو 234  ألف منزل، أو ما يعادل 60 بالمئة من المخزون السكني، وأن 80 بالمئة من السكان قد شُردوا. وإذا افترضنا أن حماس لم تعد في وضع يسمح لها بإدارة الجيب، وفي غياب الجهود المنسقة لإعادة ترسيخ الحد الأدنى من الحكم هناك، فإن كل شيء يشير إلى أن "اليوم التالي" سوف يتسم بأزمة إنسانية وأمنية غير مسبوقة.




وذكرت الصحيفة أن السلطات الإسرائيلية، التي "انسحبت" من القطاع الساحلي سنة 2005، لكنها لم تتخل قط عن "تصفية" كل ما يدخل إلى هناك ويخرج منها، تمتنع في هذه اللحظة عن الكشف عن نواياها. في الأثناء، يدعو اليمين الديني إلى طرد كل أو جزء من السكان الفلسطينيين البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى مصر من أجل إعادة احتلال غزة وإعادة إنشاء المستعمرات اليهودية هناك. لكن الحكومة لم تتبن حتى الآن هذه "الأحلام". 

وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتمسّك بالحذر، مكتفيًا بالإشارة إلى أن بلاده ستضطر ربما إلى ممارسة "مسؤولية أمنية شاملة" في غزة لفترة "غير محددة". في مثل هذا السياق، لا يُعرف ما هي طبيعة الوجود العسكري الإسرائيلي. ومن جانبه، يتحدث وزير الحرب يوآف غالانت عن "منطقة عازلة" محظورة على الفلسطينيين، يمكن أن تمتد إلى عدة مئات من الأمتار ومن المحتمل أن تشمل مناطق حضرية. ومن جانب آخر، وعد مسؤولون آخرون بقطع جميع العلاقات مع القطاع، الذي تزوّده إسرائيل جزئيا بالمياه والكهرباء، والذي كان يُسمح لبعض سكانه بالعمل في دولة الاحتلال قبل الحرب.



"الآن أو أبدا"

في مواجهة هذا الغموض المستمر، أعلن وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، الذي يعارض أي تهجير إضافي للسكان ولا يرغب في الحديث عن إعادة احتلال القطاع أو تقليص المساحة المخصصة لسكان غزة، أن "الأفضل من الناحية المنطقية أن تتولى سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة الحكم، وأيضًا الأمن في قطاع غزة في نهاية المطاف". وإدراكًا منه أن بنيامين نتنياهو لا يريد التحدث في هذا الشأن، فقد حدد أيضًا أن "الترتيبات المؤقتة يمكن أن تشمل دولا معينة في المنطقة"، فضلا عن "الوكالات الدولية". ويؤكد مصدر إسرائيلي مطلع أن "ضعف السلطة الفلسطينية وفسادها يثير شكوكا جدية حول مدى قدرتها على تولي السلطة دون انتقال في قطاع غزة".

في رام الله، يبدو القادة الفلسطينيون أنفسهم مترددين. فقد صرّح رئيس الوزراء محمد أشتية، لصحيفة الغارديان، أنه لن يوافق على "إدارة شؤون غزة" دون حلّ سياسي يتضمن الإنشاء الفوري لدولة فلسطينية داخل حدود 4 حزيران/ يونيو 1967". وأضاف دبلوماسي أوروبي أنهم "لا يريدون إعطاء الشعور بالعودة إلى غزة على متن الدبابات الإسرائيلية"، لكنه مع ذلك يشجّع محاوريه على "تحمل مسؤولياتهم". وأضاف "بعد لحظة من الدهشة، يدرك بعض الناس أن الأمر إما أن يحدث الآن أو لن يحدث أبدا. لكنهم يعتقدون أن هذا لن يكون له معنى إلا إذا تمكنوا من إنهاء الاحتلال مرة واحدة وإلى الأبد".


وأشارت الصحيفة إلى أن هذا المنظور، الذي عارضه بنيامين نتنياهو منذ ما يقارب ثلاثين سنة، يبدو غير واقعي في السياق الحالي. ومن المؤكّد أن جو بايدن، مثل إيمانويل ماكرون، قدر بعد فترة وجيزة من مجازر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أن ما يسمى بحل "الدولتين" يظل النتيجة المحتملة الوحيدة للصراع.

نقلت الصحيفة عن هيو لوفات، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية: "ستتطلب إعادة عملية السلام إلى مسارها الصحيح عملا دبلوماسيا نشطا، ولست متأكدا من أن الولايات المتحدة مستعدة للمشاركة في هذا الأمر، مجازِفةً بالتصادم مع الحكومة الإسرائيلية.

دون انتظار مثل هذا التحول، يرى المحلل أن "أولوية الأوروبيين يجب أن تتمثل في تعزيز السلطة الفلسطينية من خلال السماح لها بتحقيق انتصارات رمزية وملموسة". فهي تقترح، على سبيل المثال، أن تنظر الدول الأعضاء في الاعتراف المنسق بدولة فلسطين، أو حتى فرض عقوبات على الجهات المستوطنة".

وذكرت الصحيفة أنه بالتوازي مع هذا التفكير الأساسي، تعمل العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على سيناريوهات تتضمن الحكم المؤقت لقطاع غزة. وفي مذكّرة تتكون من صفحتين كشف عنها موقع "بوليتيكو"، ذكرت ألمانيا عدة سبل، بما في ذلك "تدويل غزة تحت مسؤولية الأمم المتحدة" أو الدول العربية، بهدف "انتقال منظم بعناية" نحو إدارة فلسطينية. وفي ظل غياب التنسيق الأوروبي، لا يبدو أن هذا السباق الإبداعي لمستقبل غزة سيُترجم عمليًا في الوقت القريب.


لا أحد ينكر تواجد الأمم المتحدة في غزة منذ أكثر من نصف قرن من خلال وكالتها للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التي تقدم خدمات عديدة هناك، حيث قُتل نحو مائة موظف منذ بداية الصراع. ويحذر ناثان ج. براون، الخبير في مؤسسة كارنيجي من أنه "من غير المرجح أن ترغب المؤسسات متعددة الأطراف في توسيع برامجها، خاصة إذا واجهت عداء من قبل السكان".

‌شركاء فعليين

بالنسبة للدول العربية، لا يبدو أنها تتعجل في إدارة أزمة غزة أو إرسال قوات حفظ السلام إلى هناك ـ مع المجازفة بالظهور "كشركاء فعليين" لدولة تصر على رفض إنشاء دولة فلسطينية. ومن جهته، صرّح جوست هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية لمجلة "فورين أفيرز"، "لقد أشارت حكوماتهم إلى أن شهيّتهم ضئيلة للقيام بهذه المهمة".

وفي ظل غياب حل توافقي، يخشى بعض الخبراء من أن يغرق القطاع في شكل من الفوضى عندما تصمت المدافع. وعلى افتراض أن الجيش الإسرائيلي نجح في تحييد جهاز حماس العسكري، من غير الواضح كيف يخطط لتفكيك مبنى حكومي يتألف من آلاف الموظفين الحكوميين والمعلمين والقضاة وأفراد الشرطة الخاضعين لسيطرة وثيقة من الإسلاميين.

وأشار ناثان براون في مذكرة لمؤسسة كارنيجي إلى أن "التساؤل كيف سيكون حكم غزة بعد انتهاء الحرب ربما لا يكون صحيحًا"، وبدلا من ذلك ينبغي التساؤل "ماذا يعني النصر؟ وكيف سنعرف متى تنتهي الحرب؟


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة غزة الاحتلال حماس بايدن ماكرون حماس غزة الاحتلال بايدن ماكرون صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى أن

إقرأ أيضاً:

الانتخابات الأمريكية وورقة الحرب في المنطقة

هو موسم إعادة إطلاق مقولتي الشهيرة "اليوم الأمريكيون يختارون بين فيل يجثم على صدر العالم أو حمار يسير شؤونه".

لم تحظ الانتخابات الأمريكية، كما كل استحقاق، بهذا الزخم الذي تحظى به في العالم عامة، وفي عالمنا العربي خاصة، فأزيز طائرات نتنياهو أصمت آذان العالم عن صرخات الضحايا في غزة وبيروت، ودخان بارود مدافعه أعمت مؤسساته الدولية من أن ترى أشلاء الأطفال والنساء، أما الشعوب العربية فمشغولة بتصنيف موقف إيران من المقاومة، ودورها بين الجدل والإنصاف.

ولأن الأمريكيين هم ملوك التسويق والدعاية، حيث يستطيع الأمريكي، كما فعل ولا يزال، أن يبيعك الوهم، بل ويجعلك تتحمس له، وتنصح غيرك بشراء الوهم من العم سام، إذا ما قورن بالوهم المبيع في الأسواق الصينية، وفي توقيت كتوقيت الانتخابات الرئاسية، تبارى كل من مرشح "الفيل" دونالد ترامب ومرشحة "الحمار" كامالا هاريس في كسب ود أصوات الأمريكيين العرب، بالوعد بأنهما قادران على وقف الحرب في غزة وبيروت.

تفاعلت الحملات الانتخابية الأخيرة لكل من دونالد ترامب وكامالا هاريس بشكل ملحوظ مع الجالية العربية الأمريكية، وقد سعى كلا المرشحين إلى استقطاب الأمريكيين العرب، فقد سعت حملة ترامب إلى استمالة الناخبين العرب الأمريكيين، لا سيما في ميتشيغان التي تضم عددا كبيرا من العرب. وقد صاغ رسالته حول وعده بالسلام، مدعيا أنه سينهي الحروب في الشرق الأوسط، وملقيا المأساة التي تعيشها المنطقة على سوء إدارة بايدن للأزمة.

وفي الجهة الأخرى من الطاولة، بذلت كامالا هاريس جهودا لإعادة التواصل مع الناخبين الأمريكيين العرب، فخلال حملتها الانتخابية، أعربت عن قلقها العميق إزاء الأزمة الإنسانية في غزة، والتي بدأت بالتنامي في لبنان، ثم تعهدت بالعمل على تحقيق السلام والأمن لكل من "الإسرائيليين" والفلسطينيين، وإن كانت وعودها تأتي وسط شكوك العرب الذين يشعرون بخيانة الحزب الديمقراطي، الداعم الرئيسي للاحتلال سواء على المستوى السياسي أو الاستخباراتي أو حتى العسكري المباشر.

حالة خيبة الأمل هذه التي يشعر بها الأمريكيون العرب تجاه كامالا وحزبها، وهو ما أدركه ترامب، كانت حافزا للأخير لمزيد من الجرعات المخدرة للناخبين العرب، مراهنا على ذاكرة السمكة التي تتحلى بها الشعوب، لعلهم ينسون أن محدثهم، ترامب، هو من نقل سفارة بلاده إلى القدس، وهو مهندس التطبيع العربي، وصاحب فكرة الـــ"ناتو" الشرق أوسطي الذي سيقوده الاحتلال الإسرائيلي، فموقف ترامب لا يبتعد كثيرا عن موقف كامالا وحزبها منذ بداية الحرب على غزة في أشهرها الثلاثة عشر.

لعلك الآن تحتسي القهوة، وأنت تتابع تحليلات المختصين في الشأن الأمريكي، ويهمك معرفة موقف الأمريكيين العرب من هذه الانتخابات، وأهم ما يهمك في ذلك، موقفهم من حرب الإبادة الجماعية التي تديرها تل أبيب برعاية أمريكية أوروبية، وكيف سيترجم في صناديق الانتخابات بعد ساعات. ولعل استطلاعات الرأي تؤكد حالة الاستياء الشديدة من هاريس وبايدن، حيث يرى العرب أنهما وإدارتهما متواطئون في مسلسل الإبادة الجماعية المستمرة حلقاته على مدى 396 يوما.

هذا الشعور تجاه المرشحين يحمل الناخبين العرب، بحسب سبر الآراء، إلى معاقبة هاريس، على الرغم من أن أغلب العرب في العادة يصوتون للديمقراطيين، لما يحمله برنامجهم دوما بكثير من الانفتاح تجاه المهاجرين واستيعابهم وتوفيق أوضاعهم القانونية، لكن الوضع هذه المرة يختلف مع التواطؤ غير المسبوق للحزب الديمقراطي مع الجرائم اليومية ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني.

ولأن الانقسام هو سيد الموقف العربي، حتى على مستوى الشعوب، فإن سياسة كل من الجمهوريين والديمقراطيين بتجاه إيران والمليشيات الموالية لها، سيكون لها دور في قرار الأمريكيين العرب، وهم يضعون ورقة التصويت في صندوق الانتخاب، وذلك لأن الظروف في المنطقة متباينة، بين من يرى أن الخلاص من الإيرانيين ومليشياتهم سيكون مكسبا استراتيجيا لكبح جماح التمدد الفارسي في المنطقة، وانتقاما لدماء الشهداء، فيما يرى المستفيدون من إيران ومليشياتها، أن المرشح صاحب الموقف الأقل تشددا مع إيران سيكون هو الأفضل، وعليه فإنهم يرون أن اختيارهم للحمار هو الحل.

وبين هذا وذاك يجب الانتباه لما هو أهم من حرب عابرة مرت قبلها عشرات، وستأتي بعدها، حتى ولو وعد المرشح الديمقراطي أو تعهد الجمهوري، الأهم في الحالة الأمريكية هي قوة الجالية العربية، التي تمثّل كتلة تصويتية حاسمة في ولايات مهمة مثل ميتشيغان، ومن ثم يمكن لموقف موحد أن يصنع الفارق، ما يعني أنه ببعض التنظيم وصناعة قيادة موحدة للجالية العربية، يكون ولاؤها للثوابت الشعبية، من دون تفرقة بين القضايا وزخمها الإعلامي، أن تؤثر إلى حد بعيد على نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة. ولعلي ضربت مثالا بولاية ميتشيغان لوجود ما يقرب من 200 ألف أمريكي عربي فيها وحدها، وبالتالي يدرك كلا المرشحين أن معالجة مخاوفهم أمر حيوي لتأمين الأصوات.

وهنا أنا لا أريد للجالية العربية أن تحل مشاكلنا، فلها مشاكلها، أعانها الله، ولكن أريدها أن تكون ورقة ضغط، وقيمة مضافة لنصرة الشعوب المقهورة، التي تعاني تحت وطأة حكامها، فتصبح قوة محورية في تشكيل الديناميات الانتخابية، بل والمساهمة في تشكيل سياسة الرئيس الأمريكي القادم وحزبه تجاه العرب وقضاياهم الداخلية والاستراتيجية، ليروا حقيقة المصالح، عوضا عن النظرة للمنطقة من فتحة باب الاحتلال والداعمين له في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • ماذا تعرف عن ترامب.. الذي يريد أن يكون ثاني اثنين يعودان إلى البيت الأبيض بعد طول انقطاع
  • بين هاريس وترامب.. من الرئيس الذي يتمناه نتنياهو؟
  • الانتخابات الأمريكية وورقة الحرب في المنطقة
  • عرب الخط الأخضر بلا ملاجئ وغاضبون من اللامبالاة
  • حيرة العرب بين «الفيل» و«الحمار»
  • شاهد ماذا فعل طارق صالح مع سائق ”الدينة” الذي اصطدم بسيارته وتسبب بإصابته ”فيديو”
  • سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (1)
  • تفجير خطوط البترول تضامنا مع مصر.. ماذا فعل العرب وقت العدوان الثلاثي؟
  • هناك بطل واحد فقط.. ماذا قال محمد صلاح بعد ليلته التاريخية مع ليفربول؟
  • سيرجيو ليون: الرائد الإيطالي الذي أحدث ثورة في سينما الغرب الأمريكي