شيخ الأزهر لـ العالم: ضعوا حدًا لقتل الأطفال والرضع والخدج.. آن الأوان لوقف الحروب البشعة المجرمة.. لو استمر العدوان على غزة فلن يتبقى لنا بيئة نحافظ عليها
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
رسائل شيخ الأزهر لـ العالم:
"جناح الأديان" و "نداء الضمير" مبادرات رائدة لـ "مجلس حكماء المسلمين" في مواجهة المخاطر البيئية
وجه صرخة لوقف العدوان على غزة ووضع حد لقتل الأطفال والرضع والخدج
لو استمر العدوان على غزة فلن يتبقى لنا بيئة نحافظ عليها أو مناخ نظيف للأجيال القادمة
مذهول من آلة القتل الجهنمية التي يعملها قساة القلوب في النساء والأطفال والرضع والخدج
آن الأوان لوقف الحروب البشعة المجرمة
أعرب فضيلة الإمام الأكبر أ.
وأضاف فضيلته خلال كلمته التي ألقاها من خلال تقنية الفيديو في حفل توقيع "نداء الضمير: بيان أبو ظبي المشترك للأديان من أجل المناخ"، وافتتاح جناح الأديان بمؤتمر الدول الأطراف COP28، بأن المبادرةَ الاستثنائية التي تقدَّم بها مجلس حكماء المسلمين لدعوة رموز الأديان المختلفة لتوقيع «وثيقة نداء الضمير (بيان أبو ظبي المشترك بين الأديان من أجل المناخ)»، وكذلك لإنشاء جناح الأديانِ -ولأوَّل مرة-، داخل مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين للتعاون مع الأمم المتحدة ودولة الإمارات، هي فرصةٌ ثمينةٌ لتعزيز الجهود من أجل حماية بيئتنا المشتركة، وإنقاذِها من دمارٍ يُشبه أن يكون دمارًا مُحقَّقًا، بعد ما لاحت نُذره وتوالت عامًا بعد عام، مُتمثِّلة في كوارثَ طبيعيةٍ، وفيضانات جارفة، وحرائقَ في الغابات، وجفافٍ شديد، وانقراضِ كثيرٍ من الأنواع الحيَّة، وانتشار الأوبئة والآفات والأمراض.
وبينّ شيخ الأزهر أن موقف الإسلام محدَّد من قضية البيئة وعناصرها: بدءًا من الأرض، ومرورًا بكل ما يدبُّ على وجهها من كائناتٍ حيَّة، وانتهاءً بما يَسْبح في مياهها ويطير في أجوائها من أسماكٍ وطيور، وأن هذا الموقف يتمثَّل باختصار شديد في الأمر الإلهي الموجَّه لكل إنسان: مؤمن وغير مؤمن، بالإصلاح في الأرض وما عليها، والنهي الإلهي والتحذير من الإفساد فيها أو في أي عنصر من عناصرها.
وأكد فضيلة الإمام الأكبر أنَّ البيئة وعناصرها من أقوى الأدلَّة التي تُرشِد العقل لمعرفة الله تعالى والإيمان به، وأنَّ الكائناتِ بكلِّ أنواعها تشارك الإنسان المؤمن في عبوديته لله تعالى، ومن ثَمَّ كان الإنسان في منطق الإسلام مسؤولًا عن البيئة مسؤوليتَه عن نفسِه، وعن إخوته من بني آدم، وأنَّ الأرض وما عليها أمانة في رقبة الإنسان، وهو مسؤول بين يدي الله يوم القيامة عن إصلاحها وعن حمايتها من الفساد ومن الإفساد فيها، وقد حذَّر الله الإنسان، إنْ هو أفسدَ في الأرض، أنْ يُذيقَه من الأمراض والمصائب والكوارث بقَدْرِ ما يُفسِد فيها: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون».
وفي نهاية كلمته، وجه شيخ الأزهر نداءً وصرخةً من رَجُلٍ مُسلم بسيط، يتألَّمُ لآلام الشُّعُوب الضَّعيفة والفقيرة المغلوبةِ على أمرِها، مصرحا "إنَّها صرخة إنسان مذهول من هول آلة القتل الإرهابية الجهنميَّة التي يُعملها قُساة القلوب في صفوف المواطنين الآمنين من النِّساء والرجال والأطفال والرُّضع والخُدَّج، ومن مظاهر العنف والتخريب والدَّمار التي تشهدها أرض فلسطين السليبة.. وأقول للعالَم كله: إنَّه آن الأوان لوقف هذه الحروب البشعة المُجْرِمة، وأؤكِّد أنَّها لو اســـــتمرَّت هكذا -لا قدَّر الله- فلن يتبقسَّى لنا بيئةٌ نحافظ عليها، أو مناخٌ نبقيه نظيفًا لأبنائنا وأجيالنا في مُستقبلٍ قريبٍ أو بعيد.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شيخ الأزهر مجلس حكماء المسلمين أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الأوان لوقف شیخ الأزهر ة التی من أجل التی ت
إقرأ أيضاً:
تعدد قضايا الأمة ووحدة الهدف: غزة تستنهض الضمير الإسلامي
يحل شهر رمضان المبارك هذا العام في أجواء قاتمة في مناطق عديدة من العالم الإسلامي. فبينما تعيش شعوب عديدة في أجواء الحرب والتوتر، تعاني أخرى من الاضطهاد، والقمع والاستبداد والاحتلال. وتبرز السودان كواحدة من البلدان التي أحدثت الحرب الأهلية فيها إنهاكا إنسانيا واسعا خصوصا انتشار المجاعة وتصاعد أعداد ضحايا الاقتتال بين الفئات المتصارعة. وفي الأسبوع الماضي قال السيد آدم رجال، الناطق الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين إن جرائم بشعة ارتُكبت بحق سكان الكنابي ونازحي دارفور، مطالبا بالعدالة الدولية ومحاسبة المسؤولين.
واعتبر آدم المجازر التي وقعت في ولاية الجزيرة، خاصة بحق سكان الكنابي «انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان» قائلا إن هذه العمليات الانتقامية، التي استهدفت الأطفال وكبار السن بسبب ألوانهم وأعراقهم، ارتُكبت على يد الجيش السوداني وحلفائه من مليشيات «كتائب البراء» و«درع السودان». ويقدّر عدد ضحايا الحرب التي اندلعت في شهر أبريل /نيسان من عام 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، بحوالي عشرة آلاف إنسان، وأدت إلى نزوح أكثر من 5 ملايين شخص من مناطقهم.
أما غزّة، التي أصبحت الجرح النازف في جسد هذه الأمة، فقد استقبل أهلها حلول الشهر الفضيل بمشاعر متباينة. فهناك ابتهاج شعبي واسع بأجواء شهر رمضان المبارك، ولكن يتزامن معه شعور بالغضب لتدمير مساجدها، حتى أصبح أهلها يعيشون بين الركام الذي لم يشهد العالم له مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية.
فقد ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي أبشع أساليب القصف والتدمير في غزة، مستهدفا المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المساجد والكنائس العريقة التي كانت ولا تزال توثّق جزءا من ذاكرة الشعب الفلسطيني وتاريخه. وتجاوز ذلك إلى ارتكاب جرائم قتل بحق علماء الدين وأئمة المساجد. وأكّد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أن 92 في المئة من الوحدات السكنية في غزة مدمرة أو متضررة. ويشير مكتب «أوتشا» في تقرير حديث إلى أن 436 ألف وحدة سكنية تأثرت بالحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزّة، حيث تم تدمير 160 ألف وحدة وتضرر 276 ألف وحدة بشكل خطير أو جزئي. وبالإضافة إلى ذلك، هناك أكثر من 1.8 مليون شخص في حاجة ماسة إلى مأوى طاريء ومستلزمات منزلية أساسية.
بينما يقول المتحدث باسم وزارة الأوقاف في قطاع غزة إكرامي المدلل إن «صواريخ الاحتلال وقنابله سوّت 738 مسجدا بالأرض، ودمرتها تدميرا كاملا من أصل نحو 1244 مسجدا، بما نسبته 79 في المئة». وتضرر 189 مسجدا بأضرار جزئية. ووصل إجرام الاحتلال إلى قصف عدد من المساجد والمصليات على رؤوس المصلين الآمنين، كما دمرت آلة العدوان الإسرائيلية 3 كنائس تدميرا كليا جميعها موجودة في مدينة غزة. ولم يبق أمام الصائمين سوى التنقل بين الخيام في هذا البرد القارس بعد أن دمرت قوات الاحتلال 60 في المئة من المباني منذ بداية العدوان. وهذا يؤكد أن القوات الإسرائيلية لم تلتزم بحدود أو أخلاق وهي تمارس عدوانها المتواصل منذ سبعة عشر شهرا بدون توقف.
وبين تلك الأكوام استرخصت قوات الاحتلال روح الإنسان، فقتلت حتى الان أكثر من 46 ألفا من سكان غزة. وهناك الان أكثر من 40 ألفا من الفلسطينيين يعيشون بدون مأوى بعد أن أجبرتهم قوات الاحتلال على ترك ديارهم في جنين وطولكرم في شمال الضفة. وتلاشت حقوق الإنسان بدون حدود.
وأكد الخبراء الحقوقيون الدوليون والسياسون الجرائم الإسرائيلية بوضوح. وقالت فرانكي برونوين ليفي مندوبة جنوب أفريقيا: «قائمة الأهوال التي لا توصف والتي ارتُكبت ضد الفلسطينيين غير مسبوقة». وأيّد الاتحاد الأوروبي دعوة التقرير إلى إجراء تحقيق مستقل، وأدان التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولم يوفّر حماس من الإدانة. وفي الأسبوع الماضي اتهم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك «إسرائيل» بإبداء تجاهل غير مسبوق لحقوق الإنسان في عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين.
وأثناء تقديمه تقريرا جديدا عن وضع حقوق الإنسان في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف، قال تورك “لا شيء يبرر الطريقة المروّعة التي أجرت بها إسرائيل عملياتها العسكرية في غزة والتي انتهكت القانون الدولي بصورة مستمرة”.
المؤسسات الدولية أصبحت مترددة في أداء دورها المطلوب. وتبدو محكمة الجنايات الدولية الجهة الدولية الأقوى القادرة على اتخاذ إجراءات رادعة بحق من يرتكب جرائم ضد الإنسانية، برغم استهدافها من قبل «إسرائيل»
في هذه الأثناء لا يبدو العالم في عجلة من أمره للسعي لوقف جرائم الاحتلال بشكل فاعل. بل إن المؤسسات الدولية أصبحت مترددة في أداء دورها المطلوب. وتبدو محكمة الجنايات الدولية الجهة الدولية الأقوى القادرة على اتخاذ إجراءات رادعة بحق من يرتكب جرائم ضد الإنسانية، برغم استهدافها من قبل «إسرائيل» وأمريكا معا. وفي الأسبوع الماضي قالت المحكمة الجنائية الدولية: سنواصل تحقيقا يتعلق بحرب غزة على وجه السرعة. لكن هذه السرعة لا تواكب سرعة حدوث الجرائم التي لم تتوقف، كما لا تبدو تلك التصريحات رادعة بما يكفي لمن انسلخ عن إنسانيته باستهداف أرواح البشر وارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية.
الواضح أن التحدّي الذي يواجه العالم اليوم لا يقتصر على التحرّك العاجل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين وأهلها، بل يتمثل كذلك في ضرورة منع سقوط النظام السياسي الدولي الذي توافقت الدول عليه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
هذا النظام يقوم على آليات لضمان منع إبادة الشعوب والحدّ من العدوان، وحماية تراث المجموعات الإنسانية خصوصا الواقعة تحت الاحتلال. وقد أصبح هذا الهدف صعب المنال بعد أن أصبحت الدول الكبرى نفسها تسعى لمنع الأجهزة الدولية من أداء واجبها، سواء حماية المدنيين المحاصرين بالاحتلال، أم حماية تراثها، أم منع تعرضها لما يمكن اعتباره «إبادة». وهذا يتطلب أيضا حماية المؤسسات الدولية التي أُنشئت لمقاضاة من يخالف القانون الدولي باستهداف المدنيين أو تدمير التراث أو الانتقاص من سيادة الشعوب وحقوقها الثقافية والسياسية.
فاستهداف المدنيين بالقتل والإبادة لا يحدث من فراغ، بل يصدر القرار المرتبط به عن «جهات عليا» تكون عادة متربّعة على قمة الهرم، كرؤساء الدول والحكومات. وما يحدث من استهداف للإنسانية في المناطق الفلسطينية المحتلة إنما هو نتيجة قرارات اتخذتها حكومة الاحتلال وعلى رأسها رئيس وزرائه. وبرغم ما يبدو من صعوبة التعرّض القانوني لمسؤول كبير إلا أنه ضرورة لحماية أرواح الآخرين الذين يدفعون فواتير قراراته بأرواحهم. فلا شك أن امتلاك القوّة العسكرية والسلاح الفاعل يثير في نفوس بعض المنسلخين من الانسانية الرغبة في القتل والانتقام. وبعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن أصبح تطويع أهل فلسطين للاحتلال مستحيلا، الأمر الذي أصبح سببا لحنق زعماء الاحتلال الذين تأسس مشروعهم الاستيطاني على محو الهويّة الفلسطينية. لذلك اندفع بعضهم لارتكاب جرائم حرب واضحة. وأصبح العالم بين خيارين: الصمت على ما يجري في غزة والمخيّمات الفلسطينية أو التصدي لذلك بمقاضاة الزعماء المسؤولين عن إصدار قرارات الاعتداء والتدمير.
إن مصلحة العالم تقتضي تفعيل الآليات الدولية التي يُفترض أن تمثل الإرادة المجتمعة لدول العالم المنضوية تحت راية الأمم المتحدة. هذا التفعيل يؤكد حيوية العمل الدولي المشترك ويمثل رادعا لمن تسوّل له نفسه اختراق القانون الدولي. هذا القانون يعتبر عمود الخيمة في المشروع السياسي الذي يمثل أدنى مستويات التوافق الدولي الهادف لمنع العدوان وانتهاك حقوق البشر. وما لم تظهر الدول الكبرى بشكل خاص حماسا للمؤسسات الرقابية والقضائية الدولية، فستبقى مقولات العمل الدولي المشترك شعارات بلا مضمون. إذا لم تُستخدم هذه القوانين للتصدي لمن ينتهكها فسوف يتحول العالم إلى حالة من الفوضى والعبث، ويصبح محكوما بعقلية التنمّر.
تقرير مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك دعا إلى التحقيق في جميع الانتهاكات على نحو مستقل. ولكن ليس متوقعا أن تتعاون «إسرائيل» من خلال منظومتها القضائية مع الدعوة للمساءلة الكاملة، ومراعاة المعايير الدولية. ولم تستجب قوات الاحتلال لطلب مكتب المفوّض بالسماح له بزيارة الأراضي المحتلة والتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها جميع الأطراف.
فحكومة الاحتلال لا تجهل ما هو مسموح أو ممنوع من أساليب التعامل مع فلسطين وأهلها، وأن مسؤوليها وقواتها الأمنية والعسكرية ارتكبت ما يعتبر «جرائم ضد الإنسانية» في غزّة. فهل هناك قانون أو شرعة دولية تسمح بتدمير الأبراج السكنية على رؤوس ساكنيها؟ هل يقبل ذو عقل أو ضمير أو إنسانية تسوية مباني غزّة بالأرض بدون رأفة أو رحمة؟ ولولا التواطؤ الغربي مع الاحتلال وزعمائه لما تفاقمت معاناة أهل الأرض تحت وطأته، ولما تواصلت مِحن أهل فلسطين على مدىً تجاوز ثلاثة أرباع القرن.
إن شهر الصوم فرصة للعبادة بكافة أشكالها من انصياع مطلق للإرادة الإلهية والاستجابة لأوامره، والإنفاق على الفقراء والمعوزين وتمتين أواصر الأخوّة بين المؤمنين، والاهتمام بأوضاع الأمّة من منطلق وجوب الاهتمام بشؤون المسلمين. فلتكن قضايا الأمة حاضرة في أذهان الصائمين، وليكن مفهوم «الولاء والبراء» واضحا لديهم لكي لا تختلط الأوراق والمفاهيم والقيم. فالصوم مشروع يحقق الوحدة في الدّين والإنسانية من خلال قيم التضامن مع المحرومين واحتضان المظلومين وكسر شوكة الشيطان ورفع راية التوحيد والعبادة والأخلاق، كما قال رسول الله في خطبته حول استقبال شهر الصوم.