بوابة الفجر:
2024-12-22@22:28:29 GMT

"الإمبريالية القديمة والإمبراطورية الجديدة"

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

يبقى العالم متشكلًا من إثنيات وقوميات وطوائف ولغات وألوان بشرية مختلفة ومتعددة منها المتوافق مع بعضه ومنها الغير متوافق، ومن مصلحة النظام العالمى أن يبقى على هذه الهيئة حفاظًا على النظام العالمى الذى تم ضعه وترسيخه لصالح فئات معينة.
ويتحكم فى هذا النظام ويديره ويقود مساره هو الفكر الرأسمالى وأدواته التى تختلف على حسب طبيعة الحاجة التى يجب تحقيقها، والفكر الرأسمالى تديره وتقود مساره الإمبراطورية الجديدة والمقصود بها الولايات المتحدة الأمريكية ويعود هذا الاسم إلى إحلالها محل الإمبراطورية القديمة وهى المملكة المتحدة.


والنظام الرأسمالى يقوم على تراكم رأس المال فى يد قوة معينة مهيمنة بالإضافة إلى آلية السوق الحرة واليد الخفية التى لها دور كبير من وجهة نظر رواد الرأسمالية فى إحداث التوازن والثبات  فى حالة وجود أى نوع من الإختلال  الذى يمكن أن يعبئ  بالمجال الاقتصادى ومن ثم السياسى والاجتماعى. 
كما يجب أن نشير أن أهم أداة من أدواة تحقيق واستمرار الرأسمالية هى البحث عن أسواق جديدة لكل من البضائع والمنتجات الإستهلاكية؛ حيث تخلق الرأسمالية بانتظام  أسواق جديدة لكل البضائع الاستهلاكية وبضائع رأس المال داخل مايطلق عليه زعمًا ب "العالم النامى" عن طريق الإحتلال المناطقى أو كما يطلقون عليه بالاستعمار. 
  ويجب أن نشير إنه من أهم النظريات التى تفسر ثبات وتطور النظام الراسمالى وتأقلمه مع المجريات والأحداث التى تطرأ على العالم هى "نظرية الاستغلال" بدءًا من الاحتلال المناطقى أو الاستعمار من قبل القوى الكبرى حيث أن الاحتلال المناطقى هو سمة رئيسية وضروية للرأسمالية العالمية ومن السهل أن نرى ذلك منذ عام 1875م تقريبًا وفيما بعده، حيث انخرطت القوى الكبرى المهيمنة فى ذلك الوقت فى تدافع تقسيمى لباقى بقاع العالم من أجل الإستحواذ على المناطق الاستعمارية وهذا مايسمى بالإمبريالية القديمة.
حيث تعرف الإمبريالية  "على إنها سياسة دولة، وهي دعوة لبسطِ السلطةِ والهيمنة، تحديدًا عن طريقِ الإستحواذِ المباشرِ على الأراضي، أو بفرضِ السيطرةِ السياسيةِ والاقتصاديةِ على مناطق أخرى.  ولأنها تنطوي دائمًا على استخدامِ القوة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو شكلًا ما أكثر دهاءًا، فقد اعتُبرت الإمبريالية في كثير من الأحيان مُدانة من الناحية الأخلاقية.
كما يمكن أن نشير إلى أن التوسع المناطقى كان أحد وأهم أسباب نشوب الحربين العالميتين وخلال أربعين عامًا تلت، ألحقت بريطانيا قرابة ستة ملايين ونصف كيلومتر مربع من الأراضي لإمبراطورتيها، وأما فرنسا فقد احتلّت قرابة خمسة ملايين ونصف، وكانت حصّة كلٍ مِنْ ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا نحو مليون ونصف كيلومتر مربع لكلٍ منهم، فالقوّة داخل النظام العالمي في هذا الوقت اعتمدت بشدّة على التحكم بالمناطق والأراضي والموارد والأسواق والقوّى العاملة التي إحتوتها، نتيجةٍ لذلك أصبحت الحرب ضدّ الدول الرأسمالية الأخرى استراتيجيةً معتبرة من أجل تكديس جبروتٍ أعظم داخل النظام العالمي وهي استراتيجية بدت جّذابةً بالخصوص لألمانيا واليابان، إذ كانتا قوّتين صاعدتين لم تتمكنان من إنشاءِ إمبراطورياتٍ استعمارية كبيرة. 
ثم تبِعت الحرب العالمية الأولى حربٌ عالمية ثانية بعد 20 عامًا   كدليل على ماسبق،  ولكن سار التاريخ بِطُرقٍ غير متوقّعة، حيث حصلت النقلة الحاسمة بعد الحرب العالمية الثانية، فلم يتمّ فقط محو الاستعمار من كلِّ العالم المُستعمَر تقريبًًا خلال الثلاثين عامًا التي تلت؛ إذ خالف ذلك التوقعات؛ حيث أن الهيمنة على العالم أصبحت مرتكزةً بتزايد على قوّة السوق، لا الإخضاع المناطقي.
حيث كان  جوهر ذلك فى نشأةُ الشركات متعددة الجنسيات؛ شركات مرتكزة في بلد واحد ولكنها تنشط عالميًا والتي مكّنت الرأسماليين في الدول الغنية من استخدام العمالة الرخيصة والمواد الخام في العالم الثالث كجزءٍ من عمليّة إنتاج مُدمجة؛ حيث أتاح ذلك للشركات الغربيّة استغلالَ شعوب "الجنوب العالمي" دون تكبّد تكاليف والمخاطرة المرتبطة باستعمار مناطقهم، الأمر ذاته ينطبق على التوسّع الحديث لعمليات الإدانة والإقراض العالميّتين، حيث يتم استنزاف الثروة من «الجنوب» للمؤسسات المالية في الشّمال، ويتّضح هنا أنّ هذه الأنواع من الاستيلاء على الفائض بالإمكان تنفيذها أيضًا بوسائل اقتصاديّة، وهو مايسمى الآن بسياسة "الإمبراطورية الجديدة".
و الإمبراطورية الجديدة هى التي تقرر الأجندة البشرية حيث ترفع راية الأممية بعد أن كان ذلك هو شعار القطب الآخر الشيوعي، وهي تتخلى في الوقت ذاته عن مطلب الإمبريالية القديمة في الحداثةحيث تتطلب  تحديث الشعوب الأخرى المحلية لتأهيلها للإندماج في إطار واحد وإلى التخلي عن معالم الاختلاف فيما بينها، فالإمبراطورية الجديدة تغذي الاختلاف وتديره وتستفيد من إمكانياته؛ بينما الإمبريالية القديمة كانت تدعو إلى محو الاختلاف.
وهذا هو معنى الأممية الجديدة أممية تسحق الإنسان وترفع المال إلى ما يستحق العبادة، فهذا الكائن هو وحده له حرية الانتقال والإستيطان في أي مكان في العالم؛ حيث هو المواطن العولمي بامتياز، كما هو الذي إذا حلت بركاته وألطافه على إنسان ما أصابه السعد والهناء والوجاهة على غيره من بني البشر، وهو الكائن الذي تسخر في سبيله كل الجهود الإنسانية وكل قوى العمل التي يتم التعبير عنها بكمية المال كعملية أولى في سلسلة أعمال النهب واستلاب القيمة.
حيث تعلن الرأسمالية العالمية في زمن الإمبراطورية الجديدة، أنها هي الأممية الحقيقية أممية أميركية مميزة وأنها هي النظام الطبيعي، نظام السوق الذي تقول إنها تعدل نفسها بنفسها دون حاجة إلى تدخل خارجي  كما تعدل الطبيعة نفسها بنفسها وتقضي على عوامل الخلل التي تهدد توازنها.
فالإمبراطورية الجديدة كما يروجون لها هي النظام الذي ليس له ما بعد أي النظام النهائي الذي لا يمكن تجاوزه، وبه ينتهي التاريخ ويصل الإنسان الأخير إلى مبتغاه حيث إنها قدر كتب على الإنسانية أن تقبل به كما هو، إذ لا يمكن الخروج منه أو عليه؛ وفي زمن الإمبراطورية الجديدة يعاد تشكيل العالم لا عن طريق الحرية والتجاوز في سبيل احتمالات إنسانية جديدة، بل عن طريق إخضاع البشرية إخضاعًا كاملًا للتكنولوجيا التي تنتج هي وحدها شباك الفرص الجديدة  أما عن تركز الثروات وازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء في بلدان المركز وبين البلدان الغنية المتقدمة النمو والبلدان الفقيرة المفتقرة إلى النمو فإن كل ذلك هو من طبيعة الأمور وما على الدول الفقيرة إلا أن تعيد هيكلة أنظمتها كي تنسجم مع قانون السوق وقانون الطبيعة المقدس.
كما يجب التوضيح إنه عند الحديث عن القانون، سواء أكان الاعتبار للقانون اجتماعيًا أم سياسيًا أم دستوريًا أو اقتصاديًا، هو في واقع الأمر حديث عن السلطة التي  تمتلك القدرة على تطبيق القانون، إضافة إلى القدرة على تغييره وتعديله حسب ما يتناسب مع رؤاها، وما حاولت سلطة أو دولة إحلال حكم القانون في أي بلد في العالم إلا لكي يكون ذلك تعبيرًا عن إرادتها وتجسيدًا لها وهذه الإمبراطورية الجديدة تطبق ما يسمى قوانين السوق والتجارة عندما يحلو أو كما يحلو لها.
وفى النهاية يجب أن نشير على جزئية هامة وهى أن أى دولة تحاول أن تنتقل بوضعها من الوضع السيئ إلى الوضع الأفضل منه سوف تحاول الإمبراطورية الجديدة مواجهتها فى تحقيق نهضتها وتطورها لأنها سوف تخل بالنظام العالمى المرسوم والمخطط له، كما أن الدول المهيمنة سوف  تفقد سوق لمنتجاتها وخاصة إذا كان هذا السوق  استهلاكى بشكل كبير، ولعل مصر بلدنا الحبيبة من أهم الدول التى تواجه ذلك من خلال الأزمات الاقتصادية التى نواجهها، وذلك يتضخ فى  شروط صندوق النقد الدولى وغيره من المؤسسات الدولية التى تدعم قيم الرأسمالية الوحشية، كما وجب الاشارة أيضا إلى ضرورة فهمنا كيف يدار العالم فالعالم هو قرية صغيرة.  
حفظ الله مصر.. حفظ الله أصحاب العقول.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الولايات المتحدة النقد الدولي الإمبريالية صندوق النقد الدولي النظام العالمى عن طریق

إقرأ أيضاً:

السودان : تحذيرات من عمليات غير مشروعة في التخلص من العملة القديمة

بورتسودان متابعات تاق برس- حذرت لجنة إستبدال العملة في السودان برئاسة عضو مجلس السيادة مساعد قائد الجيش السوداني الفريق إبراهيم جابر المواطنين من المضاربة في عمليات الذهب والمحاصيل وأسواق السيارات وعدم التخلص من العملة القديمة من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه في عمليات وأنشطة تجارية غير مشروعة.

 

وقال وزير الثقافة والإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد الأعيسر “إن بعض ضعاف النفوس يسعون للتخلص من الأموال غير المشروعة في هذه الأنشطة مشدداً على أهمية التحري في مثل هذه الأموال.

 

وترأس عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام للقوات المسلحة الفريق إبراهيم جابر الاجتماع الحادي عشر للجنة العليا لاستبدال العملة .

 

 

وناقش الاجتماع التقارير المقدمة من بنك السودان المركزي وسير إجراءات الاستبدال وفتح الحسابات المصرفية وجهود عمليات ضبط العملات المزيفة من العملة القديمة من فئتي الألف والخمسمائة جنيه.

 

وأوضح وزير الثقافة والإعلام خالد الإعيسر أن الاجتماع تداول حول المعالجات الخاصة في المناطق غير المستهدفة لخدمة المواطنين.

 

ونوه الى أن الاجتماع حذر المواطنين من المضاربة في عمليات الذهب والمحاصيل وأسواق السيارات.

 

وأوصى الاجتماع حسب ما نقل مجلس السيادة  باتباع كل التدابير الفنية في كل الولايات المستهدفة لإكمال استبدال العملة بسلاسة.

وبدأ السودان عملية استبدال بعض فئات العملة في الثاني عشر من ديسمبر الجاري وتنتهي العملية وفق ما هو معلن لها في الثالث والعشرون من ذات الشهر للسيطرة على عمليات النهب التي طالت أموال الدولة في البنوك واموال المواطنين منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام الماضي 2023.

استبدال العملةشراء الذهب والسيارات والمحاصيلعمليات غير مشروعة

مقالات مشابهة

  • العملة القديمة بالخرطوم: سارية حتى اكتمال الترتيبات
  • شارك في حادثة المنشية ومول عمليات «الإرهابية».. من هو يوسف ندا مؤسس الإمبراطورية المالية للإخوان؟
  • الحروب وتغير المناخ خلال 2024| الأوزون تتضرر من حرب الإبادة في غزة.. الولايات المتحدة الأمريكية الملوث الأكبر على مدى التاريخ.. أمريكا الشمالية سبب الإشعاع الحرارى المؤخر على الكوكب
  • الحكومة الشرعية في اليمن تعلن عن أول تواصل واتصال مع الإدارة الجديدة في سوريا
  • ثورة الشباب العربى بين المسارين الأصلى والمصطنع ومحاولات إجهاضها بين الإسقاط العنيف والهبوط الناعم
  • أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
  • سوريا الجديدة: ثلاثة نماذج حكم منها شبيه اتفاق الطائف
  • دراسة تكشف سرًا عمره 5700 عام.. ما السبب وراء تقويم قرون الأغنام في مصر القديمة؟
  • خبراء: الظواهر المتطرفة كبدت العالم خسائر بالملايين.. التغيرات دمرت المحاصيل الزراعية وخفضت إنتاجيتها.. «علام»: مصر تكافح التغيرات بزراعة 4 ملايين فدان لتحقيق الأمن الغذائي
  • السودان : تحذيرات من عمليات غير مشروعة في التخلص من العملة القديمة